لفائف البحر الميّت (The Dead Sea Scrolls)، وتُرمّز بالإنكليزية اختصاراً (DSS)، هي مجموعة من لفائف المخطوطات التي عُثِر عليها في صحراء شرق القدس على ساحل البحر الميّت. تمثل هذه المخطوطات أكبر مجموعةٍ من النُصوص العائدة لفترة الهيكل الثاني عُثِر عليها في منطقة يهودا (يهودا / اليهوديّة: الاسم العِبريّ التاريخي للمنطقة الجبلية في جنوب فلسطين - المترجم)، هذه المنطقة المشهورة بافتقارها إلى المخطوطات. حيث عُثِر على حوالي 930 لفافة مخطوط في أحد عشر كهفاً في التلال المحيطة بخِربَة قُمران. هذه المخطوطات هي نتاج مجتمع الإسّينيين الذين عاشوا في خِربَة قُمران القريبة، وقد أُلِّفَت في الفترة الواقعة ما بين القرن الثالث قبل الميلاد والقرن الأول الميلادي. وتعتبر هذه المخطوطات فريدةً لأنها ألقت الضوء على العالم الديني والسياسي في فترة الهيكل اليهودي الثاني المتأخرة وعلى نصوص الكتاب المُقدّس العِبريّ.
دراسة للمخطوطات
أُعطيت لفائف البحر الميّت نظام ترقيم قياسيّ موضح كما يلي:
يوجد تفسير (يعرف باسم بيشير، راجع الفقرات اللاحقة) لسِفر ناحوم، أعطي هذا المخطوط رقم 4Q169، هو المخطوط 169 الذي عُثِر عليه في الكهف الرابع. كل المخطوطات تتبع نظام الترقيم القياسيّ هذا. مع بعض الاستثناءات، فعلى سبيل المثال مخطوطة أشعياء الكبرى، واحدة من أوائل المخطوطات التي عُثِر عليها، رُقّمت 1QIsaa. مع ملاحظة أنّها حافظت على الترقيم 1Q (ما يعني أنّها وُجِدَت في الكهف الأول).
المخطوطات الكتابيّة
إن مصطلح "كتابيّ" (نسبةً إلى الكتاب المُقدّس - المترجم) لا يكون مُلائماً عند استخدامه في الحديث عن لفائف البحر الميّت، لأنّ "الكتاب المُقدّس" كما نعرفه اليوم لم يكن موجوداً في فترة الهيكل اليهودي الثاني (515 ق.م – 70م). فضلاً عن الإشارة إلى مجموعة من النُصوص ذات مستوى خاص من القانونيّة، تشير عبارة "مخطوطات الكتاب المُقدّس" إلى تلك النُصوص الموجودة في التناخ / الكتاب المُقدّس العِبريّ / العهد القديم البروتستانتي. وهذا التصنيف فرضه العلماء اللاحقون على مخطوطات البحر الميّت.
بين لفائف البحر الميّت وُجِدَت جميع أسفار الكتاب المُقدّس العِبريّ باستثناء سِفر استير. على كل حال ليست جميع الأسفار مشهودةً بالتساوي، فسِفر المزامير (موجودٌ في 34 مخطوط مختلف)، وسِفر التثنية (30)، وسِفر إشعياء (21)، وسِفر التكوين (20) وهي المخطوطات الكتابيّة الأربعة السائدة. أما سِفر الجامعة فله مخطوطتان مختلفتان فقط، وكُل من سِفر عزرا وسِفر نحميا وسِفر أخبار الأيام موجود في مخطوط واحد فقط لكُلٍّ منها.
المخطوطات الكتابيّة التي وُجِدَت بين لفائف البحر الميّت تمثل فرصةً هامة لدراسة النَصّ القياسيّ للكتاب المُقدّس العِبريّ، وهو النَصّ الماسوراتي. فعلى سبيل المثال، نسخة سِفر إرمياء الموجودة في الترجمة السبعينيّة (الترجمة اليونانيّة للكتاب المُقدّس العِبريّ) هي أقصر بمقدار الثُمن من تلك الموجودة في النَصّ الماسوراتي. كان يُعتقد في البداية أن الترجمة السبعينيّة تمثل ترجمةً سيّئة. ومع ذلك، عُثِرَ على إصدارات عِبريّة لكل من الإصدارين الأطول والأقصر بين مخطوطات البحر الميّت. وخلافًا لادعاءات البعض، لم يُعثَر على أيّ مخطوط من العهد الجديد للكتاب المُقدّس بين لفائف البحر الميّت.
