ثورة الطباعة في أوروبا في عصر النهضة

5 الأيام المتبقية

استثمر في تعليم التاريخ

من خلال دعم مؤسسة تاريخ العالم الخيرية، فإنك تستثمر في مستقبل تعليم التاريخ. تبرعك يساعدنا على تمكين الجيل القادم بالمعرفة والمهارات التي يحتاجونها لفهم العالم من حولهم. ساعدنا في بدء العام الجديد استعدادًا لنشر معلومات تاريخية أكثر موثوقية مجانًا للجميع.
$3754 / $10000

مقال

Mark Cartwright
بواسطة ، تمت ترجمته بواسطة Malek Kanhoush
نُشر في 02 November 2020
استمع إلى هذه المقالة
X
طباعة المقالة

شكل وصول آلات الطباعة ذات الحروف المعدنية المتحركة إلى أوروبا في خمسينيات القرن 15م حدثًا كان له نتائج ضخمة وطويلة الأمد. يُعترف بالفضل في هذا الابتكار على نطاق واسع إلى رائد الطباعة الألماني يوهان غوتنبرغ (Johannes Gutenberg) (حوالي 1398-1468م) الذي طبع إصدارًا شهيرًا من الكتاب المقدس في عام 1456م. بدءًا بالأعمال الدينية والكتب المدرسية، سرعان ما أصبحت المطابع تنتج جميع أنواع النصوص من منشورات الإصلاح إلى الروايات الرومانسية. ازداد عدد الكتب بشكل كبير وانخفضت تكلفتها، وبذلك ازداد عدد الناس الذين يقرؤون أكثر من أي وقت مضى. وانتقلت الأفكار عبر أوروبا مع نشر العلماء لأعمالهم الخاصة، وتعليقاتهم على النصوص القديمة، ونقدهم لبعضهم البعض. وقد اعترضت السلطات مثل الكنيسة الكاثوليكية على بعض الكتب وفرضت الرقابة عليها أو حتى أحرقتها، لكن موقف الجمهور من الكتب والقراءة حينها كان قد تغير بالفعل إلى الأبد.

16th Century CE Flemish Book Printer
مطبعة كتب فلمنكية من القرن16م
The British Museum (CC BY-NC-SA)

وكان تأثير الطباعة في أوروبا يشمل:

  • الزيادة الهائلة في حجم الكتب المنتجة مقارنة بالأعمال المنسوخة يدوياً.
  • الزيادة في إمكانية الحصول على الكتب من حيث التوافر المادي والتكلفة المنخفضة.
  • النشر للمزيد من المؤلفين، بما في ذلك الكُتاب غير المعروفين.
  • أصبح بإمكان المؤلف الناجح كسب لقمة العيش فقط من خلال الكتابة.
  • الزيادة في الاستخدام والتوحيد القياسي للغة العامية بدلًا من اللاتينية في الكتب.
  • الزيادة في معدلات معرفة القراءة والكتابة.
  • الانتشار السريع للأفكار المتعلقة بالدين والتاريخ والعلم والشعر والفن والحياة اليومية.
  • الزيادة في دقة النصوص الكنسية القديمة.
  • أصبحت الحركات الآن أسهل تنظيمًا من قبل القادة الذين لم يكن لديهم أي اتصال مادي بأتباعهم.
  • إنشاء المكتبات العامة.
  • الرقابة على الكتب من قبل السلطات المعنية.

