كانت المخطوطات المزخرفة المُذهّبة كُتُبًا مصنوعةً يدويّاً، عادةً ما يكون موضوعها النصوص المقدسة أو الممارسات المسيحية، أُنتجت في أوروبا الغربية في الفترة الواقعة قرابة عام 500 – 1600. وقد دعيت بهذا الاسم نظراً لاستعمال الذهب والفضة الذي يُنير النص والرسوم المصاحبة (تستعمل التسمية الإنكليزية كلمة Illuminated والتي تعني حرفياً منيرة). انتهى انتاجها تدريجياً بعد اختراع المطبعة.
وعلى الرغم من أن الحرفيين المسلمين استخدموا أيضاً هذه التقنية لتزيين كتبهم، فإنَّ مصطلح "المخطوطات المزخرفة المُذهّبة" استُخدِم بشكل شائع للإشارة إلى تلك الأعمال المنتجة في أوروبا بصبغةٍ مسيحية. ومع ذلك فإنَّ أشعار وأساطير مؤلفي ما قبل المسيحية قد ذُهِّبت في بعض الأحيان.
المخطوطات المُذهّبة يدوية الصنع أُنتجت بدايةً من قِبل الرهبان في الأديرة، ولكن مع تزايد شعبيتها أصبح الإنتاج تجارياً واستولى عليه صانعو كتب علمانيون. كان إنتاج المخطوطات المُذهبة مكلفًا للغاية ولم يتمكن من تحمل تكاليفها سوى ذوي الإمكانيات الكبيرة.
النمط الأكثر شعبية كان كتاب السواعي وهو كتاب عبادة مسيحيّ للصلوات التي تُتلى في أوقات معينة من اليوم. العديد من كتب السواعي بقيت أكثر من أيّ عمل من هذه الفترة لأنّها ببساطة كانت الأكثر إنتاجًا. كان اختراع المطبعة من قبل يوحنا غوتنبرغ (Johannes Gutenberg) حوالي العام 1440 إيذاناً ببداية انتهاء الكتب المصنوعة يدوياً بالعموم، والمخطوطات المُذهّبة على وجه الخصوص.
تاريخ موجز للكتب
أختُرعت الكلمة المكتوبة في سومر الواقعة جنوب بلاد الرافدين حوالي 3500 – 3000 ق.م، حيث استُخدمت الألواح الطينية لنقل المعلومات. ابتدأ المصريون في بدايات فترة الأسرات (حوالي 3152 – حوالي 2613 ق.م) باستخدام لفائف البردي التي تبنّاها اليونانيون والرومان، مع أنّ هذين الأخيرين ابتدأوا أيضًا باستعمال ألواح كتابة خشبية مغطاة بالشمع. عددٌ من هذه الألواح كان من الممكن جمعها سويّاً بين أغطية من الخشب أو المعدن لتشكيل مجلد واحد سُمي بالكوديكس، والذي حَلَّ مكان لفائف البردي في منطقة حوض المتوسط حوالي العام 400 ق.م.
اختُرع الورق في الصين من قبل تساي لون (Ts'ai Lun) (يكتب بالانجليزية أيضاً Cai Lun، 50 – 120 م)، في عهد أسرة هان قرابة عام 105م، وقُدِّم هذا الاختراع إلى العالم العربي بواسطة التجار الصينيين في القرن 7 م. أصبحت مدن بغداد ودمشق على وجه الخصوص مراكز مهمة لإنتاج الورق والكتب، وبدأ الكتاب المسلمون بإنتاج أعمال أصلية من الأدب والشعر، إضافة إلى أطروحات في الرياضيات والعلوم والفلك والفلسفة.
كما صنعوا نسخاً على نطاق واسع للفلاسفة الغربيين مثل أرسطو (Aristotle) (384 – 322 ق.م)، هذه النسخ حافظت على أعماله لفترة طويلة قبل أن تصبح موضع تقدير في الغرب. زيّن الحرفيّون المسلمون كتبهم بأُطُرٍ ورسوم دقيقة وغالبًا ما عُرفت على أنّها مخطوطات مزخرفة مذهَّبة.
