مريم الناصرية، والدة يسوع المسيح، هي واحدة من أكثر النساء تبجيلًا في العالم القديم. لقبها الأكثر شيوعًا هو "مريم العذراء". تحتفل بها الكنائس الأرثوذكسية الشرقية والكاثوليكية ومختلف الطوائف البروتستانتية باعتبارها "والدة الله"، أما في الإسلام، خُصصت لها السورة الــ 19 من القرآن الكريم، وسميت باسمها.
تطورت قصص مريم على مر الزمن، لكن مصدرنا الأول للمسيحية هو رسائل بولس الرسول إلى الأمم، التي كُتبت قبل الأناجيل القانونية، لم تذكر اسمها. لدينا فقط: "وَلكِنْ لَمَّا جَاءَ مِلْءُ الزَّمَانِ، أَرْسَلَ اللهُ ابْنَهُ مَوْلُودًا مِنِ امْرَأَةٍ، مَوْلُودًا تَحْتَ النَّامُوسِ" (غلاطية 4: 4).
مريم في الأناجيل
اشتركت الثقافات القديمة في الاعتقاد بأن العظماء غالبًا ما كانت ولادتهم إعجازية، وعادةً ما يكون ذلك بتزاوج إله من امرأة بشرية.
تعد أناجيل "مرقس ومتى ولوقا ويوحنا" (70-100 م) مصادرنا عن مريم، ومن المربك في بعض الأحيان، وجود العديد من النساء اللواتي يحملن اسم مريم في الأناجيل. كان الناس قديمًا و (كما هو الحال الآن) يسمون أولادهم بأسماء شخصيات مشهورة. اشتق اسم مريم من "ماري" بالآرامية، ومن "ماريا" في اليونانية الكوينية (العامية)، وماريا هذه، كانت مريم أخت موسى.
يدخل أقدم إنجيل، مرقس (حوالي 70 م)، في صميم الموضوع، حيث يبدأ بيسوع البالغ وخدمته في الناصرة:
"وَلَمَّا كَانَ السَّبْتُ، ابْتَدَأَ يُعَلِّمُ فِي الْمَجْمَعِ. وَكَثِيرُونَ إِذْ سَمِعُوا بُهِتُوا قَائِلِينَ: «مِنْ أَيْنَ لِهذَا هذِهِ؟ وَمَا هذِهِ الْحِكْمَةُ الَّتِي أُعْطِيَتْ لَهُ حَتَّى تَجْرِيَ عَلَى يَدَيْهِ قُوَّاتٌ مِثْلُ هذِهِ؟ أَلَيْسَ هذَا هُوَ النَّجَّارَ ابْنَ مَرْيَمَ، وَأَخُو يَعْقُوبَ وَيُوسِي وَيَهُوذَا وَسِمْعَانَ؟ أَوَلَيْسَتْ أَخَوَاتُهُ ههُنَا عِنْدَنَا؟» فَكَانُوا يَعْثُرُونَ بِهِ." (مرقس 6: 2-3)
نحن نعلم أن "يعقوب أخو يسوع" كان شخصية تاريخية، على الرغم من أنه لم يوصف بأنه أحد أتباعه في الخدمة الأرضية، لأن بولس زاره مرتين، ويُشار إليه باسم "يَعْقُوبَ أَخَا الرَّبِّ." في غلاطية (١: ١٨). يعقوب في أعمال الرسل، هو أحد قادة الحركة الجديدة في أورشليم. فهمت المسيحية المبكرة الإخوة الأشقاء على أنهم أبناء آخرون لمريم بعد ولادة المسيح.
بدأ كل من متى ولوقا إنجيليهما بقصة ميلاد يسوع (قصة الميلاد). كان دافعهم على الأرجح هو إقناع الناس بأن يسوع هو المسيح المنتظر الذي تنبأ به أنبياء إسرائيل، وفعلوا ذلك عن طريق الإشارات إلى أسفار الأنبياء في العهد القديم، وفي الوقت نفسه، كانت الثقافات القديمة تشترك في نفس الوقت في الاقتناع بأن العظماء غالبًا ما كانت ولادتهم إعجازية، وعادةً ما تكون بتزاوج إله من امرأة بشرية.
