آيِّا صوفيّا

10 الأيام المتبقية

استثمر في تعليم التاريخ

من خلال دعم مؤسسة تاريخ العالم الخيرية، فإنك تستثمر في مستقبل تعليم التاريخ. تبرعك يساعدنا على تمكين الجيل القادم بالمعرفة والمهارات التي يحتاجونها لفهم العالم من حولهم. ساعدنا في بدء العام الجديد استعدادًا لنشر معلومات تاريخية أكثر موثوقية مجانًا للجميع.
$3081 / $10000

تعريف

Thomas Cohen
بواسطة ، تمت ترجمته بواسطة Malek Kanhoush
نُشر في 19 November 2015
استمع إلى هذه المقالة
X
طباعة المقالة
Hagia Sophia Panorama (by Mark Cartwright, CC BY-NC-SA)
منظر بانورامي لآيِّا صوفيّا
Mark Cartwright (CC BY-NC-SA)

لا تزال آيِّا صوفيّا في إسطنبول، التي بُنيت في الفترة من 532 إلى 537، تحظى بالاحترام باعتبارها واحدة من أهم المباني في العالم. صُمِّمَت آيِّا صوفيّا (باليونانية Ἁγία Σοφία، وتعني "الحكمة المقدسة") لتكون الكنيسة الرئيسية في الإمبراطورية البيزنطية، وحملت الرقم القياسي لأكبر قُبَّة في العالم حتى تم بناء كاتدرائية دومو (Duomo) في فلورنسا في القرن الخامس عشر. إضافةً إلى ذلك، أصبحت آيِّا صوفيّا أكثر أهمية بمرور الوقت حيث أن القُبَّة ألهمت المعماريّين اللاحقين عند بناء الكنائس والمساجد اللاحقة.

البناء والتصميم

بعد أن دمرت أعمال شغب نيكا (Nika) عام 532 البازيليكا السابقة في القسطنطينية، سعى الإمبراطور جوستنيان (Justinian) (حكم من 527 إلى 565) إلى إنشاء أعظم بازيليك في الإمبراطوريّة الرومانيّة. فكلَف اثنين من المهندسين المعماريّين هما أنتيميوس تراليس (Anthemios of Tralles) وإيزيدور ميليتس (Isidore of Miletus)، بإنشاء هيكل يليق بعاصمة الإمبراطورية الرومانيّة الشرقيّة. استخدم المهندسون المعماريّون، الذين كانوا في المقام الأول علماء رياضيات، مفاهيم معماريّة جديدة من أجل بناء ما أراده الإمبراطور البيزنطيّ بالضبط. ومن أجل خلق أكبر مساحة داخليّة ممكنة، صمموا قُبَّة مركزيّة هائلة ودعموها باستخدام طريقة بناء ثوريّة تسمى العقود. استُخدم في آيِّا صوفيّا أربعة عقود مثلثة تسمح لوزن القُبَّة الدائرية بالانتقال إلى بنية فوقيّة داعمة مربعة بالأسفل دون ركائز أو أعمدة ضخمة تقطع المساحة الداخلية.

القبة الهائلة الضخامة تُدعم باستخدام طريقة بناء ثورية.

تُظهر أبعاد الهيكل الموجود الشكل القريب من المربع لآيِّا صوفيّا: الطول 269 قدمًا (81 مترًا)، والعرض 240 قدمًا (73 مترًا). وترتفع القُبَّة الحالية 180 قدمًا (55 مترًا) فوق الأرضية الفسيفسائية. في العام 537 تم الانتهاء لأول مرة من البناء والقُبَّة الأولى التي انهارت جزئيًا في عام 557. أما القُبَّة الثانية، المصممة بأضلاع هيكلية وقوس أكبر من القُبَّة السابقة، فقد صممها ابن أخ أحد المهندسين المعماريين الأصليين وهو إيزيدور الأصغر (Isidore the Younger).

