سفر أعمال الرسل

تعريف

Rebecca Denova
بواسطة ، تمت ترجمته بواسطة Mahmoud Ismael
نُشر في 07 November 2024
متوفر بلغات أخرى: الإنجليزية
استمع إلى هذه المقالة
X
طباعة المقالة
Six Apostles (by Spanish (Oña) Painter, Copyright)
الرسل الستة
Spanish (Oña) Painter (Copyright)

يتحدث سفر أعمال الرسل عن كيفية بِدأ الحركة التي أصبحت فيما بعد المسيحية في أورشليم والتي انتشرت في جميع أنحاء مدن شرق البحر المتوسط في الإمبراطورية الرومانية، وكتبها نفس المؤلف الذي كتب الإنجيل الثالث المنسوب إلى لوقا، في وقت ما بين عامي 95 و120م تقريبًا، ويعد العمل المشترك المعروف لدى العلماء باسم "لوقا-أعمال الرسل"، وهو أطول نص في العهد الجديد.

الغرض من سفر أعمال الرسل

تنبأ أنبياء اليهود بأن إله إسرائيل سيتدخل في التاريخ البشري مرة أخيرة وسيقيم مملكته على الأرض، وسيقيم مسيح لقيادة الشعب واستعادة أمة إسرائيل وفقًا لخطته الأصلية في جنة عدن، وسيضم الملكوت بعض الأمم (الأمم والوثنيين) الذين تابوا وعبدوا الله.

يستخدم العلماء سفر أعمال الرسل لتحديد التسلسل الزمني لرحلات بولس ورسائله.

أعلن يسوع المسيح وفقًا للأناجيل، أن الملكوت كان وشيكًا، ولكن مرت عقود من الزمن، ولم تظهر علامات على ذلك الملكوت. كان الغرض من سفر أعمال الرسل هو إظهار أن كل ما تنبأ به الأنبياء كان، في الواقع، يتجلى في الأعمال المعاصرة للمبشرين المسيحيين الأوائل، والتلاميذ، وبولس، وكتكملة لذلك، فإن الأحداث في سفر أعمال الرسل "حققت" أيضًا تنبؤات يسوع في إنجيل لوقا.

يعد العهد القديم، وأسفار الأنبياء، ورِحْلات بولس الرسول التبشيرية، مصادر لسفر أعمال الرسل، أدرج لوقا تفاصيل محددة موجودة في رسائل بولس الرسول إلى الأمم، ولكن هناك أيضًا تناقضات، لذا عند الشك، نأخذ رسائل بولس بصفتها مصدر أكثر مصداقية. لا تحتوي رسائل بولس على تواريخ داخلية، لذا يستخدم العلماء أعمال الرسل لتحديد التسلسل الزمني لرحلات بولس ورسائله.

يتميز سفر أعمال الرسل (Πράξεις Ἀποστόλωνباليونانية) بأنه تأريخ قديم، وهو طريقة كتابة لتاريخ شعب من الشعوب والأحداث. كان من المتوقع أن يقوم المؤرخون بكتابة خطب لشخصيات مشهورة تتطابق مع خصائصها المعروفة. يحتوي سفر أعمال الرسل على 24 خطابًا رئيسيًا، مع الإجماع بأن لوقا هو مؤلفها.

بنية سفر أعمال الرسل

يُفتتح كل من إنجيل لوقا وأعمال الرسل بتَكْرِيس مؤمن اسمه ثيوفيلوس، ثم يستمر أعمال الرسل بتعليم يسوع للتلاميذ لمدة 40 يومًا قبل صعوده إلى السماء. يسأله التلاميذ عما إذا كان سيعيد ملكوت إسرائيل بعد ذلك، فيقول:

