إريدو

10 الأيام المتبقية

استثمر في تعليم التاريخ

من خلال دعم مؤسسة تاريخ العالم الخيرية، فإنك تستثمر في مستقبل تعليم التاريخ. تبرعك يساعدنا على تمكين الجيل القادم بالمعرفة والمهارات التي يحتاجونها لفهم العالم من حولهم. ساعدنا في بدء العام الجديد استعدادًا لنشر معلومات تاريخية أكثر موثوقية مجانًا للجميع.
$3096 / $10000

تعريف

Joshua J. Mark
بواسطة ، تمت ترجمته بواسطة Al-Hussain Al-Tahir
نُشر في 20 July 2010
متوفر بلغات أخرى: الإنجليزية, الفرنسية, صربي, أسباني
استمع إلى هذه المقالة
X
طباعة المقالة
Representation of the Port of Eridu (by Таис Гило, Public Domain)
تمثيل ميناء إريدو
Таис Гило (Public Domain)

اريدو هي تل أبو شهرين في العراق حاليًا. عدّها السومريون أول مدينة في العالم وهي بالفعل إحدى أقدم الأطلال الأثرية في وادي الرافدين. أُسِّست نحو 5400 ق.م واعتقد العراقيون القدماء أنها بُنيت بيد الآلهة مسكنًا للإله العظيم إنكي (إيا باللغة الأكدية)، الذي كان بدايةً إلهًا محليًا للمياه العذبة قبل أن يصبح إله الحكمة والسحر -من ضمن أمور أخرى- فيقف في مجمع الآلهة -إلى جوار آلهة مهمة مثل آنو وإنليل وإنانا- باعتباره أحد أعظم الآلهة العراقية.

يجعل ثبت الملوك السومري إريدو «مدينة للملوك الأوائل» فيقول «بعد أن هبطت الملوكية من السماء، كانت الملوكية في إريدو» وكانت هذه المدينة -بنظر سكان دويلات المدن السومرية اللاحقة- المدينة الرئيسية إبّان العصر الذهبي، بنفس الطريقة التي صوّر بها مدونو سفر التكوين «جنة عدن» باعتبارها الجنة الأسطورية، ويُرجح أن يكون أصل هذه الصورة التوراتية هو مدينة إريدو نفسها.

استمرت اريدو قائمة حتى نحو 600 ق.م حين هُجِرت بسبب الإفراط في زراعة أرضها -على الأرجح- فأمست أطلالًا.

المدينة الأولى

لا تمثل اريدو -في الأساطير السومرية- المدينة الأولى فحسب، بل تظهر باعتبارها بيتًا للآلهة أيضًا

تجعل الأساطير السومرية مدينة اريدو بيتًا للآلهة إضافة إلى كونها المدينة الأولى، وتجعلها -أيضًا- مقصَد الإلهة إنانا حين سافرت لاستلام هدايا الحضارة التي أنعمت عليها -بدورها- على البشر من مدينتها أوروك، والأخيرة هي المدينة التي تنافس اريدو -عند الباحثين المعاصرين- على لقب المدينة الأقدم في العراق، بل في العالم أجمع.

أما القدماء فلم يساورهم شك في كون اريدو هي المدينة الأولى، ويعطي ثبت الملوك السومري مدد حكم طويلة بشكل غير معقول لملوكها (بين 28 و36 ألف سنة) وأصرّ الكتبة السومريون على أن الملوكية هبطت من السماء إلى الأرض فأُسِّست أولًا في إريدو، ويكتب الباحث ستيفن بيرتمن عن ذلك:

جعلتها التقاليد أول مدينة يحكمها ملك قبل أيام الطوفان الأسطوري العظيم، أما من الناحية الآثارية فيمكن لنا تتبع المدينة حتى الألفية السادسة قبل الميلاد على الأقل، فإن كان الزعم التقليدي بعتاقة المدينة حقيقيًا، فستكون اريدو هي أول مدينة على وجه البسيطة (19)