واجه إيزيدور الأصغر أثناء عملية الإصلاح العديد من المشكلات التي تسببت بانهيار القُبَّة الأصلية. أولاً، خلال عملية بناء القُبَّة الأصلية، استخدم البناؤون بلا مبالاة كمية من الملاط أكثر من الطوب. وإضافةً إلى ذلك، وخلال اندفاعهم لإكمال بناء القُبَّة الأصلية، لم ينتظروا تثبيت طبقة الملاط قبل وضع المستوى التالي من الطوب. ما تسبب بمشاكل بنيويّة تفاقمت بسبب القُبَّة التي كانت مسطحة جدًا. فعندما يكون قوس القُبَّة مستديرًا بما فيه الكفاية، فإن وزن وقوة الهيكل ينزلان إلى الركائز الداعمة. ومع ذلك، كان قوس القُبَّة الأصلي مسطحًا للغاية، مما أدى إلى أن تتجه قوة دفعه نحو الخارج ما أجبر الجدران الضعيفة أصلاً على الاستسلام. ولإصلاح هذه المشاكل، قام إيزيدور الأصغر بزيادة ارتفاع القُبَّة، مما أدى إلى زيادة التقوّس والعمق، وأضاف 40 ضلعًا لتوفير الدعم. ومع ذلك فقد اضطُر، قبل إجراء هذه التحسينات، إلى إعادة بناء الكثير من الجدران الأصلية وشبه القباب من أجل جعل القُبَّة الجديدة تدوم لفترة أطول من الأولى.

وصف القُبَّة

هذا التاريخ لجيلين من المهندسين المعماريين والقبتين المنفصلتين معروفٌ من خلال الكُتّاب البيزنطيين ومن خلال المسوحات المعماريّة في القرن العشرين. تم توثيق روعة آيِّا صوفيّا على مر القرون كما هو موضح في هذا الوصف من قبل بطريرك القسطنطينية في القرن التاسع المسمى فوتيوس (Photios):

يبدو الأمر كما لو أن المرء كان يخطو إلى السماء نفسها دون أن يقف أحد في الطريق في أي نقطة؛ يستنير المرء ويُذهل بالجمال المتنوع الذي يتألق مثل النجوم في كل مكان. ثم يبدو أن كل شيء آخر في حالة من النشوة ويبدو أنَّ الكنيسة نفسها تدور حولها.

في القرن العشرين، كان العديد من المهندسين المعماريّين مفتونين بحجم آيِّا صوفيّا وأرادوا معرفة كيفية تصميمه وتنفيذه وبنائه. كان روبرت فان نيس (Robert Van Nice)، الذي يعمل لحساب دمبارتون أوكس (Dumbarton Oaks)، أول غربي يُتاح له الوصول إلى آيِّا صوفيّا العلمانية حديثًا في ثلاثينيات القرن العشرين. تم نشر التحليل الهيكلي لفان نيس لاحقًا في الستينيات.

Hagia Sophia Interior
داخل آيِّا صوفيّا
Mark Cartwright (CC BY-NC-SA)

إن الصفات الجمالية للتصميم الهندسي هي أكثر ما يثير اهتمام أعمال القرن العشرين حول آيِّا صوفيّا. ونظرًا لارتباط الجمال والتناغم والرياضيات، فإن الوصف الموضوعي لآيِّا صوفيّا يكشف عن جمال معين فيما يتعلق بتصميمها. وينطبق هذا على العديد من العمائر التي بنيت في روما القديمة والقسطنطينية العتيقة المتأخرة، على سبيل المثال. وكما كتب أنتوني كاتلر (Anthony Cutler) في الخمسينيات من القرن الماضي، "إن السمة الأساسية والواضحة للعمارة البيزنطية المبكرة هي العلاقة التخصصية بين الرياضيات والميكانيكا الهيكلية". على سبيل المثال، يستخدم تصميم آيِّا صوفيّا العقود كخيار جمالي يخلق الانسجام والتماثل. وفقًا لكاتلر، فإن الشكل المثلثي للعقد هو حل هندسي لمشكلة هندسية يخلق تأثيرًا جماليًا في نفس الوقت. هذا التفاعل بين الهندسة والجمال هو ما يميز عبقرية الفهم والهندسة البيزنطية. يرمز تصميم القُبَّة إلى شيء هائل وجميل.

الديكور الداخلي

كان الفضاء الداخلي لآيِّا صوفيّا مبتكرًا في زخارفه أيضًا. فالفضاء الداخلي مكسوٌّ بألواح رخامية ضخمة ربما تم اختيارها وتصميمها لتقليد المياه المتحركة. تطفو القُبَّة المركزية على حلقة من النوافذ مدعومةً باثنتين من أنصاف القباب وفتحتين مقوستين. وهذا يخلق صحنًا هائل الاتساع وغير منقطع. كانت العقود مغطاة بفسيفساء ضخمة لملائكة ذات ستة أجنحة تسمى هيكسابتريجون (hexapterygon – ما يعرف أيضاً بالسيرافيم في الأدبيات المسيحية - المترجم). الفتحتان المقوستان مدعومتان بأعمدة ضخمة من الرخام السماقي تنحدر حتى الأرض.

