حملة نابليون على مصر والشام

تعريف

Harrison W. Mark
بواسطة ، تمت ترجمته بواسطة Mahmoud Ismael
نُشر في 27 April 2023
استمع إلى هذه المقالة
X
طباعة المقالة
Bonaparte Before the Sphinx (by Jean-Léon Gérôme, Public Domain)
نابليون أمام أبو الهول
Jean-Léon Gérôme (Public Domain)

هدفت الحملة الفرنسية على مصر والشام (1798-1801) بقيادة نابليون بونابرت إلى إنشاء مستعمرة فرنسية في مصر وتهديد المصالح البريطانية في الهند، وعلى الرغم من الانتصارات الفرنسية الأولية، انتهت الحملة في النهاية بالفشل، وظلت مصر تحت الحكم العثمانية، وأدت الحملة أيضاً إلى اكتشاف حجر رشيد وولادة علم المصريات الحديث.

الإسكندر الجديد

كانت الجمهورية الفرنسية بحلول نهاية عام 1797، مهيمنة على أوروبا الغربية، بعد أن هزمت جميع أعدائها تقريبًا في حرب التحالف الأول، ما عدا بريطانيا العظمى فقط التي ظلت في حالة حرب معها، وعلى الرغم من المبادرات الفاترة من أجل السلام في عام 1797، أظهر البريطانيون تصميمًا علي هجوم جديد، حيث كان رئيس الوزراء وليام بيت الأصغر يتطلع إلى تمويل تحالف ثانٍ مناهض لفرنسا، وكانت حكومة الإدارة، حكومة الجمهورية الفرنسية، مصممة بنفس القدر على مباشرة الحرب حتى نهايتها، وشكلت جيشًا قوامه 120 ألف رجل لغزو جريء لبريطانيا، وأعطيت قيادة جيش حملة إنجلترا هذا للجنرال نابليون بونابرت، الذي انطلق في جولة سريعة في أحواض بناء السفن لتقييم جدوى هذه الحملة، وكان استنتاجه المحبط هو أن التفوق البحري البريطاني حكم على أي محاولة غزو لبريطانيا بالفشل، وبدلاً من ذلك، عرض بونابرت طريقًا بديلًا للنصر، مشيرًا إلى أن الفرنسيين يمكن أن يهددوا الإمبراطورية البريطانية من خلال إنشاء مستعمرة في مصر.

أيضًا موقع مصر جعلها القاعدة المثالية التي يمكن للفرنسيين من خلالها تهديد المصالح البريطانية في كل من البحر المتوسط والهند

كانت فكرة وجود مستعمرة فرنسية في مصر تداعب أفكار الوزراء الفرنسيين منذ ستينيات القرن الثامن عشر، لكن رغبة حكومة الإدارة في هزيمة بريطانيا جعلتها جذابة بشكل خاص الآن، حيث كانت حكومة الإدارة في حاجة ماسة إلى تعويض خسارة مستعمراتها في جزر الهند الغربية، وستجعل ثروة مصر المتصورة إضافة هامة لإمبراطورية فرنسا الاستعمارية المتعثرة، أيضًا موقع مصر جعلها القاعدة المثالية التي يمكن للفرنسيين من خلالها تهديد المصالح البريطانية في كل من البحر المتوسط والهند، واقترح بونابرت فتح اتصالات مع العناصر المناهضة لبريطانيا في الهند مثل السلطان تيبو، ورأت أيضا حكومة الإدارة أنه في حال فشل الحملة علي مصر فذلك يعد انتصاراً، لأنها ستخلصهم من الجنرال بونابرت المزعج، الذي جعلت شعبيته المتزايدة تهديدًا لهم، بالطبع، كان لدى بونابرت طموحات كبيرة ودوافع خاصة به، حيث كان يرغب في منافسة بطله الإسكندر الأكبر وبناء إمبراطورية شرقية، قال بونابرت ذات مرة: "أوروبا عبارة عن شيء تافه، السمعة العظيمة أتت من آسيا" (روبرتس ، 159).

