رسائل إلى الموتى في مصر القديمة

10 الأيام المتبقية

استثمر في تعليم التاريخ

من خلال دعم مؤسسة تاريخ العالم الخيرية، فإنك تستثمر في مستقبل تعليم التاريخ. تبرعك يساعدنا على تمكين الجيل القادم بالمعرفة والمهارات التي يحتاجونها لفهم العالم من حولهم. ساعدنا في بدء العام الجديد استعدادًا لنشر معلومات تاريخية أكثر موثوقية مجانًا للجميع.
$3086 / $10000

مقال

Joshua J. Mark
بواسطة ، تمت ترجمته بواسطة Mahmoud Ismael
نُشر في 02 June 2017
استمع إلى هذه المقالة
X
طباعة المقالة

عالجت المعتقدات الدينية والفلسفات في كل ثقافات العالم عبر التاريخ المسجل مسألة ما يحدث بعد الموت، وتشتهر مصر القديمة بإجابتها الخاصة عن أسرار العالم الآخر، فمقابرهم ومعابدهم الضخمة معروفة جيدًا، ولكن هناك ممارسة أقل شهرة بكثير وهي رسائلهم إلى الموتى.

تُروى قصة لعازر والغني، في سفر لوقا الإنجيلي، حيث يموت كل من الرجل الغني والفقير في اليوم نفسه. يجد المُتَسَوِّل، لعازر، نفسه في الفردوس في حين الرجل الغني يعاني في الجحيم، وينظر إلى الأعلى ليرى إبراهيم أبو الأنبياء وبجانبه لعازر ويسأل إن كان لعازر يستطيع أن يأتيه ببعض الماء، ولكن يُرفض ذلك؛ فهناك هوة سحيقة ثابتة بين من في الفردوس ومن في الجحيم، ولا يستطيع أحد أن يعبر.

يسأل الرجل الغني إذا كان بإمكان إبراهيم أن يرسل لعازر إلى عالم الأحياء ليحذر عائلته لأنه، كما يقول، لديه خمسة إخوة يعيشون جميعًا نفس أسلوب الحياة المنغمس في الملذات التي كان يتمتع بها ولا يريدهم أن يلقوا نفس المصير، وعندما يجيب إبراهيم قائلاً: "عِنْدَهُمْ مُوسَى وَالأَنْبِيَاءُ، لِيَسْمَعُوا مِنْهُمْ."، يجيب الرجل الغني بأن إخوته لن يستمعوا إلى الكتاب المقدس، ولكن إذا عاد أحدهم من الموت، فإنهم بالتأكيد سيستمعون إليه. عندئذٍ يقول إبراهيم: "إِنْ كَانُوا لاَ يَسْمَعُونَ مِنْ مُوسَى وَالأَنْبِيَاءِ، وَلاَ إِنْ قَامَ وَاحِدٌ مِنَ الأَمْوَاتِ يُصَدِّقُونَ" (لوقا 16:19-31).

فُسِرت هذه القصة بطرق مختلفة على مر العصور من أجل توضيح نِقَاط لاهوتية مختلفة، لكن موضوعها خالد مثل: ماذا يحدث بعد الموت؟ ظن الرجل الغني أنه كان يعيش حياة طيبة ولكنه وجد نفسه في أسوأ أنواع العالم الآخر في حين لعازر الذي عانى على الأرض يُستقبل بمكافأة في السماء. إن طلب الرجل الغني أن يعيد لعازر إلى الأرض يبدو معقولًا، لأنه لو عاد شخص من الموت ليخبرنا كيف كانت حياته بعد الموت، فإن الناس بالتأكيد سيستمعون إليه ويعيشون حياتهم بشكل مختلف؛ ولكن إبراهيم يرفض الطلب.

إن رد إبراهيم، مهما بدا مخيبًا لآمال الرجل الغني، فهو تقييم دقيق للموقف. تُقبل قصص الناس عن تجارِب الاقتراب من الموت في الوقت الحاضر، من أولئك الذين يؤمنون فعلًا بهذا النوع من العالم الآخر، وينكرها أولئك الذين لا يؤمنون بها، فحتى لو عاد شخص ما من الموت، إذا لم يستطع المرء قَبُول هذا النوع من الواقع، فلن يصدق قصته، وبنفس الطريقة، لن يقبل بالتأكيد القصص القديمة المتعلقة بنفس النوع من الأحداث.