"فَقَالَ لَهُمْ: «لَيْسَ لَكُمْ أَنْ تَعْرِفُوا الأَزْمِنَةَ وَالأَوْقَاتَ الَّتِي جَعَلَهَا الآبُ فِي سُلْطَانِهِ، لكِنَّكُمْ سَتَنَالُونَ قُوَّةً مَتَى حَلَّ الرُّوحُ الْقُدُسُ عَلَيْكُمْ، وَتَكُونُونَ لِي شُهُودًا فِي أُورُشَلِيمَ وَفِي كُلِّ الْيَهُودِيَّةِ وَالسَّامِرَةِ وَإِلَى أَقْصَى الأَرْضِ.". (أعمال الرسل 1: 7-9)

الافتتاحية في الأساس فهرس لسفر أعمال الرسل، حيث يروي السفر قصص شهادة بطرس ويوحنا في أورشليم واليهودية، والرسالة في السامرة، وينتهي ببولس في روما "أَقْصَى ٱلْأَرْضِ". هذا هو أساس النظرية القائلة بأن أعمال الرسل كُتبت في روما، ولكن يبقى هذا الأمر قابلاً للنقاش. كان "برهان" لوقا هو مواءمة كل حدث مع شخصيات تاريخية، كما في إنجيله، وكما قال بولس، فإن هذه الأحداث "لَمْ يُفْعَلْ فِي زَاوِيَةٍ." (أعمال الرسل 26: 26)، بل كانت تتحقق على مسرح التاريخ. يذكر أعمال الرسل أسماء ملوك اليهود التاريخيين والقضاة الرومان.

Christ and the Twelve Apostles by Fra Angelico
المسيح والرُسل الإثني عشر لفرا أنجيليكو
Frans Vandewalle (CC BY-NC)

عيد العنصرة (أعمال الرسل 2)

كان عيد العنصرة عيدًا دينيًا يهوديًا قديمًا يُعرف باسم "שָׁבוּעוֹת" (وتعني بالعبرية "الأسابيع")؛ وهو أحد أعياد الحج الثلاثة المأمور بها في التوراة، جعل لوقا يوحنا المعمدان في قصته، يتنبأ بأن المسيح "سَيُعَمِّدُكُمْ بِالرُّوحِ الْقُدُسِ وَنَارٍ." (لوقا 3: 16).

"وَلَمَّا حَضَرَ يَوْمُ الْخَمْسِينَ كَانَ الْجَمِيعُ مَعًا بِنَفْسٍ وَاحِدَةٍ، وَصَارَ بَغْتَةً مِنَ السَّمَاءِ صَوْتٌ كَمَا مِنْ هُبُوبِ رِيحٍ عَاصِفَةٍ وَمَلأَ كُلَّ الْبَيْتِ حَيْثُ كَانُوا جَالِسِينَ، وَظَهَرَتْ لَهُمْ أَلْسِنَةٌ مُنْقَسِمَةٌ كَأَنَّهَا مِنْ نَارٍ وَاسْتَقَرَّتْ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ. وَامْتَلأَ الْجَمِيعُ مِنَ الرُّوحِ الْقُدُسِ، وَابْتَدَأُوا يَتَكَلَّمُونَ بِأَلْسِنَةٍ أُخْرَى كَمَا أَعْطَاهُمُ الرُّوحُ أَنْ يَنْطِقُوا. وَكَانَ يَهُودٌ رِجَالٌ أَتْقِيَاءُ مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ تَحْتَ السَّمَاءِ سَاكِنِينَ فِي أُورُشَلِيمَ. فَلَمَّا صَارَ هذَا الصَّوْتُ، اجْتَمَعَ الْجُمْهُورُ وَتَحَيَّرُوا، لأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ كَانَ يَسْمَعُهُمْ يَتَكَلَّمُونَ بِلُغَتِهِ. فَبُهِتَ الْجَمِيعُ وَتَعَجَّبُوا قَائِلِينَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: «أَتُرَى لَيْسَ جَمِيعُ هؤُلاَءِ الْمُتَكَلِّمِينَ جَلِيلِيِّينَ؟ فَكَيْفَ نَسْمَعُ نَحْنُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنَّا لُغَتَهُ الَّتِي وُلِدَ فِيهَا؟" (أعمال الرسل 2: 1-8)

