سفينة نوح هي القارب الذي أنقذ جيلاً من البشر والحيوانات عندما قرر إله إسرائيل تدمير الجنس البشري بإرسال طوفان عظيم للأرض، وتشترك تلك القصة في العديد من عناصرها مع الحضارات القديمة المجاورة لإسرائيل، وجميعهم استخدموا مفهوم الطوفان العالمي، الذي أرسلته الآلهة للأرض لأسباب مختلفة.
كانت العديد من قصص الفيضانات القديمة نتيجة إرسال إله أو آلهة متعددة نوعاً من أنواع العقاب على عدم الاحترام المتفشي أو اختصارا "شر البشر"، وكلمة "ark" مشتقة من اللغة الإنجليزية القديمة وتعني "قفص أو صندوق"، واستُخدمت الكلمة العبرية، “Teva”، أيضًا للإشارة إلى الصندوق الذي وضع فيه موسى الرضيع وألقي في اليم، وبهذا المعنى، كان كلا المعنين يشير إلى "سفينة الخلاص" للشعب اليهودي.
عاش العديد من الآباء في سفر التكوين، مئات السنين (توفي نوح عن عمر 950 عامًا)، ولا يوجد تفسير في الإنجيل لهذه الظاهرة، لكن حدث تغيير بداية في تكوين 6-9:
وَحَدَثَ لَمَّا ابْتَدَأَ النَّاسُ يَكْثُرُونَ عَلَى الأَرْضِ، وَوُلِدَ لَهُمْ بَنَاتٌ، أَنَّ أَبْنَاءَ اللهِ رَأَوْا بَنَاتِ النَّاسِ أَنَّهُنَّ حَسَنَاتٌ. فَاتَّخَذُوا لأَنْفُسِهِمْ نِسَاءً مِنْ كُلِّ مَا اخْتَارُوا. كَانَ فِي الأَرْضِ طُغَاةٌ فِي تِلْكَ الأَيَّامِ. وَبَعْدَ ذلِكَ أَيْضًا إِذْ دَخَلَ بَنُو اللهِ عَلَى بَنَاتِ النَّاسِ وَوَلَدْنَ لَهُمْ أَوْلاَدًا، هؤُلاَءِ هُمُ الْجَبَابِرَةُ الَّذِينَ مُنْذُ الدَّهْرِ ذَوُو اسْمٍ.
قد تشير كلمة "نفيليم" أو "الطغاة" هنا إلى "العمالقة" القدامى الموجودين في الحكايات الشعبية لدي العديد من الحضارات. تم إلقاء اللوم في التقليد اليهودي اللاحق، على " أَبْنَاءَ اللهِ" في هذه القصة لأنهم قاموا أيضًا بتعليم البشر علم المعادن، مما أدى إلى شرور الأسلحة والمال (في سفر أخنوخ).
فَحَزِنَ الرَّبُّ أَنَّهُ عَمِلَ الإِنْسَانَ فِي الأَرْضِ، وَتَأَسَّفَ فِي قَلْبِهِ. فَقَالَ الرَّبُّ: «أَمْحُو عَنْ وَجْهِ الأَرْضِ الإِنْسَانَ الَّذِي خَلَقْتُهُ، الإِنْسَانَ مَعَ بَهَائِمَ وَدَبَّابَاتٍ وَطُيُورِ السَّمَاءِ، لأَنِّي حَزِنْتُ أَنِّي عَمِلْتُهُمْ». وَأَمَّا نُوحٌ فَوَجَدَ نِعْمَةً فِي عَيْنَيِ الرَّبِّ. (التكوين: 6: 5-8)
كان نوح رجلاً بارًا طاهِرُ الذَّيْل بين أهل زمانه، وسار بأمانة مع الله، وكان له ثلاثة بنين: سام وحام ويافث.
تعليمات نوح
أُعطي نوح توجيهات محددة جدًا بشأن بناء السفينة:
اِصْنَعْ لِنَفْسِكَ فُلْكًا مِنْ خَشَبِ جُفْرٍ. تَجْعَلُ الْفُلْكَ مَسَاكِنَ، وَتَطْلِيهِ مِنْ دَاخِل وَمِنْ خَارِجٍ بِالْقَارِ. وَهكَذَا تَصْنَعُهُ: ثَلاَثَ مِئَةِ ذِرَاعٍ يَكُونُ طُولُ الْفُلْكِ، وَخَمْسِينَ ذِرَاعًا عَرْضُهُ، وَثَلاَثِينَ ذِرَاعًا ارْتِفَاعُهُ. (التكوين 6: 14:15)
ظهرت تحليلات كثيرة لطول السفينة، لكن إذا أخذنا المقياس المعروف بالــ "الذراع الملكية" (مقياس أستخدم في مصر القديمة)، وطوله من طرف الإصبع الأوسط إلى المرفق، فسيبلغ طول السفينة حوالي 500 قدم (أكثر من 150 مترًا).
