كان حزقيال كاهنًا ونبيًا عاش في القرن السادس قبل الميلاد، فكان أنبياء إسرائيل عبارة عرافين (مصطلح يشير إلى شخص وكذلك مكان) يتواصل بهم البشر مع آلهتهم، حيث العراف المُمتَلَك من الرب وكان بمثابة وسيط لنقل كلماته، وفي بعض الأحيان يظهر الإله في رؤياه، في أوقات أخرى، يمكن للنبي أن يختبر رحلة خارج الجسد إلى السماء ويتلقى معلومات من الرب أو ملائكته.
أنبياء إسرائيل
غزت ودمرت الإمبراطورية الآشورية مملكة إسرائيل الشمالية، في عام 722 ق.م، حدث ذلك عندما خسر التاريخ عشرة من أسباط إسرائيل الاثني عشر، ثم غزت الإمبراطورية البابلية ودمرت مملكة يهوذا الجنوبية ومعبد سليمان في القدس، في عام 587 ق.م، ففسر أنبياء إسرائيل كلتا الكارثتين بالزعم أن خطايا بني إسرائيل (خاصة عبادة الأصنام) قادت الرب إلى معاقبتهم، ومع ذلك، فقد قدموا أيضًا رسالة عزاء: مفادها في وقت ما في المستقبل، سيتدخل الرب مرة أخرى في الأيام الأخيرة (eschaton باللغة اليونانية)، في ذلك الوقت، سيعيد إسرائيل إلى مجدها السابق ويصحح كل ذلك الظلم.
فسر الأنبياء رؤاهم وخبراتهم على أنها أسرار نزلت إليهم (الرؤيا باليونانية)، وبسبب أن أي انتقاد للسلطات الحاكمة المهيمنة يعتبر خيانة، استخدم الأنبياء في أدبهم الاستعارات والرموز، ويشير العلماء المعاصرون إلى هذه النصوص على أنها علم الأخرويات، أي دراسة الأسرار التي نزلت فيما يتعلق بالأيام الأخيرة. يعرض سفر حزقيال عناصر علم الأخرويات في كل من رؤاه وتنبؤاته لأمة إسرائيل.
الغزو والتدمير البابلي
جاء حزقيال بن بوزي من عائلة كهنوتية في القدس وخدم في عهد الملك يوشيا. قامت عدة دول تابعة في عهد نبوخذ نصر الثاني (حكم 605 / 604-562 ق.م)، ثم حدث تمرد يهوذا، فدمرت بابل المعبد في عام 587 ق.م وأسرت الأرستقراطية (الكهنة والكتبة والنبلاء) إلى عاصمتهم في فترة أصبحت تُعرف باسم السبي، وكان حزقيال أحد الأسرى الذين عاشوا هناك حتى عام 571 ق.م.
يعتبر سفر حزقيال مهمًا لتأريخ فترة السبي اليهودي في بابل، حيث لم يوجد هيكل لتقديم القرابين، فظهرت خلال فترة السبي على الأرجح مفهوم المعابد اليهودية، لم تكن تلك المعابد أماكن مقدسة، ولم تكن تقام فيها تضحيات، لكنها أصبحت مراكز مجتمعية لليهود للتجمع في اجتماعاتهم الأسبوعية.