Letter to the Dead
رسالة إلي الميت
The Trustees of the British Museum (Copyright)

كان العالم الآخر، بالرغم من ذلك، أمرًا مؤكدًا طوال معظم تاريخ الحضارة المصرية القديمة، فعندما يموت المرء، تنتقل روحه إلى مستوى آخر، تاركًة الجسد وراءها، على أمل أن تبرؤه الآلهة وينتقل إلى الحياة الأبدية في الجنة. لم يكن هناك شك في وجود هذا العالم الآخر، إلا خلال عصر الدولة الوسطى (2040-1782 ق.م)، وحتى في ذلك الوقت كان الأدب الذي كان يسخر من العالم الآخر، يمكن تفسيره بأنه أداة أدبية بسهولة كما يمكن تفسيره على أنه تحدٍ لاهوتٍي خطير. لم تكن روح الشخص المحبوب تتوقف عن الوجود عند الموت، ولم يكن هناك أي خطر من مفاجأة في العالم الآخر مثل التي اختبرها الرجل الغني في لوقا.

يوجد استثناء في عمل خيالي يرجع مصر الرومانية (30 ق.م - 646 م) ويعرف باسم "سيتني الثاني"، وهو الأساس المحتمل لقصة لوقا، ففي الجزء الأول من سيتني الثاني، يقود سي أوزير والده سيتن خمواس إلى العالم السفلي ويبين له كيف يعيش رجل غني ورجل فقير في العالم الآخر، وعلى خلاف فهم سيتني السابق بأن الرجل الغني سيكون أسعد من الفقير، فإن الرجل الغني يعاني في العالم السفلي والرجل الفقير يرتقي. يقود سي أوزير والده إلى العالم الآخر ليصحح سوء فهمه، وتوضح رحلتهم القصيرة إلى هناك مدى قرب المصريين القدماء من هذا العالم. كان الموتى يعيشون على قيد الحياة، ويمكن للمرء أن يتواصل معهم إذا أراد ذلك. تُعرف هذه الصلات اليوم باسم "رسائل إلى الموتى".

العالم الآخر المصري والموتى

كان الاعتقاد السائد أنه بعد موت المرء وتمارس الشعائر الجنائزية المناسبة، ينتقل إلى المحاكمة أمام أوزيريس ومحكمته، فإذا عاش المرء حياة صالحة، فإنه يتلقى التبرئة وينتقل إلى الجنة. كانت الإجابة عن سؤال "ما هي الحياة الطيبة؟" تتم عن طريق تلاوة اعتراف البراءة أمام محكمة أوزيريس ووزن القلب في الميزان مقابل ريشة (ماعت) الحق البيضاء، ولكن حتى قبل موت المرء، كان يعرف إلى حد ما فرصه في قاعة الحق.

لم يعتمد المصريون على النصوص القديمة لإرشادهم إلى السلوك الأخلاقي، بل على مبدأ التناغم والتوازن (ماعت) الذي شجعهم على العيش في سلام علي الأرض ومع جيرانهم، ومن المؤكد أن هذا المبدأ كان يتجلى في القصص الدينية، ومتجسدًا في تلك الإلَهَة التي تحمل نفس الاسم (ماعت)، واِستُشهِد بها في الأعمال المكتوبة مثل النصوص الطبية والترانيم، ولكنها كانت مفهومًا حيًا يمكن للمرء أن يقيس نجاحه في تحقيقها يوميًا. لم يكن المرء بحاجة إلى شخص يعود من الموت ليحذره؛ فأفعال المرء وعواقبها في الحياة ستكون كافية - أو كان ينبغي أن تكون كذلك - لإعطاء الشخص مؤشرًا جيدًا إلى حد ما لما ينتظره بعد الموت.