Napoleon in Egypt
نابيلون في مصر
Jean-Léon Gérôme (Public Domain)

وافقت حكومة الإدارة على الحملة نظرًا لعدم وجود أي سلبيات، بشرط أن يجمع بونابرت الأموال اللازمة بنفسه وأن يعود إلى فرنسا في غضون ستة أشهر، دبر بونابرت على الفور تقريبًا، مبلغ 8 ملايين فرنك المطلوب، وهي "مساهمات" من الجمهوريات الشقيقة لفرنسا في هولندا وسويسرا وإيطاليا، واختار بونابرت 21 من أرقى ألوية الجيش الفرنسي، والتي يبلغ عددها حوالي 38000 جندي، كما أنه دفع في فيلق الضباط ببعض الجنرالات الأكثر حنكة في الجيش الفرنسي، وأعاد ألكسندر برتييه الذي لا غني عنه كرئيس لهيئة الأركان، بينما تولى قيادة الفرق جنرالات ذوو الخبرة من أمثال جان بابتيست كليبر ولويس دوزيه لويس أندريه بون وجين رينير وجاك مينو، حتى أن بونابرت أحضر معه ابن زوجته يوجين دو بوارنيه وشقيقه لويس كمساعدين شخصيين للمعسكر،

أملاً في منح البعثة غرضًا علميًا أيضًا، أمّن بونابرت خدمات 167 من أبرز العلماء والدارسين في فرنسا؛ تحت إشراف عالم الرياضيات غاسبار مونج، كان على هؤلاء العلماء إجراء البحوث والتفاخر بالتقدم العلمي الأوروبي، فقاد وجود هؤلاء العلماء إلى اكتشاف حجر رشيد وولادة علم المصريات الحديث.

الاستيلاء على مالطا

لم يعرف الجنود ولا العلماء عندما اجتمعت الحملة الفرنسية في طولون، إلى أين يتجهون؛ فكانت سيطرة البحرية الملكية على البحر الأبيض المتوسط تعني أن السرية ذات أهمية قصوى، في أوائل مايو 1798، تجمع أسطول فرنسي بقيادة نائب الأميرال برويز لنقل جيش الشرق الجديد إلى مصر، و يتكون الأسطول من 13 سفينة خطية و 13 فرقاطة وأكثر من 200 ناقلة، لم يتمكن أسطول بهذا الحجم الهائل من تجنب عيون العملاء الإنجليز، وبحلول الوقت الذي أبحرت فيه البعثة في 19 مايو، كان سرب من السفن الحربية البريطانية بقيادة هوراشيو نيلسون يجوب البحر المتوسط بحثًا عن الأسطول الفرنسي، ومع ذلك، كان الحظ إلى جانب الأسطول الفرنسي، ففي 21 مايو ، هبت عاصفة شديدة علي بارجة قيادة نيلسون وتشتت سربه نحو سردينيا، فأبحر نيلسون بعد إصلاح سفنه، في نطاق 20 ميلاً من الأسطول الفرنسي، والذي ظل غير مكشوف بفضل الضباب الكثيف.

وبعد السيطرة على مالطا، نهب بونابرت خزينتها وقضى ستة أيام في إصلاح النظام الإداري لمالطا

وصل الفرنسيون إلى مالطا دون وقوع حوادث في 10 يونيو، وأمر بونابرت، باجتياح الجزيرة لتأمينها قبل الانتقال إلى مصر، بحجة أن الجزيرة أبدت العداء لعدم سمحاها لأسطوله بأكمله بالرسو، على الرغم من أن فرسان القديس يوحنا، المسيطرين علي جزيرة مالطا، اشتهر عنهم التصدي للحصارات، إلا أن الجزيرة سقطت في يد الفرنسيين بعد مقاومة صغيرة فقط، لأن نصف الفرسان كانوا فرنسيين ورفضوا محاربة مواطنيهم، وبعد السيطرة على مالطا، نهب بونابرت خزينتها وقضى ستة أيام في إصلاح النظام الإداري لمالطا؛ وطرد فرسان القديس يوحنا، وألغى العبودية والإقطاع فيها، وأصلح المستشفى والجامعة، وسمح لليهود ببناء كنيس يهودي، ثم ترك وراءه حامية عسكرية وأبحر إلى الإسكندرية في 19 يونيو.