تحولت ظاهرة "الألسنة" إلى مفهوم "التكلم بألسنة" (الذي تمارسه الطوائف الخمسينية الحديثة)، فعندما كان الشخص ممسوسًا (ومستحوذًا عليه) بواسطة إله أو روح، كان يدخل في غيبوبة وينطق بأشياء بلغة غير معروفة. إن مفتاح معجزة الألسنة هو فيمَا يتعلق بالأمم الأخرى، حيث تشير كلمة "ألسنة" في اليونانية هنا إلى "اللغات". كان التلاميذ من "الجليليين" الذين كانوا يتكلمون الآرامية، وسمعهم اليهود القادمون من بلاد أخرى بلغاتهم الخاصة.

أصبح هذا الامتلاك الروحي مقترنًا بأحد الشعائر المسيحية الأولى، وهو شعيرة المعمودية

أصبح هذا الامتلاك الروحي مقترنًا بأحد الشعائر المسيحية الأولى، وهو شعيرة المعمودية. كانت الطريقة التي تجلت بها الروح في الجماعات الأولى هي اختبار معجزة جسدية حرفية في القدرة على "التكلم بألسنة" والتنبؤ والشفاء وإقامة الناس من الأموات، وكل ذلك واضح في رسائل بولس.

بطرس ويوحنا

واصل التلميذان بطرس ويوحنا الصلاة في الهيكل كل يوم، حيث شفى بطرس كسيحًا وصار كثيرون من الحشد مؤمنين، فأمرهم رئيس الكهنة والصدوقيون بالتوقف، ولكن عندما استمرا في ذلك، قُبض عليهما ووضعا في السجن، وخلال الليل، أطلق ملاك الرب سراحهم بأعجوبة. هذا أسَّس النموذج الأولي لاضطهاد اليهود للمؤمنين الأوائل خلال بقية سفر أعمال الرسل، والذي كان يتبعه دائمًا خلاص إلهي.

القديس اسْتِفَانُوسَ

يحتوي سفر أعمال الرسل على أقدم دليل على التسلسل الهرمي في مجتمعات المسيحية الأولى، من انتخاب الشمامسة للاهتمام بالأمور العملية في توزيع الطعام والكساء على الفقراء، ثم قُبض على أحدهم، وهو اسْتِفَانُوسَ، بتهمة التحدث ضد الهيكل، سلط خطاب اسْتِفَانُوسَ الضوء على المرات العدّة التي عصى فيها اليهود الله، مما أدي لإدانة السنهدريم له، والحكم عليه بالرجم حتى الموت (عقوبة التجديف)، وقبل أن يموت مباشرًا، رأى رؤيا: "فَقَالَ: «هَا أَنَا أَنْظُرُ السَّمَاوَاتِ مَفْتُوحَةً، وَابْنَ الإِنْسَانِ قَائِمًا عَنْ يَمِينِ اللهِ»." (أعمال الرسل 7: 56). كانت خطب فراش الموت غالبًا تؤخذ على أنها وحي من الآلهة، في العالم القديم، فكانت الوظيفة السردية لقصة اسْتِفَانُوسَ هي التحقق من أن يسوع كان الآن في السماء.