يرمز هيكل سليمان في الفكر اليهودي لحضرة الرب على الأرض، حيث تقع حضرته يقع بين الكروبيم على تابوت العهد، وكرسي الرحمة، المشار إليه في عبارة kavod)) مجد يهوه، أو (shekhinah) حضرة يهوه، كان لحزقيال رؤيا عن حضور الرب على عرشه:
فَنَظَرْتُ وَإِذَا بِرِيحٍ عَاصِفَةٍ جَاءَتْ مِنَ الشِّمَالِ. سَحَابَةٌ عَظِيمَةٌ وَنَارٌ مُتَوَاصِلَةٌ وَحَوْلَهَا لَمَعَانٌ، وَمِنْ وَسْطِهَا كَمَنْظَرِ النُّحَاسِ اللاَّمِعِ مِنْ وَسْطِ النَّارِ. وَمِنْ وَسْطِهَا شِبْهُ أَرْبَعَةِ حَيَوَانَاتٍ. وَهذَا مَنْظَرُهَا: لَهَا شِبْهُ إِنْسَانٍ. وَلِكُلِّ وَاحِدٍ أَرْبَعَةُ أَوْجُهٍ، وَلِكُلِّ وَاحِدٍ أَرْبَعَةُ أَجْنِحَةٍ. وَأَرْجُلُهَا أَرْجُلٌ قَائِمَةٌ، وَأَقْدَامُ أَرْجُلِهَا كَقَدَمِ رِجْلِ الْعِجْلِ، وَبَارِقَةٌ كَمَنْظَرِ النُّحَاسِ الْمَصْقُولِ. وَأَيْدِي إِنْسَانٍ تَحْتَ أَجْنِحَتِهَا عَلَى جَوَانِبِهَا الأَرْبَعَةِ. وَوُجُوهُهَا وَأَجْنِحَتُهَا لِجَوَانِبِهَا الأَرْبَعَةِ. وَأَجْنِحَتُهَا مُتَّصِلَةٌ الْوَاحِدُ بِأَخِيهِ. لَمْ تَدُرْ عِنْدَ سَيْرِهَا. كُلُّ وَاحِدٍ يَسِيرُ إِلَى جِهَةِ وَجْهِهِ. أَمَّا شِبْهُ وُجُوهِهَا فَوَجْهُ إِنْسَانٍ وَوَجْهُ أَسَدٍ لِلْيَمِينِ لأَرْبَعَتِهَا، وَوَجْهُ ثَوْرٍ مِنَ الشِّمَالِ لأَرْبَعَتِهَا، وَوَجْهُ نَسْرٍ لأَرْبَعَتِهَا. فَهذِهِ أَوْجُهُهَا. أَمَّا أَجْنِحَتُهَا فَمَبْسُوطَةٌ مِنْ فَوْقُ. لِكُلِّ وَاحِدٍ اثْنَانِ مُتَّصِلاَنِ أَحَدُهُمَا بِأَخِيهِ، وَاثْنَانِ يُغَطِّيَانِ أَجْسَامَهَا. (حزقيال 1: 4-11).
تجدر الإشارة إلى معاناة الفنانين في تصوير هذه الرؤية المعقدة للعرش.
عبادة الأصنام في الهيكل
وَكَانَ فِي السَّنَةِ السَّادِسَةِ، فِي الشَّهْرِ السَّادِسِ، فِي الْخَامِسِ مِنَ الشَّهْرِ، وَأَنَا جَالِسٌ فِي بَيْتِي، وَمَشَايِخُ يَهُوذَا جَالِسُونَ أَمَامِي، أَنَّ يَدَ السَّيِّدِ الرَّبِّ وَقَعَتْ عَلَيَّ هُنَاكَ. فَنَظَرْتُ وَإِذَا شِبْهٌ كَمَنْظَرِ نَارٍ، مِنْ مَنْظَرِ حَقْوَيْهِ إِلَى تَحْتُ نَارٌ، وَمِنْ حَقْوَيْهِ إِلَى فَوْقُ كَمَنْظَرِ لَمَعَانٍ كَشِبْهِ النُّحَاسِ اللاَّمِعِ. وَمَدَّ شِبْهَ يَدٍ وَأَخَذَنِي بِنَاصِيَةِ رَأْسِي، وَرَفَعَنِي رُوحٌ بَيْنَ الأَرْضِ وَالسَّمَاءِ، وَأَتَى بِي فِي رُؤَى اللهِ إِلَى أُورُشَلِيمَ، إِلَى مَدْخَلِ الْبَابِ الدَّاخِلِيِّ الْمُتَّجِهِ نَحْوَ الشِّمَالِ، حَيْثُ مَجْلِسُ تِمْثَالِ الْغَيْرَةِ، الْمُهَيِّجِ الْغَيْرَةِ. (حزقيال 8: 1-3)
ادعى حزقيال أن إله الخصوبة البابلي تمّوز -الذي قام في الربيع كرمز للحياة الجديدة، بعد أن دمرته الشياطين في أرض الموت- قد نُصب في الهيكل، وكان هذا هو الذي دنس الهيكل، ولذلك سمح الرب للبابليين بتدمير الهيكل، لكن الرب سيقيم هيكلًا جديدًا مطهرًا من هذا الدنس، "فَنَظَرْتُ وَإِذَا شِبْهٌ كَمَنْظَرِ" (حزقيال8: 2) هي إشارة إلى "مِثْلُ ابْنِ إِنْسَانٍ" في سفر دانيال الإصحاح السابع وسفر أخنوخ، كان هذا مفهوم ملاك ما قبل الوجود، الذي رفعه الرب ليكون ديان الأمم في الأيام الأخيرة.
وادي العظام الجافة
أخذ روح الرب حزقيال إلى وادي تناثرت فيه عظام بني إسرائيل الأموات.