الحملة في مصر

أصبحت مصر ولاية عثمانية منذ عام 1517، على الرغم من أن القرون التالية شهدت تراجع سيطرة السلطان العثماني على البلاد، وبحلول عام 1798، كانت مصر تحت الحكم الفعلي للمماليك، وهم طائفة عسكرية أصلها من جبال القوقاز، والذين فرضوا ضرائب قاسية وكانوا مكروهين بشكل عام من قبل المصريين، وكان بونابرت يأمل في تقديم نفسه كمحرر، حيث كتب منشورات تدعي أن الله أرسله للتخلص من طغيان المماليك، ولتجنب الأعمال العدائية من العثمانيين، تم التأكيد لبونابرت أن وزير الخارجية الفرنسي تشارلز موريس دي تاليران سيذهب إلى الأستانة لشرح الأغراض الفرنسية ووعد السلطان بأن مصر ستستمر في دفع الجزية السنوية له، ومع ذلك، لم يذهب تاليران إلى الأستانة؛ على الرغم من كونه أكبر داعم للحملة المصرية، ولن تكون هذه هي المرة الأخيرة التي يخون فيها تاليران نابليون.

وصل الأسطول الفرنسي قبالة ساحل الإسكندرية في 1 يوليو، ونزل بونابرت في قلعة قايتباي، على بعد 13 كم (8 ميل)، هاجم الفرنسيون الإسكندرية صباح اليوم التالي؛ واقتحم الجنرال مينو الحصن الثلاثي خارج المدينة، بينما استولى كليبر وبون على بوابات بومبي ورشيد، وبدافع العطش، هاجم الفرنسيون بعزم كبير، وكانت المدينة في أيدي الفرنسيين بحلول منتصف النهار.

بقي بونابرت في الإسكندرية لمدة أسبوع قبل الانطلاق إلى القاهرة في 7 يوليو، تاركًا الأسطول متمركزاً في خليج أبو قير و2000 رجل وراءه كحامية عسكرية، وكانت المسيرة التي تلت ذلك عبر الصحراء وحشية، وتفاقمت المعاناة الناجمة عن الحرارة الحارقة وأسراب البعوض بسبب نقص المياه؛ وتسميم الآبار على طول الطريق أو سدها من قبل العربان، وأصيب العديد من الجنود بالرمد، مما تسبب في العمى المؤقت، وتم اصطياد التائهون من قبل المماليك المتعقبين، ووصل الانضباط إلى مستوى حرج حيث أطلق العديد من الجنود النار على أنفسهم وتآمر آخرون من أجل التمرد.

Battle of the Pyramids, 1798 CE
معركة الأهرام 1798م
Louis-François, Baron Lejeune (Public Domain)

تحسنت الروح المعنوية في 10 يوليو عندما وصل الجيش إلى ضفاف النيل؛ فاندفع الجنود بجنون إلى المياه الموحلة للشرب، فمات العديد منهم من الإفراط في الطعام، في 13 يوليو، التقى بونابرت بجيش المماليك بقيادة مراد بك في معركة شبرا خيت وكانت الهزيمة من نصيب المماليك، فانسحب مراد فقط لجمع قوات جديدة وعاد للظهور في 21 يوليو خارج إمبابة، وبدا أن العشرين ألف فرنسي الأكثر عدداً؛ حيث قاد مراد بك 6000 فارس مملوكي وقوة مشاة قوامها 54000 فلاح، لم يردع ذلك بونابرت، فقام بتشكيل كل قسم من أقسامه الخمسة في مربع، مع وضع المدافع في الزوايا، قال بونابرت لرجاله في إشارة إلى الهرم الأكبر، الذي يمكن رؤيته بوضوح من الميدان : " تاريخ 40 قرناً من الزمان يتطلع إليكم من خلال هذه الأهرام" (تشاندلر، 224).

