كان بولس يهوديًا فريسيًا، في القرن الأول الميلادي، ثم ظهر له يسوع المسيح في رؤية، كلفه فيها بأن يكون رسولًا (مبشرًا) للأمم (غير اليهود)، وبعد هذه التجربة، طاف على نطاق واسع في جميع أنحاء الإمبراطورية الرومانية، لينشر "البشارة" التي مفادها أن يسوع سيعود قريبًا من السماء ليعلن ملكوت الله على الأرض.
لدينا في العهد الجديد، 14 رسالة منسوبة تقليديًا لبولس، لكن إجماع العلماء يعترف الآن بسبعة رسائل من بين الأربعة عشر كتبها بولس وهما:
- الرسالة الأولي لأهل تسالونيكي.
- الرسالة إلى أهل غلاطية.
- الرسالة إلى فليمون.
- الرسالة إلى أهل فيليبي.
- الرسالة الأولي والثانية إلى أهل كورنثوس.
- الرسالة إلى أهل رومية.
لا تزل الرسالة الأولي والثانية لأهل تسالونيكي، والرسالة إلى أهل أفسس، والرسالة إلى أهل كولوسي موضع جدل بين بعض العلماء، أما رسائله الرئيسية الأخرى (الرسالة الأولي والثانية إلى تيموثاوس، والرسالة إلى تيطس) فقد كتبها على الأرجح تلاميذ بولس، مستخدمين اسمه لإعطائهن شرعية. نجت رسائل بولس من الضياع بين عامي 52م و60م، وعلى الرغم من أننا لا نستطيع تحديد متى جُمعت، إلا أن كليمنت الأول، أسقف روما في تسعينيات القرن الأول الميلادي، اقتبس من رسالة بولس الأولي إلى أهل كورنثوس.
طبيعة رسائل بولس
نُعّرِف هذه الرسائل بأنها وَقتِيّة، حيث لم تكتب في علم اللاهوت النظامي أو في شكل بحوثات حول المسيحية، فتلك الرسائل تعبير عن ردود على ظروف ومشاكل محددة ظهرت في المجتمعات التي وجد بها بولس، حيث كان يقضى بولس بعض الوقت في المدن ليؤسس جماعات مسيحية ثم ينتقل إلى أخري، وكان يتلقى رسائل وأحيانًا تقارير تحتوي على أسئلة مفصلة أو نصائح حول كيفية تسوية النزاعات، لسوء الحظ، عندما حُفِظت ونُشِرت رسائل بولس، لم يتم الحفاظ على رسائله الأصلية إلي المجتمعات التي وجد بها، ولا يمكنا معرفة المشاكل الأصلية إلا عن طريق إجابات بولس عليها.
يُعرف بولس بأنه أشهر متحول في التاريخ وفقًا (لأعمال الرسل)، فهو لم يخضع فعليًا للتحول، حيث يفترض التحول التغيير من نظام ديني إلى آخر، لكن في ذلك الوقت لم يكن هناك نظام مسيحي ليتحول إليه، وكان بولس نفسه غامضًا فيها يتعلق بهويته الذاتية:
"فَصِرْتُ لِلْيَهُودِ كَيَهُودِيٍّ لأَرْبَحَ الْيَهُودَ. وَلِلَّذِينَ تَحْتَ النَّامُوسِ كَأَنِّي تَحْتَ النَّامُوسِ لأَرْبَحَ الَّذِينَ تَحْتَ النَّامُوسِ. وَلِلَّذِينَ بِلاَ نَامُوسٍ كَأَنِّي بِلاَ نَامُوسٍ - مَعَ أَنِّي لَسْتُ بِلاَ نَامُوسٍ للهِ، بَلْ تَحْتَ نَامُوسٍ لِلْمَسِيحِ - لأَرْبَحَ الَّذِينَ بِلاَ نَامُوسٍ. صِرْتُ لِلضُّعَفَاءِ كَضَعِيفٍ لأَرْبَحَ الضُّعَفَاءَ. صِرْتُ لِلْكُلِّ كُلَّ شَيْءٍ، لأُخَلِّصَ عَلَى كُلِّ حَال قَوْمًا". (كورنثوس الأولي 9: 20-22)
أما فيمَا يتعلق بما حدث لبولس، فمن الأفضل أن نتبع ما يقوله، حيث قال إنه "دُعي"، وهذا هو تقليد الطريقة التي دُعي بها أنبياء إسرائيل إلى خدمتهم الفردية.
