التصور المسيحي للجنس كخطيئة

مقال

Rebecca Denova
بواسطة ، تمت ترجمته بواسطة Mahmoud Ismael
نُشر في 27 August 2021
استمع إلى هذه المقالة
X
طباعة المقالة

كانت النشاط الجنسي في العالم القديم، أمرًا حاسمًا لاستمرار بقاء القبيلة والعشيرة بالإضافة إلى كونه لذة ممتعة، وهدية من الآلهة، حيث أكدت الآلاف من الطوائف المحلية على الخصوبة من خلال الطقوس والصلوات، وتم تصوير الآلهة الذكور القديمة مع الآلهات الإناث منسجمين ومنجبين للذرية، وكان هناك قبول واسع لفوائد النشاط الجنسي؛ حيث يضمن الإنجاب بقاء الجماعة، وكانت صور الآلهة والإلهات إما عارية أو غير محتشمة، مبرزين الصفات الذكورية والأنثوية ودورهم في الخصوبة.

Adam & Eve
آدم وحواء
Peter Paul Rubens (Public Domain)

كان لكل فرد من أفراد الأسرة واجبات دينية، مع التركيز بشكل أساسي على التحضير لأدوارهم الاسمي في التناسل، ومن خلال الإنجاب، يمكن أن تنتقل تقاليد الأجداد من جيل إلى جيل، تم تقديم هذه الواجبات في صيغة تشريعات، وقد أقرت جميع الثقافات بأنها تشريعات الهية، حيث اتبعت المسيحية هذا النمط نفسه عندما طورت قواعد السلوك الخاصة بها من أجل ما يعرف بــ "الحياة المسيحية".

آباء الكنيسة

وادعى المسيحيون لأسباب مختلفة، أن أصل كل هذه الشرور عبادة الأصنام التي خلقت الانحراف السلوكي والجنسي،

كتبت مجموعة من القادة والأساقفة المسيحيين المعروفون تاريخياً بــ"آباء الكنيسة" (جميعهم من غير اليهود) في منتصف القرن الثاني الميلادي، بعد انفصال المسيحية عن اليهودية، وبأثر رجعي، رسائل وأطروحات أصبحت في النهاية عقيدة مسيحية، فعندما بدأت الإمبراطورية الرومانية في اضطهاد المسيحيين لجريمتهم المتمثلة في الكفر ("عدم الإيمان بالآلهة")، ناشد الكتاب المسيحيون الإمبراطور الروماني لإثبات أن المسيحيين رغم ذلك مواطنين صالحين.

فعلوا ذلك من خلال مقارنة أنماط حياة غير المسيحيين بتلك الخاصة بالمسيحيين، كان هذا فعل قديم لتشكيل وجهة نظر المرء عن طريق الإشارة إلى عيوب الآخرين، وكان على المسيحيين ملحوظات كافية للعمل عليها، كما انتقد كتاب آخرون الاستبداد الواضح لروما، وادعى المسيحيون لأسباب مختلفة، أن أصل كل هذه الشرور عبادة الأصنام التي خلقت الانحراف السلوكي والجنسي، هذا هو السبب في أن الأدب في هذه الفترة يبدو شبه مهووس بموضوعات الجنس خاصتاً بين البشر.

تأثر آباء الكنيسة بتعليمهم وخبراتهم السابقة:

  • تعلمهم في مدارس الفلسفة الرومانية واليونانية
  • إلمامهم بالكتابات اليهودية
  • تفاعلهم مع أنماط الحياة اليونانية الرومانية

قامت مدارس الفلسفة التي تعني ("حب الحكمة") بتحليل العلاقة بين الجسد المادي والروح التي تُفهم الآن على أنها جوهر الشخص التي نشأت من الإله الأعلى، ولا ينبغي لدوافع الجسد (الشهوات)، أن تتحكم في حياة المرء، وأنه بالأحرى التركيز على العقل (العناصر السامية) والذي يجب أن يكون له الأسبقية، وقاموا بتطبيق التشبيهات والقياس كما في الرياضيات في خطاباتهم، بناءً على المصطلح اليوناني (ascesis) (الانضباط) نادوا أن الرجال يجب أن يدربوا الجسم ضد السلوك المفرط في الأكل والشرب والنشاط الجنسي، يُعرف هذا المفهوم بالزهد، أي عدم الانغماس في رغبات الجسد.

