
عُدّت الدولة الوسطى (2040-1782 ق.م) العصر الكلاسيكي لمصر القديمة، والذي أنتجت خلاله بعضًا من أعظم أعمالها الفنية والأدبية، ولايزال العلماء منقسمين حول أي الأسر الفرعونية التي شكلت الدولة الوسطى حيث يرى البعض أنها تمتد من النصف الأخير من الأسرة الحادية عشر حتى الثانية عشر، والبعض الآخر من الثانية عشر حتى الرابعة عشر، والبعض الآخر من الثانية عشر والثالثة عشر.
غالبًا ما يُشار إلى الأسرة الثانية عشرة على أنها بداية الدولة الوسطي؛ بسبب التحسن الكبير في جودة الفن والعمارة، ولكن هذه التطورات لم تكن ممكنة إلا بسبب الاستقرار الذي حققته الأسرة الحادية عشرة للبلاد؛ ومن ثم فإن التواريخ الأكثر شيوعًا للدولة الوسطى هي (2040-1782 ق.م)، والتي تشمل الجزء الأخير من الأسرة الحادية عشرة حتى منتصف الأسرة الثالثة عشرة.
لم تكن الأسرة الثالثة عشرة قوية أو مستقرة مثل سالفتها، حيث سمحت لشعب مهاجر عُرف باسم الهكسوس باكتساب السلطة في مصر السفلى، والذي نما في النهاية بقوة كافية لتحدي سلطة الأسرة الثالثة عشرة والدخول في العصر المعروف باسم عصر الاضمحلال الثاني (حوالي 1782- 1570 ق.م)، ووفقًا لكل التقديرات المتعلقة بالدولة الوسطى، فإن مصر وصلت إلى أعلى مراحلها الحضارية خلال الأسرة الثانية عشرة، وأثرت ابتكارات هذا العصر على بقية تاريخ مصر.
إن التسميات مثل "الدولة الوسطى" و"عصر الاضمحلال الثاني" هي من ابتكار علماء المصريات في القرن التاسع عشر الميلادي في محاولتهم لجعل تاريخ مصر الطويل أكثر سهولة. لم يستخدم المصريون القدماء أنفسهم مثل هذه التسميات لعصورهم التاريخية، تلك العصور التي تميزت بتوحيد البلاد في ظل حكومة مركزية قوية تسمى "دول" بينما تُعرف الفترات التي شهدت تفككًا أو اضطرابات سياسية أو اجتماعية طويلة الأمد باسم "عصور الاضمحلال"، ولكل عصر من هذه العصور خصائصه المميزة، بما في ذلك الدولة الوسطى، لكن العلماء زعموا أن هذا العصر يصعب ربطه بأي صورة أو إنجاز مركزي. ويعلق مارك فان دي ميروب على ذلك:
"في حين أن المصطلح الحديث "الدولة الوسطى" والعرض القديم [له] قد يوحي بأن هذا العصر يوازي الدولتين القديمة والحديثة، إلا أنه من الصعب في كثير من النواحي تعريف الدولة الوسطى أكثر من تلك العصور الأخرى، وبعبارات مبسطة، يمكننا أن نشير إلى الأهرام باعتبارها السمة المميزة للدولة القديمة وإلى الإمبراطورية بالنسبة للدولة الحديثة؛ ولا توجد سمة واحدة مماثلة تصف الدولة الوسطى، حيث كان عصر تحول." (97)
يمكن القول مع ذلك، بأن الدليل المادي على هذا التحول هو السمة المميزة له، فأدب وفن الدولة الوسطى لا يشبهان أي شيء جاء قبلها، وقد أثرا على كل ما جاء بعدها، وبالرغم من أن الدولة الوسطى لا تمتلك أهرام مثل الماضي أو القوة التي كانت تكمن في عصر الدولة الحديثة، إلا أن الإسهامات التي قدمها هذا العصر ساهمت بشكل كبير في تعريف الثقافة المصرية كما هي معروفة في الوقت الحاضر.
تأثير عصر الاضمحلال الأول
نشأت الدولة الوسطى في أعقاب عصر الاضمحلال الأول (2181-2040 ق.م)، وهو العصر الذي تقلصت فيه الحكومة المركزية إلى حد الانعدام تقريبًا وحُكم حكام الأقاليم (نومارك) لأقاليمهم (نُوُم) مباشرةً حتى نشأت مملكتان – هرقليوبوليس (إهناسيا) في مصر السفلى و(طيبة) في مصر العليا - من مدن الأقاليم الصغيرة وتنافستا على الحكم المركزي للبلاد.
هزم الأمير منتوحوتب الثاني (حوالي 2061-2010 ق.م)، حكام إهناسيا، وأصبحت طيبة عاصمة مصر. أُشيدَ بمنتوحوتب باعتباره "مينا الثاني" في إشارة إلى أول ملوك العصر العتيق في مصر (حوالي 3150-2613 ق.م)، وصاحب الوحدة التاريخية 3200 ق.م.