لكن في أوروبا كان قبول الورق لا يزال بعيدًا لعدة قرون. كان الصينيون يستخدمون الورق منذ ما يقرب من قرن من الزمان عندما طور الناس في آسيا الصغرى أسطحًا للكتابة مصنوعة من جلود الحيوانات (الأغنام أو الماعز) التي تُنقع في الماء، وتُكشط لإزالة الشعر، وتُشدّ على أُطُر خشبية لتجف، ثم تُبيَّض بالجير، فيصبح المنتج النهائي معروفًا باسم الرّق.
كانت صحائف الرق المصنوعة من جلد العجل تدعى فيلّوم (vellum)، وهي ذات جودة أعلى كسطح للكتابة وأصبحت أكثر شعبية. فضل الرهبان الأوروبيون رق الفيلّوم الذي أصبح المادة القياسية للأعمال التي ستُعرف باسم المخطوطات المزخرفة المُذهَّبة. في حين اعتُبرت كنيسة القرون الوسطى أنّ الورق والبردي مواد غير مسيحية، وكان استخدامها غير مُحبذ لأنّ هذه المواد تُستخدم من قبل الكُتّاب الوثنيين في الماضي، وكانت تُستخدم من قبل "الوثنيين" في الشرق في تلك الفترة. ولم يُقبل الورق من الأوربيين حتى القرن 11م.
كيف تمّت صناعتها
أُنتجت الكتب مع ازدياد شعبيّتها من قبل تجار علمانيين وبيعت في أكشاك الكتب والمتاجر. ومع ذلك فقد صنعها في البداية الرهبان في الأديرة والكنائس الكبرى، ربما في أيرلندا أولاً ثم في بريطانيا والقارة الأوربية.
كل دير كان مُطالَبًا أن يكون لديه مكتبة وفقًا لقواعد القديس بنديكتوس (St. Benedict) من القرن السادس الميلادي. لا شك في أنّ بعض الكتب وصلت مع الرهبان القادمين للعيش هناك، ولكنَّ معظمها أُنتج في الدير من قبل رهبان عُرفوا باسم (Scriptors – النُّساخ) في غرف تسمى (Scriptoriums - المناسخ). ومن القرن الخامس إلى القرن الثالث عشر الميلادي كانت الأديرة هي المُنتج الوحيد للكتب. كانت غرفة النسخ (Scriptorium) عبارةً عن غرفة كبيرة بها كراسي خشبية وطاولات كتابة مائلة للأعلى لاستيعاب صفحات المخطوطات. وقد شارك الرهبان في كل جانب من جوانب إنتاج الكتاب بدءًا من معالجة الرق وصولاً إلى المنتج النهائي.
يقوم المدير بتوزيع الصفحات التي يجب عملها على الرهبان الموجودين في الغرفة ثم يبقى للإشراف والحفاظ على قاعدة الصمت. كان النُّساخ يعملون فقط في النهار ولم يكن بإمكانهم وضع شموع أو مصابيح بالقرب من المخطوطات خوفًا من النار. وكان المدير يتأكد من أنّ الرهبان يبقون في عملهم، بهدوء، ويستمرون حتى تنتهي صفحاتهم. نادرًا ما كان أحد الرهبان يعمل على صفحة ما حتى اكتمالها، بل كان يتبادلها مع الآخرين في الغرفة.
سيبدأ الراهب بقطع ورقة من الرق إلى الحجم المناسب. حيث ستُحدد هذه الممارسة شكل الكتب حتى يومنا هذا من جهة إنّها طولية أكثر من كونها عرضية. عندما تُعد ورقة الرق تُسطّر الخطوط عبرها للنصوص إضافةً إلى المساحات الفارغة التي تُترك مفتوحة للرسوم.
كان النص يُكتب أولًا بالحبر الأسود (أو الذهبي أو أيّ لون مناسب للموضوع) بين الخطوط المُسطّرة على الصفحة، ثم يُعطى لراهب آخر ليُدقق من الأخطاء اللغوية: هذا الراهب الثاني – وربما راهب ثالث – كان يضيف العناوين بحبر أزرق أو أحمر، ثم يمرر الصفحة إلى المُزخرف الذي يضيف الصور والألوان والتذهيب المطلوب. وكان الرهبان يكتبون بالريشة وبالحديد المحمى ولحاء الشجر والجوز ليصنعوا الحبر الأسود؛ أُنتجت ألوان الحبر الأخرى عن طريق طحن وغلي مختلف المواد الكيميائية الطبيعية والنباتات.