يوهان غوتنبرغ

ينسب اختراع المطبعة المتحركة المعدنية عادةً إلى رائد الطباعة الألماني يوهان غوتنبرغ. ومع ذلك هناك ادعاءات أخرى بهذا الحق، لا سيما رائد الطباعة الهولندي لورانس جانزون كوستر (Laurens Janszoon Coster) (حوالي 1370 - 1440م)، إضافة إلى رائدي طباعة ألمانيين مبكرين آخرين هما يوهان فوست (Johann Fust) (حوالي 1400 - 1465م) وصهره بيتر شوفر (Peter Schöffer) (حوالي 1425 - 1502م). وهناك أيضًا أدلة على أن المطابع المعدنية المتحركة كانت اختُرعت بالفعل في كوريا في عام 1234م في مملكة غوريو (Goryeo Kingdom) (918 - 1392م). كما طبع العلماء البوذيون الصينيون الأعمال الدينية باستخدام مكابس الحروف المتحركة؛ واستخدمت أقدمها قوالبًا خشبية خلال عهد أسرة سونغ (Song) (960 - 1279م). وما زال الجدل قائمًا بين العلماء حول ما إذا كانت فكرة مكابس الحروف المتحركة قد انتشرت عبر التجار والمسافرين من آسيا إلى أوروبا أو إذا كان اختراع غوتنبرغ عفوياً. وفي كل الأحوال، وكما هي الحال مع معظم التقنيات في التاريخ، فمن المرجح أن يكون الاختراع قد نشأ من تراكم العناصر والأفكار والضرورات التي شملت أفرادًا متعددين عبر الزمان والمكان.

كان هناك بالفعل طلب كبير على الكتب من رجال الدين والعديد من الجامعات والمدارس الثانوية الجديدة.

بدأ غوتنبرغ تجاربه في الطباعة في وقت ما في أربعينيات القرن 15م، وتمكن من إنشاء شركته للطباعة في ماينز (Mainz) عام 1450م. استخدمت مطبعة غوتنبرغ أحرفًا مكتوبة بالخط القوطي. حيث صُنع كل حرف على كتلة معدنية عن طريق نقشه في قاعدة قالب نحاسي ثم ملء القالب بمعدن منصهر. ورُتبت الكتل الفردية في إطار لإنشاء نص ثم غُطيت بحبر لزج. بعد ذلك، ضُغطت صفحة من الورق، كانت مصنوعة في ذلك الوقت من الكتان القديم والخرق، على الكتل المعدنية. نجاح غوتنبرغ في جمع كل هذه العناصر معًا يُشار إليه بإصداره المطبوع للكتاب المقدس اللاتيني عام 1456م.

سرعان ما ظهر النوع الجديد من المطابع في أماكن أخرى، ولا سيما مع اثنين من الألمان هما أرنولد بانارتز (Arnold Pannartz) (ت. 1476م) وكونراد سوينهايم (Conrad Sweynheym) (المعروف أيضًا باسم شفاينهايم Schweinheim، ت. 1477م). أسس هذا الثنائي مطبعتهما عام 1465م في دير البينديكتين في سوبياكو (Subiaco) وكانت أول مطبعة من هذا النوع في إيطاليا. نقل بانارتز وسوينهايم عملياتهما إلى روما عام 1467م ثم عام 1469م إلى البندقية التي كانت لديها بالفعل خبرة طويلة في طباعة أشياء مثل ورق اللعب. كانت لا تزال هناك بعض المشاكل مثل الافتقار إلى الجودة مقارنة بالكتب المصنوعة يدويًا، والتقديم الباهت مقارنةً بالمخطوطات المزينة بالألوان بشكل جميل. وكانت هناك أيضًا أخطاء في بعض الأحيان ظهرت في الإصدارات المطبوعة المبكرة وكانت هذه الأخطاءغالبًا ما تتكرر في الإصدارات اللاحقة. ومع ذلك فقد بدأت بالفعل الثورة في كيفية ونوعية ما يقرؤه الناس.

