تنبع الركائز الأساسية للمسيحية من قصة محاكمة وصلب وموت يسوع المسيح. تغطي القصة الفترة من دخول يسوع الناصري وأتباعه إلى أورشليم في عيد الفصح إلى صباح يوم الأحد عندما أعلن أتباعه فيه أنه قام من بين الأموات.
تُعرف هذه القصة في اللاهوت والليتورجيا المسيحية، باسم "رواية الآلام"، ذلك المصطلح مأخوذ من المصطلح اللاتيني “pasio”، أي "التألم". تغطي القصة أسبوع الآلام، من أحد الشعانين إلى أحد الفصح، حيث يعيد الآلاف من الحجاج المسيحيين في كل عام خلال هذا الأسبوع، تمثيل الأحداث عن طريق تتبع خُطي يسوع حرفيًا على طول شارع في القدس يُعرف باسم "طريق الآلام". يُعرف كل مكان يربطه التقليد بحدث معين بدرب من دروب الصليب. يبدأ الطريق في الموقع الذي أدان فيه بيلاطس يسوع وينتهي عند كنيسة القيامة (الموقع الذي يزعم الكاثوليك والعديد من الطوائف الأرثوذكسية الشرقية أنه يضم قبر يسوع). غلبت على فن عصر النهضة (وما بعده) صور مشاهد آلام المسيح تلك.
روايات الإنجيل
كل التفاصيل المتعلقة بأحداث الأيام الأخيرة ليسوع نجدها في أناجيل العهد الجديد القانونية: (مرقس، ومتى، ولوقا، ويوحنا). بدءًا من مرقس (أول إنجيل مكتوب حوالي عام 70م)، ثم تتكرر القصة في إنجيلَي (متى ولوقا)، أما إنجيل (يوحنا) فله بنية مختلفة ولكنه يحتوي أيضًا على القصة الأساسية. يوجد اتفاق بين الاناجيل في بعض التفاصيل، بينما يوجد اختلافات في البعض الآخر، علاوة على إضافات على قصة مرقس.
وصفت الأناجيل خدمة يسوع (ومعظمها في منطقة الجليل)، بالتبشير بــ "ملكوت الله" الذي كان في متناول اليد (تدخل الله النهائي في "الأيام الأخيرة"، كما هو موجود في أسفار الأنبياء). أجرى يسوع خلال وعظه، معجزات وطرد للأرواح (طرد الشياطين)، ثم تروي الأناجيل أنه وتلاميذه ذهبوا إلى أورشليم للاحتفال بعيد الفصح.
التسلسل الزمني "للآلام"
أحد الشعانين (أحد السعف)
كان عيد الفصح احتفالًا سنويًا بذكري تحرير اليهود من العبودية في مصر وفقَا للمعتقد اليهودي، وكان الآلاف من الحجاج اليهود يحتشدون في المدينة في هذا العيد كل عام. كان يسوع وتلاميذه يقيمون مع أصدقائهم في قرية "بَيْتِ عَنْيَا" الواقعة على الجانب الشرقي من جبل الزيتون، عندما أخبر يسوع تلاميذه أين يجدوا له حمارًا، ليدخل أورشليم من هذا الطريق. قابل الجمهور دخولهم بالابتهاج والتبجيل، وكسروا أغصان النخيل (السعف) للتلويح بها وهذا ما يعطي هذا اليوم اسمه. يرحب الحشد بيسوع باعتباره "ابن داود" و"ملك اليهود". (تشير كلمة "ابن داود" إلى التقليد القائل بأن الله "سيقيم" شخصًا من سلالة الملك داود ليحكم. كان داود "ممسوحًا" من قبل النبي صموئيل والمصطلح العبري لكلمة "ممسوح" هو "المسيح").
يوصف دخول يسوع إلى المدينة دائمًا في التقليد الثقافي المشترك على أنه "انتصار"، لتشابهه بالطريقة التي دخل بها الملوك (والآن الإمبراطور الروماني) إلى المدينة. تعلن الأناجيل أيضًا أن هذا "تحقيقًا للنبوءة" في إشارة إلى زكريا (9:9) "هُوَذَا مَلِكُكِ يَأْتِي إِلَيْكِ. هُوَ عَادِلٌ وَمَنْصُورٌ وَدِيعٌ، وَرَاكِبٌ عَلَى حِمَارٍ وَعَلَى جَحْشٍ ابْنِ أَتَانٍ". يظهر المسيح وفقًا التقليد، من الشرق، ناحية جبل الزيتون.
لا يمكننا التحقق مما إذا كان هذا قد حدث في يوم الأحد بالتحديد أم لا. كانت الشريعة اليهودية تشترط عدم مشاركة أي شخص في عيد الفصح إذا كان "لمس جثة" خلال العام السابق، وكان هذا يتطلب "رش الماء المقدس" في الهيكل كل بضعة أيام تسبق العيد، لذلك كان الجميع يأتون قبل أسبوع تقريبًا.