وَتَصْنَعُ كَوًّا لِلْفُلْكِ، وَتُكَمِّلُهُ إِلَى حَدِّ ذِرَاعٍ مِنْ فَوْقُ. وَتَضَعُ بَابَ الْفُلْكِ فِي جَانِبِهِ. مَسَاكِنَ سُفْلِيَّةً وَمُتَوَسِّطَةً وَعُلْوِيَّةً تَجْعَلُهُ. فَهَا أَنَا آتٍ بِطُوفَانِ الْمَاءِ عَلَى الأَرْضِ لأُهْلِكَ كُلَّ جَسَدٍ فِيهِ رُوحُ حَيَاةٍ مِنْ تَحْتِ السَّمَاءِ. كُلُّ مَا فِي الأَرْضِ يَمُوتُ. وَلكِنْ أُقِيمُ عَهْدِي مَعَكَ، فَتَدْخُلُ الْفُلْكَ أَنْتَ وَبَنُوكَ وَامْرَأَتُكَ وَنِسَاءُ بَنِيكَ مَعَكَ. وَمِنْ كُلِّ حَيٍّ مِنْ كُلِّ ذِي جَسَدٍ، اثْنَيْنِ مِنْ كُلّ تُدْخِلُ إِلَى الْفُلْكِ لاسْتِبْقَائِهَا مَعَكَ. تَكُونُ ذَكَرًا وَأُنْثَى. مِنَ الطُّيُورِ كَأَجْنَاسِهَا، وَمِنَ الْبَهَائِمِ كَأَجْنَاسِهَا، وَمِنْ كُلِّ دَبَّابَاتِ الأَرْضِ كَأَجْنَاسِهَا. اثْنَيْنِ مِنْ كُلّ تُدْخِلُ إِلَيْكَ لاسْتِبْقَائِهَا. وَأَنْتَ، فَخُذْ لِنَفْسِكَ مِنْ كُلِّ طَعَامٍ يُؤْكَلُ وَاجْمَعْهُ عِنْدَكَ، فَيَكُونَ لَكَ وَلَهَا طَعَامًا». فَفَعَلَ نُوحٌ حَسَبَ كُلِّ مَا أَمَرَهُ بِهِ اللهُ. هكَذَا فَعَلَ. (تكوين 6: 22:16)
شمل سفر التكوين على كل من التقاليد الشفوية والمواد "المحدثة" على مدى قرون عديدة، حيث أجمع الدارسين على أن الأسفار الخمسة الأولى من الكتاب المقدس كتبت لأول مرة منذ 600 عام ق.م، مع اكتمال التحرير النهائي خلال فترة "السبي" في بابل / فارس في القرن الخامس قبل الميلاد، وغالبًا ما تكون هناك نسختان وأحيانًا ثلاث نسخ من نفس القصة، مثلها مثل العديد من القصص الأخرى في سفر التكوين.
يتبع المقطع السابق ما يمكن أن يكون مساهمات "كهنوتية" لاحقة، بتكرار التعليمات، مع إضافة:
وَقَالَ الرَّبُّ لِنُوحٍ: «ادْخُلْ أَنْتَ وَجَمِيعُ بَيْتِكَ إِلَى الْفُلْكِ، لأَنِّي إِيَّاكَ رَأَيْتُ بَارًّا لَدَيَّ فِي هذَا الْجِيلِ. مِنْ جَمِيعِ الْبَهَائِمِ الطَّاهِرَةِ تَأْخُذُ مَعَكَ سَبْعَةً سَبْعَةً ذَكَرًا وَأُنْثَى. وَمِنَ الْبَهَائِمِ الَّتِي لَيْسَتْ بِطَاهِرَةٍ اثْنَيْنِ: ذَكَرًا وَأُنْثَى. وَمِنْ طُيُورِ السَّمَاءِ أَيْضًا سَبْعَةً سَبْعَةً: ذَكَرًا وَأُنْثَى. لاسْتِبْقَاءِ نَسْل عَلَى وَجْهِ كُلِّ الأَرْضِ.