كانت معركة الأهرام التي تلت ذلك أشهر انتصار للحملة، حيث جعلت التشكيلات المربعة للفرنسيين سلاح الفرسان المملوكي الهائل عديم الفائدة، حيث قامت الخيول بإلقاء فرسانها عند تهديدهم بالحراب الفرنسية، وفي غضون ساعتين، تم هزيمة المماليك، وغرق المئات في محاولتهم الفزعة للفرار عبر النيل، وغالبًا ما كان يدخل المماليك في المعركة بكل ما لديهم من أشياء ثمينة، وهذا يعني يعني أن جثة مملوك واحد كافية لإثراء جندي فرنسي لأيام بعد المعركة، فانخرط الفرنسيون في رياضة مروعة تتمثل في صيد جثث المماليك من النهر بالحراب، وتخلى إبراهيم بك، شريك مراد بك في الحكم، عن القاهرة دون قتال، فدخل بونابرت المدينة منتصرًا في 24 يوليو، تم إرسال الجنرال دوزيه لملاحقة مراد وإبراهيم في صعيد مصر، و انتشي دوزيه من الفرحة بعد هزيمته للمماليك في اللاهون (7 أكتوبر)، سمهود (22 يناير 1799)، وأبنود (8 مارس).

Explosion of L'Orient at the Battle of the Nile
انفحار السفينة لورينت في معركة أبوقير البحرية
George Arnald (Public Domain)

لن يدوم حظ بونابرت الجيد هذا إلى الأبد، لحق نيلسون أخيرًا بالأسطول الفرنسي الراسخ في خليج أبوقير، في 1 أغسطس 1798، ونتج عن ذلك معركة أبوقير البحرية، التي تم فيها القضاء على الأسطول الفرنسي، والاستيلاء أو تدمير على 11 من أصل 13 سفينة خطية، وأدى انفجار السفينة الفرنسية الرائدة لورينت إلى مقتل الأدميرال برويس و 1000 بحار فرنسي، وقطع انتصار نيلسون الحاسم أي إمدادات أو تعزيزات لنابليون من فرنسا؛ وفي اليوم التالي لتلقيه الأخبار، سخر بونابرت من ضباطه، قائلاً "يبدو لي أنكم تحبون هذا البلد، يا للحظ، في الوقت الحالي ليس لدينا أسطول يعيدنا إلى أوروبا" (روبرتس ، 178).

احتلال القاهرة

حاول بونابرت كسب المصريين لصفه، مع وجود جزء كبير من مصر تحت سيطرته، حيث شارك الشيوخ في القاهرة، في النقاشات الدينية، متفاخرًا بمعرفته بالقرآن وأعطي انطباعًا بأنه كان ينوي اعتناق الإسلام، في 20 أغسطس، قام بتمويل احتفال لمدة ثلاثة أيام بمناسبة المولد النبوي، تم خلاله إعلانه صهرًا للنبي وتم تقديمه باسم "على بونابرت"، وفي اليوم الأخير من الاحتفالات، افتتح بونابرت المعهد العلمي برئاسة مونج، في محاولة لإبهار القاهريين بالتنوير والعقل.

لم يوافق الكثيرون على هذه الأفعال، واستمر السخط في التفاقم ضد الاحتلال الفرنسي، في سبتمبر، أصبح فشل تاليران في الوفاء بوعده في الصفقة واضحًا عندما أعلنت الإمبراطورية العثمانية الحرب على فرنسا؛ في 20 أكتوبر، وصلت أخبار إلى القاهرة تفيد بأن العثمانيين كانوا يحشدون جيشا في بلاد الشام لمهاجمة بونابرت، في تلك الليلة نفسها، اندلعت ثورة القاهرة الأولي. طَعن الجنرال دوبوي، الحاكم العسكري للمدينة، حتى الموت في الشارع بينما قُتل 15 من حراس بونابرت الشخصيين وأحد مساعديه، وتم إطعام جثثهم للكلاب، قبل أن يتمكن بونابرت من الرد المناسب، قُتل 300 جندي فرنسي، واحتمى الثوار القاهريون في الجامع الأزهر.

Revolt in Cairo, October 1798
ثورة القاهرة الأولي أكتوبر 1798م
Anne-Louis Girodet-Trioson (Public Domain)

رد بونابرت بقسوة، إدراكًا منه أن أي تأخير من شأنه أن يشجع المزيد من مواطني القاهرة البالغ عددهم ستمائة ألف على الانضمام إلى الثورة، وقصف الجامع الأزهر بالمدفعية قبل أن يرسل المشاة الذين دنسوا المسجد، قُتل 2500 من الثوار في أول القتال وخلال الأسابيع التالية، تم إعدام مئات آخرين، ولتوفير الذخيرة، قام بونابرت بقطع رؤوسهم، وتكدست رؤوسهم في وسط المدينة، وألقيت جثثهم في النيل، وبحلول 11 نوفمبر، تم قمع الثورة، يمكن الأن لبونابرت الانتباه للتهديد المتزايد في بلاد الشام.

