كان بولس أحد أتباع يسوع المسيح، واشتهر باعتناقه للمسيحية على طريق دمشق بعد اضطهاد أتباع الجماعة التي انضم إليها، ومع ذلك، وكما سنرى، من الأفضل أن يُوصف بولس بأنه أحد مؤسسي الديانة وليس معتنقًا لها. يَنسِب الباحثون سبع أسفار من العهد الجديد إلى بولس؛ الذي كان معلمًا مؤثرًا ومبشرًا في معظم أنحاء آسيا الصغرى واليونان الحالية.
مُؤسس المسيحية
قَدِّرْ الباحثون في القرن الماضي، بولس بصفته المؤسس الفعلي للحركة الدينية التي ستصبح المسيحية. كان بولس فريسيًا من يهود الشتات، اختبر رؤيا عن يسوع القائم من بين الأموات، وبعد هذه التجربة، سافر على نطاق واسع في جميع أنحاء الإمبراطورية الرومانية الشرقية، ناشرًا "البشارة" بأن يسوع سيعود قريبًا من السماء ويدخل في ملكوت الله. لم يكن بولس يؤسس ديانة جديدة؛ إذ كان يعتقد أن جيله هو الجيل الأخير قبل نهاية الزمان، عندما يتحول هذا الزمن، ومع ذلك، مع مرور الوقت وعدم عودة يسوع، لجأ آباء الكنيسة في القرن الثاني إلى كتابات بولس للتحقق من صحة ما سيكون في نهاية المطاف إنشاء العقيدة المسيحية، وهكذا، يمكن اعتبار بولس مؤسس المسيحية بصفتها ديانة منفصلة عن اليهودية.
يُعرف بولس في التقليد المسيحي، بالطرسوسي، حيث يقول لوقا أنه وُلد هناك (أعمال الرسل 9: 11). كانت طرسوس، في ذلك الوقت، تقع في مقاطعة كيليكيا، تركيا الحالية، ومع ذلك، يشير بولس نفسه إلى أنه كان من منطقة دمشق، التي كانت في سوريا (انظر الرسالة إلى أهل غلاطية). قدم لوقا العديد من العناصر القياسية في حياة بولس، ولكن معظم هذه العناصر تتعارض بشكل صارخ مع ما يكشفه بولس نفسه في رسائله، على سبيل المثال، يدّعي لوقا أن بولس نشأ في أورشليم، وتعلّم علي يد الكثيرين ممن يَعدّون أول حاخامات اليهودية المعيارية، وأصبح في النهاية عضوًا في المجمع أو السنهدريم. يقول بولس نفسه إنه لم يزر أورشليم سوى مرتين، وحتى ذلك الحين كانت إقامته بضعة أيام. إذا ماذا نفعل حيال هذه التناقضات؟
كان لدي لوقا من ناحية، أجندة واضحة جدًا في تقديمه لبولس على أنه شخص يطيع أي إملاءات من أورشليم، ويستشيرهم باستمرار حول كيفية إدارة "خدمته"، من ناحية أخرى، لدى بولس أجندة أيضًا، حيث يدعي أن لا أحد من البشر يملي عليه ما يجب أن يفعله، ولكن المسيح القائم من بين الأموات هو الذي أعطاه خُطَّة العمل (انظر غلاطية)، ولذلك فهو يرفض باستمرار أي تأثير من أورشليم في مجمل أنشطته، في التحليل النهائي، من الأفضل عادةً الرجوع إلى رسائل بولس أكثر من رواية لوقا من حيث التاريخية عندما يتعلق الأمر بدوافع بولس وعمله الفعلي.
أعمال بولس
لدينا في العهد الجديد، 14 رسالة منسوبة تقليديًا إلى بولس، لكن الإجماع العلمي الآن هو أن من بين الرسائل الأربعة عشر هناك سبع رسائل كتبها بولس فعلًا:
- تسالونيكي الأولي
- غلاطية
- فليمون
- فيلبي
- كورنثوس الأولي والثانية
- رومية
كتب الرسائل الأخرى على الأرجح أحد تلاميذ بولس، مستخدمًا اسمه لإعطائها مصداقية. نحن نفهم أن هذه الرسائل ظرفية، بمعنى أنه لم يكن المقصود منها أبدًا أن تكون لاهوتًا منهجيًا أو أطروحات عن المسيحية، وبعبارة أخرى، تلك الرسائل هي ردود على مشكلات وظروف معينة، نشأت في مجتمعات مختلفة، وهي إلى ذلك لم تُكتب بصفتها إملاءات عامة لتصبح أيديولوجية مسيحية، بل اكتسبت أهميتها وحُظوَتها مع مرور الوقت.