كان العمل طويلاً ومُضجراً، نُفّذ بصمت الغرف المنارة فقط بنوافذ ضيقة حيث البرد في الشتاء والقيظ في الجو الأكثر دفئاً. وكان من المتوقع من الراهب الناسخ الاستمرار في العمل أيّاً يكن الطقس، أو حالته الصحية، أو اهتمامه بهذا العمل. ومن خلال بعض التعليقات القصيرة التي دوّنت على بعض الصفحات كان من الواضح أنّ الرهبان لم يكونوا دائمًا سعداء بواجباتهم.
تشير الباحثة غيويا بولونيا (Giulia Bologna) إلى كَمِّ المخطوطات التي تتضمن ملاحظات صغيرة مكتوبة على الهوامش مثل "هذه الصفحة لم تُنسخ ببطء"، "لا أشعر أنّني بخير اليوم"، "هذا الرّق مُشعر بالتأكيد"، وملاحظة طويلة حول الجلوس لساعات بانحناء فوق طاولة الكتابة: "ثلاثة أصابع تكتب، لكن الجسم بأكمله يكدح. كما يتوق البحار إلى الميناء كذلك يشتاق الكاتب إلى السطر الأخير" (37).
المخطوطات المزخرفة المُذهّبة المبكرة
أعمال رقّ الفيلّوم الأوربية أصبحت التعريف القياسي للكتاب لقرون. كلمة كتاب باللغة الإنكليزية (Book) من الإنكليزية القديمة (Boc) والتي تعني "وثيقة مكتوبة" أو "ورقة مكتوبة"، وقد زُينت النصوص التي تم إنتاجها على الرق بمرور الوقت بالزخارف والرسوم. أقدم مخطوطة مزخرفة مُذهّبة مبكرة هي مخطوطة فرجيليوس أوغستوس (Vergilius Augusteus) من القرن الرابع الميلادي والتي توجد في سبع صفحات مما يجب أن يكون كتابًا أكبر بكثير من أعمال فيرجيل.
تقنياً هي ليست مخطوطة مزخرفة مُذهّبة لأنها مصنوعة بدون استخدام الذهب أو الفضة أو أية زخرفة ملونة، لكنها أقدم عمل أوروبي يستخدم الأحرف الكبيرة المزخرفة لبداية كل صفحة – الممارسة التي ستحدد المخطوطات المزخرفة المُذهّبة.
في القرن الخامس الميلادي، تم الانتهاء في القسطنطينية على الأرجح من الإلياذة الأمبروسية (Ambrosian Iliad)، وهي مخطوطة مزخرفة مذهبة لأعمال هوميروس. هذا العمل مزخرف بشكل غنيّ ويبدو أنّ التقنية المستخدمة قد أثّرت على الحرفيين اللاحقين. مخطوطة أناجيل القديس أوغسطين (The St. Augustine Gospels) العائدة للقرن السادس الميلادي، وهو عمل مزخرف آخر، تُظهر أوجه تشابه مع الإلياذة الأقدم. إن مخطوطة "أناجيل القديس أوغسطين" هي نسخة من الأناجيل الأربعة كما ترجمها القديس إيرونيموس (St. Jerome) وكانت ذات يوم مزخرفة بالكامل ولكنّ العديد من القطع فُقدت مع مرور الوقت.
واحدة من المخطوطات المزخرفة المذهبة المبكرة الأكثر إثارة للإعجاب هي كوديكس أرجنتوس "الكتاب الفضي" (Codex Argenteus) العائد للقرن السادس الميلادي، وهو نسخة عن ترجمة الأسقف أولفيلاس (Ulfilas) للأناجيل إلى اللغة القوطية (حوالي ق 4 م). كانت صفحات الرق مصبوغة بالأرجواني للدلالة على رفعة الموضوع، وقد كُتب العمل وزُخرف بالحبر الفضي والذهبي. ومن المقبول عمومًا أنّ هذا العمل قد أُنتج في إيطاليا لأجل الملك القوطي ثيودوريك الكبير (Theodoric the Great) (حكم 493 – 526).
مخطوطات مزخرفة مُذهّبة شهيرة
تم إنشاء أعظم الأعمال في الفترة ما بين القرنين 16 – 17م عندما أُتقنت أساسيات الرسم والزخرفة واكتملت. من بين هذه الأعمال وأشهرها كتاب كيلز (Book of Kells) الموجود حاليًا في كلية ترينيتي (Trinity College) في دبلن في أيرلندا، والذي صُنع حوالي عام 800.