أُدخلت هذا المقاطع على الأرجح بعد تأليف سفر اللاويين، الذي يحدد القوانين الغذائية لليهود، مع أمثلة الأطعمة "الحلال" المسموح بها و "النجسة" الغير مسموح بها (لاويين 11).
النجاة من الفيضان العظيم
أرسل الرب الطوفان، حيث " وَكَانَ الْمَطَرُ عَلَى الأَرْضِ أَرْبَعِينَ يَوْمًا وَأَرْبَعِينَ لَيْلَةً."، وظل الماء المتبقي على الأرض " مِئَةً وَخَمْسِينَ يَوْمًا."، ومع انحسار المياه، استقرت السفينة على قمة جبل أرارات، (الذي يقع اليوم على الحدود بين تركيا وروسيا). أرسل نوح أولاً غرابًا ثم حمامة (تكوين 8: 8-12)، بعد سبعة أيام، عادت الحمامة بورقة زيتون، في إشارة إلى وجود أجزاء من الأرض جفت الآن. ظهر نوح وعائلته والحيوانات لكي " وَلْتَتَوَالَدْ فِي الأَرْضِ وَتُثْمِرْ وَتَكْثُرْ عَلَى الأَرْضِ".
وَبَنَى نُوحٌ مَذْبَحًا لِلرَّبِّ. وَأَخَذَ مِنْ كُلِّ الْبَهَائِمِ الطَّاهِرَةِ وَمِنْ كُلِّ الطُّيُورِ الطَّاهِرَةِ وَأَصْعَدَ مُحْرَقَاتٍ عَلَى الْمَذْبَحِ، فَتَنَسَّمَ الرَّبُّ رَائِحَةَ الرِّضَا. وَقَالَ الرَّبُّ فِي قَلْبِهِ: «لاَ أَعُودُ أَلْعَنُ الأَرْضَ أَيْضًا مِنْ أَجْلِ الإِنْسَانِ، لأَنَّ تَصَوُّرَ قَلْبِ الإِنْسَانِ شِرِّيرٌ مُنْذُ حَدَاثَتِهِ. وَلاَ أَعُودُ أَيْضًا أُمِيتُ كُلَّ حَيٍّ كَمَا فَعَلْتُ". (تكوين 8: 20-21)
أصبح هذا الوعد معروفًا باسم "العهد مع نوح"، حيث كانت العهود تُفهم على أنها "عقود" بين الإله والبشر. " وَقَالَ اللهُ: «هذِهِ عَلاَمَةُ الْمِيثَاقِ الَّذِي أَنَا وَاضِعُهُ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ، وَبَيْنَ كُلِّ ذَوَاتِ الأَنْفُسِ الْحَيَّةِ الَّتِي مَعَكُمْ إِلَى أَجْيَالِ الدَّهْرِ: وَضَعْتُ قَوْسِي فِي السَّحَابِ فَتَكُونُ عَلاَمَةَ مِيثَاق بَيْنِي وَبَيْنَ الأَرْضِ".
زعمت كتب الأنبياء اللاحقة أن إله إسرائيل سيتدخل في تاريخ البشرية مرة أخرى ("في الأيام الأخيرة") ليؤسس "مملكته على الأرض" (المفهوم الأصلي لجنة عدن)، يعني التمسك بهذا العهد أن "الابتلاءات" التي ستسبق التدخل النهائي للرب لن تشمل فيضاناً عالمياً آخر، ولا التدمير الكامل لكل شيء، فحتي طوفان نوح، لم يدمر الأرض.
وَبَارَكَ اللهُ نُوحًا وَبَنِيهِ وَقَالَ لَهُمْ: «أَثْمِرُوا وَاكْثُرُوا وَامْلأُوا الأَرْضَ. وَلْتَكُنْ خَشْيَتُكُمْ وَرَهْبَتُكُمْ عَلَى كُلِّ حَيَوَانَاتِ الأَرْضِ وَكُلِّ طُيُورِ السَّمَاءِ، مَعَ كُلِّ مَا يَدِبُّ عَلَى الأَرْضِ، وَكُلِّ أَسْمَاكِ الْبَحْرِ. قَدْ دُفِعَتْ إِلَى أَيْدِيكُمْ. (التكوين 9: 1-2)
كُررت قصة الخلق في سفر تكوين الإصحاح الثاني عندما خلق الرب آدم وجعله مسؤولاً عن جميع الحيوانات والطيور والنباتات في عدن.
