كانت زنوبيا (ولدت حوالي 240 ميلادية، تاريخ وفاتها غير معروف) ملكة الإمبراطورية التدمرية التي تحدت سلطة روما خلال الجزء الأخير من حقبة التاريخ الروماني المعروفة باسم أزمة القرن الثالث (235-284 ميلادية) (المعروفة أيضا باسم الأزمة الإمبراطورية)، والتي أبتلها الحرب الأهلية المستمرة التي سمحت للمناطق الانفصالية بتشكيل حكومات.
وقد لاحظ المؤرخون أن الأزمة سببت الاضطرابات الاجتماعية واسعة النطاق، وعدم الاستقرار الاقتصادي، والأهم من ذلك، تفكك الإمبراطورية، التي انقسمت إلى ثلاث مناطق منفصلة: الإمبراطورية الغالية، والإمبراطورية الرومانية، والإمبراطورية التدمرية. كانت الحكومة المركزية في فوضى لدرجة أن أي محاولات للسيطرة على المناطق الخارجية كانت تعتبر ثانوية، وبالتالي، لفترة من الوقت، انقسمت الإمبراطورية إلى ثلاثة كيانات سياسية مُستقلة، بما في ذلك زنوبيا.
وخلافاً للتأكيدات الشائعة، لم تقود زنوبيا أبداً ثورة ضد روما، وربما لم يتم استعراضها أبدا في شوارع روما في السلاسل، ومن شبه المؤكد أنها لم تعدم من قبل الإمبراطور أوريليان (حكم 270-275 م). المصادر القديمة عن حياتها وحكمها تأتي من المؤرخ زوسيموس (حوالي 490 م) ، و كتاب الهيستوريا أوغوستا- تاريخ الأباطرة (حوالي القرن 4 الميلادي)، والمؤرخ جوان زوناراس (حوالي القرن 12 ميلادية)، والمؤرخ الطُّبري (عاش 839-923 ميلادية) الذي تتبع في قصته نقلاً عن رواية عدي بن زيد (عاش في القرن 6 الميلادي) على الرغم من أنها مذكورة أيضا في التلمود ومن قبل كُتّاب آخرين.
في حين أن كل هذه المصادر تؤكد أن الملكة زنوبيا ملكة تدمر تحدت سلطة روما، إلا أن أيّاً منها لا يصف أفعالها بأنها تمرد صريح. وبطبيعة الحال، تعتمد هذه النظرة إلى عهدها على تعريف المرء ل "التمرد". في حين أنها كانت حريصة على عدم إشراك روما مباشرة في صراع عسكري ، فمن الواضح أنها تجاهلت السلطة الرومانية بشكل متزايد في تأسيس نفسها كملكة شرعية للشرق.
بداية حياتها وزواجها
ولدت زنوبيا في تدمر، سوريا في وقت ما حوالي عام 240 ميلادية وأُعطيت اسم جوليا أوريليا زنوبيا. كانت سوريا في ذلك الوقت مقاطعة رومانية وكانت منذ ضمها كاملاً في 115/116 م. كانت زنوبيا مواطنة رومانية، حيث مُنحت عائلة والدها هذا الوضع في وقت سابق، ربما في عهد ماركوس أوريليوس (حكم 161-180 م). ويدّعي كتاب تاريخ الأباطرة أنهُ يُمكن تتبع نسب والدهُا إلى جوليا دومنا الشهيرة (170-217 ميلادية) من سلالة سيفيران- سيويران في روما.
تلقّت زنوبيا تعليمها باللغتين اليونانية واللاتينية، على الرغم من أنها ربما واجهت صعوبة معهما، لكنها كانت تجيد اللغتين المصرية والآرامية، وزعمت أن أصولها من الملكة ديدو الأسطورية مؤسسة قرطاجة وكليوباترا السابعة في مصر. ووفقاً للنسخة العربية من قصتها التي رواها الطُّبري، فقد تم تعيينها مسؤولة عن قطعان العائلة والرعاة عندما كانت فتاة صغيرة، وبالتالي اعتادت على حكم الرجال.
