السكر ونشوء نظام المزارع الشاسعة.

10 الأيام المتبقية

استثمر في تعليم التاريخ

من خلال دعم مؤسسة تاريخ العالم الخيرية، فإنك تستثمر في مستقبل تعليم التاريخ. تبرعك يساعدنا على تمكين الجيل القادم بالمعرفة والمهارات التي يحتاجونها لفهم العالم من حولهم. ساعدنا في بدء العام الجديد استعدادًا لنشر معلومات تاريخية أكثر موثوقية مجانًا للجميع.
$3029 / $10000

مقال

James Hancock
بواسطة ، تمت ترجمته بواسطة Ibrahim Alou
نُشر في 18 June 2021
استمع إلى هذه المقالة
X
طباعة المقالة

أصبحت زراعة قصب السكر قوة اقتصادية بعد بداياته المتواضعة كلذاذة حلوة المذاق تزرع في الحدائق وحفز الطلب المتزايد على السكر استعمار القوى الأوروبية للعالم الجديد وجلب العبودية إلى الواجهة ورعى الثورات والحروب الوحشية.

Colonial Sugar Cane Manufacturing
تصنيع قصب السكر في الفترة الاستعمارية.
Unknown Artist (Public Domain)

تحول المركز الجغرافي لزراعة قصب السكر بشكل تدريجي عبر العالم على مدار 3000 عام من الهند إلى بلاد فارس وعبر البحر الأبيض المتوسط إلى الجزر قرب الساحل الأفريقي ومن ثم إلى الأمريكيتين ثم التحول رجوعاً عبر الكوكب إلى إندونيسيا. تم اختراع نوع جديد من الزراعة لإنتاج السكر-وهو ما يسمى بنظام المزارع الشاسعة. حيث زرع المستعمرون فيها مساحات واسعة من محاصيل مفردة يمكن شحنها لمسافات بعيدة وبيعها في أوروبا وتحقيق لأرباح.. ومن أجل معاظمة الإنتاجية والربحية في هذه المزارع تم استيراد العبيد أو العمالة ذات العقود الطويلة الأجل لمتابعة وحصاد المحاصيل المتطلبة للعمالة الكثيفة. كان قصب السكر أول محصول يزرع وفق ذلك النظام وتبعه العديد من المحاصيل الأخرى بما في ذلك القهوة والقطن والكاكاو والتبغ والشاي والمطاط وأخيراً نخيل الزيت.

بدايات زراعة السكر

لا يوجد سجل آثاري يحدد زمان ومكان أول زراعة بشرية لقصب السكر كمحصول ولكنه حدث على الأغلب قبل 10000 سنة فيما يعرف اليوم بغينيا الجديدة. كان النوع المدجن هو سكر القصب والمتواجد في جنبات كثيفة على امتداد الأنهار. يعتبر شعب غينيا الجديدة من بين أكثر الشعوب الزراعية إبداعية على مستوى العالم. إذ قاموا باستزراع الكثير من أنواع النباتات المحلية إضافة إلى قصب السكر ومن بينها القلقاس والموز والبطاطا الحلوة وثمرة الخبز.

حافظ شعب الهند ولفترة طويلة على عملية صنع السكر واعتبروها سراً محروساً بعناية وولد أرباحاً كبيرة من التجارة به عبر شبه القارة الهندية.

انتقلت زراعة قصب السكر بشكل حثيث نحو الشرق عبر المحيط الهادي وانتشرت إلى جزر سليمان المجاورة وجزر الهبريد الجديدة وكاليدونيا الجديدة وصولاً إلى بولينيزيا. انتقلت زراعة قصب السكر غرباً إلى آسيا القارية وإندونيسيا والفليبين ومن ثم إلى الهند. وخلال هذا التقدم تم تهجين قصب السكر “القصب النبيل" مع نوع بري محلي يُدعى القصب البري لينتج هجين يسمى القصب الصيني “القصب النحيل". كانت هذه الهجن أقل حلاوة وقوة من قصب السكر النقي ولكنها كانت أكثر تحملاً ويمكن زراعتها بنجاح أكبر في الأراضي شبه الاستوائية.