The Stoning of Saint Stephen
رجم القديس ستيفن
Rembrandt (Public Domain)

بولس

كتب لوقا أن بولس كان حاضرًا عند رجم اسْتِفَانُوسَ: "وَكَانَ شَاوُلُ رَاضِيًا بِقَتْلِهِ. وَحَدَثَ فِي ذلِكَ الْيَوْمِ اضْطِهَادٌ عَظِيمٌ عَلَى الْكَنِيسَةِ الَّتِي فِي أُورُشَلِيمَ، فَتَشَتَّتَ الْجَمِيعُ فِي كُوَرِ الْيَهُودِيَّةِ وَالسَّامِرَةِ، مَا عَدَا الرُّسُلَ." (أعمال الرسل 8: 1). اضطهد بولس المؤمنين الأوائل باعتقالهم والتصويت ضدهم بعقوبة الإعدام، وذهب إلى رئيس الكهنة وحصل على مذكرات اعتقال للمؤمنين في دمشق.

أصبحت قصة بولس على الطريق دمشق، إحدى أكثر القصص المألوفة من سفر أعمال الرسل:

"وَفِي ذَهَابِهِ حَدَثَ أَنَّهُ اقْتَرَبَ إِلَى دِمَشْقَ فَبَغْتَةً أَبْرَقَ حَوْلَهُ نُورٌ مِنَ السَّمَاءِ، فَسَقَطَ عَلَى الأَرْضِ وَسَمِعَ صَوْتًا قَائِلًا لَهُ: «شَاوُلُ، شَاوُلُ! لِمَاذَا تَضْطَهِدُنِي؟» فَقَالَ: «مَنْ أَنْتَ يَا سَيِّدُ؟» فَقَالَ الرَّبُّ: «أَنَا يَسُوعُ الَّذِي أَنْتَ تَضْطَهِدُهُ. صَعْبٌ عَلَيْكَ أَنْ تَرْفُسَ مَنَاخِسَ»فَقَاَلَ وَهُوَ مُرْتَعِدٌ وَمُتَحَيِّرٌ: «يَا رَبُّ، مَاذَا تُرِيدُ أَنْ أَفْعَلَ؟» فَقَالَ لَهُ الرَّبُّ: «قُمْ وَادْخُلِ الْمَدِينَةَ فَيُقَالَ لَكَ مَاذَا يَنْبَغِي أَنْ تَفْعَلَ»." (أعمال الرسل 9: 3-6)

شُفي بولس الأعمى على يد أحد المؤمنين في دمشق (من عماه الجسدي والروحي على حد سواء) وعُمِدَ.

هناك صعوبات تاريخية في قصة لوقا عن بولس:

  • اعترف بولس في رسائله أنه اضطهد كنيسة المسيح في البداية، لكنه لم يقل أبدًا لماذا أو كيف.
  • لماذا سُمح للرسل بالبقاء في أورشليم، في حين تفرق المؤمنون الآخرون؟
  • لم يقدِّم لوقا أبدًا تبريرًا لسبب حصول المؤمنين الأوائل على عقوبة الإعدام، حيث الادعاء بأن شخصًا ما هو المسيح لم ينتهك ناموس موسى.
  • من غير المحتمل أن يكون لدى رئيس الكهنة أي سلطة لإصدار أمر اعتقال في مدينة أخرى (وهي وظيفة للقضاة الرومان فقط).

الوظيفة السردية لهذه القصة هي شرح اتساع الحركة إلى ما بَعْد القدس.

Ananias Baptizes Saint Paul
حنانيا يُعمّد القديس بولس
Lawrence OP (CC BY-NC-ND)

خائفو الله وبطرس

كان "خائفو الله" (الوثنيون الذين كانوا يحترمون إله إسرائيل ويوقرنه)، مجموعة مهمة بالنسبة إلى لوقا، فمن خلال صفاتهم الوصفية ("التقوى"، "الورع")، اتخذ هؤلاء الناس تلك الخطوة الأولى؛ حيث تحولوا لعبادة إله إسرائيل. لم تكن المعابد اليهودية في مدن الإمبراطورية الرومانية أماكن مقدسة؛ ولم يكن هناك أي مانع للأمم من حضور الخدمات أو الأنشطة في المجمع، وكان الكثير منهم معجب بالتعاليم اليهودية، ومن بين خائفي الله في المجامع سمعت الأمم على الأرجح تعاليم يسوع الناصري أول مرة.

