الإسكندرية المصرية

تعريف

Joshua J. Mark
بواسطة {أ}، مترجمة بواسطة {ت}
نُشر على 18 July 2023
طباعة المادة PDF
Harbour & Lighthouse of Alexandria (by Mohawk Games, Copyright)
ميناء ومنارة الإسكندرية
Mohawk Games (Copyright)

الإسكندرية مدينة ساحلية على البحر المتوسط في شمال مصر، أسسها الإسكندر الأكبر عام 331 ق.م، وكانت أيضًا موقعًا لـــ(المَنَارَة)، وهي إحدى عجائب الدنيا السبع في العالم القديم، ومكتبة الإسكندرية الأسطورية، وكانت ذات يوم المركز الثقافي الأكثر حيوية في العالم القديم، حتى أنها كانت تنافس أثينا اليونانية.

تطورت المدينة من ميناء صغير عُرف باسم راقودة بعد وصول الإسكندر، الذي وضع التصميم الأساسي الذي أراده ثم غادر لمواصلة غزوه لبلاد فارس. تطورت المدينة أكثر في عهد البطالمة (323-30 ق.م) لتصبح مركزًا فكريًا وثقافيًا وتجاريًا، وواحدة من أعظم المدن في عصرها، ثم اشتهرت فيما بعد كمركز للمسيحية المبكرة.

اشتهرت الإسكندرية أيضًا بالفتنة الدينية التي نتجت عن الصراع العقائدي بين الوثنية واليهودية والمسيحية، بعد ظهور المسيحية في القرنين الرابع والخامس، ومن أبرز أحداث هذا العصر استشهاد فيلسوفة الأفلاطونية المحدثة هيباتيا السكندرية عام 415، التي يستشهد العديد من علماء العصر الحديث باستشهادها كحدث محوري في تراجع النشاط الفكري في المدينة.

جذبت الإسكندرية العلماء والعلماء والفلاسفة وعلماء الرياضيات والفنانين والمؤرخين.

أصبحت المواقع الوثنية مثل متحف الإسكندرية القديم (الموسيون) ومعبد سيرابيس والسرابيون - وكلها مرتبطة بطريقة أو بأخرى بمكتبة الإسكندرية - في حالة تدهور فعلي، بحلول الوقت الذي أصبحت فيه المسيحية هي العقيدة المهيمنة. اعتمدت هذه المؤسسات على رعاية البطالمة، ومع تراجع هذه الرعاية بشكل مطرد في نهاية عهد البطالمة، لم يعد بالإمكان الحفاظ على المباني، وكذلك العلماء الذين كانوا ينسخون المخطوطات ويعتنون بها ويفهرسونها، وبالرغم من أنه يبدو أن الأباطرة الرومان اللاحقين كانوا يرعون المكتبة، فيبدوا أن تلك الرعاية لم تكن على نفس مستوى البطالمة.

غادر المثقفون الإسكندرية للبحث عن عمل في مناطق أكثر استقرارًا، وذلك مع ازدياد الانقسام الديني في المدينة في أوائل القرن الخامس. استمر الصراع الديني حتى القرن السابع عندما غزا العرب المسلمون المنطقة، وبحلول ذلك الوقت، أصبحت حاضرة الإسكندرية التي كانت ذات يوم عظيمة ذكرى.

تأسيس الإسكندر للمدينة

اجتاح الإسكندر الأكبر مصر بجيشه، بعد غزو سوريا عام 332 ق.م، وأسس الإسكندرية في مدينة راقودة الساحلية الصغيرة المطلة على البحر بقصد إنشاء مركز تجاري يتفوق على مدينة نقراطيس اليونانية (مركز تجاري هام) التي كانت تقع في مكان أبعد بدلتا النيل، ويُقال إنه صمم مخطط المدينة عن طريق سكب الدقيق أو الحبوب في نمط شبكي، وهو ما اعتمده مهندس المدينة المعماري بعد ذلك. حظيت المدينة التي تطورت من هذا النموذج البدائي بإعجاب الكثيرين، بما في ذلك المؤرخ والجغرافي إسطرابون (حوالي 64 ق.م إلى 24 م)، الذي يصفها بالتفصيل:

"ومن حيث تخطيطها تشبه المدينة الكُلاميد (رداء الجيش) ؛ فأضلاعها الطويلة التي يقارب قطر واحدتها 30 مرحلة، تغسلها المياه من الجانبين؛ أما أضلاعها القصيرة فهي عبارة عن برازخ عرض واحدها 7 أو 8 مراحل، يحدها البحر من جهة والبحيرة من الجهة الأخرى، وتخترق الشوارع أرجاء المدينة كلّها، وهي شوارع صالحة لتنقل عبرها خيّالًا أو في المركبات؛ وفيها شارعان عريضان جدًا، إذ يتجاوز عرض واحدهما البليفر الواحدـ ويتقاطع واحدهما مع الآخر في زاوية قائمة فيشطر كل منهما الآخر في المنتصف، وفي المدينة مساحات رائعة من الأراضي المقدسة، والقصور الملكية التي تشكل ربع مساحة المدينة كلها، وربها ثلثها. فعلي النحو الذي كان فيه ك ملك يضيف، بدافع البذخ، زخرفة ما إلى المعالم العائلية، كذلك كان كل منهم يبني علي نفقته الخاصة قصرًا يضاف إلي القصور التي بنيت من قبل، وهذا ما يصح عليه قول الشاعر: واحدها (الأبنية) يمسك بالآخر. الأوديسا (266-17). القصور يتصل بعضها ببعض وبالميناء، وينسحب هذا حتى علي تلك التي تقع خارج الميناء، ويعد الموسيون أيضًا واحدًا من أجزاء القصور الملكية؛ ففيه مكان للتنزه، ورواق استراحة، ومنزل كبير يقع فيه المطعم المشترك للعلماء الذين يعملون في الموسيون، ولهذه الأخوية من العلماء ملكيتها المشتركة، وكاهنها الذي يدير شؤون الموسيون، وفيما مضي كان الملوك هم الذين يعيّنون هذا الكاهن، أمّا الآن فيعيّنه قيصر" (الجغرافيا: 17 – 1 -8)

كان الموسيون معهدًا للتعليم العالي، وجزءًا من مكتبة الإسكندرية. كُرِّس الموسيون للمتحف (واسمه هو أصل الكلمة الإنجليزية " museum") الذي أنشأه بطليموس الثاني (المحب لأخيه) (حكم من 282 إلى 246 ق.م) على الأرجح كمكان للتجمع ومقر للعلماء الذين ساهمت أعمالهم في مقتنيات المكتبة.

لم تكن القصور والمنازل الفخمة التي ذكرها إسطرابون بالطبع، موجودة في الوقت الذي أسس فيه الإسكندر المدينة؛ حيث غادر مصر بعد بضعة أشهر فقط من وصوله للزحف على مدينة صور الفينيقية، وترك الأمر لقائده كليومينس النقراطسي (ت 322 ق.م) لبناء المدينة بناءً على خطط المهندس المعماري دينوقراطيس من رودس الذي يُزعم أنه قام، بناءً على خِطَّة الإسكندر، بوضع المدينة على النمط المعروف بالتخطيط المصبعي (شطرنجي)، الذي وضعه المهندس المعماري هيبوداموس من ميليتس (القرن الخامس قبل الميلاد) والذي عُدَّ التصميم الأمثل للتخطيط الحضري.