درجت العادة على مر الدهور بمضغ قصب السكر لذاذة حلوة ولم يبدأ البشر بعصر القصب وإنتاج السكر (جوبال 1964) إلا قبل 3000 سنة في الهند. حافظ شعب الهند ولفترة طويلة على عملية صنع السكر واعتبروها سراً محروساً بعناية وولد أرباحاً كبيرة من التجارة به عبر شبه القارة الهندية. تغير ذلك عندما قام داريوس الأول (522-486 قبل الميلاد) حاكم الإمبراطورية الأخمينية الفارسية بغزو الهند في عام 510 قبل الميلاد. حمل المنتصرون التكنولوجيا معهم إلى بلاد فارس وبدأوا بإنتاج السكر هناك. وبحلول القرن الحادي عشر الميلادي شكل السكر نسبة مهمة من التجارة بين الشرق وأوروبا. تتابع تصنيع السكر في بلاد فارس لمدة ألف عام تقريباً برعاية مجموعة متداورة من الحكام إلى أن دمرت الغزوات المغولية في القرن الثالث عشر تلك الصناعة.

الإرث الإسلامي: صناعة السكر في بلدان البحر الأبيض المتوسط

عندما بدأ النبي محمد (صلى الله عليه وسلم) حربه المقدسة لتحويل العالم إلى الإسلام في عام 632 للميلاد بدأ أتباعه بشكل متزامن بثورة زراعية. بدأت تلك الثورة في غزوهم المبكر للفرس حيث اكتشفوا قصب السكر بالإضافة إلى لائحة طويلة من المحاصيل التي لم تكن معروفة لباقي العالم بما في ذلك الأرضي شوكي والموز ونخيل جوز الهند والقطن والباذنجان الليمون والليمون المالح والمانجو والأرز والسبانخ والسورغوم والبرتقال الحامض والجبس والقمح والبطاطا الحلوة. وفيما سُمي بالثورة الزراعية العربية قامت الجيوش المسلمة مع استيلائها على مناطق جديدة بإدخال هذه المجموعة من المحاصيل وحورت الزراعة في عموم منطقة البحر الأبيض المتوسط خلال تلك العملية.

أدخل المسلمون قصب السكر أو “القصب الفارسي" إلى مصر في عام 710 حيث أصبح المصدر الأول للسكر في العالم والذي يسعى الجميع للحصول عليه وبلغ أوج انتاجه في الفترة ما بين عام 1000 و1350 للميلاد. انتشر قصب السكر من مصر إلى الغرب بواسطة العرب عبر شمال أفريقيا ووصل إلى المغرب واسبانيا في أواسط القرن السابع الميلادي. بدأ انتاج السكر في المغرب بكميات مهمة في أواخر عام 800 ووصل ذروة الإنتاج في الفترة ما بين عام 1000 و1200. بدأ انتاج السكر في شبه جزيرة أيبيريا حوالي عام 900 وبدأت طفرته في عام 1300 ودامت لغاية عام 1500 وبقيت تلك المناطق تحت الحكم الإسلامي طوال تلك الفترة.

Sugar Cane
قصب السكر
Adam Cohn (CC BY-NC-ND)

أدخل العرب السكر إلى قبرص وكريت وصقلية في بدايات عام 800 ولكن الإنتاج المهم للسكر لم يبدأ على تلك الجزر إلا بعد خسارة العرب لمعظمها. بدأ الإنتاج الأعظمي في قبرص في الفترة ما بين عام 1300 و1500 عندما سيطر تجار جنوا على الجزيرة. وبدأت سنوات الطفرة في كريت ما بين عام 1400 و1500 تحت حكم فينيسيا. وكانت السنوات الذهبية للإنتاج في صقلية ما بين عام 800 و1050 عندما كانت الجزيرة لا تزال تحت الحكم الإسلامي ومرة ثانية من عام 1380 لغاية 1520 عندما خضعت للحكم الاسباني.