Marble Head of a Philosopher
رأس من الرخام لفيلسوف
Metropolitan Museum of Art (Copyright)

كان من المهم للغاية السيطرة على العواطف (اللامبالية)، لا سيما عندما يتعلق الأمر بالجماع، إذ تعتبر لحظة النشوة الجنسية أكثر لحظة يفقد فيها الرجال السيطرة، وهذا لا يعني أن المدارس تقف ضد أهمية الإنجاب، فمعظمهم يتغاضون عن فعل الزواج لزيادة عدد سكان (المدينة الدولة)، ومع ذلك، يجب أن يقتصر الجماع على الزواج، ولا ينبغي الانغماس فيه خارج عقد الزواج.

قامت مدارس الفلسفة بتدريس الطب والنظريات الطبية، وكانت التفسير الذي فهموا بها أدوار الجنسين عن طريق "الدم"، فكان لدى الرجال دم ساخن، مما جعلهم نشيطين؛ كانت النساء بدم بارد، مما يجعلها سلبية، كما عرف القدماء أساسيات الجماع، لكنهم اعتقدوا أن المرأة يمكن أن تحمل فقط وهي ملقاه على ظهرها، كوعاء للسائل المنوي، وكان من المفهوم أن جميع الصفات الجسدية تأتي من السائل المنوي؛ كان الرحم مجرد حاضنة لتغذية الجنين حتى الولادة.

كتب الأنبياء وصراع أنماط الحياة

شهد تاريخ اليهود العديد من الكوارث الوطنية مثل الغزو الآشوري عام 722 ق.م والغزو البابلي للمعبد وتدميره عام 587 ق.م، أوضح أنبياء إسرائيل أن الرب استخدم الأمم الأجنبية لمعاقبة إسرائيل على الخطيئة الكبرى المتمثلة في السماح بعبادة الأصنام في الأرض، ونظرًا لأن عبادة الأصنام شملت آلهة الخصوبة، فقد استخدموا الاستعارات والتشبيهات الجنسية، مثل مصطلح (pornea) في العهد القديم الذي يعني "الزنا الجنسي" (وهو مصدر المصطلح الحديث "الإباحية")، فعملياً، يعني المصطلح الاقتران الجنسي غير المشروع ويشير إلى قوانين سفاح القربى أو درجة القرابة المسموح بها في الزواج، أما بالنسبة للأنبياء، فإن عبادة الأصنام أدت إلى الفجور الجنسي، المؤدي للموت نتيجة (الكوارث الوطنية).

تفاعل بعض اليهود تجاه الدين اليوناني ونمط الحياة اليونانية عندما غزا الإسكندر الأكبر (حكم 336-323 ق.م) الشرق الأوسط وأدخل الثقافة اليونانية، حيث انتقدوا الحياة الجنسية المفتوحة في الثقافة اليونانية باعتبارها خللاً أخلاقياً وتؤدي إلى الفساد، أنشأ بعض اليهود قوائم رذيلة معيارية لوصف غير اليهود، واستخدم بولس الرسول لاحقاً هذه القوائم المشتركة في تعاليمه:

وَلاَ سَارِقُونَ وَلاَ طَمَّاعُونَ وَلاَ سِكِّيرُونَ وَلاَ شَتَّامُونَ وَلاَ خَاطِفُونَ يَرِثُونَ مَلَكُوتَ اللهِ. وَهكَذَا كَانَ أُنَاسٌ مِنْكُمْ. لكِنِ اغْتَسَلْتُمْ، بَلْ تَقَدَّسْتُمْ، بَلْ تَبَرَّرْتُمْ بِاسْمِ الرَّبِّ يَسُوعَ وَبِرُوحِ إِلهِنَا. (1 كورنثوس 6: 9-10).