The Book of the Three Virtues
كتاب الفضائل الثلاث
Drmies (Public Domain)

المادة المطبوعة

كان هناك بالفعل طلب كبير على الكتب من رجال الدين والعديد من الجامعات والمدارس اللغوية التي ظهرت في مختلف أنحاء أوروبا في أواخر العصور الوسطى. والواقع أن صناع الكتب التقليديين كافحوا لتلبية الطلب في النصف الأول من القرن 15م، حيث كانت الجودة غالبًا ما تتأثر. وكان هذا الطلب على المواد الدينية على وجه الخصوص أحد القوى الدافعة الرئيسية وراء اختراع المطبعة. إذ كان العلماء قادرين على الوصول إلى المخطوطات في المكتبات الخاصة ومكتبات الأديرة، ولكن حتى هؤلاء العلماء كانوا يكافحون للعثور على نسخ من العديد من النصوص، وفي كثير من الأحيان كان عليهم السفر لمسافات بعيدة للوصول إليها. نتيجة لهذا كانت الأعمال الدينية والكتب المدرسية تهيمن على المطابع طوال القرن 15م. ولكن من المهم أن نتذكر أن إنتاج الكتب المصنوعة يدوياً استمر لفترة طويلة بعد وصول المطبعة، وكما هي الحال مع العديد من التقنيات الجديدة، كان لا يزال هناك أشخاص مقتنعون بأن الكتاب المطبوع الرديء لن يلقى رواجاً كبيراً.

بفضل الطباعة ازداد توافر الأشياء التي يمكن للناس قراءتها بشكل كبير. في السابق كانت فرصة قراءة أي شيء على الإطلاق محدودة نوعًا ما. وكان لدى الناس العاديين غالبًا ما يزيد قليلاً عن لوحات إعلانات الكنيسة لقراءتها. قدمت المطبعة كل أنواع الإمكانيات الجديدة والمثيرة مثل الكتيبات الإرشادية، وأدلة السفر، ومجموعات القصائد، والروايات الرومانسية، وتاريخ الفن والعمارة، ووصفات الطبخ والأدوية، والخرائط، والملصقات، والرسوم المتحركة، والنوتات الموسيقية. لم تكن الكتب رخيصة بعد كما هي اليوم من حيث السعر مقارنة بالدخل، لكنها كانت حوالي ثُمن سعر الكتاب المصنوع يدويًا. ومع تنوع المواد المطبوعة وبأسعار معقولة، أصبح لدى الأشخاص الذين لم يتمكنوا من القراءة في السابق دافع حقيقي للقراءة، وبالتالي ارتفعت معدلات معرفة القراءة والكتابة. علاوة على ذلك، كانت الكتب المطبوعة في حد ذاتها حافزًا لمعرفة القراءة والكتابة حيث أُنتجت أعمال يمكن استخدامها لتعليم الناس كيفية القراءة والكتابة. في نهاية العصور الوسطى، كان لا يزال 1 من كل 10 أشخاص على الأكثر قادرًا على قراءة النصوص المطولة. ومع ظهور المطبعة، لم يعد هذا الرقم منخفضًا مرة أخرى.

16th century CE Desk with Lute, Globe and Books
مكتب من القرن السادس عشر الميلادي عليه آلة العود وكرة أرضية وكتب
Hans Holbein the Younger (Public Domain)

انتشار المعلومات

سرعان ما تزايدت كمية المواد المطبوعة مع صعود الحركة الإنسانية واهتمامها بإحياء الأدب من اليونان القديمة وروما. واستفاد اثنان من رواد الطباعة على وجه الخصوص من هذا الطلب الجديد: الفرنسي نيكولاس جينسن (Nicholas Jensen) (1420 - 1480م) والإيطالي ألدوس مانوتيوس (Aldus Manutius) (1452 - 1515م). وابتكر جينسن أنواعاً جديدة من الخطوط في مطبعته في البندقية، بما في ذلك الخط الروماني سهل القراءة (littera antiqua/lettera antica) وخط يوناني يقلد نصوص المخطوطات. وطبع جينسن أكثر من 70 كتاباً في سبعينيات القرن 15، بما في ذلك كتاب التاريخ الطبيعي (Natural History) لبلينيوس (Pliny) عام 1472م. وقد أضيفت بعض الرسوم التوضيحية والزخارف يدوياً لاستعادة جودة الكتب القديمة المصنوعة يدوياً بالكامل.