توسع انتاج السكر بواسطة البرتغاليين والإسبان

تم تكرير السكر للمرة الأولى في ماديرا في عام 1432 وبحلول عام 1460 أصبحت الجزيرة أكبر منتج للسكر في العالم.

سيطر البرتغاليون في النهاية على الإنتاج العالمي للسكر في القرن الخامس عشر كناتج اقتصادي جانبي لاستكشافهم واستعمارهم للجزر الأطلسية عبر الساحل الأفريقي. تأسست المزارع الكبرى الأولى بعد استعمار البرتغاليين لماديرا عندما قرر الأمير هنري أن انتاج السكر سيحمل مفتاح النجاح لغزواته الأطلسية وأرسل إلى صقلية بحثاً عن نباتات القصب والخبراء العارفين بإنتاج السكر. تأسست أوائل مزارع السكر الكبرى وبوجود تلك المعرفة عبر قطع الأشجار وتخلية الأرض لتأسيس مزارع كبيرة وبناء المصانع لاستخراج السكر. تم تكرير السكر للمرة الأولى في ماديرا في عام 1432 وبحلول عام 1460 أصبحت الجزيرة أكبر منتج للسكر في العالم. بقي السكر المنتج الرئيسي للجزيرة حتى أواسط القرن السادس عشر عندما بدأ استبداله بالنبيذ بشكل تدريجي.

اكتشف البرتغاليون وطوروا مع حلول القرن الخامس عشر الأزور والرأس الأخضر وساو تومي غير المأهولة بينما احتل الاسبان الجزر المأهولة مسبقاً وهي جزر الكناري. لم يصبح السكر مهماً قط في جزر الأزور والرأس الأخضر بينما أصبحت جزر الكناري الاسبانية وساو تومي البرتغالية منتجاً أساسياً للسكر بحلول عام 1400. كانت عمالة العبيد منذ بداية انتاج السكر الأطلسي المصدر الرئيسي للقوة العاملة. بدأ الإسبان عبر إجبار السكان الأصليين (الجوانشيز) على العمل في حقول القصب. وعندما لم يبقى الكثير من أبناء ذلك الشعب على قيد الحياة بسبب المرض وإنهاك العمل للعناية بحقولهم قاموا باستيراد العبيد الأفارقة.

البرازيل

بدأ مركز انتاج السكر بالتحول في القرن السادس عشر إلى منطقة الكاريبي التي يسيطر عليها الاسبان أولاً في سانتو دومينجو ومن ثم إلى حد أقل في كوبا وبورتو ريكو. أدخل كريستوفر كولومبوس (1451-1506) قصب السكر إلى المنطقة في رحلته الثانية عام 1493. كان الاسبان مهتمين أكثر بالعثور على الذهب والفضة ولكنهم اكتشفوا أن أرباح السكر مغرية لدرجة لا يمكن تجاهلها. استوردوا الخبراء المهرة بصناعة السكر من جزر الكناري في عام 1515 وأرسلوا أول شحنة لهم من السكر إلى أوروبا بعيد ذلك بقليل.

اكتشف البرتغاليون البرازيل في عام 1500 ولم يتطلب الأمر منهم كثيراً من الوقت قبل البدء بزراعة قصب السكر هناك. تأسست أول مزارع للسكر في عام 1518 وبحلول أواخر القرن السادس عشر أصبحت البرازيل المورد الأساسي للسكر إلى الأسواق الأوروبية. وصل انتاج السكر البرازيلي إلى ذروته في حوالي 1620 في مناطق بيرنامبوكو وباهيا وبكمية 15000 إلى 20000 طن في العام.