أُنتج كتاب كيلز من قبل رهبان رهبنة القديس كولومبا (St. Columba) في أيونا (Iona) في اسكوتلندا، ولكن المكان الذي تمّ إنتاجه فيه غير مؤكد. تتراوح النظريات المتعلقة بصناعته من أنّه قد أُنشئ في جزيرة إيونا، إلى كيلز (Kells) في أيرلندا، إلى ليندسفارن (Lindisfarne) في بريطانيا. من المرجح أنّه قد تمت صناعته جزئيّاً على الأقل في إيونا، ثم أُحضر إلى كيلز للحفاظ عليه آمنًا من غزاة الفايكنج الذين ضربوا إيونا لأول مرة في عام 795 بعد وقت قصير من غارتهم على ليندسفارن بريوري (Lindisfarne Priory) في بريطانيا.
غارة الفايكينغ في العام 806 أدت إلى مقتل 68 راهبًا في أيونا وإلى هجر من نجا للدير إلى دير آخر لرهبنتهم في كيلز. ويبدو أن كتاب كيلز سافر معهم في هذا الوقت وربما أُكمل في إيرلندا. لقد أُشيد بعظمة هذا العمل بحق، ولكن تجدر الإشارة إلى أنّ هناك العديد من المخطوطات المزخرفة المذهبة الأخرى عالية الجودة الموجودة حاليًا في مجموعات خاصة ومتاحف ومكتبات حول العالم. من بين هذه المخطوطات الكثيرة بعضٌ من أكثرها إثارة للإعجاب هي:
كتاب دوررو (The Book of Durrow) (650 – 700 م) – أقدم مخطوطة مزخرفة مذهبة للأناجيل صُنعت إمّا في أيونا أو دير لينديسفارن. ويحتوي على عدد من الزخارف المذهلة بما فيها صفحات شبيهة بالسجاد المزخرف بالعقد السلتية المعقدة مع حيوانات مختلفة متشابكة.
كوديكس أمياتينوس (Codex Amiatinus) (حوالي أواخر القرن 7 – بدايات القرن 8 م) – أقدم نسخة من إنجيل القديس إيرونيموس الفولغاتا (St. Jerome's Vulgate Bible). صُنع في نورثومبريا (Northumbria) في بريطانيا، وعلى الرغم من كونه ليس مذهباً من الناحية التقنية فهو يحتوي على عدد من الصفحات المزخرفة والمُنمنمة بالكامل.
إنجيل لينديسفارن (Lindisfarne Gospels) (حوالي 700 – 715 م) - من بين المخطوطات المزخرفة المذهبة الأشهر والأكثر إثارة للإعجاب، تم إنشاء هذا العمل في دير ليندسفارن في "الجزيرة المقدسة" قبالة ساحل دورست في بريطانيا. إنّه إصدار مصوّر من أناجيل العهد الجديد أُعدّ تكريمًا للقديس كوثبرت (St. Cuthbert) أشهر أعضاء الدير.
إنجيل مورغان الصليبي (The Morgan Crusader Bible) (حوالي 1250 م) – صُنع في باريس على الأرجح للويس التاسع (1214-1270 م) الذي كانت تقواه سمة مميزة لعهده. كان في الأصل عملاً يتكون فقط من الزخارف المذهبة بالألوان الكاملة لأحداث العهد القديم وموضوعات غير دينية، لكن المالكين لاحقًا طلبوا إضافة نص مصاحب للصور. ويعتبر العمل من أعظم المخطوطات المزخرفة المذهبة وأحد روائع فن العصور الوسطى.
مخطوطة الوحوش من دير وستمنستر (The Westminster Abbey Bestiary) (حوالي 1275-1290 م) – ربما أُنشئ هذا العمل في يورك في بريطانيا، وهو عبارة عن مجموعة من أوصاف الحيوانات – بعضها حقيقي وبعضها خيالي – مستمدة من مصادر ما قبل المسيحية والكتاب المقدس والأساطير. كان هناك عدد من "مخطوطات الوحوش" التي أُنتجت خلال العصور الوسطى، لكنّ مخطوطة الوحوش التي من دير وستمنستر تُعتبر الأفضل من حيث مهارة تكوين الزخارف الـ 164 التي تحتوي عليها.
