تاريخ عيد جميع القديسين (الهالوين)

مقال

Joshua J. Mark
بواسطة ، تمت ترجمته بواسطة Al-Hussain Al-Tahir
نُشر في 21 October 2019
استمع إلى هذه المقالة
X
طباعة المقالة

يُعدُّ الهالوين (عيد جميع القديسين) أحد أقدم التقاليد في العالم إذ أنه يمس عنصرًا جوهريًا من الحالة الإنسانية: العلاقة بين الأحياء والأموات، وقد خلقت كل حضارة معروفة نوعًا من الشعائر والطقوس التي تتمحور حول ما يحدث للناس حين يموتون والمكان الذي يذهبون إليه وكيفية تكريم الأحياء للأموات وطريقة تصرّف الأحياء مع الموتى الذين يبدون غير راغبين بالمضي قدمًا أو غير قادرين على ذلك.

تحتفل بلاد كثيرة حول العالم بعيد القديسين اليوم بطريقة أو بأخرى؛ من عيد الموتى المكسيكي حتى عيد كَنْس المقابر الصيني، أما احتفال الهالوين الحالي المشهور خصوصًا في الولايات المتحدة وكندا فعيد يمتح من التقاليد القديمة رغم أن بعض جوانبه حديثة نسبيًا، ونستطيع تتبع الهالوين الأمريكي/الكندي رجوعًا إلى عيد سامهين الكلتي (السلتي).

Jack-o'-Lanterns
جاك أو لانترنس
macwagen (CC BY-NC-ND)

حاولت الجماعات المسيحية -عبر الزمن- تشويه سمعة الهالوين وشيطنته فرددت الادعاء الخاطىء بأن سام هَين هو إله الموتى السلتي وأن الهالوين كان عيده، ومصدر هذا الخطأ هو المهندس البريطاني تشارلز فالنسي الذي كتب في القرن الثامن عشر عن عيد السامهين رغم فهمه القاصر للثقافة واللغة السلتية، ورُدِّدت أفكاره من بعده منذئذ بلا تمحيص. كانت الكنيسة نفسها -في الواقع- هي التي تبنّت عيد السامهين في الغرب بجعله عيدًا مسيحيًا في القرن التاسع فمهدت الطريق لتحويل هذا التقليد الوثني لأوربا الشمالية إلى عيد عالمي علماني أصبح بمرور الزمن ثاني أكثر أعياد السنة شعبية وربحًا تجاريًا، فلا يتفوق عليه اليوم إلا عيد الميلاد المجيد.

السامهين

ترجع تقاليد عيد جميع القديسين في الغرب إلى عيد السامهين قبل آلاف السنين، ويُلفظ الأخير أحيانًا سو-وِن أو سو-وين أو ساو-وِن، وهو عيد رأس السنة الكلتي ومعنى اسمه «نهاية الصيف» وقد مثّل علامة على نهاية موسم الحصاد وقدوم الشتاء.

آمن الكلتيون بأن الحجاب بين عالمي الموتى والأحياء يصبح في أرقّ صوره في هذا الوقت من السنة، ولذلك يستطيع الأموات فيه العودة إلى عالمنا والسير في الطرق التي ساروا عليها سابقًا قبل وفاتهم، إضافة إلى قدرة أولئك الذين ماتوا في السنة الفائتة والذين لم يستطيعوا -لسبب ما- إكمال رحلتهم والمضي قدمًا إلى العالم الآخر، قدرتهم على فعل ذلك في هذا الوقت واستطاعتهم التواصل مع الأحياء.

تضمّن احتفال السامهين تكديس المؤن تحسبًا لقدوم الشتاء، وذبح المواشي والتخلص من عظامها في «نيران العِظام»

لا يُعرف سوى القليل عن الطقوس التي مورست في السامهين القديم لأن الكنيسة جعلته عيدًا مسيحيًا -إلى جانب العديد من الأعياد الوثنية الأخرى- فلم تصلنا معلومات عن العيد القديم إلا مما كتبه الكهنة الإيرلنديون الذين سجّلوا تاريخ شعبهم قبل إيمانه بالمسيحية، ومما سجّله الكَتَبة المسيحيون الذين هاجموا الشعائر الوثنية. يبدو أن الاحتفال القديم كان يتضمّن تخزين المؤن استعدادًا للشتاء، وذبح المواشي والتخلّص من عظامها في نيران العظام التي أصبحت تُعرف بمرور الوقت بكلمة واحدة هي المشعلة أو «بونفايرز» التي تدمج كلمتي «بون» (عَظْم) و«فايرز» (نيران)، وشهد السامهين أيضًا تجمعات للأُسرِ تأكل وتشرب احتفالًا وتعي -في نفس الوقت- احتمالية قدوم زوار من عالَمٍ آخر لحضور الحفلة بسبب رِقّة الحاجز بين عالمي الأحياء والأموات.