تحوُّل بولس
كان بولس فريسيًا، يدعي أنه عندما يتعلق الأمر بـ "الناموس\ الشريعة"، كان هو الأكثر غَيْرَة ومعرفة به من أي شخص آخر. كان الشريعة موضوع البحث في معظم رسائله هي شريعة موسى. كان بولس أحد أسباط بنيامين (وهكذا استطاع لوقا أن يستخدم الاسم السابق لبولس، شاول، وهو اسم بنيامينى مشهور جدًا؛ حيث غالبًا ما يواكب تغيير الاسم تغيرًا في وجهة نظر الشخص الجديد - من أبرام إلى إبراهيم، ومن يعقوب إلى إسرائيل، ومن سمعان إلى بطرس، إلخ). أصبح بولس أيضًا أشهر متحول في التاريخ، وأصبح ضربه لرجل أعمي في الطريق إلى دمشق كناية عن الاستنارة المفاجئة والاهتداء.
إن مصطلح "التحول" مع ذلك، ليس المصطلح الأكثر دقة الذي يمكن تطبيقه عليه، فالتحول يفترض التحول من نوع من الإيمان إلى نوع آخر. لدينا مشكلتان في هذا المفهوم كما هو مطبق على بولس:
- لم يكن هناك أساسًا ديانة مسيحية ليعتنقها في ذلك الوقت.
- كان بولس نفسه غامضًا عندما يتعلق الأمر بفهم ما كان يعتقده هو نفسه.
عندما يقول "فَصِرْتُ لِلْيَهُودِ كَيَهُودِيٍّ لأَرْبَحَ الْيَهُودَ. وَلِلَّذِينَ تَحْتَ الشريعة كَأَنِّي تَحْتَ الشريعة لأَرْبَحَ الَّذِينَ تَحْتَ الشريعة. وَلِلَّذِينَ بِلاَ نَامُوسٍ كَأَنِّي بِلاَ نَامُوسٍ - مَعَ أَنِّي لَسْتُ بِلاَ نَامُوسٍ للهِ، بَلْ تَحْتَ نَامُوسٍ لِلْمَسِيحِ - لأَرْبَحَ الَّذِينَ بِلاَ نَامُوسٍ. صِرْتُ لِلضُّعَفَاءِ كَضَعِيفٍ لأَرْبَحَ الضُّعَفَاءَ. صِرْتُ لِلْكُلِّ كُلَّ شَيْءٍ، لأُخَلِّصَ عَلَى كُلِّ حَال قَوْمًا." فهذا لا يساعدنا في حل المسألة. يفضل على الأرجح عند الحديث عما حدث لبولس، أن نقول إن الله دعاه، على غرار دعوة أنبياء إسرائيل القدماء.
قال بولس في غلاطية، إنه تلقى رؤية ليسوع القائم من الموت، كلفه فيها بأن يكون رسولًا للأمم. كان هذا أمرًا حاسمًا بالنسبة لبولس من حيث سلطته. كان الجميع يعرف أنه لم يكن أبدًا واحدًا من الدائرة المقربة من يسوع، لذلك كان التوجيه المباشر من يسوع هي الطريقة التي قال بها بولس أنه يتمتع بسلطة مثل الرسل السابقين. هذا أيضًا أمر مهم بشكٍل حاسم في كشف آراءه حول شريعة موسى عندما يتعلق الأمر بمجال توظيفها، وهو أمر يجب أن يؤخذ في الاعتبار دائمًا عند محاولة تحليل آرائه.
كانت دعوة بولس ليكون رسولًا إلى الأمم صادمة لأنه اضطهد كنيسة الله من قبل، كما اعترف هو بسهولة. يا لها من جملة مُثقَلة! لا يتفق معظم العلماء على معنى ذلك. المشكلة الأولى تتعلق بكلمة "اضطهد"، ففي اليونانية، يمكن أن يعني هذا أي شيء من المضايقة ورمي البيض إلى الإساءة الجسدية. إنه لا يشرح ذلك حقًا، ولا يعطي أي تفسير لسبب قيامه بذلك. يقول لوقا أنه كان يصوّت بعقوبة الإعدام للمسيحيين في السنهدريم، ثم حصل على أوامر اعتقال من رئيس الكهنة لاعتقال المسيحيين في دمشق (حين ظهرت له الرؤية). هذه مبالغة من جانب لوقا؛ لم يكن لدى رئيس الكهنة في ذلك الوقت مثل هذه السلطة، خاصًة على مقاطعة أخرى.