عندما وصل البرتغاليون إلى البرازيل في بدايات عام 1500 قاموا باستعباد شعب توبي المحلي وارغامه على العمل في مناجمهم وحصاد قصب السكر. ولكن ذلك الشعب كان ضعيف التكيف مع نمط الحياة الزراعي الروتيني الساكن ولم يكونوا على الأخص عبيداً متعاونين. وكانوا أيضاً عرضة للأمراض الغربية وتمكنوا من الهروب بسهولة والتخفي في الغابة الكثيفة. كان الحل البرتغالي لمشكلة العمالة تلك هو التحول إلى تجارة العبيد الأفريقية وهو نظام استخدموه مسبقاً في مزارع السكر الأطلسية قبالة ساحل أفريقيا. وبحلول منتصف القرن السادس عشر سيطرت العبودية الأفريقية على مزارع السكر البرازيلية وتتابع استعباد الشعوب الأصلية لغاية القرن السابع عشر.

Transatlantic Triangular Trade Map
خريطة تجارة المثلث العابر للأطلسي.
Olivier Lalonde (CC BY-NC-SA)

تم تمويل صناعة السكر البرتغالية المزدهرة أولاً عبر التجار الهولنديين ولكنهم(الهولنديين) أسسوا مستعمرة خاصة بهم في شمال شرق البرازيل. وأصبحوا منتجين نشطين للسكر هناك منذ عام 1630 وحتى عام 1654 عندما طردهم البرتغاليين. حمل الهولنديون أموالهم وخبرتهم وشحنهم إلى منطقة الكاريبي التي خضعت الآن للاستعمار البريطاني والفرنسي. وخلال 30 عاماً انتزع الكاريبي السيطرة على الإنتاج العالمي للسكر مما أدى إلى تخفيض سعر السكر البرازيلي بنسبة الثلثين وتخفيض صادرات البرازيل بشكل كبير.

صناعة السكر في منطقة الكاريبي

تعرضت صناعة السكر البرازيلي أولاً للمنافسة من قبل الجزيرة الصغيرة باربادوس ولاحقاً من مجموعة من الجزر الخاضعة للسيطرة البريطانية والفرنسية والهولندية. حصل استيطان باربادوس للمرة الأولى حوالي عام 1627 وأصبحت مصنعاً هائلاً للسكر بحلول عام 1640 وسيطر عليها ثلة من ملاك المزارع الشاسعة. كانت حياة وعمل المزارع قاسية وسريعة وقصرت الأعمار بسبب المرض المباغت وادمان الكحول ولكن الناجين الأقوى(والمحظوظين) جمعوا ثروات هائلة وعاشوا نمط حياة مترف على غرار الطبقة الملكية البريطانية.

وبحلول أواخر القرن السابع عشر كان انتاج السكر مهماً على العديد من الجزر الكاريبية بما في ذلك انتيغوا ونيفس التي سيطر عليها البريطانيون والمارتينيك وغواديلوب وسانت دومينيك (هايتي الآن) الخاضعة للسيطرة الفرنسية وأجزاء من سانت كيتس الخاضعة للسيطرة البريطانية والفرنسية. جمع التجار الهولنديون ثروات كبرى نتيجة نقل السلع من الجزر. وفي النهاية أصبحت جامايكا البريطانية درة التاج الكاريبي لإنتاج السكر بعد فترة استيطان طويلة وصعبة.

Grinding Sugar Cane in a Windmill
سحق قصب السكر في طاحونة هوائية
William Clark (Public Domain)

سياسات السكر

توافق حدوث السنوات الأكثر إنتاجية لإنتاج السكر في منطقة الكاريبي مع حقبة عاصفة من السياسات الأوروبية عندما انخرطت فرنسا وبريطانيا واسبانيا وهولندا بحروب مستمرة على جبهات عديدة. انعكست الصراعات الأوروبية على الكاريبي وكان لأهمية مزارع السكر الكاريبية بالنسبة للاقتصاد الأوروبي آثاراً بعيدة المدى على أمريكا الشمالية. وبحلول 1700 كان السكر السلعة الدولية الأكثر تداولاً وشكل ثلث مجموع الاقتصاد الأوروبي. انتجت الجزر البريطانية أيضاً كميات معتبرة من شراب الروم الذي استهلكه البريطانيون في شتى انحاء العالم بينما شحن الفرنسيون كميات ضخمة من المولاس إلى المستعمرات الأمريكية البريطانية حيث تم تصنيعه إلى رام وبيعه عبر القارة.