"وَأُعَرِّفُكُمْ أَيُّهَا الإِخْوَةُ الإِنْجِيلَ الَّذِي بَشَّرْتُ بِهِ، أَنَّهُ لَيْسَ بِحَسَبِ إِنْسَانٍ. لأَنِّي لَمْ أَقْبَلْهُ مِنْ عِنْدِ إِنْسَانٍ وَلاَ عُلِّمْتُهُ. بَلْ بِإِعْلاَنِ يَسُوعَ الْمَسِيحِ". (غلاطية 1: 11-12).
جادل بولس بأن هذه التجربة أعطته نفس القدر من الشرعية التي مُنِحت للدائرة الأصلية في أورشليم: (بطرس، يعقوب، ويوحنا). كانت دعوة بولس ليكون رسولًا للأمم صادمة لأنه، كما اعترف صراحةً، كان قد "أَضْطَهِدُ كَنِيسَةَ اللهِ" (غلاطية 1: 13). لم يشرح أبدًا ما فعله، ولا لماذا فعل ذلك. جُمِعَ في رسائل بولس بين اسم يسوع والمسيح، وهو الاسم اليوناني للمسيح اليهودي ("الممسوح بالزيت المقدس")، أصبح مفهومًا أن "يسوع المسيح" لقبًا وأصبح شائعاً كعبارة تشير إلى هُوِيَّة ووظيفة السيد المسيح.
قَبُول الأمم
يصف كُلًا من سفر أعمال الرسل ورسالة بولس إلى أهل غلاطية اجتماعًا عُقد في أورشليم لحل حدث غير متوقع، فعندما أخذ المبشرون تعاليم يسوع الناصري إلى مدن أخرى، وجدوا أن الأمم أرادوا دخول المسيحية. "الأمم" هو المصطلح الواسع لأي شخص لم يكن يهوديًا، حيث كثيرًا ما شارك العديد من غير اليهود في المعابد اليهودية في المدن، لإعجابهم بالتعاليم والأخلاق اليهودية، لقد عُرفوا باسم "خائفو الله" في أعمال الرسل (أولئك الذين احترموا إله إسرائيل)، وكانوا على دراية بالتلميحات الكتابية في تعاليم أتباع يسوع.
كان على القادة أن يقرروا ما إذا كان بإمكان هؤلاء غير اليهود الانضمام إلى الحركة المسيحية دون أن يصبحوا يهودًا أولًا، حيث كان لليهودية علامات هُوِيَّة فريدة مستقاة من شريعة موسي مثل: (الختان، قوانين الطعام، وشَعِيرة السبت). في الاجتماع تقرر، أنه لا يتعين على هؤلاء الأشخاص الخضوع للختان، ولا سمات الهُوِيَّة اليهودية الأخرى، ولكن يجب عليهم الامتناع عن "نَجَاسَاتِ الأَصْنَامِ" (أعمال الرسل 15: 20)، وتجنب أي لحم حيوان مخنوق أو مقتول في البرية. كان عليهم أيضًا أن يتوقفوا عن "فجورهم الجنسي" الذي قد يكون إشارة إلى اتباع قوانين سفاح القربى اليهودية وليس قوانين الثقافة السائدة. شعر بولس ببياض وجهه بهذا القرار لأن هذا هو ما كان يعلمه في مجتمعاته لسنوات عديدة.