حادثة الهيكل
تذكر الأناجيل الثلاثة الأولى أن يسوع ما إن دخل المدينة حتى ذهب إلى مجمع الهيكل وقلب موائد الصيارفة وبائعي الحيوانات قائلًا: "بَيْتِي بَيْتَ الصَّلاَةِ يُدْعَى". (لِجَمِيعِ الأُمَمِ، كما في مرقس) وَأَنْتُمْ جَعَلْتُمُوهُ مَغَارَةَ لُصُوصٍ!" (وضع يوحنا هذا المشهد في وقت سابق في روايته).وفقا للمفهوم العام، الذي اقترحه مرقس لأول مرة، فإن هذا الحدث أدي مباشرة إلى إدانة يسوع بالموت.، "انْقُضُوا هذَا الْهَيْكَلَ، وَفِي ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ أُقِيمُهُ"(يوحنا 2: 19)
تذكر الأناجيل حدثًا غريبًا مفاده أن يسوع عاد إلى الهيكل في الأيام القليلة التالية وأكمل تعاليمه هناك. هذه في الواقع، أداة سردية تقتضيها الحبكة؛ فالكتّاب يملؤون الوقت حتى الليلة الأولى من عيد الفصح.
خميس العهد
يحتفل يسوع وتلاميذه في الليلة الأولى من عيد الفصح وفقًا للأناجيل الثلاثة الأولى، بوجبة شعائرية تُعرف باسم "عشاء عيد الفصح". يغير يوحنا هذا إلى وجبة عادية في ليلة الأربعاء، لكن لابد أن نعلم أن الحساب اليهودي لليوم يبدأ من غروب الشمس إلى غروبها في اليوم الثاني. كانت تُذبح آلاف الخراف في الهيكل من أجل الوجبة الشعائرية، خلال اليوم السابق لعيد الفصح. ربط يوحنا هذه الذبائح بموت يسوع، "الْخَروُفُ الْمَذْبُوحُ"، ويضيف يوحنا قصة أن يسوع غسل أرجل تلاميذه (رمزًا للخدمة الحقيقية). يعيد رجال الدين غالبًا تمثيل هذه الشعيرة في الكنائس في يوم خميس العهد، علامًة على التواضع.
العشاء الأخير
أصبحت إعادة تناول هذه الوجبة عقيدة جوهرية في العبادة المسيحية (وأحد الأسرار المقدسة في الكنيسة الكاثوليكية والأرثوذكسية)، فخلال تلك الوجبة، تلي يسوع الكلمات الشعائرية "هذَا هُوَ جَسَدِي هذَا هُوَ دَمِي ... اِصْنَعُوا هذَا لِذِكْرِي". نحن نعلم أن هذه الصيغة الشعائرية كانت إعادة تمثيل من بولس، حيث يتلو الصيغة حرفيًا في رسالته الأولي لأهل كورنثوس.
يُشار إلى العشاء الأخير بالتبادل باسم الأفخارِستِيَا (كلمة يونانية تعني "أقول شكرًا") ولاحقًا باسم سِر القُربان المقدس. أبلغ يسوع تلاميذه في هذه الوجبة أن أحدهم سيخونه. سيخبر يهوذا الإسخريوطي السنهدريم سرًا أين يمكنهم العثور على يسوع في تلك الليلة للقبض عليه. بِيعَ يسوع مقابل "ثَلاَثِينَ مِنَ الْفِضَّةِ" وهي إشارة إلى المزمور (41: 9).
آلام المسيح في ضَيْعَةٍ جَثْسَيْمَانِي
يذهب يسوع وتلاميذه، بعد العشاء، إلى سفح جبل الزيتون، المعروف باسم "بستان جثسيماني"، هو ليس بستان بالمعني المعروف، بل معصرة زيتون، حيث طلب يسوع من تلاميذه أن يبقوا مستيقظين ويسهروا معه خلال صلاته (لكنه أضطر إلى إيقاظهم ثلاث مرات في تلك الليلة). تُعرف صلاته إلى الله بـ "الآلام"، إذ يتنبأ فيها بما سيأتي، ويطلب من الله أن يساعده على تجنبه، لكن لا نسمع أي استجابة من الله، فيقبل يسوع مصيره.