توقّع الناس حضور أحبابهم الموتى ورحّبوا بذلك، ومارسوا تجهيز الطعام المفضّل لديهم منذ ألفي عام (في غالب الظن)، لكن كثيرًا من الأرواح الأخرى -ومنها ما لم يتخذ هيئة بشرية من قبل- كان بإمكانها القدوم أيضًا؛ فالجان -ذكورًا وإناثًا- والعفاريت والطاقات المظلمة كان بإمكانها زيارة عالم الأحياء مثلها مثل الذين تاق الأحياء لرؤيتهم مرة أخيرة.

لم يقتصر الأمر على ذلك، فقد كانت هناك فرصة طيبة لظهور روح مَن أوذي في حياته أيضًا. ولكي تُخدع الأرواح سوّد الناس وجوههم بالرماد الناتج عن نيران العظام وعُرفت هذه الممارسة لاحقًا باسم اللبس، أي ارتداء مظهر كاذب، ثم تطورت إلى ارتداء الأقنعة، وكان بإمكان الحيّ تعرّف روح أحد أحبابه فيستطيع الكشف لها عن نفسه حينها فإن لَم يرَها فتنكره يحميه من انتباه القوى المظلمة.

عشية كل الأقداس

لا يُعرف كم من الوقت انقضى منذ اشتمل طقس السامهين على هذه الشعائر لكن صيغة منها وجدت منذ دخول المسيحية إلى إيرلندا (القرن الخامس الميلادي) على الأرجح، وكان تل تلاتشتغا (تل الحامي) في مقاطعة ميث موقعًا لإيقاد نيران العظام في 31 تشرين الأول (أو قريبًا من هذا التاريخ) في إشارة إلى بدء احتفالات السامهين، وكان يتلوه إيقاد النار الأبرز في موقع تل تارا النيولوثي (العصر الحجري الحديث) المقابل له. أرجع أركيولوجيون من جامعة دبلن تاريخ مكتشفاتهم في الموقع إلى سنة 200 م لكن تجب مُلاحظة أن ما وجِد هو أحدث الإنشاءات فحسب إذ أن الموقع استُعمل لإيقاد النيران الشعائرية منذ ما ينيف على ألفي عام.

أُطلِق على التل اسم الدرويدية تلاتشتغا وهي ابنة الشخصية الأسطورية مغ رويث الذي جال العالم ليتعلم مهنته، وقد اغتصبها أبناء سيمون ماغوس الثلاثة الذي اشتهر بمواجهته القديس بطرس الموصوفة في الإنجيل (أعمال الرسل 8:9-24) فأنجبت توائم ثلاثة على تل يحمل اسمها قبل موتها هناك. إن احتواء قصة تلاتشتغا على شخصية شريرة من الكتاب المقدّس يُرجع الأسطورة بوضوح إلى العصور المسيحية ويجعلها معاصرة للقديس بطرس إذ إنهما واجها عدوًا واحدًا، ويعتقد الباحثون أن قصة تلاتشتغا -مثل كثير من أساطير السلت- أُلبست الثوب المسيحي بعد قدوم القديس باتريك إلى إيرلندا وأن حكاية اغتصابها على يد أبناء سيمون ماغوس هي إضافة لاحقة على قصة موجودة أصلًا.

Stone of Destiny, Hill of Tara
ستون أوف ديستني، هيل أوف تارا
Germán Póo-Caamaño (CC BY)

تنصير الرموز الوثنية والمعابد والأساطير والأيقونات الدينية أمر ثابت وينطبق على احتفال السامهين كما ينطبق على العديد من الاحتفالات الأخرى، فقد قرر البابا بونيفاس الرابع جعل الثالث عشر من أيار عيدًا لجميع القديسين (يوم كل الأقداس) يُحتفل فيه بكل القديسين الذين لم يُخصص يوم معين للاحتفال بهم، فعل ذلك في القرن السابع الميلادي إبان تكريسه المعبد الوثني العظيم: البانثيون الروماني، للقديسة مريم والشهداء المسيحيين، لكن في القرن الثامن الميلادي غيّر البابا غريغوري الثالث تاريخ الاحتفال إلى الأول من تشرين الثاني ولسنا متأكدين -حتى اليوم- من سبب تبديل التاريخ، إذ يرى بعض الباحثين أن الأمر مقصود لغرض تنصير عيد السامهين بتحويله إلى عشية كل الأقداس، ويُرجح أن يكون هذا هو السبب الحقيقي إذ أن هذا التبديل اتَّبع نموذجًا مسيحيًا مؤسَّسًا لـ«تعويض» كل الأشياء الوثنية لتسهيل عملية تحوّل السكان الوثنيين إلى المسيحية.

