لم تكن هناك حاجة لتسميات مثل "المثليون" في ثقافات العالم القديم، لأنه لم يكن هناك فرق ملحوظ بين ما يُعرف الآن بالعلاقات "المثلية" و"الجِنْسِ المُغايِر"، لم يكن هناك ثنائية "نحن" و "هم" لتشجيع مثل هذه التسميات؛ لم يكن هناك سوى "نحن" ومن يختار المرء أن يحب هو شأنه الخاص.
كانت وصمة العار الوحيدة المرتبطة بالعلاقات الغرامية بين الذكور وبعضها هي وضع الشخص ومكانة شريكه. كان يُعتقد في اليونان وروما وثقافات أخرى، أن الرجل الحر الذي "يؤدّي دور المرأة" في عَلاقة ما أنه أضر برجولته، ولكن لم يكن هناك تفكير في العَلاقة نفسها. كان الكتّاب القدماء يتغاضون بانتظام عن الميل الجنسي للفرد ما لم يكن له عَلاقة بحدث ما قيد النظر لأن الهُوِيَّة الجنسية كانت غير مهمة تمامًا، ففي بلاد ما بين النهرين، التي يُطلق عليها "مهد الحضارة،" كانت العلاقات المثلية شائعة جدًا، ونستند في ذلك إلى أدلة من الأعمال الفنية وكذلك الأدب، لدرجة أنها صُورت على قدم المساواة مع العلاقات من الجنس الآخر. يعلق الباحث بروس ل. جيريغ
"اعتقدوا أن ممارسة الحب نشاط طبيعي لا ينبغي الحط من شأنه؛ ويمكن ممارسته كما يحلو للمرء طالما لم يتعرض طرف ثالث للأذى، أو كسر الحظر (مثل حظر النشاط الجنسي في أيام معينة وبعض النساء المكرسات للآلهة)، في الواقع، يلاحظ الباحث ويليام نافي أن إحدى السمات اللافتة للنظر في الشرق الأدنى القديم هي "كيف أن قلة من الثقافات يبدو أن لديها أي قلق "أخلاقي" كبير بشأن الأنشطة الجنسية المثلية...... يبدو أن معظم الثقافات كانت تقبل أن الذكور قد يقيمون علاقات جنسية مع ذكور آخرين". (8)
لم تبدأ الفروق المتعلقة بالهوية الجنسية وحظر العلاقات المثلية في الظهور إلا بعد ظهور المسيحية التي رفضت الممارسات المرتبطة بالمعتقدات الدينية السابقة، لم تكن، إذن، العَلاقة المثلية هي التي كانت موضع إدانة، بل أي نشاط شارك فيه غير المسيحيين مثل التضحية للآلهة الوثنية أو حضور الأعياد الدينية غير المسيحية.
لا توجد حتى كلمات في اللغات القديمة نترجمها إلى "مثلي الجنس" و "مغاير الجنس" التي نستعملها في عصرنا الحديث والتي لم تصغ إلا في عام 1869م، أما المصطلح اليوناني “arsenokoites/ ἀρσενοκοίτης”، والذي تُرجم في الكتاب المقدس أول مرة في عام 1946م، لم يكن موجودًا أبدًا حتى صاغه القديس بولس في رسالتيه تيموثاوس الأولى (1: 10) وكورنثوس الأولى (6: 9). الترجمة الفعلية لهذا المصطلح هي "مضاجعة الذكور" ويبدو أنها تشير إلى الرجال الذين يمارسون الجنس مع الرجال في التقاليد غير المسيحية، وليس إلى العلاقات المثلية. إن المفارقة في الانقسامات الحالية حول الهُوِيَّة الجنسية ودعوة بعض شرائح المجتمع إلى "العودة إلى القيم التقليدية" هي أن العلاقات المثلية كانت مقبولة تقليديًا ومحترمة ومبجلة لأكثر من 2000 سنة.
بلاد ما بين النهرين
كان كهنة وكاهنات الإلهة الشهيرة إنانا (المعروفة باسم عشتار) في بلاد ما بين النهرين القديمة، من ثنائي ومتحولي الجنس. كان أحد جوانب الإلهة إنانا التي كانت تُعتبر الأكثر إثارة للرهبة هو قدرتها على تحويل الرجال إلى نساء والنساء إلى رجال، بفعل قوة التحول، ويُقال إن والدها الإله إنكي خلق جنسًا ثالثًا "لا ذكر ولا أنثى" أصبحوا خدام إنانا، أي الكهنة التابعين لها. اُعترِفَ بما يُشار إليه اليوم باسم الجنس "غير الثنائي" منذ أكثر من ثلاثة آلاف عام بصفته جنس ثالث خلقته الإرادة الإلهية. باركت الآلهة أيضًا العلاقات المثلية، كما هو واضح في كتاب "تقويم التعاويذ" الذي يحتوي على صلوات للأزواج من الجنسين المتعاكسين والمثليين. ينطبق هذا النموذج نفسه على الثقافات القديمة الأخرى، حيث كان وضع الأشخاص المعنيين هو المهم وليس جنسهم.