كتاب سواعي جانّ ديفرو (The Book of Hours of Jeanne d'Evreux) (حوالي 1324 – 1328 م) – صُنع في باريس في فرنسا من قبل جان بوسيل (Jean Pucelle) أعظم فناني الزخرفة في عصره، للملكة جان إيفرو (Jeanne d'Evreux) (1310 – 1371 م) زوجة شارل الرابع (Charles IV) (1322 – 1328 م). هو كتاب صغير لصلوات الساعات مرسوم بدقة على ورق رِقٍّ رقيق للغاية مع أكثر من 700 زخرفة مصاحبة للنص. العمل أصغر من الكتاب الورقي المعاصر ويتطلب إنتاجه مهارة كبيرة حتماً.
كتاب السواعي الأسود (The Black Hours) (حوالي 1475 – 1480 م) – صنع في بروج (Bruges) في بلجيكا على يد فنان مجهول يعمل بأسلوب الفنان الرائد في مدينته فيلهيلم فريلانت (Wilhelm Vrelant) والذي سيطر على الفن منذ حوالي 1450م حتى وفاته عام 1481م. صُنعت هذه المخطوطة من الرق المصبوغ بالأسود وزُخرفت بالأزرق اللامع والذهب. النص مكتوب بالحبر الفضي والذهبي. إنّه أحد أكثر كتب السواعي الموجودة تميزاً.
مخطوطة كتاب السواعي الغني جداً لدوق بيري (Les Tres Riches Heures du Duc de Berry) (حوالي 1412-1416 و1485-1489 م) – أشهر كتاب سواعي في يومنا الحاضر الأكثر شهرة في يومنا هذا كما في زمنه، صُنع هذا العمل بتكليف من جان دوق بيري وكونت بواتييه في فرنسا (1340-1416م). تُركت المخطوطة غير مكتملة عندما توفي الدوق والفنانون العاملون عليها في جائحة طاعون عام 1416 م. اكتُشف العمل وتم الانتهاء منه بين الأعوام 1485-1489م حيث اعتُرف به باعتباره تحفة فنية. ويشار إليه كثيرًا باسم "ملك المخطوطات المزخرفة" بسبب عظمة لوحاته وتعقيدها.
كتاب صلوات غريماني (Grimani Breviary) (حوالي 1510م) – عمل ضخم مكون من 1670 صفحة، مع رسوم على كامل الصفحة لمشاهد من الكتاب المقدس وأساطير غير دينية ومناظر طبيعية معاصرة ومشاهد محلية. يتكون النص من صلوات ومزامير ومختارات أخرى من الكتاب المقدس، يُرجح أنّه صُنع في الفلاندر (Flanders) لكن يُجهل من صنعه أو من طلب صنعه. في العام 1520 اشترى المخطوط الكاردينال البندقي دومينيكو غريماني (Domenico Grimani) (1461 – 1523م) الذي أعلن أنّه جميل للغاية لدرجة أنّه يجب السماح فقط للأشخاص المختارين ذوي المكانة الأخلاقية العالية برؤيته، وذلك فقط في ظل ظروف خاصة.
كتاب صلوات كلود دي فرانس (Prayer book of Claude de France) (حوالي 1517م) – أحد أكثر المخطوطات المُزخرفة فرادةً وإثارة للإعجاب، هذا الكتاب صغير بما يكفي ليتسع في راحة اليد وعلى الرغم من ذلك فهو مزخرف ب 123 عمل منجز بإتقان ومحاط بأُطُر دقيقة وأخاذة. صنع هذا الكتاب لكلود ملكة فرنسا (Claude, queen of France) (1514 – 1524 م) مع كتاب سواعي بيد فنان عُرف بعد إكماله هذه الأعمال على أنّه مُعلم حرفة النسخ الذي أنتج كتاب صلوات كلود دو فرانس.
المطبعة وانتهاء الزخرفة المُذهبة
مع القرن 13 تحسنت معرفة القراءة والكتابة في أوروبا وظهر صُنّاع الكتب المحترفون في المشهد كاستجابة للطلب. في بريطانيا شُجِّع الأدب المُنتج باللغات المحلية للأقاليم منذ عهد ملكية ألفرد الكبير (Alfred the Great) (871 – 899)، وفي فرنسا منذ عهد شارلمان (Charlemagne) (800 – 814)، الطلب المتزايد سبَّبَ الحاجة إلى المزيد من النُسّاخ والعديد منهم كُنَّ نساءً.