بات من الواضح أن مسألة إدماج الأمم ظلت موضع نقاش في المجتمعات المحلية، على الرغم من اتخاذ القرار بشأنهم في أورشليم، هذه المشكلة موجودة في كل رسائل بولس. يفتتح بولس رسالته إلى أهل غلاطية بالشكوى من أنه بعد أن غادر المنطقة، جاء رسل كذبة وعلموا "إِنْجِيل آخَرَ!" (غلاطية 1: 6)، بمعنى آخر، استمر بعض المسيحيون في الإصرار على أن يصبح الأمميون يهودًا أولًا. إن حجج بولس لضم الأمم دون أن يصبحوا يهودًا تضمنت جدلًا صارمًا في بعض الأحيان ضد الرسل الكذبة، وأفضي هذا إلى اعتقاد خاطئ بأن بولس علّمَ ضد دينه السابق "اليهودية" في ضوء الدين الجديد.
كانت شريعة موسى موجهة لليهود فقط، فيمَا يتعلق بالهوية العرقية؛ ولم يكن من المتوقع أبدًا أن يتبنّى الأمميون علامات الهُوِيَّة اليهودية. تنبأ جميع أنبياء إسرائيل أنه في الأيام الأخيرة، سيتحول بعض الأمم ويعبدون إله إسرائيل، وسوف يصبحون جزءًا من إسرائيل ولكنهم سيحتفظون بهويتهم العرقية كأمم، وكل ما كتبه بولس عن اليهودية والأمم كان مرتبطًا بهذا. أقنع تحول الأمم بولس بأن ما تنبأ به الأنبياء كان واضحًا في مجتمعات المؤمنين.
أُخْرَوِيَّات بولس ومحنه
لنتذكر أمرًا هامًا عند قراءة رسائل بولس، أنه في سياق إرسالياته، كان يعمل ضمن إطار زمني محدود. لقد بشّر يسوع عن قرب ملكوت الله قبل حوالي 20 عامًا، وبالنسبة لبولس، كان لا يزال يتعين توضيح ذلك، بالرغْم أن "الْوَقْتُ مُنْذُ الآنَ مُقَصَّرٌ" (كورنثوس الأولي 7: 29). لم يكن بولس يؤسس دينا جديدًا؛ حيث كان يعتقد أن جيله هو الأخير قبل نهاية الزمان عندما يتحول الكون وتتغير جميع الأعراف الاجتماعية. تبنى بولس ادعاءً مسيحيًا مبكرًا يُعرف باسم المجيء الثاني ("الظهور الثاني") الذي مفاده أن المسيح سيعود إلى الأرض ويُكمل نبوءات نهاية الزمان. رأى بولس نفسه ورفاقه المؤمنين أنهم الجيل الأخير من النظام القديم.
نفهم من رسائل بولس أنه عندما يدخل مدينة، يبدأ بجذب أتباعًا، سواء من مجتمعات اليهود أو من المنتديات الآخري، على الرغم من أن جميع الأناجيل الإنجليزية تترجم هذه المجتمعات على أنها "كنائس"، إلا أنه لم تكن هناك مباني كنسية لمدة 300 عام تقريبًا. تُرجمت كلمة "الكنيسة" من الكلمة اليونانية “ecclesia” وتعني "الاجتماع". كان لدى مدن الإمبراطورية مجالس للمواطنين المحليين الذين شكلوا الحكومة في صورة حكام منتخبين، ويبدو أن بولس طبق هذا النموذج، حيث كان أتباعه يجتمعون في بيوت فردية، ويذكر في رسائله كثيرًا من الناس الذين فتحوا بيوتهم للاجتماع.
اشتكى بولس في رسالته الثانية إلى أهل كورنثوس، من عدم حصوله على نفس الاحترام الذي يحظى به الرسل الآخرون:
"أَهُمْ خُدَّامُ الْمَسِيحِ؟ أَقُولُ كَمُخْتَلِّ الْعَقْلِ، فَأَنَا أَفْضَلُ: فِي الأَتْعَابِ أَكْثَرُ، فِي الضَّرَبَاتِ أَوْفَرُ، فِي السُّجُونِ أَكْثَرُ، فِي الْمِيتَاتِ مِرَارًا كَثِيرَةً. مِنَ الْيَهُودِ خَمْسَ مَرَّاتٍ قَبِلْتُ أَرْبَعِينَ جَلْدَةً إِلاَّ وَاحِدَةً. ثَلاَثَ مَرَّاتٍ ضُرِبْتُ بِالْعِصِيِّ، مَرَّةً رُجِمْتُ، ثَلاَثَ مَرَّاتٍ انْكَسَرَتْ بِيَ السَّفِينَةُ، لَيْلًا وَنَهَارًا قَضَيْتُ فِي الْعُمْقِ". (كورنثوس الثانية 11: 23-25).