أصبحت قوائم الرذيلة تلك معيارا للنقد المسيحي للثقافة السائدة، وبحلول القرن الأول الميلادي اشتهرت تلك الطوائف الدينية القديمة المعروفة باسم العبادات الغامضة، وكان لدي بعض تلك العبادات مثل (دِيمِتَر- ديونيسيوس - الإلهة الأم - بونا ديا) طقوس ابتدائية، حيث يقسم المشاركون على إبقاء الطقوس سرية. وضعت تلك العبادات الأعراف الاجتماعية جانباً مؤقتًا، فشربت النساء النبيذ علانية، وحتى العبيد تم الترحيب بهم. ادعى غير المشاركين بتلك الطقوس أنها تضمنت سلوكًا جنسيًا سريًا ومتباينًا وإدماناً للكحوليات، وكانت الكلمة اليونانية (orgia) تعني في الأصل "الطقوس الدينية"، ولكن المسيحيين يستخدمونها الآن لوصف جميع الأعياد الدينية المحلية المتمثلة في طقوس الجنس الجماعي المنحرف.

Marble Statuette of Bona Dea
تمثال صغير من الرخام للإله بونا ديا
Andrea Pancotti (CC BY-SA)

لا يزال هذا المفهوم لأساليب الحياة الوثنية القديمة يتردد صداه في المناظر الحديثة وصور هوليوود. ومع ذلك، من المهم أن ندرك أن الأدب المسيحي عن الوثنيين كان جدليًا، حيث استخدام حججاً لتوضيح مغزاهم، ولا يزال من الممكن أن نذهل من المواقف القديمة تجاه الجنس، خاصة بين الأغنياء والمشاهير في روما، لكن الجدل ليس دليلاً، حيث استمر معظم غير المسيحيين في اتباع القواعد الاجتماعية في أدوارهم للزواج والإنجاب لصالح المجتمع.

ومع ذلك، تبنى آباء الكنيسة مصطلح "الزنا" (pornea) كوصف عام لأساليب الحياة اليونانية الرومانية، مما سيؤدي إلى إدانتهم في الحياة الآخرة، تترجم معظم الأناجيل الإنجليزية "الفجور الجنسي" على أنه "زنا"، وهي مشتقة من الكلمة اللاتينية (forne) ("الأقواس") التي كانت إشارة للطريقة التي تمارس بها بائعات الهوى أعمالهن تحت أقواس النصر، أصبح الزنا مثالاً على أي اتصال جنسي خارج إطار الزواج.

خطيئة حواء وجميع النساء

شملت الأفكار السائدة عن النساء في روما القديمة فكرة أن النساء سيحاولن دائمًا إغواء الرجال حتى يتمكنوا من السيطرة والهيمنة عليهم، وبكونهن أضعف، فإن الإغواء بـــــــ (ملابسهن ومكياجهن وسلوكهن الجنسي) هي الأدوات الوحيدة التي تمتلكها النساء، كما تأمل الكتاب المسيحيون أيضا في مصدر هذه الطبيعة المتأصلة للمرأة وأعادوا تفسير الأحداث التي أدت إلى الهبوط من جنة عدن.

Temptation & Expulsion from Paradise, Sistine Chapel
الإغراء والطرد من الجنة، كنيسة سيستين
Michelangelo (Public Domain)

يشرح سفر التكوين كيف دخل الشر إلى العالم من خلال خطيئة عصيان آدم وحواء، بدأ المسيحيون في إلقاء اللوم على حواء حصراً في الهبوط من جنة عدن، وتشكلت تلك الشخصيات المتآمرة في سفر التكوين، حيث الأفعى هي معادل الشيطان الان وباستعارة صورة إله الخصوبة "بان"، أغوى الشيطان حواء بقضيبه الضخم، في الأصل جعل الرب الجماع وسيلة للإنجاب، ولكن من خلال إغواء حواء ومن ثم إغواءها لآدم، دخلت الشهوة الجنة وأصبحت جزء من الجماع البشري.