ويدّعي الطُّبري أيضاً أن هذا هو الوقت الذي أصبحت فيه بارعة في ركوب الخيل وتعلمت التحمل والقدرة على التحمل التي اشتهرت بهما لاحقا. ومن المسجل أنها كانت تسيرُ سيراً على الأقدام مع قواتها لمسافاتٍ طويلة، ومن الممكن أن تصطاد مثل أي رجل، وأن تشرب أكثر من أي شخص. يصف المؤرخ إدوارد جيبون الملكة في مقطع من عمله الشهير:
ربما تكون زنوبيا هي الأنثى الوحيدة التي اخترقت عبقريتها الفائقة الكسل الخانع الذي فرضه مناخ آسيا وأخلاقها على جنسها. ادعت أن نسبها من ملك مصر المقدوني ، وجمالُها يعادل كليوباترا، وتجاوزت تلك الأميرة بكثير في العفة والشجاعة. كانت زنوبيا تحظى بالتقدير الأكثر جمالاً والأكثر بطولية من جنسها. كانت ذات بشرة داكنة. كانت أسنانها ذات بياض لؤلؤي، وعيناها السوداوان الكبيرتان تلمعان بنارٍ غير مألوفة، خُفّفت من الحلاوة لجاذبيتها الكثيرة. كان صوتها قوياً ومتناغما. تم تعزيز فهمها الرجولي وزينتهُ بالدراسة. لم تكن جاهلة باللسان اللاتيني، ولكنها كانت تمتلك بنفس القدر من الكمال من اللغات اليونانية والسريانية والمصرية. كانت قد وضعت لنفسها مثالاً للتاريخ الشرقي، وقارنت بشكل مألوف جمال هوميروس وأفلاطون تحت إشراف لونجينوس بشكل رفيع. (128-129)
يرد المقطع هنا بإسهاب لأنه، أولاً: مُستمد إلى حدٍ كبير في وصف زنوبيا من كتاب تاريخ الأباطرة، وثانياً: لأن عمل جيبون سيكون له تأثير كبير على كيفية فهم الأجيال اللاحقة لملكة تدمر. في كليهما، يتم تقديمها كامرأة ذات قدرات مثيرة للإعجاب، وهذه هي الطريقة التي أصبح القراء القدماء والأجيال اللاحقة ينظرون إليها.
حتى المصادر العربية، التي هي فيها أقل بطولة وأكثر تواطؤاً، تمثلها كملكة بارزة. بالإضافة إلى الفضائل الأخرى التي تتكرر في المصادر القديمة، يتم دائماً ذكر عفتها بشكل خاص. وأعربت عن اعتقادها بأن ممارسة الجنس لا ينبغي أن تمارس إلا لأغراض الإنجاب، وبعد زواجها، رفضت النوم مع زوجها إلا لهذا الغرض.
بحلول عام 258 ميلادية، تزوجت زنوبيا من لوكيوس سبتيموس أودينثوس- أُذينة، الحاكم الروماني لسوريا، الذي أنجبت منه ابنا واحدا على الأقل، وهبلاتوس- وهب اللات. وكانت زوجة أُذينة الثانية، وكان لديه ابن ووريث، حيران الأول، من زواجه الأول. حكم أُذينة منطقة مزدهرة للغاية وخاصة مدينة تدمر، التي كانت مركزاً تجارياً مُهماً على طريق الحرير بين الشرق والغرب. كان على التجار القادمين إلى روما أو العائدين منها التوقف في تدمر لدفع الضرائب وببساطة للراحة.
منذ حوالي عام 227 ميلادية، توقفت التجارة على فترات من قبل الفرس الساسانيين الذين أغلقوا الطريق بشكل دوري لفرض الجزية. كان الحرير من بين السلع الأكثر شعبية في روما منذ ما قبل زمن أغسطس (حكم 27 قبل الميلاد - 14 ميلادية)، ولم يكن الرومان سعداء بهذه الاضطرابات في التجارة. استولى الملك الساساني شابور الأول (حكم 240-270/272 م) على مدينة أنطاكية، وهي واحدة من أهم المراكز التجارية لروما، وهذا لا يمكن التسامح معه.