كان الجلد جزءًا من عقوبات الكنيس اليهودي لانتهاك شريعة موسي، لم يقدم بولس أي تفاصيل حول هذا الأمر. كانت الضرب بالعصا عقوبة رومانية للاضطراب المدني. أشار بولس إلى آلامه المستمرة في رسائله ليؤكد مدى تعبه من أجل خير المؤمنين.
رسالة بولس لأهل غلاطية
قدم بولس في هذه الرسالة، ما أصبح إحدى أشهر تعاليمه: "إِذْ نَعْلَمُ أَنَّ الإِنْسَانَ لاَ يَتَبَرَّرُ بِأَعْمَالِ النَّامُوسِ، بَلْ بِإِيمَانِ يَسُوعَ الْمَسِيحِ" (غلاطية 2: 16). تترجم الأناجيل الإنجليزية الكلمة اليونانية “Πίστις” على أنها "إيمان" ولكنها تعني "الولاء"، وبهذا المعنى يكون الولاء لتعاليم المسيح كما نُقِلت عن طريق بولس. (هنا حصل مارتن لوثر على مفهومه عن أن الإيمان وحده هو الذي يؤدي إلى الخلاص)، ومع ذلك، ما قصده بولس هو أن الأمم يُقبلون دون "أعمال الناموس" في إشارة إلى تلك الحواجز المادية التي تفصل بين اليهود والأمم.
حاول بولس باستمرار في رسائله إزالة الحواجز الاجتماعية والثقافية في مجتمعاته، وبمجرد قبول الأمم، كان عليهم أن يتبعوا مبادئ شريعة موسي. كانت شريعة موسى بالنسبة لبولس الفريسي السابق، تحمل معنىً عظيمًا، وقام مرارًا وتكرارًا بتطبيق اقتباسات من شريعة موسى تتعلق بالأخلاق والسلوك. لم يستطع أبدًا أن يقول إن الناموس ليس صالحًا، ولكن عندما يتعلق الأمر بالأمم، لم تكن شعائر موسى الجسدية مطلوبة. كتب بولس في رسالته إلى أهل غلاطية، أن الله أعطى الناموس كمعلم (معلم، مرشد)، لتوضيح الخطية، وبدون الناموس، لا يمكننا أن نعرف الصواب من الخطأ، ولكن الآن، جاء المسيح باعتباره “teleos” (النهاية أو الهدف) للناموس.
كانت كلمة "يَتَبَرَّرُ" واحدة من تلك الكلمات اليونانية التي لها عدة معانٍ، ففي الأناجيل الإنجليزية، يتم ترجمتها أحيانًا على أنها "مبررة" وأحيانًا على أنها "مُسْتَقِيم"، ليتم إعلانه "بارّ". شُرِحَ مفهوم بولس بشكل كامل في رسالته إلى أهل رومية. قدم موت يسوع كفارة عن خطيئة آدم، حيث أدت خطية آدم إلى عقاب البشر بالموت، وأدى موت المسيح إلى الحياة الأبدية (القيامة)، حيث بُرّأَ المؤمنين من هذه العقوبة؛ آمن بولس أن جيله لن يعاني حرفيًا من الموت الجسدي. احتفظت الكنيسة اللاحقة بمفهوم المجيء الثاني، ولكن في تاريخ لاحق عليهم وليس كما ظن بولس، حيث سيظل المسيحيون يموتون جسديًا ولكن لديهم فرصة الحياة الأبدية في السماء.