عندما أعلنت المستعمرات الشمالية البريطانية استقلالها في عام 1776 خاض البريطانيون الحرب اللاحقة على جبهتين: أمريكا الشمالية والكاريبي. كانت صناعة السكر الكاريبية ببساطة قيمة لدرجة لا يمكن تجاهلها وكانت مكوناً أكثر أهمية للاقتصاد البريطاني من المستعمرات الشمالية. لم يكن لدى بريطانيا من خيار سوى المحافظة على قوة كبيرة في الكاريبي خلال الحرب الثورية. وربما ساعد هذا الاهتمام المستعمرات الشمالية إلى حد كبير على نيل استقلالها.

ثورة العبيد في سانت دومينيك

انتقل مركز صناعة السكر بحلول القرن الثامن عشر إلى سانت دومينيك وهي النصف الفرنسي من هيسبانيولا. زينت آلاف مزارع السكر الشاسعة أراضيها وأصبحت أغنى جزيرة سكر في المنطقة. ولكن تلك السيطرة تحولت إلى لهيب مع نهاية القرن عندما نجح العبيد بالثورة وأسسوا دولة مستقلة وحصلوا على الحرية عبر هزيمة جيوش قوى أوروبا الرائدة أولاً الجيش الفرنسي ومن ثم البريطاني. أصبح رجل يدعى توسان الحاكم الفعلي لسانت دومينيك وسمى نفسه لوفرتور. (الفاتح). أعلنت سانت دومينيك في يوم 1 كانون الثاني من عام 1804 استقلالها وأصبحت هايتي وهي ثاني دولة في الأمريكيتين (بعد الولايات المتحدة) تحرر نفسها من الحكم الأوروبي. وبشكل ملائم كان اسم هايتي هو الاسم الأصلي الذي أطلقه شعب أراواك الأصلي على هيسبانيولا.

ضغط الآباء المؤسسون للولايات المتحدة على مفهوم هايتي. وسرى خوف على نطاق واسع بأن ثورة مماثلة قد تحدث في الجنوب الأمريكي بين مئات آلاف العبيد المحتجزين. وبقي الاعتراف بهايتي مجمداً في الولايات المتحدة لمدة 60 عاماً منتظراً اعتراف الرئيس ابراهام لينكولن بها في عام 1862 خلال الحرب الأهلية قبيل إعلانه الشهير بتحرير العبيد.

فر كثير من مزارعي السكر بعد الثورة الهايتية إلى كوبا ولويزيانا. أصبحت كوبا بسرعة مركز العالم لإنتاج السكر بينما أصبحت لويزيانا وعاء السكر للولايات المتحدة. تحول مجمل نظام المزارع الشاسعة في الكاريبي إلى كوبا ولويزيانا حيث بقي الاستعباد هناك لبعض الوقت.

Laurel Valley Plantation
مزرعة وادي لوريل
Michael McCarthy (CC BY-ND)

عندما بدأت الحرب الأهلية وقُطعت امدادات السكر من لويزيانا نحو الشمال أصبحت هاواي المركز الجديد لإنتاج السكر بالنسبة للولايات المتحدة. وصل قصب السكر إلى هاواي في عصور ما قبل التاريخ وزرعه السكان الأصليون هناك قبل اكتشاف كوك للجزر بوقت طويل. ولكن المزارع الحديثة لم تتأسس حتى أواسط القرن التاسع عشر.