Lighthouse of Alexandria, Reconstructed
منارة الإسكندرية، مُعاد بناؤها
NeoMam Studios (CC BY-SA)

جاء التوسع الكامل للإسكندرية تحت حكم بطليموس الأول المنقذ قائد الإسكندر وأول البطالمة الذين جاءوا من بعده، بالرغم من تأسيس كليومينس ودينوقراطس تخطيط المدينة. أعاد بطليموس جثمان الإسكندر إلى الإسكندرية بعد وفاته عام 323 ق.م، ليدفن فيها، وخلال حروب ملوك طوائف الإسكندر، بدأ حكم مصر من الإسكندرية، ليحل محل العاصمة القديمة منف. اكتمل بناء منارة الإسكندرية، في عهد بطليموس الثاني (المحب لأخيه) وهي إحدى عجائب الدنيا السبع في العالم القديم (يقم مكانها اليوم قلعة قايتباي التي يعود تاريخها إلى القرن الخامس عشر).

كانت المنارة ترشد السفن إلى الموانئ التي صممها الإسكندر الأكبر أيضًا. كانت مدينة صور مهمة للتجارة والبَيْع والشِراء في المنطقة، وبعد تدميرها على يد الإسكندر، ملأت الإسكندرية الفراغ الذي تركته مدينة صور. كانت قرطاج (التي ازدهرت هي الأخرى بسبب نهب مدينة صور) لا تزل مدينة ساحلية فتية عندما أخذت الإسكندرية في الازدهار. يعلق الباحث م. مانجاساريان:

"سرعان ما برزت الإسكندرية في عهد البطالمة الإغريق، وسرعان ما ازدهرت وأصبحت أقوى حاضرة في الشرق، بعد أن تراكمت فيها الثقافة والثروة، وكانت بمنزلة ميناء أوروبي، واجتذبت أيضًا تجارة الهند والجزيرة العربية المربحة، وازدانت أسواقها بالحرير والأقمشة الرائعة من أسواق الشرق. جلبت الثروة الرَفَاهيَة، وجلبت بدورها الفنون، وأصبحت مع الوقت موطنًا لمكتبة رائعة ومدارس فلسفية تمثل جميع أطوار الفكر وأدق ظلاله، وفي وقت من الأوقات كان الاعتقاد السائد أن عباءة أثينا سقطت على أكتاف الإسكندرية." (5)

نمت المدينة لتصبح أكبر مدينة في العالم المعروف في ذلك الوقت، واجتذبت العلماء والباحثون والفلاسفة وعلماء الرياضيات والفنانين والمؤرخين. قام الشاعر والباحث كَليماخُس القيرواني (حوالي 310 إلى 240 ق.م) بفهرسة الأدب اليوناني بِرُمَّته في الإسكندرية باستخدام المجموعة الموجودة في المكتبة، ويُنسب إليه الفضل في إنشاء أول "فِهْرِس بطاقات" لتنظيم تلك المجموعة بشكل منهجي. قام إراتوستينيس (حوالي 276-195 ق.م) بحساب محيط الأرض في الإسكندرية في حدود 80 كيلومترًا (50 ميلًا)، ودرّس إقليدس (حوالي 300 ق.م) في الجامعة هناك، أما أرخميدس (287-212 ق.م)، عالم الرياضيات والفلك العظيم، ربما درّس وبالتأكيد درس هناك. ولد وعاش في الإسكندرية أعظم مهندس وعالم رياضيات في عصره، هيرو (المعروف أيضًا باسم هيرون السكندري، 10-70م). يرجع الفضل إلى هيرو في إنجازاته المذهلة في الهندسة والتكنولوجيا بما في ذلك أول آلة للبيع الآلي، ومضخة القوة، والآلات المسرحية الآلية، من بين اختراعاته الأخرى.

مكتبة الإسكندرية

بدأت المكتبة في عهد بطليموس الأول المنقذ (حكم من 323 إلى 282 ق.م.) وأكملها بطليموس الثاني (المحب لأخيه) الذي أرسل دعوات إلى الحكام والعلماء يطلب منهم المساهمة بالكتب. وفقًا للباحثين أوكس وجاهلين:

"كان هناك متسع لما يصل إلى 70,000 لفافة بردية. تم شراء معظم القطع، ولكن تم استخدام وسائل أخرى في بعض الأحيان، ومن أجل الحصول على المؤلفات المرغوبة، كان تُفتِّشَ جميع السفن التي تدخل الميناء، وكان كل كتاب يُعثر عليه يُؤخذ إلى المكتبة، حيث كان يُقرر إما إعادته أو مصادرته واستبداله بنسخة أخرى. (230)"

