الموت في مصر القديمة

مقال

Joshua J. Mark
بواسطة ، تمت ترجمته بواسطة Mahmoud Ismael
نُشر في 26 April 2017
طباعة المقالة

لم يكن الموت بالنسبة للمصريين القدماء نهاية الحياة، بل كان مجرد بداية المرحلة التالية في رحلة الفرد الأبدية. لم تكن هناك كلمة في اللغة المصرية القديمة تتوافق مع مفهوم "الموت" كما يُعرّف عادةً بأنه "التوقف عن الحياة"، لأن الموت للمصرين القدماء كان مجرد انتقال إلى مرحلة أخرى من الوجود الأبدي للفرد.

يدعي الباحثون في الواقع، أن الكلمة المصرية الحديثة التي تعني الوفاة في اللغة العربية الحديثة، "الموت"، هي نفسها التي كانت تستخدم في اللغة المصرية القديمة وتستخدم أيضًا بمعنى "الأم"، مما يربط بوضوح بين تجرِبة الموت والولادة أو بشكل أدق الولادة من جديد على مستوى أبدي.

تُنقل الروح إلى جنة أبدية "حقل القصب"، بمجرد أن تجتاز بنجاح محكمة الإله "أوزوريس"، ثم يعود كل ما فقدته عند الموت، ويعيش المرء حقًا في سعادة أبدية، وبالرغم من أن نَظْرَة المصريين إلى الحياة الآخرة كانت الأكثر راحة من أي حضارة قديمة، إلا أن الناس ظلوا يخشون الموت، حتى في عصور الحكومة المركزية القوية عندما كان الملك والكهنة يتمتعون بسلطة مطلقة وكانت نظرتهم إلى جنة ما بعد الموت مقبولة على نطاق واسع، ظل الناس يخشون الموت.

لم تتغير الشعائر المتعلقة بالحداد على الموتى بشكل كبير في تاريخ مصر كله، وهي تشبه إلى حد بعيد رد فعل الناس على الموت اليوم. قد يعتقد المرء أن معرفة المصريين القدماء أن أحبائهم كانوا في رحلة إلى السعادة الأبدية، أو أنهم يعيشون في الجنة، كان من شأنه أن يجعلهم يشعرون بمزيد من السلام مع الموت، ولكن من الواضح أن الأمر ليس كذلك.

توضح لنا النقوش التي تنعى وفاة زوجة محبوبة أو زوج أو طفل محبوب - أو حيوان أليف - عن حزن الفقد، وكيف أنهم يفتقدون من ماتوا، وكيف أنهم يأملون رؤيتهم مرة أخرى يومًا ما في الجنة - ولكن لا يعبرون عن تمني الموت واللحاق بهم في وقت قريب. هناك نصوص تعبر عن تمني الموت، لإنهاء معاناة الحياة الحاضرة، وليس لتبديل الوجود الفاني بأمل الجنة الأبدية.

Book of the Dead of Aaneru, Thebes
كتاب الموتى لعنرو، طيبة
Mark Cartwright (CC BY-NC-SA)

إن الشعور السائد بين هذه النصوص المصرية القديمة في الواقع، لخصه هاملت في مسرحية شكسبير الشهيرة بشكل مثالي: "البلد غير المكتشف، الذي لا يعود منه أي مسافر، يربك الإرادة، ويجعلنا نتحمل تلك الشرور التي نعرفها بدلًا من أن نفرّ إلى شرور أخرى لا نعرفها." (III.i.79-82). أحب المصريون الحياة، واحتفلوا بها طوال العام، ولم يكونوا في عجلة من أمرهم لمغادرتها حتى من أجل الجنة التي وعدتهم بها عقائدهم.