الصين
اتبع الصينيون على سبيل المثال النموذج نفسه في اتخاذ رجال الطبقة العليا والملوك لعشاق ذكور من بين رجال البلاط، وكان هذا الأمر مقبولًا لأن العاشق من الطبقة العليا كان يبَجّل المحبوب من الطبقة الدنيا. يعود تاريخ السجلات التي تشير إلى العلاقات بين الذكور من نفس الجنس في الصين إلى عام 600 ق.م في الأقل، حيث ذُكر الأزواج من نفس الجنس في الأشعار والحكايات والتواريخ بتواتر أكبر بدءًا من عهد سلالة هان الحاكمة (202 ق.م - 220 م). تُجُوهِلْتُ العلاقات المثلية بين الإناث في الأدب الصيني بنفس الطريقة التي تجاهل بها المؤرخون الذكور القدماء النساء عمومًا، حيث ارتبط الأزواج الذكور بالجانب النبيل للحب الذي يرتقي به كل من العاشق والمحبوب ويصبحان أفضل عن طريق الارتباط. يكتب الباحث لويس كرومبتون معلقًا على القصص التي أصبحت تحدد العلاقات المثلية في الصين:
"جَلي أن هذه القصص المعيارية، إذا جاز لنا أن نسميها كذلك، تُظهر قبولًا غير واعٍ للعلاقات المثلية، وهو قَبُول استمر في الصين لمدة أربعة وعشرين قرنًا، وهي تتناقض بشكل لافت للنظر مع الأسطورة التي هيمنت على خيال العالم المسيحي الغربي وهنا نقصد قصة سدوم مع رعبها الخارق للطبيعة، ولكنها أيضًا تختلف تمامًا عن تقاليد اليونان القديمة، فبدلًا من أساطير التضحية البطولية بالنفس في مجتمع محارب، لدينا قصصًا رائعة عن المراعاة والحنان والرقة". (215)
تروي إحدى هذه القصص، وهي قصة "الكم المقطوع"، كيف كان الإمبراطور آي من سلالة هان (حكم من 7 إلى 1 ق.م) يستريح مع عشيقه دونغ شيانغ الذي نام على كم رداءه، وبدلًا من إيقاظه، قطع كُمّ الرداء وخرج إلى البلاط وهو غير مهندم. أصبحت عبارة "الكم المقطوع" تُستخدم للإشارة إلى العلاقات المثلية إلى جانب غيرها من العبارات التي تأتي أيضًا من القصص التي تجسد اهتمام الحبيب بحبيبه.
اليابان
اعتبرت العلاقات المثلية في اليابان في عصر ما قبل الميجي (800-1868م) علاقات سامية، فلم يباركها الحكيم البوذي العظيم كوكاي فحسب، بل شجعها أيضًا. أسس كوكاي (المعروف باسم كوبو دايشي، "المعلم العظيم") بوذية شينغون في اليابان حوالي عام 806م، ولا يزل يحظى بالتبجيل إلى يومنا هذا، وعلى نقيض الأسطورة، فهو لم يقدم مفهوم العلاقات المثلية إلى اليابان، حيث اِعتُرِفَ بها قبل ذلك بكثير. أشار اليابانيون إلى هذه العلاقات باسم نانشوكو ("حب الذكور" أو "ألوان الذكور")، اضفت الطبقة الأرستقراطية والنخبة المثقفة التي تأثرت بنموذج العلاقات المثلية الصينية، الشرعية على هذه العلاقات. اعتبر اليابانيون العلاقات الغرامية والجنس جزءًا طبيعيًا من الحياة، سواء كان موضوع رغبة المرء هو جنسه أو العكس. نقرأ في رواية الليدي موراساكي الشهيرة "قصة غنجي" (حوالي عام 1020م)، كيف يغوي البطل الأخ الأصغر للمرأة التي يحاول التودد إليها، لكنه لا يُنظر إليه نظرة أقل من ذلك، فميوله الجنسية الواضحة لا تهم الكاتبة كثيرًا لدرجة أنها لم تذكرها مرة أخرى.