اعتاد العلماء تصوير الدولة الوسطى على أنها عودة إلى النموذج السابق، إلا أن البنية السياسية والاجتماعية في ذلك العصر كانت مختلفة تمامًا، بالرغم من محاولة حكام الدولة الوسطى محاكاة حكام الدولة القديمة في مصر. أدخل عصر الاضمحلال الأول مستوى من الثراء والاستقلال إلى أقاليم مصر لم يكن موجودًا في هيكل الدولة القديمة التي كانت ذات حكومة مركزية قوية للغاية، وعندما انتهي ذلك العصر مع إعادة توحيد منتوحوتب الثاني، بقيت تلك التغييرات في الثقافة، وبالرغم من أن الملك كان مرة أخرى حاكمًا لمصر كلها، إلا أن الموظفين المرؤوسين كانوا يعيشون ويتصرفون في كثير من الأحيان كملوك صغار، وكان هناك سهولة في الترقي في المجتمع لم تكن موجودة من قبل.
تظهر تغيرات عصر الاضمحلال الأول بوضوح في فن وأدب الأسرة الثانية عشرة، وهو ما يعطي الدولة الوسطى لقب "العصر الكلاسيكي". يظهر تأثير العديد من المناطق المختلفة في البلاد في العمارة والأعمال المكتوبة والنقوش واللوحات والمقابر في الأسرة الثانية عشرة، مما يشير بوضوح إلى أن التأثيرات الإقليمية كانت موضع ترحيب واحترام وأن التعبير الفني كان أكثر مرونة في هذا الوقت. كانت أعمال الدولة القديمة بتكليف وسيطرة الملوك وكانت موحدة في المظهر والأسلوب، في حين كانت أعمال الدولة الوسطى أكثر تنوعًا، ولم يكن لأي من هذه التغييرات أن تحدث لولا العصر الانتقالي المعروف باسم عصر الاضمحلال الأول.
عصر الاضمحلال الأول وصعود مدينة طيبة
لم تكن هناك حكومة مركزية قوية في مصر، بعد انهيار الدولة القديمة في أعقاب الأسرة السادسة، ويرجع ذلك جزئيًا إلى الأعمال العظيمة التي أمر بها ملوك الأسرة الرابعة الذين بنوا الأهرام في الجيزة. بدأ الملك سنفرو، أول حكام الأسرة الرابعة، في بناء الأهرام ووضع نموذجًا لتحويل الموارد والقوى العاملة لبناء المجمعات الجنائزية، وحذا خلفاؤه خوفو وخفرع ومنقرع (بناة أهرام الجيزة) حذوه، وليس من قبيل المصادفة أن هرم خفرع أصغر حجمًا ومجمعه أقل ترفًا من هرم خوفو الأكبر أو أن هرم منقرع أصغر من هرم خفرع، حيث نفدت الموارد الهائلة المطلوبة لهذه المشروعات مع استمرار الدولة القديمة.
لم يكن الأمر يتعلق فقط بتكلفة بناء المجمعات الهرمية، بل أيضًا بصيانتها، كانت الصيانة متروكة لكهنة المجمعات وحاكم الإقليم (المسؤول المحلي في المنطقة)، الذي كان يتلقى المال من الخزانة الملكية، ومع ازدياد الأموال التي كانت تذهب إلى الأقاليم من العاصمة في منف، ازدادت ثروة تلك الأقاليم بطبيعة الحال، ومع ازدياد شعبية عبادة إله الشمس رع، اكتسب الكهنة المزيد من الثروة والسلطة. أدى هذا الوضع، بالإضافة إلى أوضاع أخرى في ذلك الوقت، إلى نهاية الدولة القديمة.
أصبح لدي حكام الأقاليم، خلال عصر الاضمحلال الأول، سلطة السيطرة على مناطقهم دون اعتبار لمنف، وأصبحوا ملوكًا لأقاليمهم؛ حيث كانوا يصدرون القوانين ويفرضونها ويجمعون الضرائب دون التشاور مع الملوك الذين كانوا لا يزالون يحاولون الحكم من العاصمة القديمة. يمكن رؤية تنوع الأقاليم في مصر في هذا الوقت من خلال الفن والعمارة التي تعبر عن خصوصية كل منطقة منفصلة.
كانت طيبة في ذلك الوقت مدينة صغيرة على ضفاف النيل، ولم تكن لها مكانة أكثر من أي مدينة أخرى. نقل ملوك منف عاصمتهم إلى (إهناسيا)، ربما في محاولة منهم للسيطرة على عدد أكبر من السكان هناك، لكنهم ظلوا غير فعالين كما كانوا في المدينة القديمة، وفي حوالي عام 2125 ق.م، تحدى أحد ملوك طيبة واسمه (إنتف) سلطة إهناسيا وبدأ تمردًا جعل طيبة منافسًا لها. اكتسب كل من خلفاء (إنتف) المزيد والمزيد من الأراضي مع ازدياد قوة وثروة طيبة، وبُنيت مقابر كبيرة جديدة وقصور أعظم، إلى أن أصبحت طيبة عاصمة مصر مع صعود منتوحتب الثاني وهزيمة إهناسيا.
منتوحتب الثاني والأسرة الحادية عشر
بالرغم من أن منتوحوتب الثاني أصبح "مينا الثاني" الذي وحد مصر وأطلق عصر الدولة الوسطى، إلا أن الطريق إلى هذه الوحدة بدأه "إنتف الأول" ومهد له خلفاؤه. سار منتوحوتب الأول (حوالي عام 2115 ق.م) على خطى "إنتف الأول" وغزا الأقاليم المحيطة بطيبة مما عزز مكانتها بشكل كبير وزاد من قوة المدينة، وواصل خلفاؤه من بعده سياساته، ولكن يُنسب إلى "واع عنخ إنتف الثاني" (حوالي 2112-2063 ق.م) بعض أهم الخطوات نحو الوحدة حيث استولي على مدينة أبيدوس وطالب لنفسه بلقب "ملك مصر العليا والسفلى".