قبل إضفاء الصبغة المسيحية عليه، كان 13 أيَّار هو آخر يوم في الاحتفال الروماني بعيد ليموريا الذي شمل أيام 9 و11 و13 أيّار، وكان مخصصًا لاسترضاء الموتى الغاضبين أو الساخطين، وقد تطور العيد من احتفالين أُقيما في وقت مبكر من السنة: بارنتاليا الذي يكرّم فيه الأبناء أرواح أسلافهم (13-21 شباط)، وفيراليا الذي تُكرّم فيه أرواح الأحباب (21 شباط). كان يتوجب على الأحياء، في احتفال فيراليا، أن يتذكروا الأموات ويزوروا قبورهم تراكين لهم هدايا من الحبوب والملح والخبز المنقوع بالنبيذ إضافة إلى الأكاليل المصحوبة ببتلات البنفسج.

تأثيرات أخرى على تطور الهالوين

مثلما كان الأمر مع أعياد البارنتاليا والفيراليا والليموريا وأعياد أخرى، كذلك هو مع السامهين الذي كان مرتبطًا بكل أولئك الذين غادروا عالمنا من قبل وبالأرض وبتغيّر السنة، ووِسَم هذا التحوّل بالاحتفال والنشاطات الجماعية، فلما تنصَّر العيد وأصبح عشية كل الأقداس صار ليلة للسهر والصلاة والصيام استعدادًا لليوم التالي حين يُكرم القديسون في احتفال هادىء وديع.

على أي حال، لم تَمُتْ الطرق القديمة واستمر إيقاد النيران لكن لتكريم الأبطال المسيحيين هذه المرة، وكان انقلاب الفصول ما يزال مرصودًا لكن لأجل مجد المسيح هذه المرة. تغيب عن علمنا طقوس كثيرة صاحبت التجسد الجديد لهذا العيد لكن بحلول القرن 16 م أصبح طقس «الترويح» أساسيًا؛ وفيه يتجول فقراء البلدة أو المدينة يطرقون أبواب البيوت ويطلبون كعكة الروح في مقابل تقديم صلواتهم.

يُعتقد أن بداية هذه الممارسة كانت استجابة للإيمان بالمطهر (حاجز بين الجنة والنار) حيث تبقى الروح في ألمٍ وعذاب ما لم تنتشلها صلاة أو يرفعها -في الغالب- مالٌ يُقدّمُ إلى الكنيسة، وبعد الإصلاح البروتستانتي استمر طقس الترويح في بريطانيا مع تحوير بسيط؛ إذ عرض الفقراء وصغار السن البروتستانت صلاتهم ودعاءهم لسكان المنزل وأحبابِهم بدلًا من أولئك العالقين في المطهر بينما استمر الكاثوليك سائرين على التقليد القديم.

Bonfire on Guy Fawkes Day
بون فاير في يوم جاي فوكس
gardooney (CC BY-NC-ND)

أضاف يوم غاي فوكس في القرن 17 الميلادي عنصرًا آخر لتطور الهالوين، ففي 5 تشرين الثاني 1605 م سعت مجموعة من المنشقين الكاثوليك إلى اغتيال الملك البريطاني البروتستانتي جيمس الأول في محاولة عُرفت باسم مؤامرة البارود، لكن المحاولة فشلت وأُلقي القبض على غاي فوكس -وهو أحد أعضاء المجموعة- ومعه المتفجرات تحت مجلس اللوردات وقد التصق اسمه بالمؤامرة رغم أنه لم يكن الوحيد الضالع فيها.