كان لدي ترتليان (160-225 م)، وهو أسقف من شمال أفريقيا الكثير ليقوله عن المرأة والجنس:

ألا تعلمي ذلك يا حواء؟ لا يزال حكم الرب معلقًا على كل جنسك وعقابه يثقل عليك، انتِ بوابة الشيطان، أنت أول من أكلتِ من الشجرة المحرمة وخرقتِ شريعة الرب، كنت أنتِ من أغواكِ الشيطان وليس أدم لان الشيطان لم يكن يمتلك القوة لمهاجمته، بأي سهولة حطمتِ صورة الرب تلك: أيها الإنسان! بسبب الموت الذي تستحقه، حتى ابن الرب كان يجب أن يموت. (في لباس المرأة، الفصل الأول).

كانت خطيئة الشهوة بحسب ترتليان، هي السبب الذي دفع الرب إلى إرسال المسيح إلى العالم ليموت ويكفر عن هذه الخطيئة الأولى، كما كفّر المسيح عن خطيئة آدم، تم التكفير عن خطيئة حواء في حياة مريم، والدة يسوع، أنتج القرن الثاني الميلادي قصصًا عن خلفية مريم، والتي نشأت على يد قساوسة في الهيكل حيث لم تصادف الشر أبدًا، وأصبحت مريم عذراء دائمة ونموذجًا مثاليًا لجميع النساء.

كان لآباء الكنيسة قواعد لممارسة الجنس، كشر لا بد منه، لم يُسمح إلا بوضع واحد: الرجل في الأعلى والمرأة في الأسفل، أي وضع آخر يشير إلى أن الهدف ليس الإنجاب، بل الشهوة، عندما التقى المبشرون المسيحيون فيما بعد بالسكان الأصليين في الأميركتين وإفريقيا وآسيا، علموهم الطريقة "الصحيحة" لممارسة الجنس؛ من هنا أتي اسم الوضع الجنسي المعروف بـــ "الوضع التبشيري"، ولا يمكن أن يتم الاتصال الجنسي إلا في إطار زواج مسيحي شرعي، ولا يمكن الجماع إلا عندما تكون المرأة في سن الإنجاب، وبمجرد دخول المرأة سن اليأس أو إذا كانت عقيمة بعد عدة سنوات، يجب أن تتوقف جميع الأنشطة الجنسية.

البتولية والعفة

بنت المسيحية تسلسلاً هرميًا مؤسسيًا لانتخاب الأساقفة ("المشرفين") باعتبارها ديانة مستقلة في القرن الثاني الميلادي، ولكن لم تكن هناك سلطة مركزية للديانة مثل الفاتيكان اللاحق الذي حدد المفاهيم والطقوس العالمية للديانة؛ وأصبح لكل طائفة تعاليم مختلفة خاصة بها، وكان من بين هذه الطوائف "الغنوصيين"، تعني الغنوصية "المعرفة"، وادعوا أن لديهم معرفة سرية حول طبيعة المسيح وكذلك تعاليمه، ادعت معظم الطوائف الغنوصية أن الأجساد البشرية قد خلقها شيطان أقل مكانة من الرب، وأن يسوع المسيح لم يكن له أبدًا جسد بشري؛ ظهر فقط في شكل بشري ليعلمنا.

ومع ذلك، استعار آباء الكنيسة بعض الأفكار الغنوصية في التسلسل الهرمي الكنسي واعتمدوا مفهومي البتولية والعفة لرجال الإكليرو.