بنى منتوحتب الثاني على هذه النجاحات المبكرة ليهزم إهناسيا في النهاية، ثم عاقب بعد ذلك تلك الممالك التي ظلت على ولائها للملوك القدامى وكافأ تلك التي بجلت طيبة، وبمجرد أن بدأت عملية الوحدة، حوَّل منتوحتب الثاني اهتمامه إلى الحكم والمآثر العسكرية ومشروعات البناء. كتبت مارغريت بونسون:
"كان العصر الذي بدأ بسقوط إهناسيا في يد منتوحتب الثاني عصرًا من المكاسب الفنية العظيمة والاستقرار في مصر، حيث عززت الحكومة القوية مناخًا شهد قدرًا كبيرًا من النشاط الإبداعي. كان أعظم نصب تذكاري من هذا العصر في طيبة على الضفة الغربية لنهر النيل، في موقع يسمى الدير البحري، حيث أقام منتوحوحتب الثاني هناك مجمعه الجنائزي الضخم، وهو هيكل من شأنه أن يؤثر على المهندسين المعماريين في الأسرة الثامنة عشرة. شجعت أسرة منتوحوتب الملكية جميع أشكال الفن واعتمدت على البراعة العسكرية في إقامة حدود وعمليات تعدين جديدة." (78)
واصل منتوحوتب الثالث خليفة منتوحوتب الثاني، (حوالي 2010-1998 ق.م) سياساته ووسع نطاقها؛ فأرسل بَعثة إلى بلاد بونت (الصومال) وحصّن حدود شمال شرق الدلتا، ثم خلفه منتوحتب الرابع (حوالي 1997-1991 ق.م) الذي لا يُعرف عنه الكثير سوى أنه أرسل وزيره الذي يُدعى أمنمحات في بَعثة لاستخراج الأحجار. لم يُكشف النقاب عن فترة حكمه التي استمرت سبع سنوات كاملة، لكنه على الأرجح واصل سياسات أسلافه بنجاح لأنه عندما خلفه الملك أمنمحات كانت البلاد مزدهرة.
بداية الأسرة الثانية عشر
يدعي العلماء الذين يزعمون أن الدولة الوسطى لا تبدأ حقًا إلا مع الأسرة الثانية عشرة، بسبب حكم أمنمحات الأول (حوالي 1991-1962 ق.م) والثقافة التي صاغتها أسرته، تلك الأسرة التي حكمت مصر لمدة 200 عام تالية، وحافظت على دولة قوية وموحدة وتفاعلت بشكل كبير مع الأراضي المجاورة.
أُرسلَ أمنمحات عندما كان وزيرًا لمنتوحوتب الرابع في بعثة لاستخراج الحجارة لمشروع الملك، وأمر بعمل نقش للأحداث المذهلة التي مر بها. أولًا: وُلدت غزالة على الحجر الذي اِختير لغطاء تابوت الملك، مما يدل على أن الحجر اِختير بشكل صحيح لأنه كان مباركًا بالخصب والحياة. ثانيًا: هطلت عاصفة مطرية غير متوقعة على الحفل الذي ما إن انقض حتى كشف عن بئر كبيرة تكفي لسقي الحفل بِرُمَّته.
فُسِّر هذا النقش فيمَا بعد على إنه إشارة إلى أمنمحات الأول الذي اختارته الآلهة ليصبح ملكًا حيث من الواضح أن الآلهة سمحت له بتجربة معجزات لم تتح لغيره. يتوسع العمل التالي من الدولة الوسطى "نبوءة نفرتي" في هذه الفكرة عن طريق الادعاء بأنها كُتبت قبل عهد أمنمحات الأول و"تتنبأ" بملك "سيأتي من الجَنُوب، أميني المُبرِّر بالاسم" الذي سيحكم مصر الموحدة ويضرب أعدائه.
غادر أمنمحات الأول طيبة، لأسباب غير واضحة تمامًا، وأقام عاصمته وبلاطه في مدينة تدعى "إثيت تاوي" جَنُوب منف. الموقع الدقيق للمدينة غير معروف، ولكن من المحتمل أنها كانت بالقرب من اللشت (بالجيزة)، وكان يُشار إليها في الوثائق ببساطة باسم "مقر الإقامة". ووفقًا لفان دي ميروب فإن اسم "إثيت تاوي" يعني "أمنمحات المستولي على الأرضين"، مؤكدًا على وحدة مصر (101). ربما يكون أمنمحات نقل العاصمة إلى منطقة اللشت لينأى بنفسه عن الأسرة السابقة - التي وحدت مصر بالقوة - ويقدم نفسه كملك غير منحاز للأمة كلها.
كانت مدينة اللشت قريبة من العاصمة القديمة إهناسيا وقريبة من منطقة الفيوم الخصبة، ولذلك فإن وضع بلاط الملك هناك يشير إلى أن هذه الأسرة لم تكن فقط أسرة طيبة بل كانت مفتوحة لجميع المصريين، ويبدو أنه كانت هناك اضطرابات كبيرة في البلاط في نهاية حكمه، حيث تشير الأدلة إلى أنه اغتيل، وتشكل وفاته ومن خلفها خلفية للنص الأدبي المصري الشهير "قصة سنوحى".