يصف إنجيل متى ميلاد يسوع على النحو التالي:
" أَمَّا وِلاَدَةُ يَسُوعَ الْمَسِيحِ فَكَانَتْ هكَذَا: لَمَّا كَانَتْ مَرْيَمُ أُمُّهُ مَخْطُوبَةً لِيُوسُفَ، قَبْلَ أَنْ يَجْتَمِعَا، وُجِدَتْ حُبْلَى مِنَ الرُّوحِ الْقُدُسِ. فَيُوسُفُ رَجُلُهَا إِذْ كَانَ بَارًّا، وَلَمْ يَشَأْ أَنْ يُشْهِرَهَا، أَرَادَ تَخْلِيَتَهَا سِرًّا. وَلكِنْ فِيمَا هُوَ مُتَفَكِّرٌ فِي هذِهِ الأُمُورِ، إِذَا مَلاَكُ الرَّبِّ قَدْ ظَهَرَ لَهُ فِي حُلْمٍ قَائِلًا: «يَا يُوسُفُ ابْنَ دَاوُدَ، لاَ تَخَفْ أَنْ تَأْخُذَ مَرْيَمَ امْرَأَتَكَ. لأَنَّ الَّذِي حُبِلَ بِهِ فِيهَا هُوَ مِنَ الرُّوحِ الْقُدُسِ. فَسَتَلِدُ ابْنًا وَتَدْعُو اسْمَهُ يَسُوعَ. لأَنَّهُ يُخَلِّصُ شَعْبَهُ مِنْ خَطَايَاهُمْ». وَهذَا كُلُّهُ كَانَ لِكَيْ يَتِمَّ مَا قِيلَ مِنَ الرَّبِّ بِالنَّبِيِّ الْقَائِلِ: «هُوَذَا الْعَذْرَاءُ تَحْبَلُ وَتَلِدُ ابْنًا، وَيَدْعُونَ اسْمَهُ عِمَّانُوئِيلَ» الَّذِي تَفْسِيرُهُ: اَللهُ مَعَنَا." (متى 1: 18-23)
لم يكن الروح القدس في هذه النقطة هو الأقنوم الثالث لما أصبح الثالوث في 325 م، بل كان إشارة إلى روح الله الذي كان يحرك آدم عندما "نَفَخَ فِي أَنْفِهِ نَسَمَةَ حَيَاةٍ. فَصَارَ آدَمُ نَفْسًا حَيَّةً." (تكوين 7:2). كان روح الله هو الذي استحوذ على الأنبياء وجعلهم قادرين على التكلم باسم الله وصنع المعجزات.
يختلط الأمر على القراء أحيانًا بالإشارة إلى الطلاق، لأنهم لم يكونوا قد تزوجوا بعد، فكل من الخِطْبَة والزواج يتمان من خلال عقد شرعي، وهو تبادل ملكية من الأبُ للزوج الجديد، ولإبطال العقد الأصلي، كان يلزم عقد آخر هو عقد الطلاق.
مريم العذراء
يشتهر المقطع أعلاه بقضايا التَّرْجَمَةً بين العبرية واليونانية التي أثبتت بتولية مريم العذراء. تُرجمت التوراة حوالي عام 200 ق.م، إلى اليونانية في الإسكندرية بمصر، وعُرفت باسم "الترجمة السبعينية"، وهي النسخة نفسها التي استخدمها كتبة الإنجيل، ومع ذلك، فهي تحتوي على عدة ترجمات غير متقنة. انتقل متى إلى إشعياء 7، حيث كان أشعياء نبيًا خلال الفتح الآشوري عام 722 ق.م، وكان آحاز ملكًا شريرًا على يهوذا (732-716 ق.م). قال له الله أن يطلب آية، لكنه رفض: "وَلكِنْ يُعْطِيكُمُ السَّيِّدُ نَفْسُهُ آيَةً: هَا الْعَذْرَاءُ تَحْبَلُ وَتَلِدُ ابْنًا وَتَدْعُو اسْمَهُ «عِمَّانُوئِيلَ»." (إشعياء 7: 14). إن كلمة "עַלְמָה" العبرانية التي تُرجمت هنا بـ "الشابة" هي فتاة تجاوزت سن البلوغ، ومستعدة للإنجاب، أصبحت كلمة "עַלְמָה" في الترجمة اليونانية " παρθένος" أي "عذراء".
لم تكن كلمة "عذراء" تتعلق بالضرورة بغشاء بكارة سليم، بل كانت مصطلحًا عامًا للمرأة غير المتزوجة. كانت كلمة "العذراء" كناية شائعة عن البراءة والنقاء، وهي حالة الشباب قبل البلوغ، فسُمي معبد أثينا "البارثينون" باسم "الآلهة العذراء" لأن أثينا اختارت أن تحكم وحدها دون قرين أو زوج، ولم يكن لها أطفال.