في عام 260 م سار الإمبراطور الروماني فاليريان (حكم 253-260 م) ضد الساسانيين، وهُزم من قبلهم، وأُسر. يُزعم أنه تم استخدامه بعد ذلك كرسي قدم من قبل شابور الأول لركوب حصانه حتى مات في الأسر ثم تم حشوه وعرضه على الملئ. لم يستطع ابنه، غالينيوس، أن يفعل شيئا لمعالجة الوضع، وبالتالي سارَ أُذينة ضد الساسانيين، وهزمهم، ودفعهم إلى الوراء عبر نهر الفرات وبعيدا عن سوريا. على الرغم من أن أُذينة قدّم نفسه على أنه يعمل لصالح روما في محاولة لإنقاذ فاليريان، إلّا أنه كان لديه في الواقع دوافع أخرى: لقد حاول تشكيل تحالف مع شابور الأول، وتم رفضه، وعندها فقط أصبح عدوه.
لخدمته لروما، تم تعيين أُذينة حاكماً للجزء الشرقي بأكمله من الإمبراطورية الرومانية. وفي عام 261 ميلادية، عندما تحدّى كويتوس حكم غالينيوس، هزمهُ أُذينة وقتلهُ، وبعد ذلك، كان لديه ما يكفي من القوة والهيبة لحكم مملكته بشكلٍ فعّال ومستقل تقريبا عن روما. وفي عام 266/267 ميلادية اُغتيل مع ابنه حيران على يد ابن أخيه بعد نزاعٍ أعقب رحلة صيد. في حين أن بعض المصادر قد ادعت، أو على الأقل اقترحت، أن زنوبيا قتلته حتى يصبح ابنها ملكا، ولكن رفض ذلك معظم الكتاب والمؤرخين اللاحقين.
الصعود إلى السلطة واحتلالها مصر
أصبحت بالتالي زنوبيا وصية على العرش، لأن وهبلاتوس كان لا يزال قاصرا. أحاطت نفسها بالمثقفين والفلاسفة، من بينهم الأفلاطوني كاسيوس لونجينوس (213-273 ميلادية) الذي أُلقي باللوم عليه لاحقاً لتشجيعها على الانفصال عن روما. حتى الآن، كانت العلاقة بين تدمر وروما ودية لأن أعمال أُذينة العسكرية كانت في صالح روما بقدر ما كانت في صالحه.
عندما وصلت زنوبيا إلى السلطة، حافظت على سياسات زوجها الراحل. وخلال الفوضى في روما التي ميزت أزمة القرن الثالث، جاء وذهب 26 رجُلاً كأباطرة. ربما اعتقد أُذينة أنه يمكن أن يكون التالي من خلال إثبات نفسه من قيمة غاليانوس ومن خلال جمع ثروته الخاصة عن طريق نهب مدن الساسانيين. بعد وفاته، ربما اعتبرت زنوبيا أن ابنها، أو حتى هي نفسها، يمكن أن تحكم روما، وبالتالي استمرت في عهد زوجها كما كان يديرها. وكتب المؤرخ ريتشارد ستونمان:
خلال السنوات الخمس التي تلت وفاة أودينثوس- أُذينة في عام 267 ميلادية، رسّخت زنوبيا نفسها في أذهان شعبها كعشيقة للشرق. كانت تسكن في قصرٍ واحد من الروائع العديدة في مدن الشرق، ويُحيطُ بها بِلاطٌ من الفلاسفة والكُّتاب، وفي انتظارها المسنون المخصيون، ومكسوة بأجود الديباج الحريري الذي يمكن أن توفره أنطاكية أو دمشق، ورثت أيضاً سمعة نجاحات أُذينة العسكرية وواقع الجنود البدو الفعالين للغاية. ومع كل من القوة والنفوذ من جانبها، شرعت في واحد من أبرز التحديات لسيادة روما التي شوهدت حتى في ذلك القرن المضطرب. روما، التي ابتليت الآن بالغزو من الشمال البربري، لم يكن لديها رجل قوي في الشرق لحمايتها... كانت سوريا بعيدة مؤقتاً عن الأذهان. (155)
اُغتيل غاليانوس في عام 268 ميلادية وحلّ محلّه كلوديوس الثاني الذي توفي بعد ذلك بسبب الحمى وخلفه كوينتيلوس في عام 270 ميلادية. طوال هذا الوقت، تغيرت سياسات زنوبيا بشكل مُطّرد، وفي عام 269 ميلادية، عندما رأت أن روما كانت مشغولة جداً بمشاكلها الخاصة بحيث لا يمكن ملاحظتها، أرسلت جنرالها زبداس على رأس جيشها إلى مصر الرومانية وادعت أنها مَلِكَتُها.