كان الغنوصيون هم أول الزاهدون الذين مارسوا البتولية والعفة، للقضاء على خلق الأجساد الشريرة، وتعني البتولية تقنيًا عدم الزواج نهائيا، بينما العفة عدم ممارسة الجنس تماماً، عارض آباء الكنيسة مثل هذه التعاليم من خلال المفاهيم المبتكرة للأرثوذكسية ("الإيمان القويم") ضد الهرطقات ("المعتقدات المنحرفة")، ومع ذلك، استعار آباء الكنيسة بعض الأفكار الغنوصية في التسلسل الهرمي الكنسي واعتمدوا مفهومي البتولية والعفة لرجال الإكليروس، مما جعلهم في مرتبة أعلى من غيرهم، إذ يعتبروا تضحية حية، فقد ضحى الأساقفة بحياة زوجية طبيعية و أطفال لإيهاب أنفسهم للكنيسة، الأمر الذي وضع هالة من القداسة للقادة المسيحيين الغير الملوثين بالخطايا الجنسية.

يكتب آباء الكنيسة الان باللاتينية، ويستخدمون مصطلحي "الشهوة الجنسية" ("الرغبة القوية") و "كبح الشهوة" ("ضبط النفس")، كتبت رسائل حول تفاصيل الترويج للزهد، والتي تضمنت الزهد في النظام الغذائي، أدى تناول اللحوم إلى الطبيعة الحيوانية، بينما أدى شرب الخمر إلى الرغبة الجنسية، وأصبح التحكم في شهوات الجسد وتقييدها هو المثل الأعلى للحياة الروحية.

أمن بولس الرسول أن ملكوت الرب أصبح وشيكاً وأن جميع الأعراف الاجتماعية ستنقلب، فخاطب المخطوبين أن يبقوا كما هم وألا يتزوجوا وعلم الأرامل عدم السعي للزواج الثاني، واتخذ آباء الكنيسة تعاليم بولس كمبادئ عامة واخترعوا نظام البتولية مدى الحياة كمثال أعلي لجميع الرجال وخاصة النساء، تم حث المسيحيين الآن على تسليم إحدى بناتهن لتكريس حياتهن للكنيسة في سن مبكرة، عندما بدأ المسيحيون في بناء الكنائس (الكاتدرائيات)، كانت إحدى الطرق لجعلهم هذه الأماكن ذات قدسية من خلال الوجود المادي لهؤلاء العذارى في كل الطوائف، ولم يكن على الأرامل أن يتزوجن مرة أخرى وكان من المتوقع أن يساهمن في الأعمال الخيرية للمجتمعات المسيحية من خلال الأموال التي ورثنها.

St. Catherine's Monastery, Sinai
دير سانت كاترين بسيناء
Marc!D (CC BY-NC-ND)

بدأت الرهبنة المسيحية مع الأنبا أنطونيوس المصري (حوالي 250 م) عندما انتقل إلى الصحراء ليكرس حياته للرب، وسرعان ما تبعه آخرون، ووفر إنشاء الأديرة أماكن للعيش الجماعي، وكان الرهبان يؤمنون أيضًا بالزهد، وتأديب الجسد، وخاصة ضد إغراءات الشيطان، وتذخر أدبياتهم المعروفة باسم "آباء وأمهات الصحراء" بتفاصيل نضالاتهم ضد الشيطان وأعوانه، الذين أغووهم بصور المآدب العظيمة والنساء المغريات، وأصبح الرهبان نماذج مثالية لاستخدام الصلاة لتأديب رغبات الجسد.

أوغسطينوس والخطيئة الأصلية

كان القديس أوغسطينوس (354-430 م) أسقفًا في شمال إفريقيا وأسس ديرًا خاصًا به، توصف اعترافاته بأنها أول سيرة ذاتية في الغرب، فقبل اعتناقه المسيحية (386 م)، كان في علاقة علانية مع سيدة لمدة 15 عامًا، وباختياره أن يكون أسقفًا عازبًا، لم يكن لدى أوغسطينوس مشكلة في الجانب الجسدي للجنس، ومع ذلك، لم يستطع التوقف عن التفكير في الأمر، مما قاده إلى التفكير في سبب ارتكاب البشر للشر والخطيئة بينما هم يعرفون الصواب من الخطأ.