احتفل بروتستانت بريطانيا بيوم غاي فوكس باعتباره نصرًا على «البابَوية» وأصبح يوم 5 تشرين الثاني مناسبة لإلقاء المواعظ المعادية للكاثوليكية ولتخريب منازل الكاثوليك وأعمالهم مع أن الحكومة ادِّعت -رسميًا- أنه كان احتفالًا بالعناية الإلهية التي أنقذت الملك. أوقدت النيران في الليلة التي تسبق يوم غاي فوكس وعُلِّقت على المشانق أشكال مكروهة (هي دمى ترمز إلى البابا عادةً) بينما شرب الناس وأكلوا وأطلقوا الألعاب النارية مستمتعين بالاحتفال، وكان الأطفال والفقراء ينتقلون من منزل إلى آخر يرتدون الأقنعة -عادةً- ويدفعون عربات يد في كل منها دمية تمثل غاي فوكس يستجدون المال أو الحلويات.

القدوم إلى أمريكا الشمالية

أخذ البريطانيون معهم هذه التقاليد حين ذهبوا إلى أمريكا الشمالية، فقد احتفل البيوريتان المتشددون -في نيو إنجلاند- بيوم غاي فوكس في الخامس من تشرين الثاني وهم الذين رفضوا الاحتفال بأية عطلة مرتبطة بمعتقد وثني ولو من بعيد كعيد الميلاد المجيد وعيد الفصح، احتفلوا بيوم غاي فوكس متذكرين تفوقهم الأخلاقي المفترض مقارنةً بالكاثوليك، وقد استمر الاحتفال بهذا العيد حتى اشتعال نيران الثورة الأمريكية في 1775-1783 م.

وصلت طقوس السامهين إلى الولايات المتحدة بعد أقل من قرن واحدٍ مع هجرة الإيرلنديين في 1845-1849 في أثناء مجاعة البطاطس، وقد استمر الإيرلنديون -وهم بمعظمهم كاثوليك- بالاحتفال بعشية كل الأقداس ويوم جميع القديسين ويوم كل الأرواح مع ممارستهم لطقس الترويح، لكن كانت هذه الأعياد الآن ممتزجة بالتقاليد الشعبية كفانوس جاك.

تطورات أخرى

يرتبط فانوس جاك بالقصة التراثية الإيرلندية عن جاك البخيل الذي كان محتالًا وسكّيرًا ذكيًا خدع الشيطان لكي يمنعه الأخير من دخول الجحيم لكن حياته المليئة بالآثام منعته من دخول الجنة، وبعد موته جاب العالَم حاملًا فانوسًا صغيرًا مصنوعًا من اللفت (الشلغم) يحتوي على قبسة نار حمراء مصدرها الجحيم ليضيء طريقه، ويعتقد الباحثون أن مشاهدات السراب وغازات السبخات والمستنقعات المتوهجة في الليل كانت أصل هذه الأسطورة. في عشية كل الأقداس قعَّر الإيرلنديون نباتات اللفت ونحتوا عليها وجوهًا، ووضعوا في داخل كل منها شمعة، لكي يكونوا محميين من الأرواح -كروح جاك البخيل- إذا مارسوا طقس الترويح ليلًا حين كان الحجاب بين الموت والحياة في أرق حالاته.

Turnip Lantern
فانوس اللفت
Culture Vannin (Public Domain)

كانت أسس الهالوين الآن قد وضِعت بتنقل الناس من منزل إلى آخر يسألون عن الحلويات في هيئة كعكة الروح ويحملون فانوس جاك، وبعد وصول الإيرلنديين إلى الولايات المتحدة سرعان ما استبدلوا باللفت القرع (اليقطين) فصنعوا فانوسهم من الأخير لسهولة نحته. لم يعُد يُحتفل بعيد غاي فوكس في أمريكا لكن احتفظت الأعياد الكاثوليكية التي يصادف تاريخها شهر تشرين الأول ببعض جوانبه، خصوصًا التخريب الذي أصبح عشوائيًا الآن؛ فكل بيت أو مقر عمل صار معرضًا للتخريب في يوم 31 تشرين الأول أو نحو ذلك.

في قرية هياواثا بكنساس في الصبيحة التي تلت هالوين عام 1912 فاض الكيل بامرأة تُدعى إليزابيث كريبس بسبب تخريب حديقة منزلها بل بلدتها كلها مرة في السنة على يد الأطفال «الغزاة» اللابسين الأقنعة، فلجأت -باستعمال مواردها الخاصة أولًا- إلى تنظيم حفلة سنة 1913 لليافعين علّها تنهكهم فلا تبقى عندهم طاقة للتخريب، لكن تبيّن أنها قللت من قدر عزيمتهم وإصرارهم إذ خُرِّبت البلدة في تلك السنة - كالمعتاد.