تحدث ولادة يسوع خارج المسرح، مع القليل من التفاصيل، في إنجيل متّى، حيث قِيل ليوسف في المنام أن يأخذ العائلة ويهرب إلى مصر لأن الملك هيرودس كان ينوي ذبح جميع الأطفال البالغين من العمر سنتين خوفًا من ملك جديد يغتصب حكمه. تبجّل الكنيسة القبطية الأرثوذكسية في مصر الأماكن المقدسة حيث وجدت العائلة مأوى لها في الواحات والآبار في هذه الرحلة.
الميلاد في إنجيل لوقا
قدم لوقا خلفية وتفاصيل أكثر تفصيلًا لقصة مريم وولادة يسوع، حيث بدأ بقصة زكريا وأليصابات، وهما زوجان عاقران. زار ملاكٌ زكريا أثناء تناوبه رئاسة الكهنة في الهيكل، وأخبره أنهما سيصبحان والد يوحنا المعمدان.
"وَفِي الشَّهْرِ السَّادِسِ أُرْسِلَ جِبْرَائِيلُ الْمَلاَكُ مِنَ اللهِ إِلَى مَدِينَةٍ مِنَ الْجَلِيلِ اسْمُهَا نَاصِرَةُ، إِلَى عَذْرَاءَ مَخْطُوبَةٍ لِرَجُل مِنْ بَيْتِ دَاوُدَ اسْمُهُ يُوسُفُ. وَاسْمُ الْعَذْرَاءِ مَرْيَمُ. فَدَخَلَ إِلَيْهَا الْمَلاَكُ وَقَالَ: «سَلاَمٌ لَكِ أَيَّتُهَا الْمُنْعَمُ عَلَيْهَا! اَلرَّبُّ مَعَكِ. مُبَارَكَةٌ أَنْتِ فِي النِّسَاءِ». فَلَمَّا رَأَتْهُ اضْطَرَبَتْ مِنْ كَلاَمِهِ، وَفَكَّرَتْ: «مَا عَسَى أَنْ تَكُونَ هذِهِ التَّحِيَّةُ!» فَقَالَ لَهَا الْمَلاَكُ: «لاَ تَخَافِي يَا مَرْيَمُ، لأَنَّكِ قَدْ وَجَدْتِ نِعْمَةً عِنْدَ اللهِ. وَهَا أَنْتِ سَتَحْبَلِينَ وَتَلِدِينَ ابْنًا وَتُسَمِّينَهُ يَسُوعَ. هذَا يَكُونُ عَظِيمًا، وَابْنَ الْعَلِيِّ يُدْعَى، وَيُعْطِيهِ الرَّبُّ الإِلهُ كُرْسِيَّ دَاوُدَ أَبِيهِ، وَيَمْلِكُ عَلَى بَيْتِ يَعْقُوبَ إِلَى الأَبَدِ، وَلاَ يَكُونُ لِمُلْكِهِ نِهَايَةٌ». فَقَالَتْ مَرْيَمُ لِلْمَلاَكِ: «كَيْفَ يَكُونُ هذَا وَأَنَا لَسْتُ أَعْرِفُ رَجُلًا؟» فَأَجَابَ الْمَلاَكُ وَقَالَ لَها: «اَلرُّوحُ الْقُدُسُ يَحِلُّ عَلَيْكِ، وَقُوَّةُ الْعَلِيِّ تُظَلِّلُكِ، فَلِذلِكَ أَيْضًا الْقُدُّوسُ الْمَوْلُودُ مِنْكِ يُدْعَى ابْنَ اللهِ. وَهُوَذَا أَلِيصَابَاتُ نَسِيبَتُكِ هِيَ أَيْضًا حُبْلَى بِابْنٍ فِي شَيْخُوخَتِهَا، وَهذَا هُوَ الشَّهْرُ السَّادِسُ لِتِلْكَ الْمَدْعُوَّةِ عَاقِرًا، لأَنَّهُ لَيْسَ شَيْءٌ غَيْرَ مُمْكِنٍ لَدَى اللهِ». فَقَالَتْ مَرْيَمُ: «هُوَذَا أَنَا أَمَةُ الرَّبِّ. لِيَكُنْ لِي كَقَوْلِكَ». فَمَضَى مِنْ عِنْدِهَا الْمَلاَكُ." (لوقا 1: 26-38)
أصبحت البشارة لمريم العذراء أيقونة في وقت لاحق في فن عصر النهضة، ويحتفل بعيد البشارة في 25 مارس/آذار، أي قبل تسع أشهر من شهر ديسمبر/كانون الأول.