تنبأ الرب لهذه العظام قائلاً "هأَنَذَا أُدْخِلُ فِيكُمْ رُوحًا فَتَحْيَوْنَ .... وَآتِي بِكُمْ إِلَى أَرْضِ إِسْرَائِيلَ .... وأَجْعَلُ رُوحِي فِيكُمْ فتَحْيَوْنَ، وَأَجْعَلُكُمْ فِي أَرْضِكُمْ". حزقيال (37: 4-14)
أدرجت طائفة الفريسيين اليهودية بحلول القرن الأول الميلادي، هذا المقطع في تعاليمهم حول قيامة الموتى، كما فعلت الديانة المسيحية الناشئة، كما أصبح الاقتناع باستعادة مستقبلية لكل إسرائيل.
حزقيال في اليهودية الحاخامية
ظهرت حركة عرفت في النهاية باسم (المركبة الباطنية) في الفترة اليهودية الهلنستية (في مخطوطات البحر الميت) وبين الحاخامات الأوائل، وتشير المركبة ("الركوب") إلى عربة العرش في رؤية حزقيال. بدأت رؤى الصعود السماوي المتشابه تشمل طبقات عديدة من السماء، واندماج المزيد من الملائكة والإلهيات في عالم الرب، وبحلول العصور الوسطى، كانت هذه التفاسير جزءًا من حركة القبالة الصوفية
حزقيال في المسيحية
استخدم كُتاب الأناجيل العديد من نبوءات حزقيال لوصف خدمة يسوع الناصري كنبي مشابه ينبأ أن ملكوت الرب كان وشيكًا، فباستدعاء حزقيال، سيرسل الرب روحًا جديدًا وعهدًا جديدًا، مغروسين الآن في القلب، وكان اللقب المفضل ليسوع هو "ابن الإنسان" المتنبأ به، وبصفته الديان الأخير، أصبح هذا المصطلح مفضلًا لوصف يسوع وقدرته على مغفرة الخطايا على الأرض، في قصة لوقا عن عيد العنصرة، وصف الحجاج اليهود في القدس للاحتفال " مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ تَحْتَ السَّمَاءِ " (أعمال الرسل 2: 5)، ثم استخدم لوقا مقاطع من سفر حزقيال (39: 25-29)" لآنَ أَرُدُّ سَبْيَ يَعْقُوبَ... عِنْدَ إِرْجَاعِي إِيَّاهُمْ مِنَ الشُّعُوبِ... أَنِّي سَكَبْتُ رُوحِي عَلَى بَيْتِ إِسْرَائِيلَ." ثم وصف لوقا أن الرب سيرسل روحه إلى اجتماع المؤمنين في العلية.
كتب يوحنا البطمسي الملقب بالرائي رؤياه في سفر الرؤيا أثناء نفيه في الجزيرة عام 100 ميلادياً، واستخدم سفر حزقيال بشكل حصري تقريبًا، حيث يتنبأ سفر الرؤيا بالدمار القادم للإمبراطورية الرومانية لاضطهادها للمسيحيين.
يقدم يوحنا بشكل مجازي، روما على أنها بابل، في المعركة الأخيرة في سفر الرؤيا، وسيجمع الشيطان الأمم الشريرة بدءًا من يأجوج ومأجوج، "فَنَزَلَتْ نَارٌ مِنْ عِنْدِ اللهِ مِنَ السَّمَاءِ وَأَكَلَتْهُمْ." (رؤيا 20: 9)، ففي الفصل 38 من حزقيال، يأجوج شخص، بينما مأجوج هو أرضه، حيث قدمهم حزقيال كأعداء مستقبليين لإسرائيل حيث سيهاجمون ويبدأون محن الأيام الأخيرة والمعركة الأخيرة. ادعى المؤرخ اليهودي في القرن الأول الميلادي، فلافيوس جوزيفوس، أنهم يمثلون شعب السكوثيون في السهوب الأوراسية لكازاخستان وجنوب سيبيريا، وكعادة معظم النصوص النبوية، لم يحدد حزقيال متى ستحدث الأيام الأخيرة لأن الوقت لا يعرفه إلا الرب. أُمر حزقيال بحفظ الدرج وهضمه لتجنب التكهنات المهووسة (حزقيال 3: 1-3)، بمرور الوقت، أصبح يأجوج ومأجوج رمزًا للهون والقوط والوندال والفايكنج، لا يزال المسيحيون المعاصرون يلجؤون إلى رؤى يوحنا في محاولات لفك شفرة رؤياه في ضوء الأزمات المعاصرة، أثناء الخوف الأحمر في الأربعينيات والخمسينيات من القرن الماضي، غالبًا ما كانت روسيا الشيوعية توصف بأنها يأجوج ومأجوج.