اُكْتُشِفَ دليل تاريخي على وجود "خائفو الله" في الأطلال الأثرية لكنيس يهودي في مدينة أفروديسياس (تركيا)، حيث أدرج عمود منقوش أسماء المتبرعين للمبنى، وكان العديد منهم من اليونانيين، الذين وُصِفوا بأنهم "خائفو الله"، والذين تركوا أسماءهم أيضًا على المكتبات العامة والمباني الأخرى.

يظهر "خائفو الله" أول مرة في قصة مفصلة لبطرس وكورنيليوس، وهو أحد "خائفي الله"، الذي كان قائدًا لجماعة إيطالية. كان لبطرس وكورنيليوس رؤى متزامنة، ثم قام بطرس بتعميد جميع أهل بيت كورنيليوس، في تلخيص بطرس في أعمال الرسل (15:9)، "وَلَمْ يُمَيِّزْ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ بِشَيْءٍ، إِذْ طَهَّرَ بِالإِيمَانِ قُلُوبَهُمْ.".

المجمع الرسوليّ

نرى بين أعمال الرسل 10 وأعمال الرسل 15، التقدم الجغرافي للخدمة، ولكن الآن مع بعض الاهتمام غير المتوقع بأنطاكية، حيث إن المبشرين قبل هذا الوقت كانوا يخاطبون اليهود فقط: "وَلكِنْ كَانَ مِنْهُمْ قَوْمٌ، وَهُمْ رِجَالٌ قُبْرُسِيُّونَ وَقَيْرَوَانِيُّونَ، الَّذِينَ لَمَّا دَخَلُوا أَنْطَاكِيَةَ كَانُوا يُخَاطِبُونَ الْيُونَانِيِّينَ مُبَشِّرِينَ بِالرَّبِّ يَسُوعَ. وَكَانَتْ يَدُ الرَّبِّ مَعَهُمْ، فَآمَنَ عَدَدٌ كَثِيرٌ وَرَجَعُوا إِلَى الرَّبِّ.".

Statues of the Apostles
رجم القديس اسْتِفَانُوسَ
Rei Artur (CC BY-NC-SA)

في أعمال الرسل (15: 1): "وَانْحَدَرَ قَوْمٌ مِنَ الْيَهُودِيَّةِ، وَجَعَلُوا يُعَلِّمُونَ الإِخْوَةَ أَنَّهُ «إِنْ لَمْ تَخْتَتِنُوا حَسَبَ عَادَةِ مُوسَى، لاَ يُمْكِنُكُمْ أَنْ تَخْلُصُوا»."، لم يقدم لوقا أي مبرر منطقي لسبب اشتراط بعض الفريسيين المؤمنين الاهتداء الكامل عن طريق الختان، لم يشترط الأنبياء الاهتداء الكامل للمؤمنين من الأمم. دُعي إلى اجتماع للمشاركين في أورشليم، وأصبح هذا المجمع الرسولي الأول، وتبعه العديد من المجامع الأخرى على مدى القرون القليلة التالية.

اتخذ يعقوب، أخو يسوع، القرار:

"لِذلِكَ أَنَا أَرَى أَنْ لاَ يُثَقَّلَ عَلَى الرَّاجِعِينَ إِلَى اللهِ مِنَ الأُمَمِ، بَلْ يُرْسَلْ إِلَيْهِمْ أَنْ يَمْتَنِعُوا عَنْ نَجَاسَاتِ الأَصْنَامِ، وَالزِّنَا، وَالْمَخْنُوقِ، وَالدَّمِ. لأَنَّ مُوسَى مُنْذُ أَجْيَال قَدِيمَةٍ، لَهُ فِي كُلِّ مَدِينَةٍ مَنْ يَكْرِزُ بِهِ، إِذْ يُقْرَأُ فِي الْمَجَامِعِ كُلَّ سَبْتٍ»." (أعمال الرسل 15: 19-21)