حتى في هذا، ومع ذلك، كانت حريصة على عدم الظهور في صراع مع روما. ابتدأ سوري- مصري يدعى تيماجنيس ثورة ضد الحكم الروماني بينما كان الحاكم الروماني بعيداً في حملته، وكان من الممكن تفسير مسيرة زنوبيا على مصر على أنها حملة لصالح روما. ومع ذلك، يبدو أن تيماجنيس ربما كان مُحرّضاً أرسلته زنوبيا في وقت سابق لتوفير ذريعة للغزو. كان السوريون ناجحين في البداية ولكن بعد ذلك تم طردهم من مصر من قبل القوات الرومانية العائدة. لم يكتف الرومان ببساطة بطرد الغزاة من مصر، بل لاحقوا السوريين عبر الحدود والشمال نحو سوريا ، حيث شن السوريون بعد ذلك هجوماً مضاداً ودمروا الجيش الروماني.
وبمجرد أن حصلت على مصر، دخلت بعد ذلك في مفاوضات دبلوماسية مع منطقتي سورية الطبيعية وآسيا الصغرى وأضافتهما إلى إمبراطوريتها المتنامية. مع وجود روما في حالة من الاضطراب، كانت الإمبراطورية التدمرية الصاعدة والغنية خياراً جذاباً لحكام المقاطعات في هذه المناطق، وظلت روما مشغولة جداً بالصراع الداخلي بحيث لا يمكنها فعل أي شيء حيال إمبراطورية زنوبيا الآخذة في التوسع. على الرغم من أنه من الواضح أنها كانت تنشئ إمبراطوريتها الخاصة مُعارضةً لروما، إلّا أنها لم تفعل شيئا لتبرير الصراع المفتوح مع الإمبراطورية.
بحلول هذا الوقت كان أوريليان إمبراطوراً، وكانت زنوبيا قد سكت عملات معدنية تعرض صورة وهبلاتوس على جانب وأوريليان على الجانب الآخر كحكام مشتركين لمصر. كان لديها نقوش على شرف أوريليان وضعت في تدمر وأدرجت اسمه في المراسلات الرسمية. في الوقت نفسه، ومع ذلك، اعتمدت الألقاب الإمبراطورية مثل أغسطس وهبلاتوس وأوغوستا لنفسها، وهي الألقاب التي كانت امتيازاً للعائلة المالكة في روما وحدها. كما أجرت اتفاقيات تجارية، وتفاوضت مع الفرس الساسانيين، وأضافت أراضي إلى إمبراطوريتها دون استشارة روما أو حتى النظر في مصالح روما. وبحلول عام 271 ميلادية حكمت إمبراطورية امتدت من العراق الحديث عبر تركيا وصولاً إلى مصر.
زنوربيا وأوريليان
في حين أن الأباطرة الآخرين فشلوا في ملاحظة ما كانت تفعله زنوبيا، أو ببساطة لم يكن لديهم الموارد اللازمة لفعل أي شيء حيال ذلك، كان أوريليان نوعاً مُختلفاً جداً من الحكام. كان قد ارتقى في الرتب من رجل مشاة إلى جنرال، والآن إلى إمبراطور، وكان جُندياً أولاً وسياسياً ثانيا. عندما تولى الحكم كان عليه أن يتعامل مع هزيمة الوندال وأليماني والقوط ، ولكن بحلول عام 272 ميلادية، كان مُستعداً لاستعادة المقاطعات الشرقية من زنوبيا. ولم يرسل مبعوثين يحملون رسائل يطلبون فيها تفسيراً ولم ينتظر أن تقدم زنوبيا تفسيراً من تلقاء نفسها. سار نحو إمبراطورية تدمر مع جيشه بأكمله.
عند دخوله آسيا الصغرى، دمّر كل بلدة ومدينة موالية لزنوبيا وحارب العديد من هجمات اللصوص أثناء المسيرة، حتى وصل إلى تيانا، منزل الفيلسوف الشهير أبولونيوس من تيانا الذي أعجب به أوريليان. في المنام، جاء أبولونيوس إلى أوريليان ونصحه بأن يكون رحيماً إذا كان يرغب في الحصول على النصر، وهكذا أنقذ أوريليان المدينة وسار قدما. أثبتت الرحمة أنها سياسة سليمة للغاية لأن المدن الأخرى أدركت أنها ستكون أفضل حالاً في حال الاستسلام للإمبراطور الرحيم بدلاً من تحمل غضبه من خلال المقاومة. بعد تيانا، لم تعارضه أي من المدن وأرسلت كلمة ولائها إلى أوريليان قبل أن يصل إلى بواباتها، وسرعان ما وصل إلى سوريا.