إنّ مشاركة كلٍّ من الرجال والنساء الآن في إنتاج الكتب واضحة من خلال أماكنهم الأصلية المعروفة (مثل أديرة الراهبات بدلاً من الأديرة الرجالية)، وأيضاً من خلال نفس النوع من التدوينات التي تركها الرهبان على الصفحات. يلاحظ الباحث كريستوفر دي هامل (Christopher de Hamel) أحد هذه الأمثلة:
كثيرًا ما يقال أنّ النساء كان لهنّ دور مهم في تعزيز الكتابة باللهجات المحلية [الإنجليزية] لأن الفتيات لم يكن من المعتاد تعليمهن اللاتينية تمامًا مثل الأولاد. من الصحيح تمامًا أنّ كتب الصلاة المكتوبة باللهجات المحلية غالبًا ما يمكن إرجاعها إلى الراهبات بدلاً من الرهبان، على سبيل المثال... في الواقع فإنّ أقدم مخطوطة لانسلوت مؤرخة لا بدّ أنها نُسخت بواسطة ناسخة أنثى. وذلك في العام 1274 وتنتهي بطلب أن يصلي القارئ من أجل الناسخة، "pries pour ce li ki lescrist"؛ حيث أن "ce li" هو ضمير مؤنث. (148)
استمر إنتاج الكتب يدويّاً حتى اخترعت المطبعة من قبل يوهان غوتنبرغ (Johannes Gutenberg) حوالي عام 1440. وبحلول عام 1456 طبع الكتاب المقدس باللاتينية – ما يعرف اليوم على نطاق واسع باسم انجيل غوتنبرغ – وتم إتقان عملية طباعة الكتب بدلاً من صناعتها يدويًا.
بعد هذا بفترة وجيزة تمت مصادرة مطبعة غوتنبرغ ومعداته بسبب الديون المستحقة، وقام يوهان فوست (Johann Fust) راعي غوتنبرغ بتطوير تقنيات المطبعة بنجاح لإنتاج أعمال مكتوبة بكميات كبيرة. كان من الممكن أن يستغرق إنتاج كتاب واحد يتكون من 400 صفحة تقريبًا ستة أشهر على الأقل؛ أما الآن يمكن طباعته في أقل من أسبوع.
ومع ذلك كان الناس آنذاك – كما هم الآن - يحبون ما يعرفونه، وقد رفض كثيرون المنتج الجديد المتمثل في الكتاب المطبوع. تلاحظ جيويا بولونيا كيف أنّ "عاشق الكتب العظيم فيديريجو دا مونتيفيلترو (Federigo da Montefeltro) دوق أوربينو، كان سيشعر بالخجل لو كان لديه كتاب مطبوع في مكتبته" (39). اعتُبرت الكتب المطبوعة في البداية تقليدًا رخيصًا لـ "الكتب الحقيقية"، وأدركت دور الطباعة ذلك وبذلت قصارى جهدها لجعلها تبدو وكأنها أعمال يدوية الصنع من الماضي عن طريق ربطها بالجلد، وإضافة الطلاء الذهبي إلى الأغلفة، وتوظيف الرسامين لتزويد النصوص بالرسومات. ساعدت هذه الممارسات في جعل المنتجات الجديدة أكثر قبولًا لهواة جمع الكتب. ومع ذلك فقد بقي الطلب قائماً على المخطوطات المزخرفة المُذهّبة حتى السنوات الأولى من القرن 17 ولو بأعداد أقل بكثير مما كان عليه الأمر في الماضي.
عندما أصبح الكتاب المطبوع مقبولاً على نطاق أوسع، تضاءلت قيمة مهارات الزخرفة بالتدريج وفي النهاية تم نسيانها. ومع ذلك فإنّ أعمال الفنانين - ومعظمهم مجهولون - ستظل حيّة في الكتب التي قاموا بصناعتها. منذ بدايتها صُنعت المخطوطات المزخرفة عمدًا كأشياء ثمينة، ولكنها أصبحت أكثر أهمية بمجرد توقف إنتاجها. بحث الأثرياء عن هذه الكتب وزرعوا المجموعات في مكتباتهم الخاصة التي حافظت على هذه الأعمال حتى يومنا هذا.