أُدركت مشكلة الطعام "المُدنس بالأوثان" في القرن الأول الميلادي، ومفادها أن اللحوم في الأسواق العامة كانت تأتي من بقايا الذبائح في المعابد، فخلال الأعياد الدينية في المدن، كانت بقايا الذبائح توزع على المجتمع، وكان اليهود يحتقرون هذه اللحوم "المُدنسة بالأوثان"، وغالبًا ما كان للجماعات اليهودية جزارون خاصون بهم بسبب هذه اللَّوثَة من عبادة الأصنام، وكان لدى اليهود أيضًا قانون ينص على ضرورة تصفية دم الحيوانات قبل بيعها واستخدامها.

لدي "الفجور الجنسي" (PORN) عدة دلالات في الكتب المقدسة: ليس فقط قوانين زنا المحارم عند اليهود، ولكن أيضًا الفسق والزنا والدعارة. أصبحت العلاقات الجنسية غير المشروعة مدرجة في لوائح الرذيلة اليهودية ضد الأمم، وكثيرًا ما تكررت في رسائل بولس، وهي مستمدة من شعائر ومفاهيم (الطهارة/ النجاسة) الواردة في سفر اللاويين، والتي كانت قابلة للتطبيق فقط في هيكل أورشليم، كُتِبَ سفر أعمال الرسل بعد دمار الهيكل، ولكن إملاءات سفر أعمال الرسل 15 كان يمكن للمؤمنين من الأمم أن ينفذوها في حياتهم اليومية.

دفاع لوقا في روما

كانت الأداة الأدبية المتمثلة في الدفاع بمنزلة تفسير. استخدم يوليوس قيصر (100-44 ق.م) لتعزيز السلطة الرومانية في حروبه في الشرق، المُرْتَزِقَة اليهود في الجيش الروماني، وبعد عودته إلى روما، سنّ تشريعًا في مجلس السناتو يكافئ اليهود بامتياز الاستمرار في ممارسة عادات أجدادهم، مع إعفائهم من شعائر الدولة الرومانية. كان متأصلًا في تشريعه أن على اليهود اتباع القانون الروماني وعدم التجنيد خارج المعابد وعدم التدخل في عادات روما، وعُدّ القيام بغير ذلك خيانة.

قاد اليهود بين عامي 66-73 م، ثورة ضد الإمبراطورية الرومانية، نحن نعرف عن هذه الفترة لأن المؤرخ اليهودي فلافيوس يوسيفوس (36-100 م) كتب عما أدى إلى الثورة اليهودية الكبرى عام 66 م في كتابه "عاديات اليهود". شهدت عقود الأربعينيات، والخمسينيات، والستينيات من القرن الأول الميلادي اضطرابات أهلية بين اليهود واليونانيين في مدن مختلفة، لم يدرج لوقا في وصفته لأسفار بولس أبدًا أيًا من هذه التفاصيل. إن ملكوت الله في أعمال الرسل هو دائمًا في إشارة إلى الملكوت الاستباقي الأخروي الذي تنبأ به الأنبياء، وليس أبدًا كتحدٍ سياسي لروما، ففي الأناجيل وأعمال الرسل، تم إلقاء اللوم في محاكمة وصلب يسوع الناصري على اليهود المعارضين.

Ecce Homo!
إبن الإنسان
Mihály Munkácsy (Public Domain)

لم ينقل لوقا من الأنبياء، العناصر السلبية لعبادة الأصنام، حيث وعظ بولس في رسائله ضد عبادة الأصنام التقليدية: "لِذلِكَ يَا أَحِبَّائِي اهْرُبُوا مِنْ عِبَادَةِ الأَوْثَانِ." (1 كورنثوس 10: 14)، لكن لم يكن هناك أي خطاب لبولس في سفر أعمال الرسل يستهزأ بالآلهة، ما أكّدت عليه الخطب في أعمال الرسل هو أن "هذه الأشياء التي لا قيمة لها" (مثل الذبائح الجاهلة للآلهة في مدينة ليسترا في أع 14: 15) لن تؤدي إلى مفهوم لوقا للخلاص، وهو غفران الخطايا.