Papyrus of Ani
بردية آنى
Cesar Ojeda (CC BY-NC-ND)

كان الموتى الأبرياء، الذين أصبحوا الآن في الجنة، يتمتعون بأذن الآلهة ويمكن إقناعهم بالتوسط لدى الناس في الإجابة عن الأسئلة أو التنبؤ بالمستقبل أو الدفاع عن الملتمس ضد الظلم. خَلقت الآلهة عالمًا من الانسجام، وكل ما كان على المرء أن يفعله من أجل الوصول إلى الجنة في الآخرة هو أن يعيش حياة جديرة بالخلود. إذا جعل المرء من كل يوم تمرينًا على خلق حياة يتمنى المرء أن تستمر إلى الأبد، ومبنية على مفهوم الانسجام والتوازن (الذي يتضمن بالطبع مراعاة جيرانه والعطف عليهم)، فيمكن للمرء أن يكون واثقًا من دخول الجنة بعد الموت.

كانت هناك رغمًا عن ذلك، قُوَى خارقة للطبيعة تعمل في الكون، ويمكن أن تسبب للمرء مشكلات في طريق حياته، فالشياطين الأشرار والآلهة الغاضبة وأرواح الموتى التعيسة أو المنتقمة يمكن أن تتدخل في صحة المرء وسعادته في أي وقت ولأي سبب، ولا يفترض لأحد الآلهة - مثل تحوت – المفضلة لدى أحد في حياته ومسيرته المهنية، أن يمنع إلهًا آخر، مثل ست، بأن يجلب له الحزن، علاوة على ذلك، كانت هناك ببساطة صعوبات طبيعية للوجود تزعج النفس وتُفقد المرء توازنه، مثل: المرض وخيبة الأمل والحسرة وموت أحد الأحبة، عندما أصابت هذه الأنواع من المتاعب، أو الأكثر غموضًا، المرء، كان هناك شيء مباشر يمكنه أن يفعله حيالها وهو: كتابة رسالة إلى الموتى.

تاريخ رسائل الموتى ومقاصدها

يعود تاريخ الرسائل إلى الموتى من عصر الدولة القديمة (حوالي 2613 - 2181 ق.م) حتى العصر المتأخر (525 - 332 ق.م)، أي طوال التاريخ المصري تقريبًا، فعندما كانت تبني مقبرة، اعتمادًا على ثروة الشخص ومكانته، كان يبني أيضًا معبد صغير للقرابين حتى يتسنى للروح تلقي قرابين الطعام والشراب يوميًا، وكانت الرسائل الموجهة إلى الموتى، والتي غالبًا ما تكون مكتوبة على أوعية القرابين، تُنقل إلى هذه المعابد مع الطعام والشراب ثم تقرئها روح المتوفى. يشير عالم المصريات ديفيد ب. سيلفرمان إلى أنه "في معظم الحالات، كان التفاعل بين الأحياء والأموات، يكون غير رسمي، مع صلوات منطوقة ليست ذات أثر" (142)، ولهذا السبب لا يوجد اليوم سوى عدد قليل جدًا من الرسائل الموجهة إلى الموتى، ولكن رغم تلك القلة، يوجد ما يكفي لفهم مقاصدها وأهميتها.

كان المرء يكتب الرسالة بنفس الطريقة التي يكتب بها إلى شخص لا يزال على قيد الحياة. يوضح سيلفرمان:

"وسواء أكانت هذه الوثائق منقوشة على أوعية فخارية أو كَتَّان أو ورق بردي، فإنها تأخذ صورة رسائل عادية، مع تدوين اسم المرسل والمرسل إليه، وتحية حسب لهجة الرسالة: "رسالة من مريرتيفي إلى نيبتيوتيف: كيف حالك؟ هل الغرب يعتني بك كما أملت؟" (142)

"الغرب" بالطبع إشارة إلى أرض الموتى التي كان يُعتقد أنها تقع في ذلك الاتجاه. كان أوزيريس يُعرف باسم "أول الغربيين" بصفته إله الموتى، وكما يلاحظ سيلفرمان وآخرون، كان من المتوقع أن يكون هناك رد على هذه الرسائل، حيث إن التعويذة رقم 148 والتعويذة رقم 190 من كتاب الموتى المصري مكّنتا الروح من إخبار الأحياء عن حالها في العالم الآخر.