رسالة بولس الأولي لأهل تسالونيكي
كتبت جماعة تسالونيكي إلي بولس وهم في حالة من الضيق، فأرسل إليهم واحدة من أقدم رسائله، حيث مات أعضاء المجتمع قبل عودة المسيح، فكتب بولس مرة أخرى:
"فَإِنَّنَا نَقُولُ لَكُمْ هذَا بِكَلِمَةِ الرَّبِّ: إِنَّنَا نَحْنُ الأَحْيَاءَ الْبَاقِينَ إِلَى مَجِيءِ الرَّبِّ، لاَ نَسْبِقُ الرَّاقِدِينَ. لأَنَّ الرَّبّ نَفْسَهُ بِهُتَافٍ، بِصَوْتِ رَئِيسِ مَلاَئِكَةٍ وَبُوقِ اللهِ، سَوْفَ يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَالأَمْوَاتُ فِي الْمَسِيحِ سَيَقُومُونَ أَوَّلًا. ثُمَّ نَحْنُ الأَحْيَاءَ الْبَاقِينَ سَنُخْطَفُ جَمِيعًا مَعَهُمْ فِي السُّحُبِ لِمُلاَقَاةِ الرَّبِّ فِي الْهَوَاءِ، وَهكَذَا نَكُونُ كُلَّ حِينٍ مَعَ الرَّبِّ. لِذلِكَ عَزُّوا بَعْضُكُمْ بَعْضًا بِهذَا الْكَلاَمِ". (تسالونيكي الأولي ٤: ١٥-١٨)
اعتمد المؤمنين المسيحيين هذا المقطع لاحقًا في القرن السابع عشر لطرح المفهوم المعروف باسم "نشوة الطرب" أو أخذ المسيحيين الصالحين إلى الجنة قبل بدء أعمال العنف في الأيام الأخيرة كما هو موصوف في سفر الرؤيا.
رسالة بولس إلى أهل فيلبي
قدم بولس مزيجًا محيرًا عن يسوع: كان يسوع شخصية إلهية موجودة مسبقًا وحاضرة عند الخليقة و "مِنْ نَسْلِ دَاوُدَ... وَتَعَيَّنَ ابْنَ اللهِ بِقُوَّةٍ مِنْ جِهَةِ رُوحِ الْقَدَاسَةِ، بِالْقِيَامَةِ مِنَ الأَمْوَاتِ". (رومية 1: 3). توجد ترنيمة مبكرة ذكرها بولس في رسالته إلى أهل فيلبي (2: 6-11)
"الَّذِي إِذْ كَانَ فِي صُورَةِ اللهِ، لَمْ يَحْسِبْ خُلْسَةً أَنْ يَكُونَ مُعَادِلًا للهِ. لكِنَّهُ أَخْلَى نَفْسَهُ، آخِذًا صُورَةَ عَبْدٍ، صَائِرًا فِي شِبْهِ النَّاسِ. وَإِذْ وُجِدَ فِي الْهَيْئَةِ كَإِنْسَانٍ، وَضَعَ نَفْسَهُ وَأَطَاعَ حَتَّى الْمَوْتَ مَوْتَ الصَّلِيبِ. لِذلِكَ رَفَّعَهُ اللهُ أَيْضًا، وَأَعْطَاهُ اسْمًا فَوْقَ كُلِّ اسْمٍ لِكَيْ تَجْثُوَ بِاسْمِ يَسُوعَ كُلُّ رُكْبَةٍ مِمَّنْ فِي السَّمَاءِ وَمَنْ عَلَى الأَرْضِ وَمَنْ تَحْتَ الأَرْضِ، وَيَعْتَرِفَ كُلُّ لِسَانٍ أَنَّ يَسُوعَ الْمَسِيحَ هُوَ رَبٌّ لِمَجْدِ اللهِ الآبِ".
"وَأَعْطَاهُ اسْمًا فَوْقَ كُلِّ اسْمٍ"، هو اسم الله (يهوه)، وتعني عبارة "تَجْثُوَ بِاسْمِ يَسُوعَ كُلُّ رُكْبَةٍ" العبادة وفقًا لمفهوم قديم يتمثل في الانحناء أمام صور آلهة مختلفة. تعد فيلبي (2: 6-11) في الأساس تفسير (تَأوِيل) لإشعياء (45-53)، المعروف بمقاطع "الخادم المتألم"، حيث تواضع العبد المتألم للطاعة، وتألم ومات، ثم قام وتمجد فوق كل الآخرين ووضع بجانب الله على العرش السماوي. فسر بعض اليهود المقطع الموجود في إشعياء على أنه يعني أن الله قد ظهر في هذا العبد. إن حقيقة أن الله كان حاضرًا حرفيًا في يسوع قُدِسَ لاحقًا في مفهوم الثالوث، مع إعلان مجمع نيقية الأول عام 325م أن الله ويسوع لهما جوهر متطابق.