حوار بين رجل وروحه

هناك قطعة أدبية شهيرة حول هذا الموضوع تُعرف باسم "حوار بين رجل وروحه" (تُرجمت أيضًا باسم "مناجاة رجل مع روحه" و"الرجل الذي سئم الحياة"). يعود تاريخ هذا العمل إلى الدولة الوسطى (2040-1782 ق.م)، وهو عبارة عن حوار بين رجل مكتئب لا يجد متعة في الحياة وروحه التي تشجعه على محاولة الاستمتاع بنفسه وتهوين الأمور عليه.

يشكو الرجل، في عدد من النقَاط: كيف يجب أن يستسلم ويموت؟ - ولكن لا يبدو أنه يعتقد في أي لحظة أنه سيجد وجودًا أفضل في "الجانب الآخر" - إنه ببساطة يريد إنهاء البؤس الذي يشعر به في الوقت الحالي، غالبًا ما يوصف الحوار بأنه أول عمل مكتوب يناقش فوائد الانتحار، لكن الباحث ويليام كيلي سيمبسون لا يوافق على ذلك، حيث كتب:

"ما هو معروض في هذا النص ليس مناظرة، بل صورة نفسية لرجل محبط من شرور الحياة إلى درجة شعوره بالعجز عن الوصول إلى أي قَبُول للخير الفطري للوجود. إن ذاته الداخلية غير قادرة على الاندماج والسلام. تُعرض معضلته فيما يبدو مناجاةً درامية توضح تغيرات مزاجه المفاجئة، وتردده بين الأمل واليأس، وجهده الذي يكاد يكون بطوليًا في إيجاد القوة للتكيف مع الحياة. ليست الحياة نفسها هي التي ترهق المتكلم بقدر ما ترهقه جهوده الخاصة للتوصل إلى وسيلة للتعامل مع صعوبات الحياة." (178)

تحاول روح المتكلم - بينما يكافح للوصول إلى خاتمة مرضية نوعًا ما -، أن ترشده إلى الاتجاه الصحيح في تقديم الشكر على حياته وتقبل الأشياء الجيدة التي يقدمها العالم. تشجعه روحه على التعبير عن امتنانه للأشياء الجيدة التي يملكها في هذه الحياة والتوقف عن التفكير في الموت لأنه لا خير فيه. كان الجُحُود بالنسبة للمصريين القدماء هو "الخطيئة المَدْخَل" التي تسمح لكل الخطايا الأخرى بالدخول إلى حياة المرء.

كان الجُحُود بالنسبة للمصريين القدماء هو "الخطيئة المَدْخَل" التي تسمح لكل الخطايا الأخرى بالدخول إلى حياة المرء.

إذا كان المرء ممتنًا فإنه يقدّر كل ما لديه ويشكر الآلهة، وإذا سمح لنفسه بالشعور بالجُحُود فإن هذا يقوده إلى دوامة من الخطايا الأخرى من مرارة واكتئاب وأنانية وكبرياء وفكر سلبي. إن رسالة الروح إلى الإنسان تشبه رسالة المتكلم في سفر الجامعة عندما يقول: "لاَ تَسْتَعْجِلْ فَمَكَ وَلاَ يُسْرِعْ قَلْبُكَ إِلَى نُطْقِ كَلاَمٍ قُدَّامَ اللهِ، لأَنَّ اللهَ فِي السَّمَاوَاتِ وَأَنْتَ عَلَى الأَرْضِ، فَلِذلِكَ لِتَكُنْ كَلِمَاتُكَ قَلِيلَةً." (5:2).

يبدو أن الرجل، بعد أن يتمنى أن يقبضه الموت، يفكر في كلمات الروح بجدية، حيث وقرب نهاية المقطع يقول الرجل: "من المؤكد أن الذي سيكون هناك سيكون إلهًا حيًا/بعد أن يطهّر الشر الذي أصابه... بالتأكيد أن الذي سيكون هناك هو الذي يعرف كل شيء" (142-146)، للروح الكلمة الأخيرة في هذه المقطوعة التي تؤكد للإنسان أن الموت سيأتي طبيعيًا في الوقت المناسب، وأن الحياة يجب أن تُحتضن وتُحب في الوقت الحاضر.