العصر الكلاسيكي للدولة الوسطى
قام سنوسرت الأول (1971-1926 ق.م) الذي خلف أمنمحات الأول (حوالي 1971-1926 ق.م)، بتحسين البنية التحتية للبلاد، وبدأ في تنفيذ أنواع من مشروعات البناء الكبرى التي ميزت الدولة القديمة ومثّلت سلطة الملك، بما في ذلك معبد لآمون في الكرنك، الذي بدأ في بناء مجمع المعابد الكبير هناك. حذا أمنمحات الأول حذو "واع عنخ إنتف الثاني ومنتوحوتب الثاني" في منح السلطة فقط لمن يثق بهم من أفراد الأسرة الحاكمة والحد من سلطة حكام الأقاليم والكهنة المحليين.
كانت إحدى الطرق التي حد بها من سلطة حكام الأقاليم هي إنشاء أول جيش دائم، فقبل الأسرة الثانية عشرة، كان الجيش المصري يتكون من مجندين يربّيهم حكام الأقاليم ويرسلونهم إلى الملك. زاد أمنمحات الأول من سلطة التاج عن طريق إصلاح الجيش بحيث يصبح تحت سيطرته مباشرةً.
اتبع سنوسرت الأول نفس هذه السياسة، مما أدى إلى زيادة ثروة وسلطة العرش والحكومة المركزية مستقرة. كانت البيروقراطية في الأسرة الثانية عشرة بالغة الفاعلية، على عكس ما كانت عليه في الدولة القديمة، حيث حافظت على تركز الثروة مع الملك، لكنها سمحت بنمو وازدهار الأقاليم الفردية دون السماح لها بالنمو بقوة كبيرة. كان الملك يحكم مصر كلها، لكن الموظفين الأفراد كانوا يكافأون على ولائهم. كتب فان دي ميروب:
"أعلن الأعيان المحليون في جميع أنحاء مصر عن مكانتهم الخاصة بإقامة شواهد منقوشة عليها سيرهم الذاتية حيث ركزوا على إنجازاتهم الخاصة، وفي كثير من النواحي، يظهر هذا العصر نفس التنوع الثقافي الذي كان سائدًا في العصر السابق." (101)
أتاح عدم وجود توتر بين حكام الأقاليم والتاج نجاحًا كبيرًا في مشروعات البناء وتوسيع الحدود والدفاع والإنتاج الزراعي وتحسين المدن والطرق وتطوير الفن والأدب. كل هذه التحسينات جعلت مصر واحدة من أغنى دول العالم وأكثرها استقرارًا في ذلك الوقت. تلاحظ مارغريت بونسون:
"أغار ملوك الأسرة الثانية عشرة على سوريا وفلسطين وساروا حتي الجندل الثالث للنيل لإنشاء مراكز محصنة، وأرسلوا بعثات استكشافية إلى البحر الأحمر، مستخدمين الطريق البري إلى الساحل والطريق عبر وادي الطميلات والبحيرات المرة، ولتحفيز الاقتصاد الوطني بدأ هؤلاء الملوك أيضًا مشروعات ري ومشروعات هيدروليكية واسعة في الفيوم لاستصلاح الأراضي الخصبة هناك، وأنعشت الأراضي الزراعية التي أتاحتها هذه الأنظمة الحياة المصرية." (78-79)
بدأ سنوسرت الأول هذه السياسات بتجفيف البحيرة في وسط الفيوم عن طريق استخدام القنوات، ولم يقتصر ذلك على جعل الأرض الخصبة في قاع البحيرة متاحة للزراعة فحسب، بل حرر المياه ليسهل وصول المزيد من الناس إليها، وهو المسؤول عن المعبد الأبيض، وهو هيكل مهم لعلماء الآثار والباحثين لإدراج جميع الأقاليم في ذلك الوقت فيه.
دُمر المعبد الأبيض وأعيد استخدامه في معبد الكرنك ولكن رُمِّمَ بين عامي 1927-1930م، ويمكن رؤيته حتى اليوم، وبالرغم من مغادرة العاصمة طيبة، إلا أن المدينة لم تُهمل حيث استمر بناء المعابد هناك - خاصة معبد الكرنك العظيم - طوال عصر الدولة الوسطى وحتى الدولة الحديثة.
الفن في عصر الدولة الوسطى
على الرغم من استمرار توظيف التعبير الفني، لتمجيد الملك أو الآلهة، إلا أنه وجد موضوعًا جديدًا خلال الدولة الوسطى، فالفحص السريع لنصوص الدولة القديمة يُظهر أنها كانت إلى حد كبير من نوع مثل: (النقوش على الآثار والنصوص الهرمية والأعمال الدينية)، أما في الدولة الوسطى، وعلى الرغم من أن هذا النوع من النقوش لا يزل موجودًا، إلا أن الأدب الحقيقي تطور في الدولة الوسطى، فلم يتناول فقط الملوك أو الآلهة بل حياة عامة الناس والتجربة الإنسانية. تتساءل أعمال مثل: كتاب "أنشودة العازف" عن وجود حياة بعد الموت كما هو الحال في كتاب "النزاع بين الإنسان والبا (روحه)"، كما أن الأعمال النثرية الأكثر شهرة وشعبية مثل: "قصة البحار الغريق" و"قصة سنوحي" تنتمي إلى هذا العصر.