بولس المُضْطَهِدٌ
يحتمل أن يكون بولس فعل ما حدث له هو نفسه - 39 جلدة، وهو شكل من أشكال التأديب في المجمع، لكن هذا يثير المزيد من الأسئلة. لم يكن لمجالس السنهدريم سلطة إلا بموافقة من في المجتمع اليهودي، بعبارة أخرى، كان بإمكان بولس أن يبتعد عن هذا الأمر، لكنه لم يفعل - مرة أخرى، هل هذا يشير إلى أنه لا يزل يرى نفسه يهوديًا؟ ومرة أخرى، لماذا أُجْلِدَ؟ ما الذي كان يقوله/يفعله المسيحيون ليؤدي إلى اتخاذ إجراء تأديبي؟ قُدمت العديد من النظريات على مر القرون مثل:
- عَلّم المسيحيون ضد شريعة موسى. هذا صحيح عندما يتعلق الأمر بالأمم، ولكن بعد ذلك لم يكن من المتوقع أن تتبع الأمم الشريعة على أي حال.
- كان المسيحيون يثيرون الناس بحماسة تبشيرية، كان هذا في العقود التي سبقت الثورة اليهودية. هل رأت سلطات السنهدريم في مثل هذا التبشير تهديدًا لسلام جماعتهم في مواجهة روما؟
- كان المسيحيون واليهود في منافسة شديدة على أرواح تلك الأمم التي كانت تتسكع في المجامع، وكان اليهود يرون أن المسيحيين يشكلون تهديدًا لمناطق تبشيرهم، وهذا خطأ واضح؛ فاليهودية ليست ديانة تبشيرية.
- يحتوي بولس، مثل يوحنا، على كرستولوجيا عالية، فاختباره لرؤية يسوع في السماء يعني أن يسوع كان مؤلهًا فعلًا بمعنى ما بالنسبة له، كما يكرر ترنيمة ورثها في رسالته إلى أهل فيليبي:
دعا إلى عبادة يسوع، وهي على الأرجح نقطة التحول بين اليهود والمسيحيين. "فَلْيَكُنْ فِيكُمْ هذَا الْفِكْرُ الَّذِي فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ أَيْضًا: الَّذِي إِذْ كَانَ فِي صُورَةِ اللهِ، لَمْ يَحْسِبْ خُلْسَةً أَنْ يَكُونَ مُعَادِلًا للهِ. لكِنَّهُ أَخْلَى نَفْسَهُ، آخِذًا صُورَةَ عَبْدٍ، صَائِرًا فِي شِبْهِ النَّاسِ. وَإِذْ وُجِدَ فِي الْهَيْئَةِ كَإِنْسَانٍ، وَضَعَ نَفْسَهُ وَأَطَاعَ حَتَّى الْمَوْتَ مَوْتَ الصَّلِيبِ. لِذلِكَ رَفَّعَهُ اللهُ أَيْضًا، وَأَعْطَاهُ اسْمًا فَوْقَ كُلِّ اسْمٍ لِكَيْ تَجْثُوَ بِاسْمِ يَسُوعَ كُلُّ رُكْبَةٍ مِمَّنْ فِي السَّمَاءِ وَمَنْ عَلَى الأَرْضِ وَمَنْ تَحْتَ الأَرْضِ، وَيَعْتَرِفَ كُلُّ لِسَانٍ أَنَّ يَسُوعَ الْمَسِيحَ هُوَ رَبٌّ لِمَجْدِ اللهِ الآبِ."
تشرية عبارة "تَجْثُوَ بِاسْمِ يَسُوعَ كُلُّ رُكْبَةٍ" إلى العبادة. أدرجت اليهودية الهلنستية العديد من الكائنات السماوية، مع التسلسلات الهرمية المصاحبة لها (رؤساء الملائكة، الشيروبيم، السيرافيم، إلخ)، ولكن لم يدع أحد قط إلى عبادة أي من هذه الكائنات – لأنهم كانوا يخدمون لله وحده. هذا هو الموضع الذي سيبدأ فيه المسيحيون عملية الانفصال عن الديانة الأم.