التَرجوميم
التَرجوميم (مفردها تَرجوم) هي ترجمات وتفاسير آرامية خاصة (تَرجوم بالعِبريّة معناها ترجمة). عُثِر بين لفائف البحر الميّت على تَرجوم مجزأ للغاية من سِفر اللاويين وتَرجومين لسِفر أيوب (أحدهما، 11Q10، وهو أحد أكثر المخطوطات اكتمالاً). وهذه الاكتشافات مُهمّة لأنها أعادت صياغة النقاش حول سؤال في أي وقت مبكر تمت كتابة التَرجوميم. فحتى العام 1947م، لم يكن لدينا أيُّ دليلٍ على وجود تَرجوم مكتوب قبل الميلاد.
لفائف الأسفار المنحولة والزائفة
كمثل مصطلح "كتابيّ" هذا التصنيف أيضًا عفا عليه الزمن، لكنّه مفيد. فهو يشير إلى الأعمال التي لم تكن تعتبر كتابيّة بمعنى أنّها جزء من الكتاب المُقدّس العِبريّ ولا فريدة من نوعها بالنسبة إلى مجتمع قُمران. هذه المجموعة من النُصوص تتضمن أشياء مثل المزمور 151، وهو مزمور يظهر فقط في النسخ اليونانيّة حتى تم اكتشافه في لفائف البحر الميّت (11QPsa)، والأعمال الرُؤيويّة اليهوديّة (بالنسبة للرُؤيويّات راجع التعريف في إسينيي قُمران) مثل سِفر أنوش الأول وسِفر اليوبيلات (كلاهما يفوق في العدد عدد مخطوطات الكتاب المُقدّس الفردية).
البيشاريم
البيشاريم (مفردها بيشير) هي عبارة عن تعليقات خاصة مستمرة على نصوصٍ نبوية مختلفة ومزامير الكتاب المُقدّس العِبريّ. وعلى النقيض من التَرجوميم، فإنّ هذه التعليقات مكتوبة باللغة العِبريّة وهي موجهة بشكل خاص إلى مجتمع قُمران ومكتوبة باللغة العِبريّة.
التعليقات الموضوعيّة (القائمة على الموضوع)
في حين كانت البيشاريم تعليقات مُستمرة، فإن هذه التعليقات تعتمد على النُصوص المختلفة للكتاب المُقدّس العِبريّ وتركز على موضوع أو موضوعات محددة، وخاصةً نهاية الدهر الحاليّ.
أعمال إعادة صياغة النُصوص
عُثِر على عدد من أعمال إعادة الصياغة بين لفائف البحر الميّت، معظمها في التوراة (على سبيل المثال المخطوط 4Q127، هو إعادة صياغة يونانية لسِفر الخروج) والكتب التاريخية (مثلاً المخطوط 4Q382، هو إعادة صياغة لسِفر الملوك).
اللفائف التشريعيّة
عدد من النُصوص التشريعيّة والقانونيّة عُثِر عليها بين مخطوطات البحر الميّت. وهي من بين أهم النُصوص ليس فقط لِفَهم مجتمع قُمران وحده، بل أيضاً لفهم التفسير القانونيّ اليهوديّ لفترة الهيكل الثاني على وجه العموم. بعض هذه النُصوص (مثل مخطوطة الهيكل [11Q19 هي النسخة الأفضل حفظاً] ومخطوطة حُكم المجتمع [1QS هي النسخة الأفضل حفظاً] هي مختصة بمجتمع قُمران. والنُصوص الأخرى ليست مقصورة على مجتمع قُمران وإنّما هي موجهة أيضاً للأسينيين الذين يعيشون في مدن وبلدات يهوذا (مثل وثيقة دمشق).
لفائف للاستخدام التعبديّ
حين كانت كتبٌ كسِفر المزامير قد وُظِّفت كمصادر تستخدم في العبادة، وُجد عدد من الأعمال الأصلية التي كان من الواضح أن بعضها أُريدَ له أن يشبه سِفر المزامير.
اللفائف الإسخاتولوجيَّة (الآخِرَويّة)
كان إسينيو قُمران مُجتمعاً إسخاتولوجيًّا (آخِرويّاً). وتوصف الإسخاتولوجيا بإيجاز بأنّها الإيمان بأنّ نهاية العصر الحاليّ قد اقتربت، وبناءً على ذلك الاعتقاد ستنظّم هذه المجتمعات معتقداتها وممارساتها. وبالإضافة إلى النُصوص اليهوديّة المشهورة المتعلقة بالآخرة مثل سِفر أخنوخ الأول وسِفر اليوبيلات، أنتج مجتمع قُمران عددًا من الأعمال المتعلقة بالأيام الأخيرة. تركز بعض الأعمال على الأيام التي تسبق النهاية (على سبيل المثال، مخطوطة الحرب [1QM]). ويهتم بعضها الآخر بالعصر الجديد، خاصة بأورشليم الجديدة والهيكل المُعاد بناؤه حديثًا (على سبيل المثال المخطوطات ذوات الأرقام 1Q32، 2Q24، 4Q232، 4Q554).