كُلُّ دَابَّةٍ حَيَّةٍ تَكُونُ لَكُمْ طَعَامًا. كَالْعُشْبِ الأَخْضَرِ دَفَعْتُ إِلَيْكُمُ الْجَمِيعَ. غَيْرَ أَنَّ لَحْمًا بِحَيَاتِهِ، دَمِهِ، لاَ تَأْكُلُوهُ. وَأَطْلُبُ أَنَا دَمَكُمْ لأَنْفُسِكُمْ فَقَطْ. مِنْ يَدِ كُلِّ حَيَوَانٍ أَطْلُبُهُ. وَمِنْ يَدِ الإِنْسَانِ أَطْلُبُ نَفْسَ الإِنْسَانِ، مِنْ يَدِ الإِنْسَانِ أَخِيهِ. سَافِكُ دَمِ الإِنْسَانِ بِالإِنْسَانِ يُسْفَكُ دَمُهُ. لأَنَّ اللهَ عَلَى صُورَتِهِ عَمِلَ الإِنْسَانَ. (التكوين 9: 3:6)
أصبح هذا تفسيرًا لظاهرة الذبائح الحيوانية في اليهودية القديمة والممارسة اليهودية المتمثلة في تصريف الدم من الحيوانات المذبوحة قبل الأكل، مما يقودنا إلى الشريعة الموسوية التي عرفت القتل والعقوبات التي ضده.
أحفاد نوح
يذكر سفر تكوين (١٠: ١-٣٢)" وَهذِهِ مَوَالِيدُ بَنِي نُوحٍ: سَامٌ وَحَامٌ وَيَافَثُ، فبعد أن قُضِىَ على جميع البشر الغير مؤمنين، احتاج العالم إلى إعادة التكاثر حتى يصبح أبناء نوح أسلافًا لأنسابًا مختلفة من البشر، لكن توجد قصة غريبة تتعلق بحام لا تزال موضع نقاش، ونكمل "وَابْتَدَأَ نُوحٌ يَكُونُ فَلاَّحًا وَغَرَسَ كَرْمًا". صُورت مجامع الآلهة القديمة سواء ذكور أو إناث معرفتهم بفنون الزراعة، فعلى سبيل المثال، الإله سيريس رب للحبوب وديونيسيوس رب زراعة الكروم.
سُكر نوح من الخمر وأغمي عليه ورقد "عارياً" في خيمته.
وَشَرِبَ مِنَ الْخَمْرِ فَسَكِرَ وَتَعَرَّى دَاخِلَ خِبَائِهِ. فَأَبْصَرَ حَامٌ أَبُو كَنْعَانَ عَوْرَةَ أَبِيهِ، وَأَخْبَرَ أَخَوَيْهِ خَارِجًا. فَأَخَذَ سَامٌ وَيَافَثُ الرِّدَاءَ وَوَضَعَاهُ عَلَى أَكْتَافِهِمَا وَمَشَيَا إِلَى الْوَرَاءِ، وَسَتَرَا عَوْرَةَ أَبِيهِمَا وَوَجْهَاهُمَا إِلَى الْوَرَاءِ. فَلَمْ يُبْصِرَا عَوْرَةَ أَبِيهِمَا. فَلَمَّا اسْتَيْقَظَ نُوحٌ مِنْ خَمْرِهِ، عَلِمَ مَا فَعَلَ بِهِ ابْنُهُ الصَّغِيرُ، فَقَالَ: «مَلْعُونٌ كَنْعَانُ! عَبْدَ الْعَبِيدِ يَكُونُ لإِخْوَتِهِ». (التكوين: 9: 22-25)
فتحت مشكلة لعن كنعان بدلاً من حام، نقاشاً حول خطيئة حام الفعلية لعدة قرون، حيث فسر ترجوم أونكيلوس اللاحق المقطع،
" وَأَخْبَرَ أَخَوَيْهِ خَارِجًا. “، أن حام سخر من والده، و "أخذه إلى الخارج" وكان ذلك بمثابة السخرية منه "على الملاء"، وحاول بعض المترجمين ربطه بتشريع سفاح القربى في سفر الاويين 20؛ يمكن فهم "رؤية عورة المرء" على أنه "كشف عري" الأقارب القريبين، وهو تعبير ملطف عن الجماع، مما يشير إلى أن حام كان مذنباً بارتكاب بعض الخطايا الجنسية مثل اللواط.