بولس والشريعة
كانت وظيفة بولس، كما رأى هو، أن يحمل "البشارة" إلى الأمم. كل ما كتبه تقريبًا عن الشريعة يتعلق بهذا الأمر. لم يُفهم أبدًا أن شريعة موسى كانت تُطبَّق على الأمم في التقليد الإسرائيلي، لذلك لم يكن الأمم بحاجة إلى أن يخضعوا للختان أو شريعة الطعام أو شريعة السبت. هذه الثلاثة هي محور التركيز، لأنها شعائر جسدية تُبقي الجماعات منفصلة، وكان بولس يسعي لكسر الحواجز بين الجماعات. كان بولس مصرًا على هذا الموضوع. أحد الأسباب هو أن هذا على الأرجح هو ما اختبره بولس - على الأرجح أنه لاحظ حدوث بعض مظاهر الروح القدس، عندما كانت الأمم يتعمدون (مثل التكلم بألسنة، واهتزاز الغرفة، والنبوة، وما إلى ذلك)، ولذلك كان مقتنعًا. إذا كان الله اختار أن يجيز الأمم بهذه الطريقة، فكيف لا يمكن أن يكونوا مشمولين في الملكوت؟
كان بولس فريسيًا، وهنا تكمن المشكلة، حيث كان للشريعة معني كبير بالنسبة له. كيف يمكن أن يخلق الله الشريعة، ثم لا يطبقها عالميًا؟ هنا يصبح الأمر معقدًا بعض الشيء - لا يمكنه أبدًا أن يقول إن الشريعة ليست صالحة، ولذلك فهو يدافع عنها، لكنه في الوقت نفسه لا يطبقها على الأمم، فبقيامه بذلك، يحشر نفسه أحيانًا في الزاوية، ويزودنا بقرون من الكتب العلمية والشروح حول هذا الموضوع بالذات.
تتناول رسالته إلى أهل غلاطية مشكلة الشريعة هذه. كانت خُطَّة بولس هي إنشاء جماعات في جميع أنحاء الإمبراطورية الشرقية، ثم البقاء معها على اتصال عن طريق الرسائل أو إعادة زيارتها للاطلاع على أحوالها. كانت غلاطية مقاطعة في وَسْط تركيا، وعلى ما يبدو، بعد رحيل بولس، جاء آخرون وبشروا بإنجيل مختلفًا، مما أغضب بولس من هذا الأمر، وقال: "وَلكِنْ إِنْ بَشَّرْنَاكُمْ نَحْنُ أَوْ مَلاَكٌ مِنَ السَّمَاءِ بِغَيْرِ مَا بَشَّرْنَاكُمْ، فَلْيَكُنْ (أَنَاثِيمَا)!". كان هذا الإنجيل المختلف يدعو إلى الختان والشرائع الغذائية وفرائض السبت، وهو الشيء نفسه الذي حارب بولس ضده، لذلك كرر تعاليمه في هذا الأمر لتلك الجماعات.
وجد بولس أساسه المنطقي، -بالعودة إلى الكتاب المقدس-، في قصة دعوة إبراهيم في سفر التكوين 12، فبوجود أسماء مثل (أبو الجمهور) والعهد، ادعى بولس أن الأمم كانت مشمولة في هذا العهد الأصلي ("الأمم" في اليونانية “ethnos\ἔθνος” هي ما يترجم "غير اليهود")، ولكن لماذا إذن أعطى الله الشريعة لموسى التي تحد من شمول الأمم؟ جادل بولس بأن الشريعة كان بمنزلة “pedagogus” "المعلم\ المرشد". كان “pedagogus”معلمًا، وغالبًا ما يكون عبدًا، يرافق الصبيان الصغار إلى المدرسة، ويقدم أيضًا دروسًا في المنزل، بعبارة أخرى، كان الشريعة بمثابة مرشد لتعريف الخطيئة، لأنه إذا لم نكن نعرف ما هي الخطيئة، فكيف يمكننا أن نختار؟ أما الآن فالمسيح هو "غاية الشريعة". تترجم بعض الأناجيل هذا على أنه "نهاية الشريعة"، ولكن بشكل أكثر دِقَّة يعني "هدف الشريعة".
هل هذا يعني أن أتباع المسيح من اليهود لم يعد عليهم اتباع الشريعة؟ بالطبع لا - إذا كنت مولودًا تحت حكم ذالشريعة، فأنت مطالب باتباعها.
لُخِّصَت تعاليم بولس على مر القرون في عبارة "الرسالة الخالية من الشريعة إلى الأمم"، ولكن هذه في الحقيقة تسمية خاطئة وأدت إلى العديد من الاستنتاجات الخاطئة عن فكر بولس. كان على الأمم أن يكونوا متحررين من الختان والشريعة الغذائية وشرائع السبت ولكن عدم التحرر التام من الشريعة. لا تتصوروا للحظة واحدة أن بولس سمح لأممه بالاستمرار في عبادة الأوثان أو أي عادات وثنية أخرى، وأدخل المفاهيم الأخلاقية والخيرية اليهودية في مجتمعاته. يطبق إ. ب. ساندرز في كتابه "بولس" الأساليب العلمية الاجتماعية الحديثة على دراسة آراء بولس عن الشريعة ويخلص إلى أنه يتبع نمطًا من الديانة أو كيف يدخلها المرء، وكيف يبقى فيها، بالنسبة لبولس، لا يدخل الأمم في الديانة عن طريق اتباع الشريعة، ولكن بمجرد دخولهم يتبعون الشريعة (أو نسخة بولس منها).