لفائف الأعمال الحِكَميَّة
تُذَكِّر عدد من الأعمال بالأسفار الحِكَميَّة القانونية كسِفري المزامير والأمثال. وعلى الرغم من أنّ هذه الأعمال متعلقة بشكلٍ وثيق بالأدب الحِكَميّ إلا أنها لا تزال ذات طبيعة إسخاتولوجيَّة، تركّز على نهاية الأزمنة والتصرفات الصحيحة للمجتمع.
اللفيفة النحاسية (3Q15)
تمثّلُ اللفيفة الأخيرة لغزًا، إذ لا يؤكد أحدٌ من الباحثين ماهيّتها، أو معناها، أو وظيفتها في مجتمع الإسينيين. أولاً وقبل كل شيء، كونها محفورة على النحاس يشير إلى أنّه لم يكن المقصود منها أن تكون لفافةً. وثانياً، وعلى الرغم من العثور عليها في الكهف الثالث، لكنها وُجِدَت منفصلةً عن باقي اللفائف، ما يشير إلى أنّها أودِعت في الكهف بشكل منفصل. وثالثاً، بمجرد أن تم أخيرًا فكها وترجمتها، ظهر أنّ النَصّ يمثل خريطة كنزٍ مكتوبةٍ بالعِبريّة، لكن مع أحرف يونانيّة عشوائية وُضِعت في جميع أنحاء النَصّ. الباحث جون ماركو أليغرو (John Marco Allegro)، وهو أحد الباحثين الأوائل في مجال اللفائف، اعتقد أنّها خريطة كنز حروفيّة وحاول العثور على ما اعتقدَ أنّه الثروات المخفية لمجتمع قُمران. ومع ذلك لم ينجح نظراً لكون بعض المواقع المذكورة في النَصّ مجهولة. بعض الباحثين يواصلون التأكيد على أنّها خريطة كنز حروفيّة. فيما يعتقد آخرون أنّها عملٌ خيالي. وتظلّ اللفيفة النحاسية لغزًا مع عدم وجود إجماع حول تفسيرها أو وظيفتها في مجتمع قُمران.
الاكتشاف
إنّ اكتشاف اللفائف قصةٌ معقدة يجب عرضها هنا بطريقة مُختصرة للغاية.
في أواخر العام 1946 أو 1947م. ثلاثة من البدو خلال تجوالهم في الصحراء على طول الشاطئ الشمالي الغربي للبحر الميّت على طول وادي قُمران، عثروا على كهف يحتوي على عشرة جرار، كانت جميعها فارغة باستثناء جرتين منها، احتوت إحداها على تراب، بينما احتوت الأخرى على ما ثبت لاحقاً أنّها مخطوطة إشعياء العظيمة، وكتاب قانون أُعطي اسم دليل الانضباط (أو حُكم المجتمع)، ومخطوطة تحتوي تعليقًا على سِفر حبقوق الكتابيّ. ثم عثر البدو بعدها على أربع لفائف أخرى. واستغرق الأمر قرابة العام قبل أن يعلم المجتمع العلمي بوجود هذه المخطوطات السبع، على الرغم من أنّ المخطوطات السبعة الأصليّة بقيت في مجموعتين منفصلتين حتى العام 1954م.
بمجرد أن أدرك البدو قيمة المخطوطات، بدأوا بتمشيط التلال المحيطة بخِربَة قُمران بحثًا عن كهوف أخرى. ولم يُعثَر على الكهف التالي حتى فبراير 1952 م (الكهف 2). حيث اكتشف علماء الآثار كهفهم الأول في شهر مارس (الكهف 3). وجاء الاكتشاف الأكثر إثارة في سبتمبر 1952 عندما قام اثنان من علماء الآثار، بعد نصيحة بعض البدو، بحفر الكهف رقم 4. وقد عُثِر في الكهف رقم 4 على حوالي 100 مخطوطة مختلفة. بعد الكهف رقم 4، عُثر على سبعة كهوف أخرى. وعُثِر على الكهف الأخير (الكهف 11) عام 1956م. وكانت هناك محاولات لاحقة من قبل علماء الآثار للعثور على المزيد من الكهوف التي تحتوي على مخطوطات ولكن لم يُعثر على شيء.
ومع موجة اكتشافات المخطوطات، بما في ذلك عدد من المكتشفات التي يرجع تاريخها إلى تمرُّد بار كوخبا (132-136 م)، كان من الطبيعي أن يأتي معها الاهتمام بالآثار القريبة من الكهوف. حيث جرت ستة مواسم من الحفريات في خِربَة قُمران بين عامي 1951 و1958م.