لا أحد يعرف عدد الكتب التي كانت تحويها مكتبة الإسكندرية، ولكن التقديرات تشير إلى 500,000 كتاب (يعتقد معظم علماء العصر الحديث أنها مبالغة)، ويُقال إن مارك أنطوني أهدى كليوباترا 200,000 كتاب للمكتبة، ولكن هذا الادعاء موضع خلاف منذ العصور القديمة، ويبدو أن المكتبة كانت جزءًا من الموسيون الذي كان قريبًا أو ملحقًا بمجموعة كبيرة من المباني التي كانت تضم السيرابيون، وهو معبد الإله سيرابيس، الذي كان مزيجًا من الآلهة اليونانية والمصرية، أنشأه البطالمة لمزج الثقافات المتنوعة في اتحاد متناغم. يصف مانجاساريان المعبد قائلًا:

"ربما كان معبد سيرابيس هو الصرح الأكثر ضخامة في المدينة، بعد مكتبة الإسكندرية الرائعة التي كانت رفوفها تحمل شحنة أثمن من الذهب المسكوك، ويقال إن بناة معبد الرها الشهير كانوا يتباهون بأنهم نجحوا في إنشاء شيء ستقارنه الأجيال القادمة بمعبد سيرابيس في الإسكندرية، وهذا من شأنه أن يوحي بفكرة مدى اتساع وجمال سيرابيس السكندري والتقدير الكبير الذي كان يحظى به. يزعم المؤرخون والخبراء أنه كان من أعظم آثار الحضارة الوثنية، ويأتي في المرتبة الثانية بعد معبد جوبيتر في روما، ومعبد البارثينون الفذ في أثينا. بُني معبد سيرابيس على تلة اصطناعية، وكان الصعود إليه بمئة درجة، ولم يكن مبنى واحدًا، بل كان مجموعة كبيرة من المباني، مجمعة حول مبنى مركزي ذي أبعاد أكبر، ويرتفع على أعمدة ذات أبعاد ضخمة وأبعاد رشيقة. طرح بعض النقاد فكرة أن بناة هذه التحفة الفنية كانوا يقصدون أن يجعلوا منها هيكلاً مركباً يجمع بين العناصر المتنوعة للفن المصري واليوناني في وحدة متناسقة. كان السيرابيون في نظر القدماء، علامة على التوفيق بين مهندسي الأهرام ومبدعي الأكروبوليس الأثيني. حيث كان يمثل في أذهانهم امتزاج الضخامة في الفن المصري مع روعة وجمال الفن الهلنستي." (6)

لم تتأثر الإسكندرية نسبيًا بوصول قرطاج إلى أوج قوتها، لأن التجارة تأسست منذ مدة ولم تشكل المدينة أي تهديد لقوة القرطاجيين البحرية، حتى بعد سقوط قرطاج في أعقاب الحروب البونيقية (264-146ق.م)، وعندما أصبحت روما القوة العظمى في البحر المتوسط، ظلت المدينة مزدهرة واستمرت في جذب الزوار من جميع أنحاء العالم.

Ancient Library
المكتبة القديمة
Mohawk Games (Copyright)

أثرت الحرب الأهلية بين القادة الرومان (يوليوس قيصر وبومبي) لأول مرة بشكل سلبي على الإسكندرية عام 48 ق.م، وعلى الرغم من أن المدينة شهدت بالتأكيد نصيبها من المشكلات، قبل هذا التاريخ، إلا أنها ظلت بيئة مستقرة، لكن بعد معركة فرسالوس التي هزم فيها قيصر بومبي، هرب بومبي إلى الإسكندرية باحثًا عن ملاٍذ آمن، فقُتِل على يد شريكه في الحكم بطليموس الثالث عشر (الصغير المحب لوالده).