القبض علي يسوع
تختلف الأناجيل في تفاصيل من ألقى القبض على يسوع: هل حراس الهيكل؟ أم قادة اليهود؟ أم المساعدون الرومان؟ (هكذا قال يوحنا)، أم حتى الغوغاء فقط؟ يخون يهوذا يسوع بقبلة. حُكم على يهوذا في التقليد المسيحي اللاحق، بالخلود ليشارك الشيطان في وسط الجحيم؛ يمكنا النظر لوصفه في جحيم دانتي. يقاوم التلاميذ محاولة القبض علي يسوع بالسيف ويقطعون أذن إحدى العبيد، لكن يسوع يضمد الجرح ويطلب منهم أن يضعوا سيوفهم جانبًا. يتفرق التلاميذ، وهم الآن في حالة من الذعر، ويتركون يسوع، محققين ما تنبأ بأنهم سيفعلونه.
هناك اختلافات حول المكان الذي أخذوا إليه يسوع: هل الهيكل، أم السنهدريم أم الهيئة الحاكمة (مرقس)، أو بيت رئيس الكهنة (يوحنا). يبقى بطرس في الخارج، وعندما يُتهم بأنه تابع ليسوع، ينكر معرفته به ثلاث مرات، كما توقع يسوع.
المحاكمة (المحاكمات) اليهودية؟
يظهر مرة أخرى، الاختلاف والاضطراب في الأناجيل: هل كانت محاكمة واحدة في الليل، أم محاكمتان في الليل، أم محاكمة واحدة في الليل، أم محاكمة واحدة في الصباح، أم محاكمتان في الصباح؟ يدرج لوقا محاكمة منفصلة أمام هيرودس أنتيباس (في المدينة بمناسبة عيد الفصح) لأن يسوع كان من الناحية العملية ضمن رعيته، أما المحاكمة اليهودية فهي مرتبطة بمزاعم يسوع المزعومة: "انْقُضُوا هذَا الْهَيْكَلَ، وَفِي ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ أُقِيمُهُ"، يدعي مرقس أن هذه المحاكمة كانت غير قانونية لأن الشهود لم يتفقوا.
نصل إلى الخاتمة عندما يجيب يسوع، المتحفظ حتى الآن، على سؤال رئيس الكهنة: "أَأَنْتَ الْمَسِيحُ ابْنُ الْمُبَارَكِ؟"، يعترف يسوع بأنه كذلك وأنه هو أيضًا "ابْنَ الإِنْسَانِ" الذي سيأتي ممجدًا عندما يتأسس ملكوت الله ليدين البشرية جمعاء. يعلن رئيس الكهنة بعلامات التفجُّع، أن هذا تجديف ويحكم عليه بالموت.
المحاكمة أمام بيلاطس البنطي
يُرسل يسوع إلى بيلاطس البنطي، المدعي الروماني في اليهودية، بدعوى أن السنهدريم لا يستطيع تنفيذ عقوبة الإعدام بموجب قانون المقاطعة الرومانية، اتُّهِمَ يسوعُ في إنجيل لوقا، بأنه أمر اليهود بعدم دفع الضرائب لروما (وهو أمر خاطئ بشكل واضح وفقًا لرواية لوقا)، أما في إنجيل يوحنا، يُدان يسوع بسبب الحشود المتزايدة بسبب إقامته للعازر - يدّعي رئيس الكهنة في إنجيل يوحنا أن على اليهود أن يتخلصوا من يسوع قبل أن تتدخل روما، فموت رجل واحد أفضل من موت أمة.
يُصوَّر بيلاطس في الأناجيل الأربعة، على أنه متردد في إعدام يسوع، ويحاول أن يتجنب القرار بعرض إطلاق سراح سجين آخر هو بَارَابَاسَ، في محاولة منه لاسترضاء الجموع - (التي أصبحت الآن) مناهضة ليسوع - بتركهم يقررون. صرخ الحشد: "بَارَابَاسَ!"، وحُكم على يسوع بالموت بتهمة التمرد على روما. قال متى (27: 24) إن بيلاطس "غَسَلَ يَدَيْهِ قُدَّامَ الْجَمْعِ" حرفيًا من القضية.
الجمعة العظيمة
يُجلَد يسوع صباح الجمعة في قلعة أنطونيا حيث يهزأ به الجنود بإعطائه إكليل الشوك. ويضعون عليه عارضة صليب (وليس الصليب كُلَّه) ليحملوه إلى ساحة الإعدام الواقعة خارج أسوار المدينة (تل الجُلْجُثَةُ). تذكر الأناجيل أنه أُلصقت لوحة عامة تشير إلى تهمة يسوع تماشيًا مع القانون الروماني، "يَسُوعُ النَّاصِرِيُّ مَلِكُ الْيَهُودِ". كانت هذه هي تهمة الخيانة ضد روما المؤدية دائمًا إلى عقوبة الصُّلْب.