الحملة على الشام

قرر بونابرت استباق الحملة العثمانية القادمة، ففي فبراير 1799، قاد جيش عدده 13000 رجل خارج مصر، يتكون من أربعة فرق مستنفدة تحت قيادة الجنرالات رينير وكليبر وبون وجان لانز، مع سلاح الفرسان بقيادة يواكيم مورات، وفي 17 فبراير، أوقف 2000 جندي عثماني بونابرت دفاعاً عن قلعة العريش، سقطت القلعة بعد يومين بعد قصف مخيف، وسمح بونابرت للحامية بالمغادرة بعد أن أقسموا بالقرآن أنهم لن يعودوا للقتال ضده، ثم مر الفرنسيون عبر غزة قبل أن ينتقلوا لبدء حصار يافا في 3 مارس، استمر الحصار لمدة ثلاثة أيام، وعندها أرسل بونابرت رسولًا للمطالبة باستسلام المدينة؛ فقطع حاكم يافا رأس الرسول وعرض رأسه على جدران يافا، في اليوم التالي، اقتحم الآلاف من الفرنسيين الغاضبين المدينة، وأعطى بونابرت يافا 24 ساعة للاستسلام دون قيود، كما ذكر أحد العلماء المذعورين:

كانت المشاهد مروعة، صوت طلقات، صراخ النساء والآباء، أكوام الأجساد ... رائحة الدم، آهات الجرحى، صراخ المنتصرين يتنازعون على الغنائم. (روبرتس، 189)

لم تنته الفظائع عند هذا الحد، لأن بعض المدافعين عن يافا هم نفس الرجال الذين أطلق بونابرت سراحهم بعد احتلال العريش، فقرر الجنرال معاقبة الحامية بأكملها، وفي 9 آذار / مارس، نُقل ما بين ألفين إلي ثلاث الاف أسير حرب إلى شاطئ جنوب يافا، حيث قُتلوا جميعًا، ودافع بونابرت عن أفعاله بالادعاء أنه ليس لديه ما يكفي من الطعام لإطعامهم، على الرغم من أنه أخذ للتو حوالي 400,000من حصة البسكويت من يافا، كما لاحظ كاتب السيرة أندرو روبرتس، أن هناك فعل عنصري في هذه المذبحة، لأن بونابرت بالتأكيد لم يكن ليتعامل مع جيش أوروبي مستسلم بمثل هذه القسوة.

Napoleon Visits the Plague Victims of Jaffa
نابيلون يزور ضحايا الطاعون في يافا
Antoine-Jean Gros (Public Domain)

أصيب الجيش الفرنسي بالطاعون الدبلي بعد وقت قصير من مذابح يافا، في نوع ملحوظ من العدالة الإلهية، وبنسبة وفيات 92٪ كانت هناك 270 حالة جديدة في اليوم، على الرغم من أن بونابرت بذل قصارى جهده لزيارة المرضى والعناية برجاله، إلا أنه لم يبق طويلاً في يافا، ففي 14 مارس، جمع بونابرت جنوده الأصحاء وانطلق إلى عكا.

حصار عكا

وصل بونابرت إلى خارج عكا في 18 مارس ليجد المدينة محصنة جيداً، كانت الحامية تحت قيادة أحمد باشا الجزار، والي عكا، الذي أكسبه قسوته لقب "الجزار"، تم إمداد العثمانيين بالتعزيزات والتحصينات من قبل العميد بحري المخادع السير سيدني سميث، الذي كان يشن حربًا نفسية ضد الفرنسيين من خلال منعهم من الوصول إلى أي أخبار من فرنسا، وظل بونابرت واثقًا من تحقيق نصر سريع إلى أن استولى العدو على الأسطول الذي كان يحمل أسلحة الحصار الثقيلة، وسرعان ما وجد الفرنسيون أنفسهم تحت نيران أسلحتهم، فأُجبر بونابرت على اللجوء إلى أساليب حرب الحصار التي تستغرق وقتًا طويلاً مثل أسلوب الخنادق.