بزغت مراكز سكر عديدة حول العالم منذ أواسط إلى أواخر القرن التاسع عشر بما في ذلك غويانا البريطانية والهولندية وشرق أفريقيا وموريشيوس وناتال (جنوب أفريقيا) وكوينزلاند(أستراليا). وبحلول ذلك الوقت كانت العبودية قد زالت عن معظم أنحاء العالم واعتمدت تلك المزارع الشاسعة على العمال ذوي العقود الطويلة وغالبيتهم من الهند. رحل أكثر من مليون عامل هندي إلى مزارع السكر في الفترة ما بين عام 1835 وعام 1917 منهم 450000 عامل إلى موريشيوس و150000 عامل إلى شرق أفريقيا وناتال و450000 إلى أمريكا الجنوبية والكاريبي.

انتاج السكر الهولندي في جاوة

شيد الهولنديون في جاوة بحلول أواسط القرن التاسع عشر صناعة سكر ضخمة عبر استغلال الشعب الأصلي. أرغموا سكان جاوة على زراعة قصب السكر ونقله إلى المصانع ومن ثم العمل في تلك المصانع. وفي وسط ما سمي وقتها "منظومة الزراعة" شُيد 94 مصنع هولندي للسكر تدار بالطاقة المائية والتي عاملت القصب الخام وحولته إلى سكر مكرر. وفي حوالي عام 1850 جمع الهولنديون معلومات مفصلة عن أكثر من 10000 قرية وجهزوا خطة لمناطق تجميع وتحديدها بنصف قطر يتراوح ما بين 4 إلى 7 كيلومتر حول كل مصنع وأعادوا تنظيم كافة تلك القرى لزراعة قصب السكر.

وأصبحت المنظومة واسعة لدرجة وفر فيها انتاج السكر في جاوة في أواسط القرن التاسع عشر حوالي ثلث عائدات الحكومة الهولندية وما يقرب من 4% من اجمالي الناتج المحلي الهولندي.

عمل ملايين من سكان جاوة على امتداد المنظومة في معاملة ونقل السكر عبر العمالة القسرية والعمالة الحرة. ووفق احد التقديرات عمل ما يقرب من ربع السكان في تلك الصناعة. وأصبحت المنظومة واسعة لدرجة وفر فيها انتاج السكر في جاوة في أواسط القرن التاسع عشر حوالي ثلث عائدات الحكومة الهولندية وما يقرب من 4% من اجمالي الناتج المحلي الهولندي. وأصبحت جاوة واحدة من أربح المستعمرات من الناحية المالية.

أقرت هولندا في عام 1870 قانوناً زراعياً يحظر العمالة القسرية وسمح للشركات الخاصة باستئجار المناطق القليلة السكان. أدى ذلك إلى استثمارات كبيرة في مزارع أكبر وتوسع كبير في غرب جاوة وسومطرة. انضم إلى السكر كل من القهوة والشاي والتبغ. بدأ المستثمرون من القطاع الخاص بإنشاء المزارع المبكرة ومع مرور الوقت حلت الشركات العالمية مكانهم. تحولت قوة العمل من وحدات العمل العائلية القسرية إلى عمال العقود الطويلة ومعظمهم من الفلاحين الأميين من جاوة وسنغافورة.

ظهور الشمندر السكري وصناعة السكر اليوم

لم يعد سكر القصب متوفراً خلال حروب نابليون (1803-1815) في أوروبا الخاضعة للسيطرة الفرنسية بسبب الحصار البحري الذي فرضته البحرية البريطانية. ومن أجل تلبية احتياجات الذائقة الفرنسية للسكاكر بدأت زراعة الشمندر المتواضع الذي كان مصدراً للغذاء والعلف في أوروبا ومعاملته من أجل السكر. كانت كمية السكر في الشمندر وقتها أقل من قصب السكر وكانت عملية الاستخلاص أعلى تكلفة ولكنه كان إلى حد ما المصدر الوحيد المتوفر من السكر. أمر نابليون بزراعة آلاف الهكتارات بالشمندر السكري وبحلول عام 1814 تواجد أكثر من 300 مصنع لتصنيع السكر من الشمندر. وعندما انهارت امبراطورية نابليون بعد واترلو رُفع الحصار وعاد سكر القصب الأرخص ثمناً ليسود السوق الأوروبية.