زارت مريم بعد ذلك أليصابات، وفي هذا المقطع، تُرجمت كلمة "قريب" فيمَا بعد إلى "ابن العم":
"فَلَمَّا سَمِعَتْ أَلِيصَابَاتُ سَلاَمَ مَرْيَمَ ارْتَكَضَ الْجَنِينُ فِي بَطْنِهَا، وَامْتَلأَتْ أَلِيصَابَاتُ مِنَ الرُّوحِ الْقُدُسِ، وَصَرَخَتْ بِصَوْتٍ عَظِيمٍ وَقَالَتْ: «مُبَارَكَةٌ أَنْتِ فِي النِّسَاءِ وَمُبَارَكَةٌ هِيَ ثَمَرَةُ بَطْنِكِ! فَمِنْ أَيْنَ لِي هذَا أَنْ تَأْتِيَ أُمُّ رَبِّي إِلَيَّ؟ فَهُوَذَا حِينَ صَارَ صَوْتُ سَلاَمِكِ فِي أُذُنَيَّ ارْتَكَضَ الْجَنِينُ بِابْتِهَاجٍ فِي بَطْنِي." (لوقا 1: 41-44).
بعبارة أخرى، حتى في الرحم، اعترف يوحنا بتفوق يسوع، وبين القرنين السادس والحادي عشر، أصبح الإعلان لمريم وهذا المقطع مدمجًا فيما أصبح يُعرف باسم "السلام عليك يا مريم"، وهي صلاة طقسية:
"السَّلَامُ عَلَيْكِ يَا مَرْيَمُ يَا مُمْتَلِئَة نِعْمَة
الرَّبُّ مَعَكِ
مُبَارَكَةٌ انتِ في النِّسَاءِ
وَمُبَارَكَةٌ ثَمَرَةُ بَطْنَك سَيِدِنا يَسُوع المَسيح
يَا قديسة مَرْيَم يَا وَالِدة الله
صلّي لأجلنا نَحْن الخطأة
الآنَ وَفِي سَاعَة موتنا.
آمِين."
كان للبابا غريغوريوس الكبير (خدم 590-604) الفضل في استخدام هذه الصلاة في الليتورجيا. زار القدّيس دومينيك (1170-1221م) ملاكٌ وأمره بتعليم الناس استخدام الخرز لحفظ الصلوات، أي المسبحة، التي لا تزل طقسًا تعبديًا لمريم.
استخدم لوقا حُجة تسجيل الإحصاء الروماني ليأتي بيوسف ومريم إلى بيت لحم، في حين زعم متى أن العائلة كانت تسكن في الأصل في بيت لحم وانتقلت فيمَا بعد إلى الناصرة، ولما لم يكن هناك متسع في الطابق العلوي من محطة الطريق للمسافرين (النزل)، فإن الولادة في لوقا تمت في الطابق السفلي حيث كانت الحيوانات موجودة في الإسطبل.
خَتنت مريم ويوسف يسوع، وذهبت مريم إلى الهيكل في أورشليم لإتمام الطهارة المطلوبة بعد ولادة الطفل، مع تقديمها "زَوْجَ يَمَامٍ". قابلت في الهيكل سمعان الذي تنبأ لها:
"وَبَارَكَهُمَا سِمْعَانُ، وَقَالَ لِمَرْيَمَ أُمِّهِ: «هَا إِنَّ هذَا قَدْ وُضِعَ لِسُقُوطِ وَقِيَامِ كَثِيرِينَ فِي إِسْرَائِيلَ، وَلِعَلاَمَةٍ تُقَاوَمُ. وَأَنْتِ أَيْضًا يَجُوزُ فِي نَفْسِكِ سَيْفٌ، لِتُعْلَنَ أَفْكَارٌ مِنْ قُلُوبٍ كَثِيرَةٍ»." (لوقا 2: 34-35)
هكذا أصبح هذا تقليدًا لآلام مريم، مما جعلها في النهاية من بين أسمى الشهداء، وملكة السماء.