وفي الوقت نفسه، تخصص مانوتيوس، الذي كان يعمل أيضاً في البندقية، في إصدار طبعات جيب أصغر حجماً من النصوص الكلاسيكية والمؤلفين الإنسانيين المعاصرين. وبحلول عام 1515م كانت جميع أعمال الكتاب الكلاسيكيين الكبار متاحة في شكل مطبوع، ومعظمها في إصدارات متعددة والعديد منها في شكل مجموعات من الأعمال الكاملة. إضافةً إلى ذلك أصبح من الممكن الآن التحقق بسهولة من دقة النصوص الكلاسيكية المطبوعة بنسخ متعددة متطابقة في أيدي العلماء في جميع أنحاء أوروبا مقارنةً بالمخطوطات الأصلية. كانت الكتب المصنوعة يدويًا غالبًا ما تُخلّد الأخطاء والإغفالات والإضافات التي ارتكبها النساخ الأفراد على مر القرون، ولكن الآن، وبالتدريج، يمكن تحقيق طبعات نهائية للأعمال الكلاسيكية تكون أقرب ما يمكن إلى الأصل القديم. باختصار، أصبحت الأعمال المطبوعة في آن معًا سببًا وثمرة للدراسات الجماعية الدولية، وهي الظاهرة التي ستجني المكافآت في العديد من المجالات الأخرى من علم الفلك إلى علم الحيوان.

كان هناك أيضًا دافع لطباعة المزيد من الكتب بفضل الإصلاحيين، الذين بدأوا في التشكيك في تفسير الكنيسة الكاثوليكية للكتاب المقدس، وسيطرتها على كيفية تفكير المسيحيين وعبادتهم. أحد أولويات الترجمة إلى اللغات العامية، مثل الألمانية (1466م)، والإيطالية (1471م)، والهولندية (1477م)، والكاتالونية (1478م)، والتشيكية (1488م). كتب الإصلاحيون والمفكرون الإنسانيون تعليقات على المصادر الأولية، وتجادلوا مع بعضهم البعض في المطبوعات، فأنشأوا بالتالي شبكة غير مرئية من المعرفة والدراسات عبر أوروبا. حتى الرسائل المكتوبة بين هؤلاء العلماء تم نشرها. مع اشتعال القضايا الدينية والأكاديمية، زود العلماء المناظرين بالوقود عملية إنتاج المزيد من الأعمال المطبوعة في دورة مستمرة للكلمة المطبوعة. كما كان الناس العاديون مستثارين بالحجج المقدمة في المواد المطبوعة بحيث تمكنت مجموعات من الأفراد المتشابهين في التفكير من نشر أفكارهم بسرعة وتنظيم الحركات الجماهيرية عبر العديد من المدن كما حدث خلال حرب الفلاحين الألمانية عام 1525م.

كانت هناك أيضًا وفرة من الأعمال لغير العلماء. ومع زيادة عدد القراء، تم طباعة المزيد من مجموعات الشعر والروايات والرومانسيات، مما أدى إلى إنشاء اتجاهات أدبية في جميع أنحاء أوروبا. كانت هذه الأعمال العلمانية غالبًا ما تُكتب باللغة العامية وليس باللاتينية التي فضلها العلماء آنذاك. أخيرًا، تضمنت العديد من الكتب عددًا من النقوش الخشبية لتوضيح النص. أصبحت مجموعات المطبوعات الفنية للوحات والمنحوتات واللوحات الجدارية الشهيرة شائعة جدًا وساعدت في نشر الأفكار في الفن عبر البلدان بحيث يمكن لرسام مثل ألبرشت دورر (Albrecht Dürer) (1471-1528 م) في ألمانيا رؤية ما كان رافائيل (Raphael) (1483-1520 م) يفعله في إيطاليا.