كان صحن الكنيسة في الأصل مكسوّاً بالفسيفساء البيزنطية الزاخرة بالتفاصيل والتي تصور مشاهد وأشخاصًا من الأناجيل. بعد الغزو العثماني، تمت تغطية العديد من لوحات الفسيفساء المسيحية هذه بالخط الإسلامي ولم يتم اكتشافها إلا في القرن العشرين بعد علمنة تركيا (عندما تم تحويلها إلى متحف آيِّا صوفيّا في عام 1935). يتضمن ذلك الفسيفساء الموجودة على القُبَّة الرئيسية والتي يرجح أنها للمسيح الضابط الكل (كلي القدرة)، والتي امتدت على السقف بالكامل وهي الآن بلوحة رائعة من الخط الذهبي. يوجد على أرضية الصحن "الأمفاليون" (سرة الأرض)، وهي عبارة عن لوح رخامي دائري كبير حيث تم تتويج الأباطرة الرومان والبيزنطيين. كانت إحدى الإضافات الأخيرة التي قام بها السلاطين العثمانيون لإنهاء التحول من الكنيسة المسيحية إلى المسجد الإسلامي، هي إدراج ثماني رصائع ضخمة معلقة على أعمدة في الصحن، مكتوب عليها بالخط العربي عدة أسماء هي: الله، والنبي محمد، وأسماء أول أربعة خلفاء راشدين، وحفيدي النبي. أضاف العثمانيون أيضًا محرابًا ومنبرًا وأربعة مآذن ضخمة لاستكمال التحول إلى مسجد إمبراطوري.

Hagia Sophia Interior Ceiling
السقف الداخلي لآيِّا صوفيّا
Jeison Higuita (Public Domain)

تأثيرها اللاحق على المعماريين

استفادت العبقرية الجريئة للمهندسين المعماريين في القرن السادس من العقود والطبل على نطاق لم يكن يُعتقد قبلاً أنه ممكن. يتضمن استخدامهم للتقنيات المبتكرة مجموعة من الطوب أخف وزنًا وأكثر مرونة من الحجر الصلب أو الخرسانة مما سمح للقُبَّة بإنشاء مساحة داخلية لم يتم تجاوزها في أوروبا الغربية لمدة 1000 عام. بالإضافة إلى ذلك، بعد سقوط القسطنطينية: 1453، استمرت عبقرية مهندسي آيِّا صوفيّا في السيطرة على الإمبراطورية العثمانية الغازية التي استفادت من تصاميمها في مساجدها. غزا العثمانيون المدينة، لكن الثقافة الفنية للبيزنطيين، بطريقة ما، غزت العثمانيين. تم تحويل آيِّا صوفيّا، بأوامر من محمد الثاني الفاتح، إلى مسجد في غضون أيام من الفتح، مع الحفاظ على تراث العمارة البيزنطية في شكل وعصر جديدين.

Painting of Hagia Sophia
لوحات آيِّا صوفيّا
Mohawk Games (Copyright)

تأثر المهندس المعماري العثماني الأكثر شهرة، سنان، بشكل مباشر بواسطة آيِّا صوفيّا وغيرها من العمائر البيزنطية. أثناء عمله في عهد سليمان القانوني، صمم سنان العديد من المساجد الإمبراطورية وغيرها من الهياكل بنفس العقود المدعمة بقُبَّة نصف كروية قائمة على أنصاف قباب متوازية وجدران. نسقٌ وتصميم مستوحيان بالتأكيد من آيِّا صوفيّا. يقترح هاموند (Hammond) أن أعظم أعمال سنان، مسجد السليمانية الذي اكتمل بناؤه عام 1557، يحافظ على استمراريته مع آيِّا صوفيّا بينما يقوم في نفس الوقت بتجميعه مع الابتكارات المعمارية لعصر النهضة المعاصرة التي تحدث في إيطاليا.

تأثرت المساجد العثمانية اللاحقة بنفس القدر بآيِّا صوفيّا. يحتفظ المسجد الأزرق، على سبيل المثال، بتصميم مستوحى من آيِّا صوفيّا، حيث يعتمد هذا التصميم على ابتكارات آيِّا صوفيّا في العقود وأنصاف القباب لخلق مساحة داخلية. بالإضافة إلى ذلك، فالإسلام استخدم الأشكال والأنماط الهندسية، في مقابل التصوير المسيحي الأرثوذكسي المستخدم في الأيقونات، ويجد أيضًا استمرارية في استخدام الهندسة اليونانية – الرومانية - البيزنطية في العمارة المقدسة كما ذكرنا سابقًا. في الواقع، فإن سنان نفسه الذي بنى السليمانية عمل أيضًا على إصلاح آيِّا صوفيّا التي يعود تاريخها إلى ألف عام في عهد سليم الثاني.