يركز النحت والرسم غالباً، على الحياة اليومية والمحيط المشترك، وكانت رسومات الجداول والحقول، وصور الناس وهم يصطادون السمك أو يمشون، أكثر شيوعًا في هذا الوقت، ورسمت صور الحياة والأنشطة اليومية في المقابر لكي تتذكر الروح الحياة التي تركتها على الأرض وتتحرك نحو حقل القصب، جنة الآخرة، التي كانت صورة طبق الأصل لما تركته وراءها. أصبحت التماثيل أكثر واقعية وطُوِّرَت تقنيات جديدة لخلق إبداعات أكثر وضوحًا وحياةً.
عمل تشييد المعابد، بعد المجمع الجنائزي العظيم لمنحوتب الثاني في طيبة، على خلق علاقة سلسة بين المعبد والمناظر الطبيعية المحيطة به، مما أدى إلى أن كل معبد بني في الأسرة الثانية عشرة تقريبًا يعكس معبد منتوحتب الثاني بدرجات أكبر أو أقل. شجع ملوك الأسرة الثانية عشرة هذا النوع من التعبير، كما أن علاقتهم الودية مع الأمراء المحليين جعلت من الأسرة الثانية عشرة واحدة من أعظم الأسر في تاريخ مصر.
الملك وحكام الأقاليم
خلف سنوسرت الأول أبنه أمنمحات الثاني (حوالي 1929-1895 ق.م) الذي ربما يكون قد حكم بالاشتراك معه، كان من السمات المميزة للدولة الوسطى ممارسة الحكم المشترك حيث كان يحكم رجل أصغر سناً، مع الملك المختار (عادة ما يكون ابناً) من أجل تعلم المنصب وضمان الانتقال السلس للسلطة. ينقسم العلماء حول ما إذا كانت هذه الممارسة رُوعِيَت فعلًا، بالرغم من أنه لا يوجد شك في بعض المراحل مثل: مرحلة أمنمحات الثاني وخليفته سنوسرت الثاني (حوالي 1897-1878 ق.م). يمكنا أن نري ممارسة الحكم المشترك من التواريخ المزدوجة لحاكمين منقوشة على الخراطيش الرسمية، ولكن معنى هذه التواريخ المزدوجة غير واضح.
لا يُعرف الكثير عن فترة حكم أمنمحات الثاني، علي عكس سنوسرت الثاني المعروف بعلاقاته الجيدة مع حكام الأقاليم وزيادة الرخاء في البلاد، ومن المثير للاهتمام أن نلاحظ أنه في عهد سنوسرت الثاني على وجه الخصوص، ازدهر حكام الأقاليم كما كان الحال في نهاية الدولة القديمة، ومع ذلك لم تتسببوا بمشاكل للتاج كما كان يحدث من قبل. كتب فان دي ميروب:
"كان ملوك الأسرة الثانية عشرة في "أثيت تاوي" أقوياء ولكنهم لم يكونوا وحدهم من يمتلكون الثروة والمكانة الاجتماعية، ولفترة طويلة خلال الدولة الوسطى احتفظت نخب الأقاليم التي كانت مستقلة إلى حد ما في عصر الاضمحلال الأول بسلطتها المحلية، وإن كان ذلك في إطار حكم ملك يحكم البلاد بأكملها." (103)
كان هؤلاء المسؤولون المحليون مخلصين للغاية لملوكهم كما يتضح من سيرهم الذاتية المنحوتة في مقابر مثل تلك الموجودة في بني حسن (على الرغم من أنها على الأرجح مثالية)، وجميع هذه المقابر كبيرة ومصممة بشكل جيد، مما يدل على ثراء أصحابها، وجميعها كانت لملوك أو مسؤولين إقليميين آخرين وليس لملوك.
سنوسرت الثالث وعصر مصر الذهبي
خلف سنوسرت الثاني أبنه سنوسرت الثالث (حوالي 1878-1860 ق.م)، الذي يعد أقوى ملوك ذلك العصر؛ حيث كان عهده مزدهرًا لدرجة أنه أُلِّهَ في حياته. يُعتبر سنوسرت الثالث نموذجًا لأسطورة سيزوستريس، الفرعون المصري العظيم الذي، وفقًا لهيرودوت، قام بحملات على أوروبا واستعمرها، ووفقًا ديودور الصقليّ، غزا العالم المعروف بأكمله. سنوسرت الثالث هو أفضل مرشح ليكون أساسًا للأسطورة سيزوستريس، حيث تميز عهده بالتوسع العسكري في النوبة وزيادة ثروة مصر وقوتها.
تدهورت هيبة حكام الأقاليم في عهد سنوسرت الثالث واختفى اللقب من السجلات الرسمية مما يشير إلى أن التاج استحوذ على المنصب. يدعم هذا التفسير تأسيس أقاليم أكبر تحت سيطرة الحكومة المركزية، لكن يبدو أن العائلات الفردية التي كانت تشغل هذا المنصب لم تفقد مكانتها، كما تشهد على ذلك مقابر بني حسن المذكورة سابقاً، فالعديد من السير الذاتية المنقوشة تحكي قصة أحد الرحل السابقين الذي أصبح مديراً ملكياً مخلصاً للملك.