مصر
كانت الهُوِيَّة الجنسية المتغيرة معترفًا بها في مصر عبر تاريخها الطويل، وكما هو الحال في الثقافات الأخرى، لم تلفت الانتباه ولم تثر أي إدانة إلا عندما كان الذكر من وضع اجتماعي معين "يؤدّي دور المرأة" في ممارسة الجنس. يلاحظ الباحث كولين سبنسر: "كانت الازدواجية الجنسية في الذكور مقبولة باعتبارها أمرًا طبيعيًا ولم تجلب تعليقًا سلبيًا أبدًا، لكن المثلية الجنسية السلبية جعلت المصريين يشعرون بعدم الارتياح، ماذا لو أظهر الملك مثل هذا الميل الأنثوي؟" (34). كانت المشكلة الوحيدة التي واجهت المصريين مع العلاقات المثلية هي إظهار الضعف والأنوثة العلنية من ذكر ذو مكانة معينة، فبالرغم من أن المصريين كانوا يحترمون قوة الأنثى، كما يتضح من العديد من الآلهات الإناث الأقوياء، إلا أنهم لم يعتقدوا أن النساء الفانيات يمكنهن ممارسة السلطة بشكل فعال (على الرغم من أن عددًا كبيرًا منهن قد فعلن ذلك بوضوح، وكانت حتشبسوت واحدة من أشهرهن)، لم يكن هناك أي مفهوم للعلاقة "المثلية" في مصر، بل كانت هناك علاقات فقط، فعندما تُذكر العلاقات الجنسية بين الذكور بشكل سلبي، فإن الأمر يتعلق دائمًا بتنازل أحد الذكور عن سلطته الذكورية لذكر آخر في الجنس، وليس في العلاقة، على سبيل المثال، في الأسطورة الشهيرة عن تنازع حورس وست، لم يكن الفعل الجنسي هو ما يزعج الآلهة بل ادعاء ست بأنه سيطر على حورس.
اليونان
ازدهرت عبادة الآلهة الفريجية كوبيلي وقرينتها أتيس في اليونان القديمة حوالي عام 300 ق.م، وكانت إحدى خصائصها المميزة هم الجلاي (ويسموا أيضًا غالاي)، الكهنة المتحولين جنسيًا الذين عرفوا بأنهم إناث. يُعتقد أن هذه العبادة نشأت في بلاد ما بين النهرين قبل أن تنتشر عبر آسيا الصغرى، وربما استلهم الجلاي في البداية من عبادة إنانا والكهنة التابعين لها، ولكن قبل عام 300 ق.م بوقت طويل، كانت العلاقات المثلية شائعة في اليونان. يمدح أفلاطون (428/427-348/347 ق.م) العلاقات بين الذكور وبعضهم في عدد من محاوراته، ولم يغير موقفه إلا في القوانين الأخيرة، التي كتبها عندما كان أكبر سنًا، ويُعتقد أنه يدين هنا العواطف القوية التي يمكن أن تثيرها مثل هذه العلاقات - وهي نفسها الذي كان يمدحها في وقت سابق - والمشاكل التي يمكن أن تسببها للمتورطين فيها.
لم يهتم أرسطو (384-322 ق.م) بالعلاقات المثلية باستثناء، مرة أخرى، فيمَا يتعلق بتنازل الذكر عن رجولته عن طريق تأدية الدور السلبي في الجنس. كان الفيلسوف العظيم زينون الرواقي (336-265 ق.م) يفضل العلاقات الذكورية حصرًا. كان النموذج الكلاسيكي لهذه العلاقات هو أن يتودد الرجل الأكبر سنًا (erastes، "العاشق") إلى شاب (eromenos، "المحبوب") الذي سيتعلم ويتثقف ويتحسن من خلال العلاقة. شجع الإسبرطيون العلاقات بين الذكور وبعضها في برنامَج التأهيل البدني الإسبرطي "أغوجي"، حيث كان يُعتقد أن العشاق سيقاتلون بفعالية كبيرة لإثارة إعجاب محبوبهم وحمايته. اتضح هذا النموذج جليًا في فرقة طيبة المقدسة، وهي فرقة من العشاق من نفس الجنس، الذين لم يهزموا في المعركة من 371 إلى 338 ق.م عندما قُتلوا في معركة خيرونيا.