Early Modern Sugar Processing Equipment
الأدوات المبكرة لمعاملة السكر
Dan Lundberg (CC BY-SA)

بقي انتاج السكر من الشمندر في الظلام لعدة عقود إلى أن حظر البريطانيون العبودية في الكاريبي مما تسبب بارتفاع أسعار السكر بشكل ملحوظ. وبحلول ذلك الوقت تم اصطفاء أصناف الشمندر ذات مستويات السكر الماثلة لمستويات قصب السكر وانخفضت تكلفة الاستخلاص بشكل درامي. وتساوى الآن كلا النوعان من السكر. وبحلول عام 1854 أُنتج 11% من سكر العالم من الشمندر وبحلول عام 1899 تم استخلاص 65% من السكر من الشمندر السكري.

تتربع البرازيل اليوم على عرش الإنتاج العالمي للسكر تتبعها الهند والاتحاد الأوروبي والصين وتايلند ومن ثم الولايات المتحدة. تزرع البرازيل والهند وتايلند بشكل حصري قصب السكر بينما يزرع الاتحاد الأوروبي الشمندر السكري. وتزرع الولايات المتحدة الشمندر السكري بنسبة 50% والصين بنسبة 20%. لا تزال مجمل القوة العاملة في حقول قصب السكر تتكون من عمال يحضرون من خارج مناطق الإنتاج عبر مدراء العمالة. لا يزال هؤلاء العمال يخدمون كعمالة رخيصة كما هو حال العبيد عندما كان المال اللازم للطعام والسكن وغيرها من الضروريات يُخصم من رواتبهم ويتركهم في النهاية غارقين بالدين.

قائمة المصادر والمراجع

موسوعة التاريخ العالمي هي إحدى شركات Amazon Associate وتحصل على عمولة على مشتريات الكتب المؤهلة.

نبذة عن المترجم

Ibrahim Alou
أترجم مقالات من اللغة الانجليزية إلى العربية وبالعكس. نشرت في العديد من المجلات والصحف العربية الرائدة. أهتم بمواضيع التاريخ الحديث والعلوم عموماً. إبراهيم عبدالله العلو. مترجم سوري مقيم في الولايات المتحدة الأمريكية.

نبذة عن الكاتب

James Hancock
جيمس ف هانكوك هو كاتب وبروفسور سابق في جامعة ميتشغان الحكومية. تتمحور اهتماماته الرئيسية حول تطور المحاصيل وتاريخ التجارة. من بين كتبه: "التوابل والعطور والحرير" وكتاب "محاصيل المزارع الشاسعة"

استشهد بهذا العمل

نمط APA

Hancock, J. (2021, June 18). السكر ونشوء نظام المزارع الشاسعة. [Sugar & the Rise of the Plantation System]. (I. Alou, المترجم). World History Encyclopedia. تم استرجاعها من https://www.worldhistory.org/trans/ar/2-1784/

أسلوب شيكاغو

Hancock, James. "السكر ونشوء نظام المزارع الشاسعة.." تمت ترجمته بواسطة Ibrahim Alou. World History Encyclopedia. آخر تعديل June 18, 2021. https://www.worldhistory.org/trans/ar/2-1784/.

أسلوب إم إل إيه

Hancock, James. "السكر ونشوء نظام المزارع الشاسعة.." تمت ترجمته بواسطة Ibrahim Alou. World History Encyclopedia. World History Encyclopedia, 18 Jun 2021. الويب. 21 Dec 2024.