صناعة مزدهرة

ونتيجة لكل هذا الطلب، ازدهرت دور الطباعة التي نجت من السنوات الأولى الصعبة. وبدأت المدن في مختلف أنحاء أوروبا تفتخر بمؤسسات الطباعة الخاصة بها. وكانت أماكن مثل البندقية وباريس وروما وفلورنسا وميلانو وبازل وفرانكفورت وفالنسيا تتمتع جميعها بصلات تجارية راسخة (وهي مهمة لاستيراد الورق وتصدير المنتج النهائي) وبالتالي أصبحت أماكن ممتازة لإنتاج المواد المطبوعة. ولا يزال بعض هؤلاء الناشرين موجودين حتى اليوم، ولا سيما شركة جيونتي (Giunti) الإيطالية. وفي كل عام، كانت المدن الكبرى تنتج 2000-3000 كتاب كل عام. وفي العقد الأول من القرن 16م، كان عدد الكتب المطبوعة في أوروبا يُقدر بنحو 2 مليون كتاب، وما يصل إلى 20 مليونًا بحلول عام 1550م، وحوالي 150 مليونًا بحلول عام 1600م. وكان هناك أكثر من نصف مليون عمل للإصلاحي مارتن لوثر (Martin Luther) (1483-1546م) طُبع بين عامي 1516 و1521م وحده. وبحلول القرن 16م، أصبحت المدن الصغيرة تمتلك مطبعة خاصة بها.

Title Page of the Handbook of the Christian Soldier by Erasmus
صفحة العنوان لكتاب دليل الجندي المسيحي لإيراسموس
Fredrik Andersson (Public Domain)

بجانب المؤلفين المعروفين، ساعد العديد من الناشرين المؤلفين الجدد (رجالًا ونساءً) في طباعة أعمالهم بخسارة مالية على أمل أن تجلب لهم إعادة الطباعة المربحة ربحًا في النهاية. كانت الطبعة النموذجية التي تجرى للإصدار الأول حوالي 1000 نسخة على الرغم من أن هذا يعتمد على جودة الكتاب حيث تراوحت الطبعات من طبعات الجيب بالورق الخشن إلى طبعات كبيرة من الرق (جلد العجل) للذواقة. أدى حجم الكتب المطبوعة الأصغر مقارنة بالمجلدات المصنوعة يدويًا إلى تغيير عادات القراءة وتخزين الكتب. حيث لم يعد هناك حاجة لمكتب لمطالعة لكتب الكبيرة، ويمكن للمرء أن يقرأ في أي مكان. وبالمثل، لم يعد يتم حفظ الكتب أفقيًا في الصناديق، بل تُكدس عموديًا على الرفوف. وكانت هناك أيضًا اختراعات غريبة مثل عجلة الكتب التي يمكن عليها الاحتفاظ بعدة كتب مفتوحة ومراجعتها بسهولة في وقت واحد عن طريق تدوير العجلة، مما كان مفيدًا بشكل خاص للباحثين. ومع جمع القراء للكتب وتكوين مجموعات خاصة رائعة، وهب الكثيرون هذه المجموعات إلى مدينتهم عند وفاتهم. وبهذه الطريقة، وبعد مرور خمسين عاماً على اختراع الطباعة، نشأت المكتبات العامة في مختلف أنحاء أوروبا.

تم حرق أسوأ الأعمال التي خضعت للرقابة في العروض العامة، وأشهرها كانت حرق "الأباطيل" عام 1497م.