الرَفْض والبَرَاءَة في أعمال الرسل

طبق لوقا نمطية الرفض من تقاليد الأنبياء، حيث كان أنبياء الله في البداية يلقون قبولًا حسنًا ويكرمون إلى أن بدأوا رسالة الهلاك والدمار الوشيك بسبب خطايا الشعب، وبحلول القرن الأول الميلادي، كانت هناك أساطير بأن أنبياء إسرائيل ماتوا جميعًا شهداء. صوَّرت قصص لوقا عن بولس في المدن المختلفة بصورة نبي تقليدي مع محنه وآلامه الكثيرة.

خلق لوقا نمطًا متكررًا (لاستقبال/رفض) بولس في المجامع والمدن. ذهب بولس في كل مدينة إلى أحد المجامع أولًا ليعلن البشارة، حيث استُقبل في البداية استقبالًا حسنًا، وعندما عاد في اليوم التالي، بدأت ردود الفعل، تلاها توتر واضطهاد، وفي النهاية الطرد من المجمع، أما الاضطرابات المدنية التي طغت بدأها غير المؤمنين اليهود، ثم أعلن بولس أنه "مِنَ الآنَ أَذْهَبُ إِلَى الأُمَمِ"، ثم يتكرر النمط نفسه في المدينة التالية، من المجمع أولًا، ثم الطرد.

The Journeys of Paul the Apostle, c. 46-63 CE
أسفار بولس الرسول، حوالي 46-63 م
Simeon Netchev (CC BY-NC-ND)

كانت "غَيْرَة اليهود"، في كل مدينة، وراء الاضطرابات المدنية التي أدت إلى القبض على بولس، وليس أي وعظ ضد عبادة الأصنام: "فَلَمَّا رَأَى الْيَهُودُ الْجُمُوعَ امْتَلأُوا غَيْرَةً" ما الذي كان اليهود يغارون منه؟ كانت كلمة “ζηλιάρης” اليونانية تعني الاستياء من شخص يعتبرونه أسمى منهم، ولكن مع ذكر "الجموع"، أصبحت الغَيْرَة تشير إلى فكرة أن المسيحيين كانوا يجتذبون المهتدين الوثنيين أكثر من اليهود. لكن اليهودية لم تكن ديانة تبشيرية.

كان الحاكم المحلي أو قاضي المدينة في كل مرة يُقبض فيها على بولس ويُسجن، يجده دائمًا بريئًا من أي اضطراب مدني. يصف سفر أعمال الرسل ١٨ محاكمة أمام غَالِيُونُ، والي كورنثوس؛ حيث اتهم يهود المدينة بولس "«إِنَّ هذَا يَسْتَمِيلُ النَّاسَ أَنْ يَعْبُدُوا اللهَ بِخِلاَفِ النَّامُوسِ»." (١٨: ١٣)، في هذه الحالة، "النَّامُوسِ" هو قوانين روما. أُعلن هنا، وأمام سائر القضاة، أن بولس بريئًا بالنسبة إلى تشريعات يوليانوس، بل إن كل المشاكل مع الحركة الجديدة كانت خلافات "داخلية" بين اليهود.