يسرد مرقس ومتى العديد من النساء اللاتي شهدن محاكمة وصلب يسوع الناصري، قد تكون إحداهن، "مريم أم يعقوب ويوسف"، إشارة إليها. لم يذكر لوقا سوى مجموعة من النساء النائحات في هذا الحدث. ذكر لوقا مريم مرة واحدة فقط، في أعمال الرسل، حيث كانت حاضرة مع التلاميذ عندما اُختير متّى ليحل محل يهوذا: "هؤُلاَءِ كُلُّهُمْ كَانُوا يُواظِبُونَ بِنَفْسٍ وَاحِدَةٍ عَلَى الصَّلاَةِ وَالطِّلْبَةِ، مَعَ النِّسَاءِ، وَمَرْيَمَ أُمِّ يَسُوعَ، وَمَعَ إِخْوَتِهِ." (أعمال الرسل 1: 14).
مريم في إنجيل يوحنا
لا يوجد في إنجيل يوحنا ولادة جسدية ليسوع؛ فهو ظهور لكلمة الله على الأرض (اللوغوس). أصبح هذا هو المفهوم المسيحي للتجسد، الذي مفاده أن يسوع الموجود مسبقًا في السماء، ظهر في جسد بشري على الأرض، لكن في الوقت نفسه، أدرج يوحنا أيضًا والدة يسوع، وإن لم يذكر اسمها، ففي يوحنا (2: 1-12) أقنعت أم يسوع بتحويل الماء إلى خمر في عرس قانا، وفي وقت لاحق، يضعها يوحنا أيضًا في موقع الصُّلْب:
"وَكَانَتْ وَاقِفَاتٍ عِنْدَ صَلِيبِ يَسُوعَ، أُمُّهُ، وَأُخْتُ أُمِّهِ مَرْيَمُ زَوْجَةُ كِلُوبَا، وَمَرْيَمُ الْمَجْدَلِيَّةُ. فَلَمَّا رَأَى يَسُوعُ أُمَّهُ، وَالتِّلْمِيذَ الَّذِي كَانَ يُحِبُّهُ وَاقِفًا، قَالَ لأُمِّهِ: «يَا امْرَأَةُ، هُوَذَا ابْنُكِ»."ثُمَّ قَالَ لِلتِّلْمِيذِ: «هُوَذَا أُمُّكَ». وَمِنْ تِلْكَ السَّاعَةِ أَخَذَهَا التِّلْمِيذُ إِلَى خَاصَّتِهِ. (يوحنا 19: 25-27)
حددت التقاليد اللاحقة أن "التِّلْمِيذَ الَّذِي كَانَ يُحِبُّهُ" هو يوحنا أخو يعقوب أحد أبناء زبدي. هناك روايات تقول إن يوحنا هذا نجا وعمل في أفسس حيث أخذ مريم. يتجول المسيحيون المعاصرون بين حفائر "بيت يوحنا ومريم" في أفسس الحديثة، كما أصبح هذا المشهد أيضًا تصويرًا شائعًا في الأيقونات المسيحية اللاحقة، حيث كانت مريم ويوحنا عند سفح الصليب.
نصوص أخري
لدينا في القرن الثاني الميلادي "إنجيل يعقوب التمهيدي" الذي يشرح ما حدث قبل البشارة في الأناجيل. نعلم أن يواكيم وحنة، والدي مريم كانا زوجين عاقرين. وعدت حنة وهي تصلي من أجل طفل، بأن "تهدي الطفل إلى الله" إذا استجاب لصلاتها، وبعد أن فُطِمت مريم، أخذتها حنة لتربيتها على يد الكهنة في الهيكل، وهذا ما ميز مريم، أنها لم تتعرض أبدًا لشرور العالم الخارجي.
أجري الكهنة مسابقة لزواج مريم، عند وصولها سن البلوغ، وفاز يُوسُف لأن عصا يُوسُف قد أزهرت بأعجوبة. ادعى هذا النص أن مريم ويوسف لم يقيما عَلاقة جنسية بعد ولادة يسوع، حيث قامت قابلة في هذه الرواية، بفحص مريم وتحققت من أن غشاء البكارة ما زال سليمًا حتى بعد الولادة. لا تزل حفائر بيت حنة ويواكيم مفتوحة للسياح والحجاج في مدينة القدس القديمة.
لم يُسجل موت مريم في العهد الجديد، لكن أقدم دليل على موتها يعود إلى نص من القرن الرابع الميلادي، وهو رسالة حول وفاة مريم العذراء المباركة. كان الرسل مع مريم عند موتها، حيث أخذت الملائكة جسدها إلى السماء. يشير العهد الجديد دائمًا إلى المؤمنين الذين يموتون على أنهم "رقدوا"، ويدعي أن كنيسة رقاد السيدة العذراء على جبل صهيون، هو الموقع الذي "رقدت" فيه وصعدت إلى السماء.