Egyptian God Osiris
الإله المصري أوزوريس
A.K. (Copyright)

ينتقل المُرسِل بعد التحية والمجاملة، إلى موضوع الرسالة، ودائمًا ما تكون طلبًا لشفاعة من نوع ما، وغالبًا ما كان الكاتب يُذَكّر المرسل إليه ببعض الإحسان الذي قدمه له أو بالحياة التي عاشها بسعادة على الأرض. يستشهد عالم المصريات جاي روبينز بواحدة من هذه الرسائل:

"عندما كنت شابًا كنت معك، عندما كنت أترقي في جميع أنواع المَناصِب. كنت معك ولم أطلقك. لم أكن سببًا في حزن قلبك. فعلتُ ذلك عندما كنتُ شابًا وعندما كنتُ أترقي بكل أنواع المناصب المهمة للفرعون، وفي الحياة، والرخاء، والصحة، دون أن أطلقك: "لقد كانت معي دائمًا - هكذا قلت أنا!"، بعبارة أخرى، عندما كان الرجال يتسلقون السلم البيروقراطي، ربما لم يكن من المعروف بالنسبة لهم أن يطلقوا زوجات شبابهم ويتزوجوا امرأة أكثر ملاءمة أو فائدة لمرتبتهم العليا. (63-64)

يُذكّر هذا الزوج زوجته بمدى إخلاصه لها قبل أن يطلب مساعدتها في حل مشكلته. تلاحظ عالمة المصريات روزالي ديفيد كيف "تتنوع الطلبات الموجودة في الرسائل: فبعضها يطلب المساعدة ضد أعداء أموات أو أحياء، خاصًة في النزاعات العائلية؛ والبعض الآخر يطلب مساعدة قانونية لدعم الملتمس الذي كان عليه أن يمثل أمام المحكمة الإلهية في يوم الحساب؛ والبعض الآخر يطلب بركات أو منافع خاصة" (282)، ومع ذلك، فإن أكثر الطلبات المقدمة غالبًا ما تتعلق بالخصوبة والولادة عن طريق التماس الحمل وطفل سليم، وغالبًا ما يكون ولدًا.

رسائل وردود الموتى

قد يتلقى الكاتب ردًا من الموتى بعدة طرق مختلفة، حيث يسمع المرء المتوفى في حلم، أو يتلقى رسالة أو "إشارة" خلال يوم ما، أو يستشير أحد العرافين، أو ببساطة يجد المرء مشكلة ما حُلت فجأة، فالموتى، في نهاية المطاف، في صحبة الآلهة، وكان من المعروف أن الآلهة موجودة، بل إنها كانت تريد الأفضل للبشر. لم يكن هناك سبب للشك في أن طلب المرء قد سُمع وأنه سيتلقى إجابة.

كان أوزوريس هو سيد العدل، وكان من المنطقي أن يكون للروح في حضوره تأثيرًا أكبر من التي لا تزل في الجسد على الأرض، وإذا بدا هذا الأمر غريبًا أو "قديمًا" بالنسبة للقارئ في العصر الحديث، يجب أن نتذكر أن هناك الكثير ممن يؤمنون بالاعتقاد نفسه اليوم، لا يزل يُعتقد أن أرواح الراحلين، خاصة أولئك الذين يُعتبرون مقدسين، على عَلاقة بالإله أكثر من أي شخص على الأرض. يعلق سيلفرمان:

"في جميع الحالات، يُحَث المتوفى على اتخاذ إجراء نيابًة عن الكاتب، وغالبًا ما يكون ذلك ضد الأرواح الخبيثة التي أصابت الكاتب وعائلته، وكثيرًا ما تشير هذه الطلبات إلى محكمة العالم السفلي ودور المتوفى داخلها: "يجب عليك أن تحرض على التقاضي معه، بما أن لديك شهودًا في نفس مدينة الموتى." ذُكِرَ المبدأ بإيجاز على وعاء في متحف اللوفر في باريس: "كما كنت حسن المقام على الأرض، فأنت حسن المقام في المقبرة." على الرغم من هذا الجانب القانوني، فإن الرسائل لم تكن أبدًا ذات صيغ معينة، بل تتنوع في مضمونها وطولها. (142)"

يتضح أن الكتابة إلى شخص ما في العالم الآخر هي نفسها الكتابة إلى شخص في مدينة أخرى على الأرض، حيث لا يوجد فرق تقريبًا بين هذان النوعين من المراسلات. تتبع رسالة كُتبت في القرن الثاني الميلادي من امرأة شابة تدعى سارابياس إلى والدها النموذج نفسه تقريبًا:

"من سارابياس إلى أمونيوس، أبي وسيدي، تحيات كثيرة. أدعو لك باستمرار أن تكون بخير، وأقدم لكِ التحية نيابة عن فيلوتيرا، لقد تركت ميوس هورموس (مدينة) بسرعة بعد الولادة، ولم آخذ شيئًا منها... أرسل لي كأسًا صغيرة للشرب وأرسل لابنتك وسادة صغيرة. (باغنال وكريبيور، 166)"

يتضح أن الكتابة إلى شخص ما في العالم الآخر هي نفسها الكتابة إلى شخص في مدينة أخرى على الأرض.

الفرق الوحيد بين هذه الرسالة ورسالة يكتبها الابن إلى أمه المتوفاة خلال (عصر الاضمحلال الأول، 2181- 2040 ق.م.) هو أن سرابياس تطلب إرسال أشياء مادية في حين يطلب الابن التدخل الروحي. يبدأ الابن رسالته بتحية مماثلة، ثم يشرح مثل سرابياس التي تشرح كيف أنها تحتاج إلى إرسال كأس ووسادة ثم يطلب المعونة، ويُذكِر أيضًا أمه كم كان ابنًا بارًا بها خلال حياتها، فيكتب: "لقد قلتِ هذا لابنك: "أحضري لي سُمانًا لكي آكله"، وهذا ما أحضره ابنك لكِ، سبع سُماناة فأكلته" (روبنز، 107). توضح رسائل أخري مثل هذه الرسالة أيضًا للميت أن الكاتب لم "يشوه التعويذة" خلال أداء الشعائر اللازمة، وهذا أكثر أهمية للتأكد من استمرار تذكر روح المتوفى حتى تتمكن من العيش بشكل جيد في العالم الآخر.

بمجرد قراءة الروح للرسالة، لم يكن على الكاتب سوى التحلي بالصبر وانتظار الرد، فإذا لم يكن الكاتب ارتكب أي خطايا وأدى جميع الشعائر بشكل صحيح، فسيتلقى ردًا إيجابيًا بطريقة ما، وبعد تقديم طلباتهم، كثيرًا ما كان الكتاب يعدون بالهدايا في المقابل وتأكيدات بحسن السلوك. يعلق روبينز على ذلك:

"في رسالة إلى الموتى من عصر الاضمحلال الأول، يقول زوج لزوجته: "لم أُلْقِ بتعويذة أمامك، وجعلت اسمكِ يحيا على الأرض"، ويعدها بالمزيد من العطاء لها إذا ما شفي من مرضه: "سأضع لكِ القرابين عندما يطلع نور الشمس، وسأقيم لكِ مذبحًا."، يطلب أخو المرأة أيضًا مساعدة: "لم أُلْقِ بتعويذة أمامك، ولم اتخذ من دونك أولياء"

كان المَيْت يحتفظ بهويته الشخصية في العالم الآخر، وبناء عليه كان المرء يكتب له باستخدام نفس أنواع اللمسات التي كانت تعمل في الحياة، كان المرء ينال مراده عن طريق التهديد، حيث استُخدمت التهديدات مثل الإيحاء بأنه إذا لم يحصل المرء على مراده فإنه سيقطع القرابين عند المقبرة. كانت تقدم القرابين للآلهة في أضرحتهم ومعابدهم بانتظام، ومن الواضح أن الآلهة كانت تسمع وتستجيب، ولذلك كان يُعتقد أن الموتى يفعلون الشيء نفسه. المشكلة في مثل هذه التهديدات هي أنها إذا توقف المرء عن تقديم القرابين، فمن المرجح أن تطارده روح غاضبة لن يستطع تلبية طلباتها، ومثلما كانت الآلهة تستهجن عدم احترامها لوقاحة الناس الغاضبين الممتنعة عن تقديم القرابين، كذلك كان الموتى يستهجنون ذلك.