أصبحت عبارة أخرى لبولس أساسًا لقرون من التفسير، وبلغت ذروتها لحظة انفصال مارتن لوثر عن الكنيسة الكاثوليكية في روما. ادعى بولس أن الأمم يخلصون بالإيمان وحده، وليس بأعمال الشريعة، ما كان يقصده بأعمال الشريعة هي تلك الحواجز الشعائرية بين الجماعات مثل: الختان، والقوانين الغذائية، وما إلى ذلك، ولكن لعدة قرون، فُهمت هذه الشعائر على أنها الفجوة الكبيرة بين اليهودية والمسيحية. إن قراءة متأنية لرسائل بولس تشير إلا أنه لا يضع نفسه ضد اليهودية في حد ذاتها، بل ضد أولئك المسيحيين الآخرين الذين يعتقدون أن على الأمم أن يصيروا يهودًا أولًا قبل الدخول في الجماعة. من هم هؤلاء المسيحيون الآخرون؟ نعتقد أنهم كانوا على الأرجح مسيحيين ليسوا من الأمم، ولا اليهود، فلماذا يدعو المسيحيون- الأممين إلى الختان؟
يقول بولس أنه بعد أن كان في حقل التبشير عدة سنوات، صعد إلى أورشليم لحضور اجتماع مع الأمم (قد يكون أو لا يكون الاجتماع الذي يرويه لوقا في أعمال الرسل 15). كان التوقيت غريبًا (يضع العلماء الاجتماع حوالي 49م/50م)، وبحسب لوقا، قُبِلت الأمم بعد لقاء بطرس مع كورنيليوس، فلماذا بعد سنوات يلزم عقد اجتماع لتسوية المسألة؟ تقول إحدى النظريات هي أن الوقت كان يمضي ولم يعود يسوع، ربما ظن بعض المسيحيين من الأمم أنهم أخطأوا بعدم تهودهم أولًا، وظنوا أنهم بذلك سيساعدون في تسريع وقت النهاية.
بولس ليس قلقًا بشأن الزمن بالطريقة نفسها، حيث قرر بخبرته الخاصة أنه عندما اتجهت الأمم إلى إله إسرائيل، كان هذا علامة للأيام الأخيرة (عنصر من عناصر التقليد النبوي المتعلق بالتدخل النهائي من قبل الله)، وبصفته "رسول الأمم"، كان دوره بين هذه المجموعة حاسمًا في التبشير بهذه العناصر الأخيرة، بعبارة أخرى، ينتظر الملكوت وصول بولس إلى أكبر عدد ممكن من الأمم، وبمجرد أن يتحقق ذلك، سيرى اليهود النور وينضموا (رومية 9-11).
الوفاة
لا يمكننا تأكيد مكان وكيفية وفاة بولس. إن رسالة بولس إلى رومية هي على الأرجح واحدة من آخر أعماله الباقية التي أخبر فيها جمهوره أنه ذاهب إلى أورشليم في زيارة ثم سيأتي إلى روما لرؤيتهم (مع خطط لمواصلة الطريق إلى إسبانيا). روى لوقا قصة القبض على بولس في أورشليم، حيث كان له (بصفته مواطن روماني) الحق في الاستئناف لدى الإمبراطور الروماني. ينتهي سفر أعمال الرسل بمشهد بولس وهو رهن الإقامة الجبرية في روما، مواصلًا تبشيره، ولا نجد مادة أسطورية عن محاكمة بولس في روما (مع رسائل مزعومة بين بولس والفيلسوف الرواقي سينيكا) إلا في روايات لاحقة من القرن الثاني الميلادي، حيث بعد إدانته، قُطعت رأسه ودُفن جثمانه خارج أسوار المدينة، على الطريق إلى أوستيا، حتى لا يتحول قبره إلي مزار، ولكن، سيصبح هذا الموقع بعد ذلك بسنوات، كنيسة القديس بولس الحالية في روما، خارج الأسوار، ولطالما ادعى الفاتيكان أن جثمانه يرقد في تابوت داخل الكنيسة.