أصبحت الأعمال المطبوعة شائعة جدًا، مما ساعد بشكل كبير في ترسيخ سمعة وشهرة وثروة بعض الكتاب. ربما يكون العالم الهولندي ديزيدريوس إراسموس (Desiderius Erasmus) (حوالي 1469-1536م) هو أفضل مثال، فهو أحد المؤلفين الأوائل الذين كسبوا عيشهم من خلال كتابة الكتب فقط. ومع ذلك، كانت هناك بعض التهديدات للمؤلفين والطابعين. كانت إحدى أكبر المشكلات هي انتهاك حقوق النشر لأنه كان من المستحيل تقريبًا التحكم في ما يحدث خارج مدينة معينة، حيث تم نسخ العديد من الكتب وإعادة طبعها دون إذن، ولم تكن جودة هذه النسخ المقلدة دائمًا جيدة جدًا.

الرقابة وطباعة الكتب المحظورة

لم تكن جميع هذه التطورات موضع ترحيب الجميع. فقد كانت الكنيسة الكاثوليكية قلقة بشكل خاص من أن بعض الكتب المطبوعة قد تدفع الناس إلى التشكك في رجال الدين المحليين أو حتى الابتعاد عن الكنيسة. إذ كانت بعض هذه الأعمال قد صدرت لأول مرة بشكل مخطوط قبل قرن من الزمان أو أكثر، لكنها صارت تتمتع بموجة جديدة من الشعبية بفضل النسخ المطبوعة. وكانت بعض الأعمال الجديدة أكثر خطورة بشكل واضح، مثل تلك التي كتبها الإصلاحيون. لهذا السبب تم تجميع قوائم بالكتب المحظورة في منتصف القرن 16م. وفي العام 1538م أول قائمة من هذا القبيل وهي الفهرس الإيطالي للكتب المحظورة، صدرت من قبل مجلس شيوخ ميلانو. سرعان ما اتبعت البابوية ومدن ودول أخرى في جميع أنحاء أوروبا الممارسة التي كانت تقضي بعدم طباعة أو قراءة أو امتلاك كتب معينة، وكان أي شخص يتم ضبطه وهو يفعل ذلك يعاقب، على الأقل من الناحية النظرية. وشملت التدابير الإضافية فحص النصوص قبل نشرها وإصدار التراخيص للمطابع بشكل أكثر حرصًا.

Early-modern Bookwheel
عجلة الكتب في العصر الحديث المبكر
Bassschlüssel (CC BY-SA)

أصبحت الرقابة المؤسسية، إذن، واقعًا دائمًا بالنسبة للنشر منذ منتصف القرن 16م، عندما بدأ الحكام والسلطات أخيرًا في إدراك تأثير المطبوعات. حظرت السلطات بعض الأعمال أو حتى أي شيء كتبه مؤلف معين. فقد أضيف كتاب "De Revolutionibus Orbium Coelestium" (حول دورات الأجرام السماوية، 1543 م) لعالم الفلك البولندي نيكولاس كوبرنيكوس (Nicolaus Copernicus) (1473-1543م) إلى القائمة المحظورة لوضعه الشمس في مركز النظام الشمسي بدلاً من الأرض. كما أضيف كتاب "ديكاميرون - Decameron " (الكوميديا البشرية) (حوالي 1353م) للمؤلف الإيطالي جيوفاني بوكاتشيو (Giovanni Boccaccio) (1313-1375م) إلى القائمة بسبب كونه مبتذلًا. وأضيفت أعمال نيكولو مكيافلي (Niccolò Machiavelli) بسبب سخريته السياسية.

أحرقت أسوأ الأعمال التي تم استبعادها من الرقابة في عروض عامة، وكان أشهرها حرق "الأباطيل" الذي نظمه جيرولامو سافونارولا (Girolamo Savonarola)، وهو راهب دومينيكاني من فلورنسا، في عام 1497 م. ومن ناحية أخرى، سُمح في نهاية المطاف بنشر بعض الأعمال (أو إعادة نشرها) إذا حُررت بشكل مناسب أو أزيلت الأجزاء المسيئة منها. ولم تقاوم معظم المطابع هذا التطور، بل قامت ببساطة بطباعة المزيد مما وافقت عليه السلطات. ومع ذلك، كان هناك بالتأكيد سوق سرية للكتب المحظورة.