روى أوغسطينوس في فقرة شهيرة في اعترافاته، أنه عندما كان مراهقًا، سرق هو ومجموعة من أصدقائه الفاكهة من شجرة أحد الجيران، علي الرغم من أنهم لم يكونوا فقراء ولم يكونوا جائعين، ولكن يبقي السؤال لماذا فعلوا هذا؟ لجأ أوغسطينوس مثل الكثير من الكتاب المسيحيين، إلى سفر التكوين والسقوط من عدن للحصول على إجابة، فبعد الخلق " وَكَانَا كِلاَهُمَا عُرْيَانَيْنِ، آدَمُ وَامْرَأَتُهُ، وَهُمَا لاَ يَخْجَلاَنِ". (تكوين 2:25)، ولكن بعد أن دخلت الحية القصة وعصى آدم وحواء الرب، "انْفَتَحَتْ أَعْيُنُهُمَا وَعَلِمَا أَنَّهُمَا عُرْيَانَانِ. فَخَاطَا أَوْرَاقَ تِينٍ وَصَنَعَا لأَنْفُسِهِمَا مَآزِرَ". (تكوين 3: 7)، عندما جاء الرب ليبحث عنهم، كانوا يختبئون لأنهم كانوا عراة وخجلون، بعبارة أخرى، حدث شيء "شرير" بين المقطعين وهو الجماع العاطفي.

Adam & Eve Engraving by Dürer
نقش آدم وحواء من قبل دورر
Metropolitan Museum of Art (Copyright)

يبقي السؤال ألم يخلق الرب الأعضاء التناسلية؟ ألم يأمر الرب "أن تثمر وتكثر" (تكوين 9: 7)، نعم رد أوغسطينوس، لكن في الأصل، كان هذا النشاط مجرد وظيفة طبيعية للإنسان، مثل المشي أو تناول الطعام، فلم تكن الخطيئة عصيانًا كبيراً، بل كانت إدخال الشهوة إلى عملية الجماع، حيث ربط سفر التكوين فعلهم بالعار بسبب فقدانهم السيطرة على عواطفهم، والعار من عريهم، وكان هذا الفعل مسؤولاً عن موت الإنسان، بالإضافة إلى الشعور بالذنب، أضاف أوغسطينوس عنصرًا فريدًا إلى خطيئة الشهوة، بصفت أدم وحواء أسلاف كل البشر، تركت أول عملة جماع بقعة سوداء على الجنين، كعلامة الخطيئة الأصلية، وقد انتقلت هذه البقعة إلى جميع الأحفاد لأن جميع الأجنة يتم إنجابها عن طريق الجماع، إذاً فلماذا يرتكب البشر الشر؟ لا يوجد رد. فقد ورثناه.

خلق الرب في الأصل الإرادة الحرة في البشر وفقًا لأوغسطينوس، لكنها ضاعت في تلك اللحظة في عدن بسبب خطيئة الشهوة، لم يعد أحفادهم قادرين على اختيار الخير على الشر بحرية؛ هذه الحرية طغت عليها قوة الخطيئة، التي تظهر الآن في الجسد، وقد عرف أوغسطينوس البشرية على أنها الجماهير المُدانَة، لأننا حُبلنا بالخطيئة، كانت طقوس التعميد هي بدء القبول في المجتمع الجديد، لكنها لم تقض تمامًا على نزعة الإنسان للشر، اعتمادًا على الفكرة التي طرحها بولس، فإن الشيء الوحيد الذي يمكن أن ينقذ البشر من الإدانة هو نعمة الرب، النعمة بهذا المعنى مشتق من الكلمة اليونانية "charis"، والتي تعني "هدية"، كانت هدية الرب للبشرية هي إرسال المسيح ليقود الطريق إلى الخلاص وغفران خطايانا، كانت هذه هدية حقًا لأن البشر لا يمكنهم أبدًا تحقيق الخلاص بمؤهلاتهم الخاصة.