آلام يسوع وموته
يعاني يسوع من عذابات غير محتملة، خاصة في مرقس، الذي يدمج مزامير الرثاء وإشارات إلى مقاطع "العبد المتألم" من إشعياء (التي ترمز إلى الكوارث التي حلت للأمة). صرخ يسوع في مرقس متعذبًا "إِلهِي، إِلهِي، لِمَاذَا تَرَكْتَنِي؟"(34:15)، بينما لوقا هو الإنجيل الوحيد الذي يدّعي أنّ يسوعَ المسيحَ غفر لمعذّبيه من على الصليب، على الجانب الآخر، في إنجيل يوحنا فيسوع (وهو إنسان سابق الوجود من السماء)، لا يتألم، وجاءت كلماته الآخيرة وفقًا ليوحنا (19: 30): "قَدْ أُكْمِلَ" (في إشارة إلى ما جاء إلى الأرض ليفعله).
يدّعي مرقس ومتى ولوقا أن الشهود الوحيدين على الصُّلْب هن أتباع يسوع من النساء اللاتي شاهدنه من بعيد، أما عند يوحنا فالشهود هم "التلميذ المحبوب" ومريم أم يسوع عند أسفل الصليب. يزعم التقليد أن "التلميذ المحبوب" هو يوحنا أخو يعقوب.
مات يسوع في سويعات قليلة، حيث تذكر الأناجيل عند موته، أن قائد المئة الروماني أعلن "حَقًّا كَانَ هذَا ابْنَ اللهِ!" (متى 27:54)، في إنجيل يوحنا حصرًا أن إحدى الجنود أراد أن يتحقق من موت يسوع، فطعن جنبه بحربة، ومع اقتراب غروب الشمس وقرب بَدْء السبت، طالب يُوسُف الرامي بجسد يسوع ووضعه في قبر عائلته، مع أنّ الشعائر الجنائزية لم تكن قد اكتملت بعد.
سبت الفصح
لم تبدأ التكهنات حول ما فعله يسوع (وأين كان) في المدّة الفاصلة بين ليلة الجمعة وصباح الأحد إلا في التقليد المسيحي اللاحق. يتجادل العلماء حول تاريخ مخطوطة مبكرة تُعرف باسم إنجيل بطرس، التي تسرد بعض التفاصيل التي ستصبح فيمَا بعد مدمجة فيمَا يعرف باسم "نزول المسيح إلى الجحيم/ ترويع الجحيم". ("الترويع" هو مصطلح أنجلوسكسوني يعني "الغارة") أصبح سبت عيد الفصح الآن جزءًا من شعائر أسبوع الآلام، حيث يدّعي أن هذا هو الوقت الذي نزل فيه يسوع إلى الجحيم (سطر من قانون الإيمان النيقاوي) يوم السبت، وخلال وجوده هناك، حارب الشيطان من أجل أرواح الموتى الأبرار (الوثنيين المشهورين، بطاركة الكتاب المقدس، إلخ) وأطلق أرواحهم عندما خرج من القبر.
أحد الفصح
تذهب النساء من أتباع يسوع في صباح يوم الأحد، إلى القبر لإنهاء الشعائر الجنائزية، فيجدن الحجر الذي كان يغلق القبر مدحرجًا والقبر فارغًا. يخبرهن ملاك وفقًا لمرقس، أن يخبرن تلاميذه أن يلتقون به في الجليل (لكن النسوة لم يخبرن أحدًا لأنهن كنّ مرعوبات وَفْقاً للنهاية الأصلية لمرقس). يأمر يسوع القائم من بين الأموات وفقًا لإنجيل متى، تلاميذه بالتبشير باسمه. يضيف لوقا ويوحنا عدة ظهورات للقيامة تتضمن مشاهد ليسوع وهو يأكل الطعام لكنه (لم يكن شبحًا).
الصعود
يحوي إنجيل لوقا حصرًا صعود يسوع الجسدي إلى السماء، حيث يستخدم تقليدًا في القرن الأول الميلادي يخص صعود موسى علي سحابة عارجًا إلى السماء من قمة جبل. يوجد الموقع التقليدي لهذا الحدث على قمة جبل الزيتون.
يبقى يسوع رغمًا عن ذلك، ووفقًا لتكملة لوقا لإنجيله، أي سفر أعمال الرسل، على الأرض لمدة 40 يومًا يعلّم التلاميذ عن "الملكوت"، وبعد صعوده في هذه النسخة، انسكبت "روح الله" على التلاميذ، الذين بقوا في أورشليم في العيد التالي، أي عيد العنصرة. يجمع المسيحيون بين هذين الحدثين: حيث يُحتفل بالصعود بعد أربعين يومًا من عيد الفصح، بينما يتم الاحتفال بعيد العنصرة (الذي يُفهم الآن على أنه عيد ميلاد الكنيسة) في الأحد التالي.