مريم في الإسلام
يثني المؤمنون في القرآن الكريم، على مريم باعتبارها أعظم امرأة اصطفاها الله وطهرها. وُردت قصتها في سورة مخصصة لها، ووفقًا للتقليد، أخبرها الملاك جبريل أنها ستحمل بطفل من الروح الإلهية، والذي سيكون المسيح الموعود (عيسى). مريم وعيسى هما الوحيدان اللذان لا يمكن أن يمسهما الشيطان (إبليس)، لكن الفرق في الإسلام هو أن العبادة لله وحده، على الرغم من إمكان تعظيم مريم وعيسى.
مريم في العصور القديمة المتأخرة والعصور الوسطي
كان لا بد أن تتغير مكانة مريم، مع تأليه يسوع. منح المسيحيون مريم ابتداءً من القرن الثاني الميلادي، لقب ثيوتوكوس "Θεοτόκος" (ام الإله) لأنها حملت الإله في رحمها، وهذا جعلها "إناءً إلهيًا" غير ملوث بالجماع. أدى هذا إلى إعادة تعديل فيمَا يتعلق بقائمة الإخوة في الأناجيل. اِقتُرحت نظريتين:
- الأخوة في الأناجيل كانوا في الواقع أبناء عمومة
- كانوا إخوة غير أشقاء من زواج سابق ليوسف الذي كان أرملًا.
مُنحت مريم صفة "العذراء الدائمة" رسميًا في مجمع القسطنطينية عام 553م، وكما جلب ابنها الغفران لخطيئة آدم، فإن مريم غفرت خطيئة حواء، وأصبحت القدوة المثالية للنساء. كانت هناك طوال العصور الوسطى، أيام أعياد لمريم، وصلوات خاصة وعبادات باسمها، وكنائس وأضرحة حج لأحداث في حياتها. كان بإمكان مريم أن تتشفع في حياة المؤمنين وتساعد في التخفيف عن المنتظرين في المطهر.
انتشرت اللوحات والتماثيل التي تحمل اسم مادونا (سيدتي) خلال عصر النهضة، مع زيادة الاهتمام بعبادة مريم، وخلال عصر الإمبراطورية الرومانية، كانت مريم الأم تتماشى مع الإلهة المصرية إيزيس التي كانت تحمي الأمهات والأطفال أيضًا، وأصبحت مريم الجالسة والطفل يسوع في حضنها أيقونة.
واحدة من أشهر صور مريم هي منحوتة مايكل أنجلو (1475-1564)، المعروفة باسم "المُنْتَحِبَة"، الموجودة في كنيسة القديس بطرس في روما، والتي تُظهر معاناة مريم عندما حملت يسوع خلال إنزاله من على الصليب.
ظهورات مريم
ابتكر القديس أوغسطين (354-430 م) مفهوم الخطيئة الأصلية، بمعني أن جميع البشر ورثوا خطيئة آدم وحواء. حُبل بيسوع بواسطة "روح الله"، ولكن ماذا عن مريم؟
ادّعت فلاحة تدعى برناديت سوبيروس (1844-1879م) من لورد، فرنسا في عام 1858م، أنها رأت "سيدة عظيمة" عندما كانت تجمع الحطب، وطلبت منها أن تبني كنيسة صغيرة بالقرب من مغارة بها نبع ماء، فسألت السيدة عن اسمها، فأجابتها مريم: "أنا الحبل بلا دن" (حبلت بدون خطيئة أصلية). لم يكن لدى أي فلاح غير متعلم أي تفسير لهذا، ولذلك أُعلنت معجزة، وطوبت برناديت قديسة في عام 1933م، ولا تزال لورد مشهورة بالعلاجات الاعجازية.
حدثت العديد من الظهورات الإعجازية لمريم، عادةً خلال الاضطرابات أو الأزمات الثقافية. ظهرت العذراء لخوان دييغو، وهو فلاح مكسيكي في الأراضي الإسبانية عام 1531م (السيدة غوادالوبي). ظهرت في مدينة فاطمة بالبرتغال عام 1917م، لثلاثة أطفال، وقدمت رسائل تنبأت بالحرب العالمية الأولى والثانية. اختبر ستة مراهقين رؤى لمريم في ميديوغوريه في البوسنة والهرسك، عام 1981م، تضمّنت الرؤى نداءات للمؤمنين، ولا سيما الكهنة، لمساعدة الناس والإيمان حتى من دون رؤى. يزور آلاف الحجاج هذه المواقع.