ومن غير المعروف ما إذا كانت زنوبيا قد حاولت الاتصال بأوريليان قبل ذلك. هناك تقارير عن رسائل بينهما بمجرد وصوله إلى تدمر، ولكن يعتقد أنها اختراعات لاحقة. ويعتقد أيضا أن رسالته إليها في بداية حملته العسكرية االتي طالبها فيها بالاستسلام وردها المتعجرف، الواردة في كتاب تاريخ الأباطرة، هي افتراءات تم إنشاؤها لتسليط الضوء على نهج أوريليان الرحيم والمعقول تجاه الصراع على النقيض من رد فعل زنوبيا المتغطرس.
بينما كانت أوريليان في المسيرة، حشدت زنوبيا قواتها والتقى الجيشان خارج مدينة دافني في معركة إيماي- معركة إنطاكية في عام 272 ميلادية. فاز أوريليان بالاشتباك من خلال التظاهر بالتراجع ثم التأرجح في تشكيل كماشة بمجرد أن سئمت قوات تدمر من المطاردة. تم الانقضاض على الباليميريين ثم ذبحهم. هربت زنوبيا نفسها، مع جنرالها زابداس، إلى مدينة إيميسا- حمص حيث كان لديها المزيد من الرجال، وخزنت كذلك خزانتها.
لاحقها أوريليان بينما كانت تعيد تجميع قواتها وتنظيمها، والتقت الجيوش مرة أخرى في معركة خارج إيميسا حيث انتصر الرومان مرة أخرى باستخدام نفس التكتيك الذي استخدموه بالضبط في إيماي. تظاهروا بالتراجع في مواجهة الفرسان التدمريّين، الذين لاحقوهم، ثم استداروا وهاجموهم من موقع ميمون. تم تدمير القوات التدمرية واستولى أوريليان على المدينة، ويفترض أنه نهب الخزانة. ومع ذلك، هربت زنوبيا مرة أخرى.
ذهبت إلى تدمر حيث أعدّت المدينة للدفاع، وتبعها أوريليان عن قرب، وحوصرت المدينة. كتب المؤرخ إدوارد جيبون: "ترجاعت إلى داخل أسوار عاصمتها، وقامت بالإعداد لمقاومة قوية، وأعلنت، بجرأة البطلة، أن اللحظة الأخيرة من حكمها وحياتها يجب أن تكون هي نفسها" (131). من غير المعروف ما إذا كانت قد أعلنت عن أي شيء من هذا القبيل، ولكن يبدو من الواضح أنها كانت تأمل في أن تأتي التعزيزات والمساعدات من الفرس، وعندما فشلت في الوصول، فرّت من تدمر مع ابنها على ظهر جمل وحاولت الوصول إلى بر الأمان في بلاد فارس.
عندما دخل أوريليان تدمر ووجدها قد اختفت، أرسل فرساناً للقبض عليها، وتم أسرها أثناء محاولتها عبور نهر الفرات. وأعيدت إلى أوريليان في سلاسل حيث احتجت على براءتها وألقت باللوم في أفعالها على النصيحة السيئة التي قدمها لها مستشاروها، وعلى رأسهم كاسيوس لونجينوس، الذي أُعدم على الفور. ثم أُعيدت زنوبيا إلى روما.
آخر أيام زنوبيا
ما حدث لها بعد ذلك يختلف باختلاف المصدر الذي يقرأه المرء. ووفقاً لزوسيموس، فقد غرقت هي وابنها في مضيق البوسفور أثناء نقلهما إلى روما، لكنه يدعي أيضا أنها وصلت إلى روما، دون ابنها، وقدمت للمحاكمة، وتمت تبرئتها. وبعد ذلك عاشت في فيلا وتزوجت في نهاية المطاف من روماني.