روما
اتبع الرومان النموذج نفسه الذي اتبعه الإغريق، وهو أن يقيم رجل كبير في السن، راسخ في المجتمع، عَلاقة بشاب يستفيد منها، وكما هو الحال في اليونان، كان الجانب الجنسي في العَلاقة هو الأقل أهمية، وكان لا بد من وجود مودة واحترام حقيقيين مشتركين بين الطرفين لكي يعتبر ارتباطهما مشرفًا. كان الرجال الرومان المتزوجون يقيمون بانتظام علاقات غرامية بعشاق ذكور، وكما لوحظ في الثقافات الأخرى، كان العار أو الوصمة الوحيدة التي كانت تلحق بمثل هذه العَلاقة هي أن يؤدي الذكر الذي له مكانة ما دورًا سلبيًا. كان هذا يتعلق في المقام الأول بالجماع الشرجي والسماح لنفسه بأن يولج به، ولم يُنقد أي فعل أو وضع جنسي آخر. اشتهر يوليوس قيصر (100-44 ق.م) بممارسة علاقات مثلية، وجرت محاولات للتقليل من شأن شخصيته لتوليه الدور السلبي في الجنس، ومع ذلك، كان قيصر محاربًا ورجل دولة فذًا بما فيه الكفاية لتجاهل هذه الانتقادات والاحتفاظ بمكانته، ومن أشهر العلاقات المثلية الملتزمة في روما تلك التي كانت بين الإمبراطور الروماني هادريان (حكم من 117 إلى 138م) وعشيقه الشاب أنطونيوس (حوالي 110 إلى 130م)، ولكن هناك الكثير من العلاقات الأخرى المسجلة، ولا شك أن هناك الكثير غيرها من العلاقات بين أشخاص لم يهتم أي مؤرخ بالكتابة عنهم.
تعريف الهوية الجنسية في الثقافات القديمة الأخرى
كانت هذه النماذج نفسها موجودة في كل الثقافات الأخرى في العالم القديم، ففي تايلاند، اِعتُرِفَ بالجنس الثالث، المعروف باسم الكاثوي ("الفتيان الإناث") منذ القرن الرابع عشر الميلادي، على الرغم من أنه من المؤكد أنهم كانوا موجودين قبل ذلك، في الهند، تعاملت مدونة القانون الهندي مانوسمريتي (حوالي 1250 ق.م) مع العلاقات بين الجنسين من نفس الجنس والجنس الآخر على قدم المساواة، ويشير كل من هذا العمل وكتاب كاما سوترا الشهير (حوالي 400 ق.م) إلى جنس ثالث يعرف باسم الكينار (المعروف أيضًا باسم هجرة)، كلتا المجموعتان مهمشتان في الوقت الحاضر، ولكن لا يوجد في النصوص القديمة ما يوصمهما بالعار، وعلى عكس الثقافات الأخرى، لا يوجد أي خسارة في المكانة المرتبطة بجنس ثالث يلعب دورًا سلبيًا.
كانت القبائل الأمريكية الأصلية تعترف بجنس ثالث يُعرف في الوقت الحاضر باسم "ثنائي الروح" وهو ذكر وأنثى في آن واحد، فُقد المصطلح القديم لهذا الجنس، كما فُقد العديد من جوانب لغة الأمريكيين الأصليين وثقافتهم خلال الاستعمار الأوروبي للأمريكيتين، لذا فإنّ هذه التسمية حديثة. كان "ثنائي الروح" يحظى بتقدير كبير في المجتمع، وكما هو الحال مع أتباع إنانا وكوبيلي، كان يُعتقد أن الآلهة قد حولتهم من ذكر إلى أنثى، وكان الصبي الذي يشرع في شعائر البحث عن الرؤيا للانتقال إلى مرحلة الرجولة يزوره أحد الآلهة ويظهر له حقيقته، وإذا اختير وأصبح من "ثنائي الروح"، يعود إلى مجتمعه ويبدأ بارتداء ملابس النساء وأداء الأعمال المرتبطة بالإناث من أفراد القبيلة.
يوجد في جميع أنحاء أفريقيا عدد من التسميات المختلفة للأشخاص الذين يعرّفون أنفسهم على أنهم جنس ثالث، ومن بين هذه التسميات "أشيتيم" الذين هم، مثلهم مثل "ثنائي الروح" في الأمريكيتين، رجال يعرّفون أنفسهم كنساء ويؤدون المهام التقليدية للنساء. العديد من هؤلاء متزوجات من رجال، وعلى الرغم من تهميشهن اليوم، مثلهن مثل الكينار والكاثوي، إلا أنه كان يُعترف بهن بصفتهن كائنات متحوّلة إلهيًا في الماضي القديم.