إن لم تكن الأولى، فإريدو هي من بين أوائل المدن بالتأكيد. بنى العراقيون القدماء مدنهم عادةً فوق أطلال المستوطنات الأقدم (ولم يكونوا الوحيدين الذين فعلوا ذلك)، وقد كشفت التنقيبات في اريدو عن تعاقب عمراني يرجع بتاريخه إلى عصر العبيد (نحو 6500 ق.م - 3800 ق.م)، ولم ينقطع وجود هذه المنشآت العمرانية أبدًا، وقد بلغ أوجَه إبان عصر سلالة أور الثالثة (نهاية الألفية الثالثة ق.م) برعاية ملوك أور -ومنهم أورنمو وشولكي- وتلفت الباحثة غويندولين ليك نظرنا إلى أن «اريدو لم تكن عاصمة لأيِّ سلالة حكمت سومر، بل كانت أهميتها دينية لا سياسية باعتبارها الحرم الرئيسي للإله إنكي» (62)، وإنكي هو رب الحكمة الذي أولته نصوص عراقية قديمة كثيرة اهتمامًا عظيمًا، وخصوصًا النصان اللذان يرويان قصة الطوفان العظيم: أتراحاسيس وسفر تكوين إريدو.

إنكي وإريدو

كانت إريدو موطن إنكي ومركز عبادته. ويعلّق بارتمان بشأن أطلال معبد إنكي فيقول:

وجِد معبد الإله ويظهر أنه أُعيد بناؤه مرارًا عبر آلاف السنين، وقد كان في مرحلته الأولى (نحو 5500 ق.م) مبنيًا من الطابوق الطيني (اللبن) بأبعاد تُقدّرُ بـ 12 في 15 قدمًا [بمساحة تبلغ نحو 17 مترًا مربعًا] يحتوي منصة أو مذبحًا بسيطًا لتقديم الأضاحي وكوّة (محرابًا) لأجل تمثال الإله، وهناك أدلة وجِدت في دورٍ بنائي لاحق هي عبارة عن بقايا عظام أسماك والرماد المتخلف عن حرقها، وجِدت مبعثرة على الارض المحيطة بالمذبح ما يُشير إلى أن وجبة الإله المفضلة كانت أسماك المياه العذبة. إنّ عتاقة المعبد تجعله الأقدم في التاريخ العراقي عمرانيًا ودينيًا (20)

ارتبط إنكي بالمياه العذبة مثلما ارتبطت إريدو بها إذ كانت المدينة تقع في أهوار الفرات الجنوبية، ولذلك ليس من المستغرب أن يبرز دورا إنكي وإريدو في قصص الطوفان العظيم التي منها تطوّرت قصة نوح وسفينته لاحقًا.

أقدم قصص الطوفان العظيم هي ما ورد في ما اصطُلِح على تسميته سفر تكوين اريدو (كُتب نحو 2300 ق.م) وغني عن القول إنها تسبق قصة الطوفان في سفر التكوين التوراتي. ويسرد تكوين اريدو قصة رجل صالحٍ يُدعى أوتنابشتم (يُعرف باسمي أتراحاسيس وزيوسدرا أيضًا) بنى سفينة كبيرة بمشيئة الآلهة وجمع فيها «بذرة الحياة» حسبما اقترح عليه إنكي. كان الأخير قد أدى دورًا محوريًا -من قبلُ- في خلق الإنسان فلما تعب ملك الآلهة إنليل من صخب البشر وقرر تدميرهم كان إنكي هو مَن أنقذ الحياة بإنقاذه أوتنابشتم ومعه كل حيوانات الأرض.