أتت سنة 1914 فأشركت إليزابيث البلدة كلها وجلبت فرقة موسيقية وأجرت مسابقة تنكرية ونظّمت موكبًا استعراضيًا، وقد نجحت خطتها هذه المرة؛ إذ استمتع الناس -من كل الأعمار- باحتفال هالوين ممتع لا مُخرِّب، وذاعت أخبار نجاحها فعبرت حدود كنساس إلى مدن وبلدات أخرى فقُلِّد فعلًها وانتشرت حفلات الهالوين التي تضمنت المسابقات التنكرية والاستعراضات والموسيقى والطعام والرقص والحلويات ورافقت كل ذلك زينات مخيفة احتوت على أشكال الأشباح والغيلان.

تقليد الهالوين المعروف اليوم يرجع إلى خمسينيات القرن العشرين وقد زادت شعبيته بثبات في البلدان الأخرى

تُدعى إليزابيث كريبس أحيانًا بأم الهالوين الحديث، لكنها لم تؤسس لممارسة الذهاب من باب إلى آخر طلبًا للحلويات إذ يعود هذا التقليد إلى قرون قليلة ماضية، ولا جدال في تأثير رؤية السيدة كريبس الكبير على طريقة احتفال الأمريكان بالهالوين، وقد استمرت حفلة هالوين هياواثا (كنساس) تُقام كما هي سنويًا جنبًا إلى جنب مع العديد من الاحتفالات الأخرى التي ألهمتها.

على أي حال، لم تنتشر فكرة الحفلة بدلًا من التخريب في جميع أنحاء أمريكا، ففي عشرينيات القرن العشرين أمست «ليلة الإيذاء» مشكلة جديّة ليس في أمريكا فحسب بل في كندا أيضًا، ولا يُعرف بالضبط كيف تحولت ممارسة تدمير ممتلكات الناس في 31 تشرين الأول إلى ممارسة أخرى هي الذهاب من بيت إلى آخر لطلب الحلوى في مقابل ترك البيت بلا إيذاء، لكننا نعلم أن التحول كان قد تم في كندا بحلول 1927 حين عرضت مقالةٌ صحفية من بلاكي (ألبيرتا، كندا) قصةَ عن أطفال يقرعون أبواب المنازل بالتتابع ويستعملون العبارة «خدعة أم حلوى»، وكان هذا أول ظهور للعبارة في الطباعة، وقد أُعطي الأطفال الحلوى فتركوا أصحاب المنازل في سلام.

استمر هذا التقليد في أمريكا الشمالية خلال ثلاثينيات القرن العشرين ثم أوقفته ظروف الحرب العالمية الثانية مؤقتًا إذ عانت صناعة الحلوى بسبب حصص السكر المقننة، قبل أن يعود إلى الظهور مع نهاية الأربعينيات، أما التقليد المعروف اليوم فيعود إلى خمسينيات القرن الماضي وقد نال شعبية متزايدة في الدول الأخرى بنفس النموذج الأساسي. لا يرتبط الهالوين اليوم بدِينٍ معين أو بتقليدٍ خاص ويُنظرُ إليه عمومًا بصفته عيدًا شعبيًا علمانيًا يتمحور أساسًا حول صغار السن ويُساهم بشدّة في الأعمال المتعلقة بتوفير الحلوى أو الأزياء مثلما يُساعد الصناعة الترفيهية التي تُطلق الأفلام وبرامج التلفاز الخاصة والكتب التي تركّز على المواضيع الماورائية.

الفكرة المركزية

يحتفل اليوم العديد من الوثنيين الجدد ومعتنقي ديانة الويكا بالعيد بطريقة قريبة -قدر المستطاع- من الطريقة العتيقة. كانت فكرة السامهين المركزية هي التحوّل؛ إذ تتحول السنة من الأيام المضيئة إلى الأيام المظلمة، ويتنكر الناس ليظهروا بمظهر الكينونات الأخرى، وقد تظهر الكينونات الأخرى نفسها بمظهر البشر، وتُذبح الحيوانات فتصبح طعامًا وتحوَّلُ الحبوب والفواكه والخضروات لتُخزن استعدادًا للشتاء، وتُحرق العظام والأخشاب في النيران فتمسي دخانًا.