كان العديد من المثقفين منزعجون بنفس القدر من إتاحة نصوص معينة لجمهور واسع وغير مُميّز، اعتقد البعض أن الكوميديا الإلهية (حوالي 1319م) للشاعر الإيطالي دانتي أليغييري (Dante Alighieri) (1265-1321 م) تحتوي أفكارًا أخلقية وفلسفية وعلمية أخطر من أن يتفكّر فيها غير العلماء. وعلى نحوٍ مماثل، أسف بعض العلماء للتحدي الذي تشكله اللغة العامية تجاه اللاتينية، التي كانوا يعتبرونها الشكل الصحيح للكلمة المكتوبة. ومع ذلك، فقد تحول المد بالفعل، وأصبحت اللهجات العامية المحلية أكثر توحيدًا بفضل المحررين الذين يحاولون جعل موادهم أكثر قابلية للفهم لأكبر عدد من القراء. وكان تحسين استخدام علامات الترقيم نتيجة أخرى للكلمة المطبوعة.

كانت كتيبات التعليمات تشكل مجالاً حساساً آخر. فقد كانت المطابع تنتج كتيبات تجارية عن أي شيء من الهندسة المعمارية إلى الفخار، وهنا أيضاً لم يكن بعض الناس، وخاصة النقابات، سعداء بكشف المعلومات التفصيلية عن الحرف اليدوية المحتاجة للمهارة ـ "أسرار المهنة" الأصلية ـ لأي شخص لديه المال لشراء كتاب. أخيرًا، شكلت الكلمة المطبوعة أحيانًا تحديًا للتقاليد الشفهية، مثل المحترفين الذين كانوا ينشدون الأغاني والشعر الغنائي والحكايات الشعبية. ومن ناحية أخرى، قام العديد من المؤلفين والعلماء بنسخ هذه التقاليد في شكل مطبوع، وبهذا حفظوها للأجيال القادمة حتى يومنا هذا وما بعده.

نبذة عن المترجم

Malek Kanhoush
كاتب مستقل، مهتم بالتاريخ، حائز على شهادة مشاركة في دورة تعليمية وتطبيقية لعلم المخطوطات وعلم إدارة الوثائق ممنوحة من قبل قسم المخطوطات والتوثيق في أبرشية حلب المارونية، تحت إشراف الخبير أستاذ العلوم الإنسانية الشرقية وعلم المخطوطات والتوثيق مكاريوس جبور.

نبذة عن الكاتب

Mark Cartwright
مارك كاتب وباحث ومؤرخ ومحرر. تشمل اهتماماته الخاصة الفنون والعمارة واكتشاف أفكار مشتركة بين الحضارات. وهو حاصل على درجة الماجستير في الفلسفة السياسية ومدير النشر في WHE.

استشهد بهذا العمل

نمط APA

Cartwright, M. (2020, November 02). ثورة الطباعة في أوروبا في عصر النهضة [The Printing Revolution in Renaissance Europe]. (M. Kanhoush, المترجم). World History Encyclopedia. تم استرجاعها من https://www.worldhistory.org/trans/ar/2-1632/

أسلوب شيكاغو

Cartwright, Mark. "ثورة الطباعة في أوروبا في عصر النهضة." تمت ترجمته بواسطة Malek Kanhoush. World History Encyclopedia. آخر تعديل November 02, 2020. https://www.worldhistory.org/trans/ar/2-1632/.

أسلوب إم إل إيه

Cartwright, Mark. "ثورة الطباعة في أوروبا في عصر النهضة." تمت ترجمته بواسطة Malek Kanhoush. World History Encyclopedia. World History Encyclopedia, 02 Nov 2020. الويب. 26 Dec 2024.