الاستنتاجات
جاء التغيير الأول في هذا النموذج مع ظهور المسيحية وعدم تسامحها مع الأديان الأخرى والممارسات السابقة، فبمجرد أن اعتنقتها الإمبراطورية الرومانية بعد اعتناق قسطنطين للمسيحية وفُهمت تعاليمها على أنها الحقيقة المطلقة، لم يكن هناك مجال للنظر في الروايات الأخرى البديلة، ومع ذلك، فإن الكتاب المقدس نفسه لا يدين العلاقات المثلية وليس لديه ما يقوله عن الجنس الثالث على الإطلاق. أحد أكثر السطور التي يُستشهد بها عادةً لإدانة المثليين في الوقت الحاضر هو سفر اللاويين (18: 22) -"وَلاَ تُضَاجِعْ ذَكَرًا مُضَاجَعَةَ امْرَأَةٍ. إِنَّهُ رِجْسٌ."- وهذا لا يعبر إلا عن نفس الموقف الذي اتخذته العديد من الثقافات القديمة فيما يتعلق بالرجل "الذي يؤدّي دور المرأة" في الجنس؛ ولا عَلاقة له بالعلاقة المثلية.
يشيع أيضًا الاستشهاد بقصة سدوم وعمورة من سفر التكوين في الهجوم على مجتمع المثليين، ولكن حتى آباء الكنيسة مثل القديس أمبروز (ت 397م) فهموا أن خطيئة أهل المدينتين كانت خرق قواعد الضيافة، ولا علاقة لها بالهوية الجنسية. فِقْرة أخرى شهيرة من الكتاب المقدس أسيء فهمها، وهي رومية (1: 24-27)، التي تحذر من أن الناس الذين ينخرطون في أنواع المناسك والشعائر التي يمارسها أتباع الديانات الوثنية، مثل العربدة المقدسة والدعارة المقدسة، سوف يستسلمون لشهواتهم ويتركهم الله، ومرة أخرى، لا علاقة لها بالهوية الجنسية. إن أي تَرْجَمَة للكتاب المقدس تشجع على فهم أن الله يدين العلاقات المثلية هي تفسير خاطئ.
تأثرت العلاقات المثلية في جميع الثقافات المذكورة أعلاه سلبًا مع بداية المسيحية والمبشرين المسيحيين قبل أن ينتشر هذا النوع من التعصب الديني نفسه في الإسلام حتى في ديانات مثل البوذية التي شجعت في البداية العلاقات المثلية كما ذكرنا. إن هذا النوع من التعصب يولد ويغذيه جهل وخوف المجتمعات التي تحاول الحفاظ على ما تراه "قيمًا تقليدية" دون أن تفهم أن من بين أبسط هذه القيم المحبة واحترام الآخرين. يعلق سبنسر:
"الحياة الجنسية موجودة بكل عمقها وتعقيدها، بغض النظر عن كيفية محاولة المجتمع السيطرة عليها أو توجيهها. قد يقول البعض أنها أعظم قوة بداخلنا وربما هذا هو السبب في أننا نظهر مثل هذا الخوف منها، ونستمر في إخضاعها وترويضها، وغالبًا دون الحاجة لذلك. إن "الجنس غير المنضبط" مرتبط في أذهاننا بالهمجية، بانحلال نسيج الحضارة، وربما بتطورنا نحن، ربما لهذا السبب، احتفظ المجتمع لقرون عدّة بأكبر قدر من اللوم الأخلاقي للسلوك الجنسي غير التقليدي. كم كان يمكن أن يكون تاريخنا مختلفًا لو أن "الأخلاق" كانت تهتم حصريًا بمدى إنسانية المجتمع وتسامحه، بدلًا من أن تكون مهووسة بكيفية حصولنا على النشوة الجنسية" (11)
ظل مجتمع المثليين مهمشًا لما يقرب من 2000 عام حتى أواخر القرن العشرين، عندما بدأ الأفراد في تأكيد حقهم في العيش بحرية مع هويتهم الجنسية مثل أي شخص آخر. كان تمرد ستونوول في الولايات المتحدة، 28 يونيو 1969م في نزل ستونوول في قرية غرينتش فيلاج، نيويورك، الحدث المحوري الذي شجع مجتمع المثليين على الخروج من الظل والمطالبة بحقوقهم المدنية. ألهم مثال المناضلين من أجل الحرية في نزل ستونوول، الذين قاوموا نظامًا قانونيًا ظالمًا ومتحيزًا استمر في إبقائهم مهمشين وخائفين، الآخرين في جميع أنحاء العالم لمحاكاتهم في المطالبة بقبول العالم الحديث الذي منحه القدماء لهم دون مقابل.