كان سنوسرت الثالث مثالاً للملك المحارب وجسّد القيمة الثقافية المصرية للمهارة العسكرية والحسم، وكان يعتبر على رأس جيشه ملكًا لا يُقهر، ووسعت حملاته إلى النوبة حدود مصر وعززت التحصينات التي بناها على طول الحدود التجارة، كما قاد حملة استكشافية علي فلسطين وزاد بعد ذلك من العلاقات التجارية مع تلك المنطقة.
لا يزل المرء يجد أدلة على عدم اليقين في الأدب والنقوش الأخرى في عصر الدولة الوسطي، بالرغم من أنه كان عصر مستقر من الازدهار العظيم، فعلى سبيل المثال، يشكك كتاب "أنشودة العازف" المذكور سابقًا في وجود حياة بعد الموت ويشجع على رؤية أكثر وجودية، كما أن نصوص الإعدام -وهي أشياء كُتبت عليها تعويذات لتدمير الأعداء- أكثر عددًا خلال الدولة الوسطى من عصر أخر في تاريخ مصر. كان المصريون يؤمنون بالسحر التعاطفي، الذي يمكن للمرء أن يرفع صديقًا أو يدمر عدوًا من خلال العمل على غرض يمثله.
كانت نصوص الإعدام عبارة عن قطع طينية، وأحيانًا تماثيل، مكتوب عليها أسماء أعداء المرء، ونص يتلوه المرء قبل تحطيم القطعة، وعندما تُحطم القطعة يُدمر أعداء المرء. ضمنت حملات سنوسرت الثالث ونجاحه العسكري الأمان للمصريين، ولكن عدد هذه القطع التي عثر عليها خلال هذا العصر يشير إلى أنه كلما ازدادت مصر أمناً وثراءً، ازداد خوف الشعب من الضياع. يمكن تفسير الواقعية في أدب الدولة الحديثة على أنها تعكس اهتمام الناس المتزايد بالحاضر، بدلاً من الحياة الآخرة المثالية، حيث أصبحت حياتهم اليومية أكثر راحة ووجدوا أن لديهم ما يخسرونه أكثر من ذي قبل.
يمكن أن نقرأ مثالاً على هذا النوع من الخوف في "بردية إيبوير" التي يرثي فيها الكاتب بمرارة فقدان العصر الذهبي والظروف الرهيبة في وقته الحاضر، بالرغم من أن بردية إيبوير فُسِّرت على أنها تاريخ يتعلق بعصر الاضمحلال الأول، إلا أنها في الواقع أدب يعبر عن التجربة الإنسانية المشتركة للتوق إلى العصر الذهبي، وهو الوقت الذي كان فيه كل شيء جميلاً، على النقيض الحاضر الذي يتسم بعدم اليقين والخوف.
إن الصور الحية في بردية إيبوير تنقل بوضوح كيف تغير الزمن إلى الأسوأ، وهو ما شجع على القراءة الحرفية لها على أنها تشير إلى عصر الاضمحلال الأول، ولكن العمل يبدو أكثر منطقية عندما يُقرأ كتعبير عن الخوف من الضياع في وقتهم الحاضر، في الدولة الوسطى، ونوع الفوضى التي يجب أن يتوقعها المرء. يبذل الكاتب جهدًا كبيرًا للتأكد من أن القارئ يشعر بحقيقة مثل هذه الخسارة.
هذا الخوف من فقدان الثروات المادية والاستقرار الاجتماعي - حتى كل ما يعرفه المرء - يمكن أن يفسر ازدياد شعبية عبادة أوزوريس في أبيدوس وتزايد تبجيل آمون في طيبة. جمع آمون بين الجوانب السابقة لإله الشمس رع والإله الخالق أتوم في إله قوي كليًا، وسيجمع كهنة (مثل كهنة رع في الماضي) في نهاية المطاف أراضي وثروة أكثر من فراعنة الدولة الحديثة وسيطيحون في نهاية المطاف بالدولة الحديثة. سيصبح أوزوريس، الذي كان في الأصل إله الخصوبة، إلهًا وقاضي للموتى، والإله الذي يحدد أين ستقضي روح المرء خلوده، وستصبح عبادته الأكثر شعبية، وتندمج في النهاية مع عبادة زوجته إيزيس.
وعد كلا الإلهين بالاستقرار في رحلة المرء على الأرض والحياة الأبدية بعد القبر. أولى سنوسرت الثالث اهتمامًا خاصًا بمدينة أبيدوس، حيث كان يُعتقد أن رأس أوزوريس مدفون فيها، وأرسل ممثلين عنه إلى هناك بهدايا لتمثال أوزوريس. تطورت أبيدوس لتصبح مدينة ثرية خلال هذا العصر، وأكثر الأماكن شعبية للحج في مصر كلها، وفيها أكثر المقابر المرغوبة. أراد الناس أن يدفنوا بالقرب من أوزوريس ليحظوا بفرصة أفضل لإثارة إعجابه عندما يحين وقت وقوفهم أمامه في المحاكمة.