استنتاجات

كان لكل ثقافة قديمة بعض المفاهيم المتعلقة بالعالم الآخر، لكن الثقافة المصرية كانت الأكثر شمولًا وبالتأكيد الأكثر مثالية. يلاحظ عالم المصريات جان أسمان:

"إن التحيز الشائع بأن اللاهوت هو الإنجاز الحصري للكتابة المقدس، إن لم يكن للمسيحية، لا أساس له من الصحة فيما يتعلق بمصر القديمة، فعلى النقيض من ذلك، فإن اللاهوت المصري أكثر تفصيلًا بكثير من أي شيء يمكن العثور عليه في الكتاب المقدس. (2)"

لم يترك المصريون شيئًا للصدفة - كما يمكن ملاحظته في المهارة الفنية الواضحة في الآثار والمعابد التي لا تزل قائمة - وكان هذا صحيحًا في نظرتهم إلى الأبدية مثل أي شيء آخر. كان لكل فعل في حياة المرء نتيجة ليس فقط في الوقت الحاضر ولكن أيضًا للأبدية، فالحياة على الأرض جزءًا واحدًا فقط من رحلة أبدية، وكان سلوك المرء يؤثر على مستقبله على المدى القصير والطويل. يمكن للمرء أن يشعر بالاطمئنان لما ينتظره بعد الحياة عن طريق قياس أفعاله بمعيار الوجود المتناغم والمثال الذي ضربته الآلهة والعالم الطبيعي.

Egyptian Pottery Soul House
عمل فخارية مصرية لبيت الأرواح
Osama Shukir Muhammed Amin (Copyright)

إن النسخة المصرية من قصة لوقا، بالرغم من تشابهها، إلا أنها تختلف اختلافًا كبيرًا، فالرجل الغني في "سيتني الثاني" كان يتوقع أن يجد عقابًا في العالم الآخر لتجاهله مبدأ ماعت، أما الشحاذ في القصة لم يكن ليتوقع، ولا يحق له الحصول على مكافأة لمجرد معاناته، فالجميع عانوا في النهاية في وقت أو آخر، ولا تدين الآلهة لأحد بأي تقدير خاص على ذلك.

يُعاقَب الغني والفقير ويُثاب الغني والفقير في "سيتني الثاني"، لأن أفعالهما على الأرض إما أن تكون قد أهانت أو كرمت ماعت، وربما كان الآخرون يحسدونهما أو يشفقون عليهما، ولكنهما كانا يتوقعان ما ينتظرهما بعد الموت، أما في النسخة المسيحية لقصة "سيتني الثاني" التي تظهر في لوقا، لا الغني ولا لعازر لديه أي فكرة عما ينتظرهما، في الواقع، ربما كانت نسخة لوقا من القصة ستكون مربكة للمصريين القدماء الذين إذا كان لديهم سؤال عن الحياة الآخرة وما ينتظرهم بعد الموت، كان بإمكانهم ببساطة أن يكتبوا رسالة ويسألوا.

نبذة عن المترجم

Mahmoud Ismael
مدرس تاريخ مهتم بترجمة المقالات والأبحاث التاريخية.

نبذة عن الكاتب

Joshua J. Mark
كاتب مستقل وأستاذ سابق بدوام جزئي في الفلسفة في كلية ماريست، نيويورك، عاش جوشوا ج. مارك في اليونان وألمانيا وسافر إلى مصر. قام بتدريس التاريخ والكتابة والأدب والفلسفة على المستوى الجامعي.

استشهد بهذا العمل

نمط APA

Mark, J. J. (2017, June 02). رسائل إلى الموتى في مصر القديمة [Letters to the Dead in Ancient Egypt]. (M. Ismael, المترجم). World History Encyclopedia. تم استرجاعها من https://www.worldhistory.org/trans/ar/2-1051/

أسلوب شيكاغو

Mark, Joshua J.. "رسائل إلى الموتى في مصر القديمة." تمت ترجمته بواسطة Mahmoud Ismael. World History Encyclopedia. آخر تعديل June 02, 2017. https://www.worldhistory.org/trans/ar/2-1051/.

أسلوب إم إل إيه

Mark, Joshua J.. "رسائل إلى الموتى في مصر القديمة." تمت ترجمته بواسطة Mahmoud Ismael. World History Encyclopedia. World History Encyclopedia, 02 Jun 2017. الويب. 21 Dec 2024.