ربما كان سفر تكوين اريدو أول تدوين لتقليد شفهي قديم يعود إلى سنة 2800 ق.م حين فاض الفرات عن ضفافه فغمر المنطقة، وقد كشفت تنقيبات ليونارد وولي سنة 1922 م عن طبقة غرينية عمقها 8 أقدام -مصدرها نهر الفرات على الأرجح- يبدو أنها تدعم فرضية وجود طوفان مدمِّر أغرق المنطقة نحو 2800 ق.م، وأوضحت ملاحظات تنقيبية كتبها ماكس مالوان؛ مساعد وولي، أن الطوفان كان حدثًا محليًا لا عالميًا.

وجِدت نسخة أولية من قصة جنة عدن في إريدو، تحكي كيف لعن إنكي الحائك (أو البستاني) تاكتوك (تاغتوغ) لأكله ثمرة الشجرة المحرّمة في الجنة بعد أن مُنِع عنها. وكذلك ارتبطت إريدو بقصة الحكيم أدابا (ابن إنكي) الذي عرّفه إله الحكمة بمعنى الحياة وأنعم عليه بالفهم العميق، قبل أن يخدعه ليحرمه من أكثر شيء رغب فيه: معرفة الحياة دون موت؛ أي الحياة الأبدية.

تظهر الرغبة في الحياة الأبدية بإلحاح في الأدب العراقي القديم، وخصوصًا عند السومريين، وقد أوجزتها قصة كلكامش ملك أوروك. وعلاقة أريدو بأوروك هي أن الأولى فقدت أهميتها التي نالتها في بدء الزمان لصالح الثانية، وقد رأى بعض الباحثين (مثل كريمر وكريواكزك) في انتقال السلطة والنفوذ هذا بداية تحول العراق إلى حياة المدينة؛ إذ كان انتقالًا مهمًا من نموذج الحياة الريفية الزراعية إلى نموذج يتمحور حول المدينة.

نستطيع النظر إلى أسطورة إنانا وربِّ الحكمة باعتبارها ترميزًا عتيقًا لهذا الانتقال النموذجي في الثقافة السومرية؛ إذ تروي الأسطورة كيف أعطى إلهُ إريدو إنكي إلهةَ أوروك إنانا المي المقدسة (هدايا الحضارة المقدسة). وهكذا حلت أوروك -وهي المركز التجاري المزدهر- محلّ إريدو الريفية.

Map of Sumer and Elam
خريطة سومر وعيلام
Phirosiberia (CC BY-SA)

إريدو بصفتها بابل

لا يعني ذلك أن اريدو لم تكن مركزًا تجاريًا مهمًا، بل ومركزًا دينيًا كذلك، وإبان ازدهارها كانت الموقع الذي صُهِرت فيه الثقافات وانتعش التنوّع، كما تدلّ الأعمال الفنية العديدة التي عُثِر عليها بين أطلالها، وعمّ الرخاء المدينة في عهد أورنمو وابنه شولكي. يكتب بيرتمان عن ذلك:

كان سكان اريدو القديمة فخورين -بحق- بمنشأة معمارية أخرى -إلى جانب معبد إنكي- هي الزقورة العظيمة التي أمر بإنشائها ملك أور أورنمو وابنه شولكي نحو 2100 ق.م. ومع أن قاعدتها المتآكلة المبنية من الطابوق المشوي بالأفران (الآجر المشوي) لا ترتفع -اليوم- إلا 30 قدمًا [نحو 9 أمتار] إلا أن عرضها وطولها يمتدان لأكثر من 150 في 200 قدمًا [نحو 46 في 61 مترًا]، وقد ارتفع فوق القاعدة بنيان عظيم في الزمن القديم (20)

أما زقورة أمار-سين في مركز المدينة [فربما] كانت نموذج برج بابل المذكور في سفر التكوين التوراتي، مثلما ارتبطت اريدو نفسها ببابل الموصوفة في التوراة [إحتمالًا]؛ إذ أن الاكتشافات الآثارية تدعم فرضية أن زقورة أمار-سين أكثر شبهًا ببرج بابل الموصوف في التوراة من أي وصفٍ وردنا لزقورة بابل.