يوجد فهم أكمل للقصة من خلال أحفاد حام، من خلال ابنه، كنعان، الذي أنجب مصرايم (مصر)، الذي ينتمي أنثروبولوجياً لما سيعرف باسم "نيلو-حامية" لأفريقيا جنوب الصحراء، والكنعانيون، صورت القصة اللاحقة للخروج من مصر إله إسرائيل وهو يتفوق على آلهة مصر من خلال قصص الضربات العشر، برر اليهود في قصصهم مذبحة الكنعانيين في سفر يشوع على أنهم أعداء الرب، "الملعونين"، خلال محاولاتهم الاستقرار في أرض كنعان "بصفتهم أحفاد حام" فأصبحت الترجمة الخاطئة للقرن التاسع عشر، لكلمة "حام"، "الظلام/السواد"، هي الأساس المنطقي لمؤسسة العبودية للمستعمرين الأوروبيين والولايات الجنوبية الأمريكية.
أساطير مشابهة
كان للحضارات القديمة المجاورة لليهود قصص مماثلة مرتبطة بالفيضانات المدمرة. ساعدت المياه التي تغمر "الهلال الخصيب"، تلك المنطقة الواقعة بين نهري دجلة والفرات، بشكل دوري، فيما بعد في بناء قنوات الري، ويفيض نهر النيل في مصر كل صيف، مما يوفر أحيانًا مستوى مناسبًا لري المزارع، بينما في أوقات أخرى يفيض ويدمر مناطق المزارع، وحاول العلماء أيضًا قياس الفيضانات القديمة على طول المناطق الساحلية للبحر الأسود لتحديد وتيرة الفيضانات، وتشترك ثقافات العالم الأخرى في تقاليد الفيضانات العالمية القديمة، مثل الصين، حيث تتضمن العديد من قصص الفيضان مفاهيم مماثلة للعقوبات ضد البشر أو "البدء من جديد" بعد الفيضان.
بدأ الأوروبيون خلال العصر الفيكتوري، ومع ظهور علم الآثار الجديد، في أعمال التنقيب عن الآثار في جميع أنحاء الشرق الأوسط. وكشفوا عن مكتبات شاسعة من الألواح المسمارية، فيها نسخة مبكرة من قصة الفيضان في ملحمة جلجامش السومرية البابلية في بلاد ما بين النهرين (حوالي 1300-1000 ق.م)، حيث جلجامش الملك الأسطوري لمدينة الوركاء السومرية، الساعي للبحث عن سر الخلود فروى في أسفاره قصة فيضان عظيم، أرسله الإله إنليل لمعاقبة البشر على "ضجيجهم العظيم" (أو شرهم)، وتتميز ملحمة جلجامش بتفاصيلها المتشابهة مع القصة التوراتية، ليس فقط في الفيضان، ولكن أيضًا باستخدام "القار" (القطران) لطلاء هيكل السفينة، وحتى إرسال الطيور.
عُثر على العديد من "قصص الفيضانات العظيمة" في قصيدة ثيوغونيا لهيسيود (8 ق.م)، محاورة طِيمَاوُس لأفلاطون (5 ق.م)، كتاب المتيورولوجيا لأرسطو (4 ق.م) مكتبة أبولودورس الزائف (50 ق.م)، النسخة اليونانية/الرومانية لقصة الفيضان مرتبطة بكتاب التحولات لأوفيد حوالي (8 م)، حيث ظهر جوبيتر أو زيوس في صورة بشرية لزيارة منزل ليكاون، الذي قدم له وجبة من اللحم البشري، فغضب بسبب قلة التقوى من جانب ليكاون، ولذلك أراد معاقبة جميع البشر. حُزر ابن بروميثيوس، ديوكاليون ("بعيد النظر") وزوجته بيرها من حدوث فيضان قادم فبنوا سفينة للبقاء على قيد الحياة، وزاروا في وقت لاحق معبد ثيميس لطلب المساعدة في إعمار الجنس البشري، فكان عليهم أن "يغادروا المعبد برؤوس محجبة. . . ورمي ورائك عظام أمك الكبرى"، فأدرك الزوجان أن مغزي "العظام" هو حجارة "أمنا الأرض"، فألقوا بها وشاهدوا العظام تنعم وتتحول إلى بشر، وخلقت الحيوانات عفوياً من الأرض، أنجب ديوكاليون وبيرها على غرار سلسلة الأنساب التوراتية، ولدين أصبحا أسلاف الإيوليين والدوريين والآخيين.