كانت هذه فاتحة سلسلة من النكبات التي حلت بالجيش الفرنسي، حيث انتهى هجوم بونابرت الأول في 28 مارس بكارثة عندما تم اكتشاف أن السلالم الفرنسية أقصر من أن تتسلق الجدران، فأمر بونابرت بثمانية هجمات كبيرة أخرى خلال الأسابيع التسعة التالية، والتي انتهت جميعها بالفشل، امتدت خطوط الحصار الفرنسية أيضًا إلى المستنقعات التي ينتشر فيها البعوض، مما تسبب في تفشي الملاريا، عندما بدأت الخسائر الفرنسية في التراكم، وجد بونابرت نفسه محرومًا من ضباطه المحنكين، فقد استسلم الجنرال الشهير كافيريلي للغرغرينا في 28 أبريل، وأصيب الجنرال بون بجروح قاتلة في 10 مايو، وأصيب الجنرال لانيس يوجين دو بوارنيه بجروح بالغة.

Battle of Mount Tabor
معركة جبل طابور
Léon Cogniet (Public Domain)

هزم الفرنسيون جيش الإغاثة العثماني في معركة جبل طابور، في 16 أبريل، وعلى الرغم من أن هذا الانتصار كان مثيرًا للإعجاب، إلا أنه لم يفعل شيئًا يذكر لتحسين احتمالات بونابرت في الاستيلاء على عكا، ولم يمض وقت طويل حتى أنجز سيدني سميث أعظم أعماله في الحرب النفسية حتى الآن عندما سمح لبعض الأخبار الحقيقية بالوصول إلى جيش بونابرت، حيث أعلنت صحيفة عن بداية حرب التحالف الثاني والهزائم العسكرية التي لحقت بفرنسا في أوروبا، هنا أدرك بونابرت أن مواهبه العسكرية ضرورية للعودة إلى أوروبا، فرفع الحصار في 20 مايو وبدأ رحلة العودة الطويلة المحبطة إلى القاهرة، كان فشل الحصار يطارد دائمًا بونابرت، الذي أعرب عن أسفه لاحقًا، "لقد فقدت حظي في عكا" (روبرتس ، 198).

الانسحاب

جمع بونابرت عند وصوله إلى القاهرة في 14 يونيو كل جندي متاح وسار إلى الإسكندرية، وبحلول الوقت الذي وصلوا فيه، كان سميث قد نقل 15000 جندي عثماني بقيادة مصطفى باشا إلى أبو قير، وفي 25 يوليو، اشتبك معهم بونابرت في معركة أبو قير البرية، والتي ستكون آخر انتصار له في مصر، لقي 2000 عثماني مصرعهم في المعركة مع غرق عدد أكبر أثناء اقتيادهم إلى البحر، وخسر الفرنسيون أقل من 1،000 جندي، ولكن مع تدمير أسطول برويز وبدء حرب فرنسا مرة أخرى مع أوروبا، كان من الواضح أنه لم تكن هناك تعزيزات قادمة.

أبحر بونابرت بعيدًا في 23 أغسطس مع عدد قليل من الضباط والعلماء، بعد أن لم يخبر أحدًا عن نيته مغادرة مصر، تاركًا خلفه باقي جيشه في الإسكندرية، وفي غضون 41 يومًا، عاد إلى فرنسا، وبحلول نهاية العام، كان قد استولى على الحكومة الفرنسية في انقلاب 18 برومير.

Assassination of Kléber
اغتيال كليبر
Antoine-Jean Gros (CC BY-NC-SA)

شعر الجيش الذي تركه نابليون خلفه بالخيانة بشكل واضح، على الرغم من ادعاءات بونابرت بأنه مطلوب في أوروبا، لم يكن هناك أكثر غضباً من الجنرال كليبر، الذي ورث قيادة الحملة المفككة، وبدأ كليبر في الإشارة إلى بونابرت بــــــــ" القزم الكورسيكي"، واعدًا بالانتقام عند عودته إلى أوروبا، لكن القدر لن يمهل الفرصة لكليبر أبدًا، حيث اغتيل في الإسكندرية في يونيو 1800.