وصل قيصر إلي الإسكندرية، وسواء أكان ذلك حقيقيًا أم زائفًا، فقد ادعى الغضب لموت صديقه وحليفه السابق؛ فأعلن الأحكام العرفية، واستولى على القصر الملكي، وأرسل في طلب شريكة الملك المنفية كليوباترا السابعة، وخلال الحرب الأهلية التي تلت ذلك بين قيصر وقوات بطليموس الثالث عشر، ووفقًا لبعض العلماء، أُحرق جزء كبير من منطقة ميناء الإسكندرية، بما في ذلك المكتبة الشهيرة، لكن يبدو أن مخزن المخطوطات الموجود بالقرب من الميناء هو فقط الذي أُحرق وليس المكتبة نفسها.

الإسكندرية الرومانية

أصبح ماركوس أنطونيوس (مارك أنطونيوس) - الساعد الأيمن لقيصر - بعد اغتياله عام 44 ق.م، زوجًا لكليوباترا وغادر روما إلى الإسكندرية. أصبحت المدينة قاعدة لعملياته على مدار ال 13 عامًا التالية إلى أن هُزم هو وكليوباترا على يد أوكتافيوس قيصر في معركة أكتيوم البحرية عام 31 ق.م. انتحر كل من كليوباترا وأنطوني في العام التالي، وبموتهما، انتهت دولة البطالمة. أصبح أكتافيوس أول إمبراطور لروما واتخذ لقب أغسطس، وأصبحت الإسكندرية الآن ولاية تابعة للإمبراطورية الرومانية تحت حكم أغسطس قيصر.

Roman Theatre, Alexandria
المسرح الروماني بالإسكندرية
Daniel Mayer (CC BY-SA)

عزز أغسطس سلطته في الولايات واستعاد الإسكندرية. يشير الباحثون الذين يجادلون ضد دور يوليوس قيصر في حرق المكتبة العظيمة إلى حقيقة أن هناك أدلة كثيرة على أن المكتبة كانت لا تزل موجودة في عهد أوغسطس، وأن الزوار كانوا لا يزالون ينجذبون إلى المدينة كمقر للتعلم. تعرضت الإسكندرية لأضرار جسيمة في عام 115م في حرب كيتوس ورُمِّمَت على يد الإمبراطور هادريان الذي اهتم بالمدينة اهتمامًا كبيرًا بوصفه رجلًا متعلمًا ومهذبًا. كانت الإسكندرية لا تزل مركزًا فكريًا مهمًا في ذلك الوقت، حيث اكتملت فيها التَّرْجَمَةً السبعينية اليونانية (التَّرْجَمَةً اليونانية للتوراة، العهد القديم من الكتاب المقدس) عام 132م ويقال إنها أخذت مكانها بين الكتب العظيمة في المكتبة.

كان علماء الدين يعيشون في المكتبة أو يترددون عليها للبحث، وكانت الإسكندرية تجتذب منذ مدة أناسًا من ديانات مختلفة، ويبدو أنهم احترموا في البداية نظم المعتقدات المتنوعة، غير أنه في عهد أوغسطس، كانت هناك نزاعات بين اليهود والوثنيين، ومع ازدياد شعبية المسيحية، زاد المسيحيون من الاضطرابات العامة، وبعد أن أصدر الإمبراطور الروماني قسطنطين الكبير (حكم من 306 إلى 337م) مرسوم ميلانو عام 313م (مرسوم التسامح الديني)، لم يعد المسيحيون عرضة للملاحقة القضائية بموجب القانون، وبدأوا ليس فقط في المطالبة بمزيد من الحقوق الدينية، بل بدأوا في شن هجماتهم على الوثنيين واليهود.