كان معبد آمون بالكرنك في الوقت نفسه، يُضاف إليه باستمرار. كان هذا المعبد مكرسًا لآمون، رب السماء والأرض، الذي سيصبح معروفًا باسم آمون رع، كبير آلهة مصر، حيث أكد آمون للمؤمنين رعايته الدائمة خلال حياتهم واستمرار الانسجام. يمكن رؤية الواقعية في الأعمال الأدبية والفنية في ذلك الوقت على أنها تنعكس في التطورات الدينية التي وعدت باستمرار الحياة الحالية دون انقطاع.
وبما أن الحياة الآخرة، التي يترأسها أوزوريس، كانت تعد انعكاسًا مباشرًا لحياة المرء الحالية، وحياة المرء الحالية محمية من قبل آمون، فليس هناك سبب للخوف من التغيير لأنه لن يحدث، لم يكن الموت سوى تغيير آخر في مسار حياة المرء، وليس نهايتها. أصبح تصوير الحياة الآخرة في هذا الوقت حيويًا وواقعيًا تمامًا مثل: تصوير المشاهد الشائعة من الحياة اليومية.
نهاية الأسرة الثانية عشر
تمتد هذه الواقعية حتى إلى كيفية تصوير سنوسرت الثالث فنياً؛ فبينما يُصوَّر ملوك مصر السابقون في التماثيل دائمًا في هيئة شاب قوي، فإن تماثيل سنوسرت الثالث واقعية وتظهره في سنه الحقيقي ويبدو عليه الإرهاق والتعب من مسؤوليات الحكم، وتتجلى هذه الواقعية نفسها في تماثيل ابنه وخليفته أمنمحات الثالث (1860-1815 ق.م)، الذي صُوِّر في التماثيل بشكل مثالي وواقعي في آن واحد. لم يحقق أمنمحات الثالث انتصارات عسكرية عظيمة، ولكنه بنى العديد من الآثار مثل والده، وكان مسؤولاً عن المعبد الجنائزي العظيم في هوارة المعروف باسم "قصر التيه"، والذي ادعى هيرودوت أنه أكثر إبهاراً من أي من عجائب الدنيا القديمة.
خلف أمنمحات الرابع (حوالي 1815-1807 ق.م)، والده أمنمحات الثالث (1860-1815 ق.م)، الذي واصل سياساته؛ حيث أكمل مشروعات بناء والده وبدأ العديد من مشروعاته الخاصة، وأطلق بعثات عسكرية وتجارية عدة مرات، وفي عهده وازدهرت التجارة مع مدن الشام، وخاصة جبيل وغيرها. فشلت سياسة الحكم المشترك، إن كانت اتبعت بالفعل، والتي كانت تضمن الانتقال السلس للسلطة من حاكم إلى حاكم، في حالة أمنمحات الرابع الذي لم يكن له وريث ذكر يهيئ له النجاح.
انتقل العرش عند وفاة أمنمحات الرابع إلى أخته (أو زوجته) سوبيك نفرو (حوالي 1807-1802 ق.م) التي لا يُعرف الكثير عن فترة حكمها. سوبيك نفرو هي أول امرأة تحكم مصر منذ العصر العتيق إلا إذا قبلنا أن الملكة "نيت إقرت" (نيتوكريس) من الأسرة السادسة من الدولة القديمة هي الملكة التاريخية. استمر الجدل حول تاريخية نيتوكريس لعقود من الزمن ولم نقترب من الحل، ولكن العديد من العلماء (من بينهم توبي ويلكنسون وباربرا واترسون) يقبلون الآن أنها شخصية حقيقية وليست أسطورة من تأليف هيرودوت.
حكمت سوبيك نفرو بغض النظر عن ذلك، قبل قرون من حكم حتشبسوت، المرأة التي غالبًا ما يُشار إليها كأول امرأة تحكم مصر بصلاحيات ملكية كاملة كرجل. يُعتقد أن امرأة تدعى "نيت حتب" (حوالي 3150 ق.م) وامرأة أخرى تدعى "مريت نيت" (حوالي 3000 ق.م) حكمتا باسميهما وبسلطتهما الخاصة في العصر العتيق ولكن هذه الادعاءات محل خلاف، ربما كانت "مريت نيت" مجرد وصية على العرش لابنها "دن"، أما "نيت حتب"، التي تعتمد سمعتها كملكة حاكمة إلى حد كبير على عظمة مقبرتها ونقوشها، فقد تكون ببساطة كُرمت كزوجة ملك عظيم وأمه.
كانت سوبيك نفرو مصورة بوضوح على أنها أنثى، على عكس حتشبسوت، التي تصورها تماثيلها على نحو متزايد على أنها ذكر، كما قامت إما بتجديد أو تأسيس مدينة كروكوديلبوليس (الفيوم) جنوب هوارة تكريماً لإلهها الراعي سوبيك، كما أمرت بمشروعات بناء أخرى على غرار ملوك الأسرة الثانية عشرة الآخرين.
ماتت سوبيك نفرو دون وريث، وانتهت الأسرة الثانية عشرة وبدأت الأسرة الثالثة عشرة مع حكم سوبيك حتب الأول (حوالي 1802-1800 ق.م). كانت الأسرة الثانية عشرة هي الأقوى والأكثر ازدهاراً في الدولة الوسطى، وكما يلاحظ فان دي ميروب: "بنى جميع ملوك الأسرة الثانية عشرة باستثناء الملكين الأخيرين أهرامات ومجمعات جنائزية في المناطق المحيطة وملأوها بالتماثيل الملكية والمنحوتات البارزة وما شابه ذلك" (102). ورثت الأسرة الثالثة عشرة الثروة والسياسات ولكنها لم تكن قادرة على الاستفادة منها بشكل كبير.