أنشودة الحُدَاة

يوجد نصًا آخر من نصوص الدولة الوسطى، وهو "أنشودة الحُدَاة"، له نفس الصدى في الموضوع نفسه. تعد الدولة الوسطى هي العصر المصري القديم الذي تعرضت فيه رؤية الفردوس الأبدي بعد الموت لأكبر تحدٍ في الأعمال الأدبية، بالرغم من مجادلة البعض بأن هذا يرجع إلى السخرية العالقة في أعقاب الفوضى والارتباك الثقافي في عصر الاضمحلال الأول، إلا أن هذا الادعاء لا يمكن الدفاع عنه. كان عصر الاضمحلال الأول في مصر (2181-2040 ق.) يفتقر ببساطة إلى حكومة مركزية قوية، ولكن هذا لا يعني أن الحضارة انهارت مع تفكك الدولة القديمة، بل ببساطة شهدت البلاد تغيرات طبيعية في الحكومة والمجتمع التي هي جزء من أي حضارة حية.

إن أنشودة الحُدَاة أكثر تشابهًا مع سفر الجامعة في اللهجة والتعبير كما تظهر بوضوح في الامتناع: "تَمَتَّعْ بِالأَوْقَاتِ الْمُمْتِعَةِ/ وَلاَ تَسْأَمْ مِنْهَا/. هذا لأنه لَمْ يُعْطَ لأَحَدٍ أَنْ يَأْخُذَ مَتَاعَهُ مَعَهُ/ فها هو ذا لا يوجد أحد راحل سيعود مرة أخرى" (سيمبسون، 333). إن الادعاء بأنه لا يمكن للمرء أن يأخذ ممتلكاته إلى الموت هو دحض مباشر لتقليد دفن الموتى مع مرفقات المقابر: كل تلك الأشياء التي تمتع بها المرء واستخدمها في الحياة، التي سيحتاجها في العالم الآخر.

Book of the Dead, Ptolemaic Period
رسمة توضيحية من كتاب موتى يعود للعصر البطلمي
Mark Cartwright (CC BY-NC-SA)

يمكن تمامًا، وبالطبع، أن تكون هذه الآراء مجرد وسائل أدبية لتوضيح وجهة نظر مفادها أنه يجب على المرء أن يستفيد من الحياة إلى أقصى حد بدلًا من الأمل في بعض النعيم الأبدي بعد الموت، ومع ذلك، فإن حقيقة أن هذه المشاعر لم تجد هذا النوع من التعبير إلا في الدولة الوسطى تشير إلى تحول كبير في التركيز الثقافي، والسبب الأكثر ترجيحًا لذلك هو وجود طبقة عليا أكثر "عالمية" خلال هذا العصر، وهو ما أصبح ممكنًا على وجه التحديد في عصر الاضمحلال الأول، الذي بذلت دراسات القرنين التاسع عشر والعشرين الميلاديين الكثير من الجهد لتشويهه. أدى انهيار الدولة القديمة إلى تمكين الحكام الإقليميين وأدى إلى حرية أكبر في التعبير عن مختلف مناطق البلاد بدلًا من الامتثال لرؤية واحدة للملك.

تختفي النظرة المتهكمة والساخرة للدين والحياة الآخرة بعد هذا العصر، حيث يركز أدب الدولة الحديثة (حوالي 1570-1069 ق.م) مرة أخرى على الجنة الأبدية التي تنتظر ما بعد الموت، ومن بين أفضل الأدلة على هذا الاعتقاد شيوع "كتاب الموتى" (المعروف باسم كتاب الموتى المصري) خلال هذا العصر. يعد كتاب الموتى هو دليل إرشادي للروح بعد الموت، وللحياة الآخرة، حيث تحتاج إليه الروح للوصول إلى حقل القصب.