الدين وانحطاط الإسكندرية

أصبحت الإسكندرية، التي كانت مدينة الازدهار والعلم، ساحة للصراع الديني بين العقيدة الجديدة للمسيحيين والعقائد القديمة لليهود والوثنيين، وشعر المسيحيون بجرأة متزايدة لضرب رموز هذه العقائد، إذ كانوا يعتقدون أن عقيدتهم هي العقيدة الوحيدة الصحيحة. كتب مانجاساريان:

"ليس الدين هو الذي يصنع طابع الشعوب بقدر ما تكون الشعوب هي التي تُشكّل طابع أديانها. فالدين ليس إلا خلاصةً للأفكار والخواطر والطبيعة القومية. فهو ليس سوى تعبير. فليست الكلمة أو اللغة هي التي تُنشئ الفكرة، بل الفكرة هي التي تدفع الكلمة إلى الوجود. وبالمثل، فإن الدين ليس سوى تعبير عن ذهنية الأمة. ومع ذلك، فإن دين الإنسان أو فلسفته، على الرغم من أنهما نتاج عقله الخاص، يُمارسان تأثيرًا انعكاسيًا في شخصيته. فالولد يؤثر في والده الذي أنجبه؛ واللغة تؤثر في الفكر، مع أنها كانت في الأصل مجرد أداة له. وهكذا هو الحال مع الدين. فالدين المسيحي، ما إن وصل إلى السلطة، حتى قلب العالم رأسًا على عقب." (8)

ربما لم يكن هذا التحول أكثر وضوحًا في أي مكان أكثر من الإسكندرية. حُظرت الوثنية وشُجعت المسيحية في عهد ثيودوسيوس الأول (379-395م)، وسار البطريرك المسيحي ثيوفيلوس في عام 391م، على خُطا ثيودوسيوس، وأمر بتدمير جميع المعابد الوثنية في الإسكندرية أو تحويلها إلى كنائس، وبحلول عام 400 م، كانت الإسكندرية في حالة اضطراب ديني مستمر، أدى في عام 415م، إلى مقتل فيلسوفة الأفلاطونية المحدثة هيباتيا، وايضًا ووفقًا لبعض العلماء، حرق المكتبة الكبرى وتدمير معبد سيرابيس بالكامل. تراجعت الإسكندرية بعد هذا التاريخ، حيث غادر العلماء والباحثون والمفكرون من جميع التخصصات المدينة إلى أماكن أكثر أمانًا.

Hypatia of Alexandria Experimenting
تمثيل لهيباتيا السكندرية
Focus Features (Copyright, fair use)

أصبحت المدينة فقيرة بشكل مطرد بسبب الصراع الأهلي، سواء من الناحية المالية أو الثقافية، حيث تحولت إلى ساحة معركة بين الأديان المتحاربة قبل أن تظهر المسيحية كنظام عقائدي مهيمن. كانت الإسكندرية مركزًا مهمًا للمسيحية، حيث أرسلت المبشرين في جميع أنحاء شمال أفريقيا، وجلبت العقيدة إلى مراكز مهمة أخرى مثل القيروان.

خلاصات

احتل الفرس التابعون للإمبراطورية الساسانية المدينة عام 619م، ثم استعادتها الإمبراطورية البيزنطية المسيحية بقيادة هرقل عام 628م، ولكنها خسرتها لصالح المسلمين العرب الفاتحين بقيادة الخليفة عمر بن الخطاب عام 641م، ثم تقاتلت قوات البيزنطيين المسيحيين والعرب المسلمين للسيطرة على المدينة ومصر إلى أن انتصر العرب عام 646م وأصبحت مصر تحت الحكم الإسلامي. دُمرت الكنائس الآن أو تحولت إلى مساجد، ويزعم الكتاب المسيحيون فيمَا بعد أن الفاتحين المسلمين أحرقوا المكتبة العظيمة في هذا الوقت.