انتقلت القيادة إلى الجنرال مينو، الذي كان مسؤولاً عن الدفاع عن الإسكندرية عندما هاجم الجيش الأنجلو-عثماني بقيادة السير رالف أبركرمبي في 21 مارس 1801، وعلى الرغم من إصابة أبيركرومبي بجروح قاتلة، إلا أن معركة الإسكندرية أسفرت عن انتصار الحلفاء، وسقطت القاهرة في يونيو، واستسلم مينو في الإسكندرية في 2 سبتمبر 1801 بعد حصار طويل، أنهت معاهدة باريس في 25 يونيو 1802 الأعمال العدائية بين فرنسا والإمبراطورية العثمانية، ورجعت مصر مرة أخرى تحت السيطرة العثمانية.

أسئلة وأجوبة

لماذا تخلى نابليون عن جيشه في مصر وعاد إلى فرنسا؟

ادعى نابليون أنه تخلى عن جيشه في مصر لأن خبراته كانت مواهبه في أوروبا ، حيث كانت فرنسا تخوض حرب التحالف الثاني ؛ ومع ذلك ، ربما كان يتنصل أيضًا من الحملة المصرية التي لم تنجح.

ماذا فعل نابليون في الشام؟

غزا نابليون سوريا في فبراير 1799. استولى على يافا وفرض حصارًا على عكا ، حيث واجه مقاومة شرسة من المدافعين الأنجلو-عثمانيين. على الرغم من فوزه في معركة جبل طابور ، إلا أنه لم يستطع الاستيلاء على عكا واضطر إلى التراجع مرة أخرى إلى مصر.

لماذا قاد نابليون حملة على مصر؟

قاد نابليون حملة في مصر لتأسيس مستعمرة فرنسية هناك ، مما سيسمح لفرنسا بتهديد التجارة البريطانية في البحر الأبيض المتوسط والهند. كان نابليون أيضًا مدفوعًا بالرغبة في السير على خطى بطله الإسكندر الأكبر وإقامة إمبراطورية في الشرق الأوسط وآسيا.

ماذا حدث في حملة نابليون على مصر؟

كانت حملة نابليون في مصر ناجحة في البداية ، حيث انتصر في معركة الأهرام واستولى على القاهرة. لكن الهزائم الفرنسية في معركة أبوقير البحرية وحصار عكا أدت إلى فشل الحملة ، حيث تخلى نابليون عن جيشه في الإسكندرية وعاد إلى أوروبا.

كيف ساهمت حملة نابليون المصرية في علم المصريات؟

في حملته المصرية ، أحضر نابليون 167 عالماً ، من بينهم علماء وباحثون آخرون من فرنسا ، لإجراء أبحاث في مصر. من بين النتائج الأخرى ، أعاد ضابط من جيش نابليون اكتشاف حجر رشيد ، والذي سمح بفك رموز الهيروغليفية المصرية القديمة.

نبذة عن المترجم

Mahmoud Ismael
مدرس تاريخ مهتم بترجمة المقالات والأبحاث التاريخية.

نبذة عن الكاتب

Harrison W. Mark
هاريسون مارك هو خريج جامعة ولاية نيويورك في أوسويغو، حيث درس التاريخ والعلوم السياسية.

استشهد بهذا العمل

نمط APA

Mark, H. W. (2023, April 27). حملة نابليون على مصر والشام [Napoleon's Campaign in Egypt and Syria]. (M. Ismael, المترجم). World History Encyclopedia. تم استرجاعها من https://www.worldhistory.org/trans/ar/1-21818/

أسلوب شيكاغو

Mark, Harrison W.. "حملة نابليون على مصر والشام." تمت ترجمته بواسطة Mahmoud Ismael. World History Encyclopedia. آخر تعديل April 27, 2023. https://www.worldhistory.org/trans/ar/1-21818/.

أسلوب إم إل إيه

Mark, Harrison W.. "حملة نابليون على مصر والشام." تمت ترجمته بواسطة Mahmoud Ismael. World History Encyclopedia. World History Encyclopedia, 27 Apr 2023. الويب. 20 Nov 2024.