غير أوغسطينوس إلى الأبد تفسير قصة آدم وحواء، وتجدر الإشارة هنا إلى أنه لا يوجد وصف للجنس في جنة عدن، فقد أنجبوا أولادهم بعد طردهم منها، وبالرغم من ذلك، أصبحت نسخة أوغسطينوس معيارًا في الأدب والفن الغربيين.

تراث وجهات النظر المسيحية عن الجنس البشري

شهدت بدايات المسيحية اضطهادات ومجاعات وأوبئة واضطرابات أسرية وحروب وغزوات بربرية، فحاول الناس في ذلك الوقت، وكما هو الحال الآن، تفسير كل هذه الكوارث من منظور ديني، إذا يرى أوغسطينوس أن الشر موجود بسبب فقدان الإرادة الحرة، والخطيئة هي عدم القدرة على مقاومة الإغواء، المادة نفسها ليست شرًا، بل الإسراف في المادة (خطايا الجسد) هي عين الشر، فالبشر مسئولون عن الشر، وسوف يدينهم الرب، والحل الذي اقترحه هو الإيمان بالمسيح وممارسة ضبط النفس.

انتشرت كتابات أوغسطينوس عبر أوروبا وأصبحت أساسًا للكنيسة في العصور الوسطى، وأصبحت القواعد واللوائح الخاصة بالسلوك المسيحي مقدسة باعتبارها ناشئة عن خطايا الجسد، قام مارتن لوثر (1483-1546)، الراهب الأوغسطيني السابق، بتطبيق تعاليمه على الإصلاح البروتستانتي، مع ظهور الدول القومية في العصر الحديث، قامت القوانين المدنية بوضع العديد من قواعد السلوك هذه في دساتيرها، ويظل ميراث هذه الأفكار جزءًا لا يتجزأ من الخطاب الحديث حول استخدامات الجسد وإساءة استخدامه.

قائمة المصادر والمراجع

موسوعة التاريخ العالمي هي إحدى شركات Amazon Associate وتحصل على عمولة على مشتريات الكتب المؤهلة.

نبذة عن المترجم

Mahmoud Ismael
مدرس تاريخ مهتم بترجمة المقالات والأبحاث التاريخية.

نبذة عن الكاتب

Rebecca Denova
ريبيكا آي دينوفا، حاصلة على درجة الدكتوراه، أستاذة فخرية للمسيحية المبكرة في قسم الدراسات الدينية بجامعة بيتسبرغ. وقد أكملت مؤخرًا كتابًا دراسيًا بعنوان "أصول المسيحية والعهد الجديد" (وايلي بلاكويل)

استشهد بهذا العمل

نمط APA

Denova, R. (2021, August 27). التصور المسيحي للجنس كخطيئة [The Christian Concept of Human Sexuality as Sin]. (M. Ismael, المترجم). World History Encyclopedia. تم استرجاعها من https://www.worldhistory.org/trans/ar/2-1815/

أسلوب شيكاغو

Denova, Rebecca. "التصور المسيحي للجنس كخطيئة." تمت ترجمته بواسطة Mahmoud Ismael. World History Encyclopedia. آخر تعديل August 27, 2021. https://www.worldhistory.org/trans/ar/2-1815/.

أسلوب إم إل إيه

Denova, Rebecca. "التصور المسيحي للجنس كخطيئة." تمت ترجمته بواسطة Mahmoud Ismael. World History Encyclopedia. World History Encyclopedia, 27 Aug 2021. الويب. 20 Nov 2024.