طُعِنَ في هذا الادعاء وفُنِدَ زيفه، كما هو الحال بالنسبة للادعاءات الأخرى المتعلقة بالمصير النهائي للمكتبة، ومن المرجح أن مكتبة الإسكندرية تدهورت بسبب فقدان رعاية البطالمة لها، ثم أن الدعم الذي تلقته من روما فيمَا بعد كان متفاوتًا، لم تعد مخطوطات البردي يُعتنى بها كما كانت من قبل وتحللت في جو المدينة الرطب. هذا لا يعني أن المكتبة لم تكن لتقع فريسة للتعصب الديني الذي كان يسيطر على المدينة، ولكن إذا كانت تدهورت، فمن المحتمل أن تكون مجموعتها اختفت منذ مدة أو تلفت بحلول الوقت الذي وصل فيه الخليفة عمر بن الخطاب.

أما ما لم تدمره الحرب، هدمته الطبيعة، فبحلول عام 1326م، عندما زارها الرحالة والكاتب ابن بطوطة (1304-1368/69 م)، كان معظم الإسكندرية البطلمية قد اختفى، حيث دُمرت المنارة العظيمة بسبب الزلازل، كما دُمر جزء كبير من الميناء، أما في الوقت الحاضر، تقع المدينة القديمة تحت المدينة الجديدة أو في قاع الميناء. عُرفت الاكتشافات الأولى للعديد من الآثار والتماثيل والمباني في ميناء الإسكندرية عام 1994م، حيث قام البروفيسور جان إيف إمبيرور وفريقه بالتنقيب المستمر عن هذه الآثار التي لا تزل مستمرة في تسليط الضوء على العصر الذهبي المفقود للإسكندرية.

أسئلة وأجوبة

متى تأسست الإسكندرية بمصر وعلى يد من؟

تأسست الإسكندرية بمصر في عام 331 ق.م على يد الإسكندر الأكبر والتي سميت علي أسمه.

ما أهمية مدينة الإسكندرية؟

كانت الإسكندرية بمصر مركزًا فكريًا وثقافيًا وتجاريًا مهمًا. حيث كانت تقع على البحر المتوسط على دلتا النيل، ومن ثم كان من السهل الوصول إليها من جميع أنحاء المنطقة. جذبت مكتبة الإسكندرية بعض أشهر العلماء في ذلك الوقت.

أين كانت تقع منارة الإسكندرية؟

كانت منارة الإسكندرية تقع في المكان الذي يقع فيه قلعة قايتباي الذي يعود تاريخه إلى القرن الخامس عشر.

لماذا تراجعت الإسكندرية ومتى؟

بدأت الإسكندرية في التدهور في القرنين الرابع والخامس الميلاديين بسبب التعصب الديني الذي أثار الاضطرابات المدنية. وبحلول القرن السابع الميلادي، اختفت المباني الأكثر شهرة أو تم تحويلها إلى كنائس.

نبذة عن المترجم

Mahmoud Ismael
مدرس تاريخ، ودراسات اجتماعية، وجغرافيا. حاصل على ليسانس الأداب، قسم تاريخ ومهتم بترجمة المقالات والأبحاث التاريخية.

نبذة عن الكاتب

Joshua J. Mark
جوشو مارك: مؤسس ومساهم ومدير محتوى في موسوعة التاريخ العالمي. عمل كبروفيسور في جامعة ماريست في نيويورك حيث درّس التاريخ، الفلسفة، الأدب والكتابة. سافر كثيراً وعاش في اليونان وألمانيا .

استشهد بهذا العمل

أسلوب APA

Mark, J. J. (2023, July 18). الإسكندرية المصرية [Alexandria, Egypt]. (M. Ismael, المترجم). World History Encyclopedia. مأخوذة من https://www.worldhistory.org/trans/ar/1-245/

شيكاغو ستايل

Mark, Joshua J.. "الإسكندرية المصرية." ترجمة Mahmoud Ismael. World History Encyclopedia. آخر تعديل July 18, 2023. https://www.worldhistory.org/trans/ar/1-245/.

أسلوب MLA

Mark, Joshua J.. "الإسكندرية المصرية." ترجمة Mahmoud Ismael. World History Encyclopedia. World History Encyclopedia, 18 Jul 2023, https://www.worldhistory.org/alexandria/. الويب. 25 Apr 2025.