نهاية الدولة الوسطى
عادةً ما يُنظر إلى الأسرة الثالثة عشرة على أنها أضعف من سابقتها، وهي كانت كذلك، ولكن متى بدأت في الانحدار بالضبط غير واضح لأن السجلات التاريخية مجزأة، فبعض الملوك، مثل "سوبيك حتب الأول"، مُوَثَّقون بشكل جيد، لكنهم يصبحون أقل توثيقًا مع استمرار الأسرة الثالثة عشرة؛ فبعض الملوك مذكورون فقط في قائمة ملوك تورينو وليس في أي مكان آخر، وبعضهم مذكورون في النقوش وليس في القوائم. تفشل قائمة مانيتون للملوك، التي يرجع إليها علماء المصريات بانتظام، في الأسرة الثالثة عشرة، عندما يذكر 60 ملكًا حكموا لمدة 453 عامًا، وهي مدة مستحيلة، وهو ما يفسره العلماء على أنه خطأ في حوالي 153 سنة (فان دي ميروب، 107)، كما أن الادعاء بأن الأسرة استمرت لمدة 150 عامًا بعد "سوبيك حتب الأول" ربما يكون خاطئًا أيضًا لأن الهكسوس رسخوا أقدامهم كقوة في مصر السفلى بحلول عام 1720 ق.م تقريبًا وسيطروا على تلك المنطقة بحلول عام 1782 ق.م.
واصلت الأسرة الثالثة عشرة، على ما يبدو سياسات ملوك الأسرة الثانية عشرة وحافظت على توحيد البلاد، ولكن، بقدر ما تشير السجلات المجزأة، لم يكن لأي منهم القوة الشخصية التي كانت للملوك السابقين. بدأت الكيانات السياسية المنفصلة في مصر السفلى في الظهور، وكان الهكسوس أعظمها، ولا يبدو أن العاصمة في "أثيت تاوي" كانت لديها الموارد اللازمة للسيطرة على أي منها. كانت المجمعات الجنائزية والمعابد والشواهد لا تزل قائمة خلال هذا العصر، وتظهر الوثائق أن البيروقراطية الفعالة للأسرة الثانية عشرة كانت لا تزل قائمة، لكن الزخم الذي دفع مصر خلال الأسرة الثانية عشرة ضاع.
وكما هو الحال مع الانتقال من عصر الدولة القديمة إلى عصر الاضمحلال الأول، غالبًا ما يوصف التغير من الدولة الوسطى إلى عصر الاضمحلال الثاني بأنه تدهور فوضوي، ولا يتسم أي من هذين الوصفين بالدقة. تعثرت الأسرة الثالثة عشرة وصعدت قوة أكبر لتحل محلها، بالرغم من أن التواريخ المصرية اللاحقة تصف عصر الهكسوس بأنه عصر مظلم على البلاد، إلا أن السجل الأثري يقول خلاف ذلك؛ فعلى الرغم من أن الهكسوس كانوا أجانب، إلا أنهم استمروا في احترام ديانة مصر وثقافتها، ويبدو أنهم أفادوا البلاد أكثر مما نسب إليهم المؤرخون اللاحقون.
ربما لم يكن عصر الاضمحلال الثاني، الذي حكم الهكسوس مصر خلاله، فوضى كما يُصوَّر، لكنه لم يقترب من ذروة الدولة الوسطى، بل كان هناك في الواقع بعض الضياع الثقافي مثل: ضياع الكتابة الهيروغليفية وظهور الكتابة الهيراطيقية، وهناك أيضًا أدلة على أن الإنجازات الفنية كانت أقل جودة أثناء عصر الاضمحلال الثاني. كتب الباحثان بوب برير وهويت هوبز عن الدولة الوسطى:
"بلغت اللغة المصرية خلال فترة ازدهارها مستوى من الرقي جعلها فيما بعد نموذجًا للنثر الجيد في مصر القديمة، وحقق الفن واقعية أنيقة: فللمرة الأولى، ظهرت وجوه الفراعنة بخطوط من العناية والعمر، بدلاً من أن تكون مثالية، وعلى الرغم من أن المباني لم تكن ضخمة مثل مباني الدولة القديمة، إلا أنها امتلكت دقة تجعلها لا مثيل لها، كما شنت مصر أيضًا حملات عسكرية خطيرة علي السودان، وهي غزوات امتدت فيما بعد إلى جميع أنحاء الشرق الأوسط، حتى بعد مرور ألف عام، كان المصريون ينظرون إلى عصر الدولة الوسطى على أنه عصر مجيد." (25)
تحقق الخوف من الضياع الواضح في نصوص الدولة الوسطى مع انحلال الأسرة الثالثة عشرة، ومجيء عصر أخر من التفكك والاضطراب. قارن الكتّاب المصريون اللاحقون بين الدولة الوسطى والانفلات الأمني المفترض الذي سبقها وخلفها ورفعوها إلى مرتبة العصر الذهبي. لا يمكن إنكار إنجازات هذا العصر، خاصةً في الأسرة الثانية عشرة، والتي ستستمر في الارتقاء بثقافة مصر القديمة لبقية تاريخها.