يروي كتاب تاريخ الأباطرة قصة استعراضها في شوارع روما مرتدية سلاسل ذهبية ومحملة بالمجوهرات بشكل كبير خلال موكب انتصار أوريليان، وبعد ذلك أُطلق سراحها وأُعطيت قصراً بالقرب من روما حيث "قضت أيامها الأخيرة في سلام وترف". يدّعي زوناراس أنها أُعيدت إلى روما، ولم يتم استعراضها أبداً في الشوارع مكبلة بالسلاسل، وتزوجت من زوج روماني ثري، في حين تزوّج أوريليان من إحدى بناتها.
الطُّبري، مثل الكُتّاب العرب الآخرين، لا يذكر أوريليان أو روما في روايته على الإطلاق. في رواية الطُّبري، قتلت زنوبيا زعيما قبلياً يدعى جُذيمة في ليلة زفافهما، وسعى ابن أخيه إلى الانتقام. يلاحقها ابن أخيها إلى تدمر حيث تهرب على جمل وتهرب إلى الفرات. كانت قد أمرت في وقت سابق بحفر نفق تحت النهر تحسُّباً لخطأ قد يحصل في خططها واحتاجت إلى الهرب، وحين تدخل (في النفق) يتم القبض عليها. ثم إما أن تقتل نفسها بشرب السم أو في نسخة أخرى من القصة ، يتم إعدامها.
وبالتالي، فإن نهاية حياة زنوبيا تعتمد على المصدر الذي يجده المرء أكثر مصداقية. لطالما تم الاعتراف ب كتاب تاريخ الأباطرة كمصدر غير موثوق به غالباً ما يصنع التواريخ والأحداث وحتى الأشخاص من أجل تقديم نسخة معينة من عهود الأباطرة الرومان الذين يتعامل معهم. ستونمان يكتب:
في العديد من جوانب اهتماماتها وشخصيتها، يتم إعطاؤنا معلومات وفيرة من قبل كتاب تاريخ الأباطرة- على الرغم من أنه يجب أن نتذكر أنه يجب تصديق القليل من التفاصيل الملونة التي يقدمها لنا هذا العمل، لأن المؤلف، مثل العديد من المؤرخين القدماء كتب ما شعر أنه كان يجب أن يكون صحيحا. (112)
تعتبر روايات زوناراس، وزوسيموس على وجه الخصوص، أكثر موثوقية، ويبدو من المرجح أنها كانت ستحضر إلى روما من قبل أوريليان ولكن ربما لم تكن جزءاً من انتصاره. كان أوريليان قلقاً للغاية بشأن ما قد يفكر فيه الرومان في غزوه لامرأة وأيضاً من عارٍ في روما في السماح للمرأة بأن تنمو بقوة لدرجة أنها احتفظت بثلث الإمبراطورية في قبضتها.
يبدو من غير المرجح أنه كان يريد جذب الانتباه إلى زنوبيا أكثر مما كان ضرورياً، والقصة الشهيرة عن استعراضها عبر روما في سلاسل ذهبية، والتي تم تمثيلها في الرسم والنحت منذ ذلك الحين، هي على الأرجح خيال. وبالتالي فإن قصة محاكمتها وتبرئتها وحياتها اللاحقة في روما هي الأكثر احتمالا. لا يوجد سجل بشأن متى أو كيف ماتت، ولكن لا توجد مصادر غربية تشير إلى أنها أُعدمت، ويعتقد أن هذه النسخة من وفاتها قد أدخلت إلى أسطورتها من خلال النسخ العربية من قصتها.
أصبحت زنوبيا واحدة من أكثر الشخصيات شعبية في العالم القديم في أساطير العصور الوسطى، وأثر إرثها كملكة محاربة عظيمة وحاكمة ذكية، محاطة بأحكم رجال عصرها، من الرسامين والفنانين والكتاب، وحتى الملوك اللاحقين مثل كاثرين العظيمة في روسيا (حكم 1729-1796 ميلادية)، الذين قارنوا نفسها بزنوبيا وبلاطها ببلاط تدمر. تم نقل قصة حياتها إلى حد كبير إلى هذه الأجيال اللاحقة من خلال عمل جيبون وكتاب تاريخ الأباطرة الذي قدّم ملكة تدمر كخصم شريف وجدير بروما وبطلة عظيمة للعالم القديم، وهذه هي الطريقة التي لا تزال نتذكرها في يومنا هذا.