[قد يزيد ميلُنا لهذه الفرضية] إن علمنا أن المؤرخ البابلي بيروسوس (برعوشا) الذي عاش نحو 200 ق.م والذي كان مرجعًا رئيسيًا للكتّاب الإغريق اللاحقين كان يشير -كما يبدو- إلى إريدو حين كان يكتب عن «بابلون» فنظن أنه يكتب عن «بابل»، إذ تقع «بابله» في أهوار الفرات الجنوبية يرعاها إله الحكمة والمياه العذبة. تقترح كل هذه الارتباطات بشدّة أن اريدو هي بابل الموصوفة في الكتاب المقدس، إذ تناقلت الأجيال -على الأرجح- قصة زقورة أمار-سين العظيمة شفهيًا حتى أثبتها بيروسوس في كتاباته.

الخاتمة

هجر سكّان اريدو مدينتهم على دفعات عبر السنين لأسباب مجهولة عمومًا حتى خلت المدينة من أهلها تمامًا نحو 600 ق.م، وربما كان السبب الرئيسي هو الإفراط في استعمال الأرض للزراعة؛ إذ يُشير الباحث لويس ممفورد -الذي درس ظاهرة المدينة القديمة والحديثة- إلى أن المدينة -أيَّ مدينة- ستضمحل حين «تتوقف عن عيشِ علاقةٍ تكافلية مع الأرض المحيطة بها» (6)، وهذا هو -بلا شك- سبب سقوط كثير من -إن لم نقل معظم- مدن العراق القديم العظيمة التي لم يدمّرها الغزاة.

باعتبارها مركزًا دينيًا وتجاريًا ذائع الصيت، لا شك في أن اريدو جذبت العديد من الناس حُجّاجًا وتجارًا فاستضافتهم إلى جانب سكانها، وهكذا استُنفدت موارد المنطقة المحيطة بها بشكل كبير -كما يبدو- حتى اضمحلت تمامًا. ومن الممكن -بل والمرجَّح- أن المدينة كانت تُهجر بشكلٍ دوريٍّ للسماح للأرض بالتعافي.

أيًّا يكن سبب انصراف الناس النهائي عن المدينة فإنَّ أطلال اريدو -اليوم- تغطيها كثبان الرمال التي حملتها رياح الزمان، فلم يبق إلا القليل مما يذكّر الزائر بالمدينة العظيمة التي أسستها الآلهة وأحبتها لقرون طوال.

قائمة المصادر والمراجع

موسوعة التاريخ العالمي هي إحدى شركات Amazon Associate وتحصل على عمولة على مشتريات الكتب المؤهلة.

نبذة عن المترجم

Al-Hussain Al-Tahir
كاتب: من بلاد الرافدين: مساهمة العراق في الحضارة العالمية. نشر عددًا من المقالات حول التاريخ القديم على موقع «الحوار المتمدن».

نبذة عن الكاتب

Joshua J. Mark
كاتب مستقل وأستاذ سابق بدوام جزئي في الفلسفة في كلية ماريست، نيويورك، عاش جوشوا ج. مارك في اليونان وألمانيا وسافر إلى مصر. قام بتدريس التاريخ والكتابة والأدب والفلسفة على المستوى الجامعي.

استشهد بهذا العمل

نمط APA

Mark, J. J. (2010, July 20). إريدو [Eridu]. (A. Al-Tahir, المترجم). World History Encyclopedia. تم استرجاعها من https://www.worldhistory.org/trans/ar/1-129/

أسلوب شيكاغو

Mark, Joshua J.. "إريدو." تمت ترجمته بواسطة Al-Hussain Al-Tahir. World History Encyclopedia. آخر تعديل July 20, 2010. https://www.worldhistory.org/trans/ar/1-129/.

أسلوب إم إل إيه

Mark, Joshua J.. "إريدو." تمت ترجمته بواسطة Al-Hussain Al-Tahir. World History Encyclopedia. World History Encyclopedia, 20 Jul 2010. الويب. 21 Dec 2024.