ادعى لوقا أن بولس كان مواطنًا رومانيًا (بالرغم من أن بولس لم يذكر ذلك في رسائله). كانت امتيازات المواطنة الرومانية هي الإجراءات القانونية الواجبة وحق الاستئناف حتى أمام الإمبراطور. كانت هذه هي الوسيلة لإيصال بولس إلى روما "أَقْصَى الأَرْضِ"، فعندما وصل بولس إلى إيطاليا، وُضِعَ تحت الإقامة الجبرية في منزله، في انتظار استئنافه، ومع ذلك، كان حرًا في مواصلة رسالته:

"وَأَقَامَ بُولُسُ سَنَتَيْنِ كَامِلَتَينِ فِي بَيْتٍ اسْتَأْجَرَهُ لِنَفْسِهِ. وَكَانَ يَقْبَلُ جَمِيعَ الَّذِينَ يَدْخُلُونَ إِلَيْهِ، كَارِزًا بِمَلَكُوتِ اللهِ، وَمُعَلِّمًا بِأَمْرِ الرَّبِّ يَسُوعَ الْمَسِيحِ بِكُلِّ مُجَاهَرَةٍ، بِلاَ مَانِعٍ." (أعمال الرسل 28: 30-31).

بعبارة أخرى، حتى في قلب الإمبراطورية، لم يكن بولس مكلفًا بالتعليم ضد تقاليد روما.

لم يذكر لوقا موت بطرس ويعقوب في أعمال الرسل، نظرًا لشهرتهم، ولم يُذكر استشهاد بطرس وبولس في عهد نيرون (حكم 54-68 م) إلا في القصص اللاحقة في القرن الثاني الميلادي، يبقى هذا لغزًا، ولكن الأهم عدم وجود أي ذكر للاضطهاد أو الإعدام من قبل روما في أعمال الرسل.

إرث سفر أعمال الرسل

يظل سفر أعمال الرسل ذا أهمية حيوية باعتباره أول تاريخ مسيحي، حيث يوفر كنز من المعلومات عن تنوع المعتقدات والممارسات اليهودية والأمم والوثنية في القرن الأول الميلادي، لكن لسوء الحظ، عُزز جدل لوقا في قصص اضطهاد اليهود للمؤمنين في القرن الثاني الميلادي. استغل آباء الكنيسة بعد انفصال المسيحية عن اليهودية، ذلك في تأليفهم لأدب الردود، على اليهود "أعداء"، المسيحيين. أصبح سفر أعمال الرسل النص البرهاني للادعاء بأن اليهود استمروا في اضطهاد المسيحيين في الإمبراطورية الرومانية تمامًا كما فعلوا في القرن الأول الميلادي.

قائمة المصادر والمراجع

موسوعة التاريخ العالمي هي إحدى شركات Amazon Associate وتحصل على عمولة على مشتريات الكتب المؤهلة.

نبذة عن المترجم

Mahmoud Ismael
مدرس تاريخ مهتم بترجمة المقالات والأبحاث التاريخية.

نبذة عن الكاتب

Rebecca Denova
ريبيكا آي دينوفا، حاصلة على درجة الدكتوراه، أستاذة فخرية للمسيحية المبكرة في قسم الدراسات الدينية بجامعة بيتسبرغ. وقد أكملت مؤخرًا كتابًا دراسيًا بعنوان "أصول المسيحية والعهد الجديد" (وايلي بلاكويل)

استشهد بهذا العمل

نمط APA

Denova, R. (2024, November 07). سفر أعمال الرسل [Acts of the Apostles]. (M. Ismael, المترجم). World History Encyclopedia. تم استرجاعها من https://www.worldhistory.org/trans/ar/1-23691/

أسلوب شيكاغو

Denova, Rebecca. "سفر أعمال الرسل." تمت ترجمته بواسطة Mahmoud Ismael. World History Encyclopedia. آخر تعديل November 07, 2024. https://www.worldhistory.org/trans/ar/1-23691/.

أسلوب إم إل إيه

Denova, Rebecca. "سفر أعمال الرسل." تمت ترجمته بواسطة Mahmoud Ismael. World History Encyclopedia. World History Encyclopedia, 07 Nov 2024. الويب. 21 Nov 2024.