الحياة الأبدية

إن السمعة التي اكتسبتها مصر القديمة بأنها "مهووسة بالموت" هي في الواقع غير مستحقة؛ حيث كانت الثقافة مهووسة بعيش الحياة على أكمل وجه، ولم يكن الهدف من الشعائر الجنائزية التي كانت تراعى بعناية فائقة تمجيد الموت، سوي الاحتفال بالحياة وضمان استمرارها. كان الموتى يُدفنون مع ممتلكاتهم في مقابر رائعة وبشعائر متقنة لأن الروح ستعيش إلى الأبد بمجرد عبورها أبواب الموت.

في حين كان من المتوقع أن يستغل المرء وقته قدر المستطاع ويستمتع بنفسه قدر المستطاع. تعبر إحدى أَغَاني الحب من الدولة الحديثة، وهي إحدى أَغَاني ما يسمى بأغاني البستان، عن نظرة المصريين للحياة بشكل مثالي، في الأبيات التالية، تتحدث شجرة جميز في البستان إلى إحدى الشابات التي زرعتها عندما كانت طفلة صغيرة:

"انتبهوا! اجعلوهم يأتون حاملين معداتهم،

جالبين كل أنواع الجعة، والخبز بكثرة

خضروات وشراب قوي من الأمس واليوم،

وكل أنواع الفاكهة للاستمتاع.

تعالَوا واقضوا اليوم في سعادة،

غدًا، وبعد غد

ولو لثلاثة أيام، جالسين تحت ظلي." (سيمبسون، 322)

بالرغم من وجود تعبيرات عن الاستياء والتعاسة في الحياة - كما في الخطاب بين الإنسان وروحه - إلا أن المصريين في معظمهم أحبوا الحياة وأقبلوا عليها إقبالًا تامًا. لم يتطلعوا إلى الموت أو الفناء - على الرغم من أنهم كانوا موعودين بالحياة الآخرة المثالية - لأنهم كانوا يشعرون أنهم يعيشون فعلًا في أكثر العوالم كمالًا.

كانت الحياة الأبدية تستحق التخيل فقط بسبب البهجة التي وجدها الناس في وجودهم الأرضي. أنشأ المصريون القدماء حضارة جعلت من كل يوم تجرِبة في الامتنان والسمو الإلهي وحياة في رحلة أبدية لم يكن وقت المرء في الجسد سوى فترة قصيرة فاصلة، وبعيدًا عن التطلع إلى الموت أو الأمل فيه، احتضن المصريون الوقت الذي عرفوه على الأرض وحزنوا على رحيل أولئك الذين لم يعودوا مشاركين في مهرجان الحياة العظيم.

نبذة عن المترجم

Mahmoud Ismael
مدرس تاريخ مهتم بترجمة المقالات والأبحاث التاريخية.

نبذة عن الكاتب

Joshua J. Mark
كاتب مستقل وأستاذ سابق بدوام جزئي في الفلسفة في كلية ماريست، نيويورك، عاش جوشوا ج. مارك في اليونان وألمانيا وسافر إلى مصر. قام بتدريس التاريخ والكتابة والأدب والفلسفة على المستوى الجامعي.

استشهد بهذا العمل

نمط APA

Mark, J. J. (2017, April 26). الموت في مصر القديمة [Death in Ancient Egypt]. (M. Ismael, المترجم). World History Encyclopedia. تم استرجاعها من https://www.worldhistory.org/trans/ar/2-1050/

أسلوب شيكاغو

Mark, Joshua J.. "الموت في مصر القديمة." تمت ترجمته بواسطة Mahmoud Ismael. World History Encyclopedia. آخر تعديل April 26, 2017. https://www.worldhistory.org/trans/ar/2-1050/.

أسلوب إم إل إيه

Mark, Joshua J.. "الموت في مصر القديمة." تمت ترجمته بواسطة Mahmoud Ismael. World History Encyclopedia. World History Encyclopedia, 26 Apr 2017. الويب. 21 Feb 2025.