ما تزال فكرة التحوّل مركزية في احتفال الهالوين؛ إذ يُغيّر القناع والملابس التنكرية من يرتديهم فينقله من شخصيته المعروف بها في حياته اليومية إلى شخصية مُختلفة، ففي ليلة واحدة يتحوّل المرء إلى يقطينة عملاقة أو زومبي أو شخصية دارث فيدر (مِن حرب النجوم)، إضافة إلى ذلك تقترح الملابس التنكرية الأكثر شعبية -كمصاص الدماء والمذءوب والشبح- فكرة التحوّل مجددًا إذ ليس المذءوب سوى إنسان متحوِّلٍ إلى حيوان، ولمصاص الدماء القدرة على الاختفاء في الدخان أو التحوّل إلى خفاش، أما الأشباح فقد كانت أشخاصًا فيما سبق.

كانت الإلهة موريغان -في إيرلندا ما قبل المسيحية- هي الأكثر ارتباطًا بالسامهين، وهي عندهم إلهة الحرب والقدر التي قادت شعبها «توتا دي دانان» إلى الحرية في معركة ضد «الفورموريون»، وموريغان -في كل قصة من قصصها- شخصية تحويلية؛ وقد حوّلت قدر شعبها، في قصة من الملحمة الإيرلندية «كاث مايج تويرد»، فجعلت أبناءه أسيادًا لأنفسهم بدلًا من كونهم عبيدًا لغيرهم.

عادةً ما كان التحوّل مخيفًا لكنه قد يكون مُلهِمًا أيضًا، فشخصية المذءوب (المستذئب) لم تتطور إلا استجابةً للخوف من هجمات الحيوانات، وربما تطورت فكرة مصاص الدماء استجابةً للخوف من الموتى الغاضبين العائدين لتعذيب الأحياء، وفي هاتين الحالتين -كما في كثير غيرهما- كان بمقدور الإنسان أن يقتل الوحش لذا كانت الأساطير حولهما تمكّن الناس من إدراك قوتهم الخاصة لمجابهة الظروف الخطيرة.

ترمز أقنعة الهالوين وتقاليده الحالية إلى نفس الفكرة وتتعرض للجوانب الأكثر أساسية من الحالة الإنسانية ومن احتفال السامهين العتيق؛ فتمثّل الأزياء التنكرية المخاوف والآمال بنفس الطريقة التي مثّلها ارتداء القدماء للأقنعة قبل قرون طويلة ليردعوا الأرواح والتجارب غير المرغوب فيها في الوقت الذي يترقبون فيه لقاء الأحبة المُفرِح.

تمثّل العديد من الملابس التنكرية الخوف العالمي من الموت والمجهول، ولليلة واحدة يقهر المرء هذه المخاوف إذ يُصبح هو نفسه ما يخاف منه عادةً وبتحوّله يُحيّدُ هذا الخوف، فالهالوين -في أساسه- يمكن أن يكون نصرًا للأمل على الرعب، وهذه -على الأرجح- هي الفكرة وراء احتفال الكلت القدماء بعيد السامهين قبل آلاف السنين.

نبذة عن المترجم

Al-Hussain Al-Tahir
كاتب: من بلاد الرافدين: مساهمة العراق في الحضارة العالمية. نشر عددًا من المقالات حول التاريخ القديم على موقع «الحوار المتمدن».

نبذة عن الكاتب

Joshua J. Mark
كاتب مستقل وأستاذ سابق بدوام جزئي في الفلسفة في كلية ماريست، نيويورك، عاش جوشوا ج. مارك في اليونان وألمانيا وسافر إلى مصر. قام بتدريس التاريخ والكتابة والأدب والفلسفة على المستوى الجامعي.

استشهد بهذا العمل

نمط APA

Mark, J. J. (2019, October 21). تاريخ عيد جميع القديسين (الهالوين) [History of Halloween]. (A. Al-Tahir, المترجم). World History Encyclopedia. تم استرجاعها من https://www.worldhistory.org/trans/ar/2-1456/

أسلوب شيكاغو

Mark, Joshua J.. "تاريخ عيد جميع القديسين (الهالوين)." تمت ترجمته بواسطة Al-Hussain Al-Tahir. World History Encyclopedia. آخر تعديل October 21, 2019. https://www.worldhistory.org/trans/ar/2-1456/.

أسلوب إم إل إيه

Mark, Joshua J.. "تاريخ عيد جميع القديسين (الهالوين)." تمت ترجمته بواسطة Al-Hussain Al-Tahir. World History Encyclopedia. World History Encyclopedia, 21 Oct 2019. الويب. 18 Nov 2024.