دراسة الكتاب المقدس
بدأ التحليل الحديث لكتب الكتاب المقدس في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر من خلال التعرف على "المصادر" العديدة والمتنوعة وراء النصوص التوراتية وتحريرها على مدى قرون، في الوقت نفسه، تم التعامل مع العديد من قصص الكتاب المقدس (خاصة المعجزات) بشك فيما يتعلق بأحداثها غير المحتملة، غالبًا ما اعتبرت تفاصيل بناء السفينة مستحيلة، مثل مشاكل بناء مثل هذا الإناء الكبير، وجمع "كل حيوانات الأرض"، بما في ذلك الحيوانات آكلة اللحوم، وإطعامهم، والتنظيف من بعدهم، فمن الناحية اللاهوتية، كانت هناك مشاكل مع الرب الذي "ندم على خليقته"، فإذا كان إله إسرائيل كلي المعرفة (يعرف كل شيء)، ألم يكن يعلم أن البشر سيرتكبون الشر؟
البحث عن سفينة نوح
يبدوا "البحث عن سفينة نوح" مستمر منذ العصور القديمة. كتب المؤرخ اليهودي فلافيوس جوزيفوس:
تذكر الآن كل كتابات التاريخ البربري هذا الطوفان وهذه السفينة؛ ومن بينهم بيرُسوس الكلداني، الذي يصف الطوفان على النحو التالي، "يُقال إنه لا يزال هناك جزء من هذه السفينة في أرمينيا، عند جبل كورديانز؛ وأن بعض الناس ينقلون قطعًا من القار، ويأخذونها معهم، ويستخدمونها بشكل رئيسي كتعويذات لتفادي الأذى. (عاديات اليهود الكتاب الأول)
ذكر المؤرخ المسيحي يوسابيوس (حوالي ٢٧٥-٣٣٩ م) أن الناس كانوا يبحثون عن سفينة نوح في وقته.
يتركز النشاط الحديث الأن على سفوح جبل أرارات في تركيا، بينما آخرون يحددونه في جبال أرمينيا، وكانت المحاولة الأولى لتسلق جبل أرارات من قبل فريدريك باروت في عام 1829، وتبعها جيمس برايس في عام 1876، حيث ادعى أنه عثر على قطعة من الخشب طولها أربعة أقدام وسمكها خمس بوصات، مقطوعة بأداة، وككذبة أبريل في نيوزيلندا، نشر جورج ريد قصة في عام 1883 مفادها أن انهيارًا جليديًا على الجبل قد كشف السفينة ونشرته عدة صحف أخرى، مما أثار الاهتمام المتجدد بالآثار القديمة.
نُشر مقال عام 1940، في طبعة من (New Eden)، وهو كتيب نشره (Floyd M. Gurley) من لوس أنجلوس. زعم خلاله "العثور على سفينة نوح" عن طريق طيارًا روسيًا في الحرب العالمية الأولى، فلاديمير روسكوفيتسكي، الذي طار فوق جبل عرفات وشاهد حطامًا هائلاً لسفينة على شاطئ بحيرة، ويكمل أنه تم إرسال تقرير إلى القيصر نيكولا الثاني، لكن التقرير تم إتلافه عندما أعدمه البلاشفة "المناهضون للدين".
شهدت العقود القليلة التالية رحلات استكشافية تضمنت العثور على "المرشدين" المحليين الذين يعيشون في المنطقة واستجوابهم، وزُعم أن جميعهم روا قصصًا عن رؤية آبائهم وأجدادهم للسفينة.
زعمت منظمات مختلفة أن لديها صورًا لجبل أرارات عبر الأقمار الصناعية والطائرات التجارية بدون طيار، فوق منطقة تُعرف باسم "شذوذ أرارات"، ومع ذلك، نظرًا لأن جبل أرارات يقع على الحدود مع روسيا، فإن الحكومة التركية ترفض حاليًا منح الإذن للأجانب للتنقيب في المنطقة، بدعوى وجود مخاوف أمنية.
يعد الاهتمام بالعثور على سفينة نوح أمرًا مهمًا في المجتمعات الإنجيلية، المهتمة بإثبات هذه القصة بالإضافة إلى قصص أخرى في سفر التكوين. رعت المنظمات الإنجيلية العديد من المجسمات بالحجم الطبيعي للسفينة كمنتزهات ترفيهية (كاملة مع حديقة حيوانات)، مثل تلك الموجودة في ويليامز تاون، كنتاكي.