إضافةً إلى تأثير آيِّا صوفيّا على العمارة العثمانية، فقد ألهمت أيضًا العمارة الأرثوذكسية اليونانية والروسية وأثرت عليها لعدة قرون. فيكتوريا هاموند (Victoria Hammond)، مؤلفة كتاب رؤى الجنة: القُبَّة في العمارة الأوروبية، تشير إلى أن البازيليكات الأرثوذكسية الروسية في موسكو وكييف، على وجه الخصوص، كانت مستوحاة مباشرةً من اتصال الموسكوفيين المبكر بالقسطنطينية في القرن العاشر.

وعلى الرغم من انتهاء الانتقال من البيزنطية إلى العثمانية مع إزالة الأيقونات المسيحية، إلا أن آيِّا صوفيّا استمرت في وظيفتها فضاءً مقدسًا كمسجد يسمى آيِّا صوفيّا. وحتى اليوم تحافظ آيِّا صوفيّا على مكانتها كمكان مقدس، على الرغم من موقعها الحالي كمتحف علماني (المقال مكتوب قبل قرار الرئيس التركي أردوغان إعادة تحويل كاتدرائية آيِّا صوفيّا إلى مسجد في 24 يوليو/تموز 2020 – ملاحظة المترجم)، بسبب ما يلهمه، وما يرمز إليه، والتأثيرات التي تحدثها على الزوار. إن رؤية المهندسين المعماريين الأصليين للهيكل باعتباره توليفًا للدين والرياضيات تحدد تأثيره على المشاهد. وفي المقابل، فإن تأثير آيِّا صوفيّا على العين هو الذي يحدد أهميتها الدائمة وجمالها. يوضح حجمها ورمزيتها وتفوق مواد البناء ما قاله جستنيان عندما تم الانتهاء منه لأول مرة في عام 537، "يا سليمان، لقد تفوقت عليك!"

قائمة المصادر والمراجع

  • Cutler, A. "Structure and Aesthetic at Hagia Sophia in Constantinople." The Journal of Aesthetics and Art Criticism, Autumn, 1966, pp. 27-35.
  • Hammond, V. Visions of Heaven: The Dome in European Architecture. New York: Princeton Architectural Press, 2005
  • MacDonald, W. "Design and Technology in Hagia Sophia." Perspecta, 1957, pp. 20-27.
  • Mainstone, R. "Justinian's Church of St. Sophia, Istanbul: Recent Studies of Its Construction and First Partial Reconstruction." Architectural History, 1969, pp. 39-49.
  • Mark, R. Hagia Sophia from the Age of Justinian to the Present. Cambridge University Press, Cambridge, 1992
  • Smith, B. "The Dome: a Study in the History of Ideas." Princeton Monographs in Art and Archaeology, 25/1978.
  • Van Nice, R.L. "The Structure of St. Sophia." Architectural Forum, 63/1963, pp. 23-49.

نبذة عن المترجم

Malek Kanhoush
كاتب مستقل، مهتم بالتاريخ، حائز على شهادة مشاركة في دورة تعليمية وتطبيقية لعلم المخطوطات وعلم إدارة الوثائق ممنوحة من قبل قسم المخطوطات والتوثيق في أبرشية حلب المارونية، تحت إشراف الخبير أستاذ العلوم الإنسانية الشرقية وعلم المخطوطات والتوثيق مكاريوس جبور.

نبذة عن الكاتب

Thomas Cohen
توم هو محرر في معهد بيرجروين Berggruen وقد كتب لمنشورات مثل WorldPost، وHuffington Post، وZocalo Public Square. وهو حاصل على درجة الماجستير في الفلسفة من جامعة الدومينيكان والبكالوريوس في الكلاسيكيات من كلية سانت ماري.

استشهد بهذا العمل

نمط APA

Cohen, T. (2015, November 19). آيِّا صوفيّا [Hagia Sophia]. (M. Kanhoush, المترجم). World History Encyclopedia. تم استرجاعها من https://www.worldhistory.org/trans/ar/1-14168/

أسلوب شيكاغو

Cohen, Thomas. "آيِّا صوفيّا." تمت ترجمته بواسطة Malek Kanhoush. World History Encyclopedia. آخر تعديل November 19, 2015. https://www.worldhistory.org/trans/ar/1-14168/.

أسلوب إم إل إيه

Cohen, Thomas. "آيِّا صوفيّا." تمت ترجمته بواسطة Malek Kanhoush. World History Encyclopedia. World History Encyclopedia, 19 Nov 2015. الويب. 21 Dec 2024.