سببت عبادة المؤمنين المسيحيين ليسوع على الأرجح، باعتباره الله ومطالبة بولس للأمم بالتوقف عن عبادة الأوثان بعض المشاكل، مما أدى إلى محنته في الكُنَّسٌ اليهودية وكذلك في المنتديات.
رسائل بولس الأولي والثانية لأهل كورنثوس
عدّت الرسائل الكورنثية بمنزلة نافذة رائعة على واحدة من أقدم المجتمعات المسيحية، فبعد مغادرة بولس المدينة، وصلته تقارير تفيد بأن الكورنثيين أساءوا فهم الكثير من تعاليمه. نصح بولس طوال رسالته الأولي إلى أهل كورنثوس، بتأسيس فصائل أو مجموعات منشقة. انقسم الكورنثيون حول أفضل من تعمدوا هل هم من تعمدوا علي يد بولس أم أبولوس (مسيحي من الإسكندرية) أم بطرس. كانوا يقاضون بعضهم البعض في محاكم القانون العام وكانوا في حَيْرَة من أمرهم بشأن ما إذا كان ينبغي للأرامل أن يتزوجوا مرة أخرى، وكانوا أيضًا يتنافسون على من لديه أفضل "مواهب الروح القدس" (التكلم بألسنة، النبوة، الشفاء)، وتحول ذكر العشاء الرباني إلى قتال على الطعام والشراب، كما بدأ بعض المسيحيون بالتدريس ضد مفهوم قيامة الأموات.
كانت رسالة بولس عند تناولها كل هذه المشاكل، تحتوي على ما سيصبح بعضًا من العناصر الأكثر روحانية وإنارة في التعليم المسيحي. تحتوي رسالة كورنثوس الأولى الإصحاح الثالث عشر على محاضرة بولس عن المعنى الحقيقي لحب بعضنا البعض في المجتمع. تعد رسالة كورنثوس الأولي الإصحاح الخامس عشر هو المكان الوحيد في العهد الجديد الذي يصف كيف ستكون القيامة، حيث سيتحول المؤمنون إلى أجساد روحانية للترحيب بعودة المسيح، أما.
رسالة كورنثوس الثانية تعبر عن تأمل ذاتي باطِنِيّ عن تجرِبة بولس في رحلة الخروج من الجسد إلى السماء لمعرفة أسرار الأيام الأخيرة، وتتضمن هذه الرسالة وجهات نظر فلسفية، مما دفع الكثيرين إلى استخدامها في تحليل شخصية بولس الصوفية.
رسالة بولس لأهل رومية
هذه الرسالة هي واحدة من أكثر رسائل بولس اكتمالًا لأنه كان يقدم نفسه لأهل رومية ويشرح تعاليمه في الوقت ذاته. تتكرر العديد من القضايا الواردة في الرسائل الأخرى ويتم حلها بشكل كامل في هذه الرسالة النهائية التي تلخص اللاهوت البولسي. يتأمل بولس في رومية الإصحاح السابع ذلك السؤال: لماذا يخطئ البشر؟ وفي فِقْرة معقدة ادعى أنه بالرغم من أن الناموس (يعرف الصواب من الخطأ) إلا أننا نخطئ لأن قوة الخطية هي قوة فاعلة في داخلنا. إن موت المسيح وقيامته (أخذه قوة الخطية) وحرر أولئك الذين يؤمنون بالمسيح من هذه القوة.
نجد في رسالة بولس لأهل رومية إحدى المرات القليلة التي خاطب فيها إخوانه اليهود:
"إِنَّ لِي حُزْنًا عَظِيمًا وَوَجَعًا فِي قَلْبِي لاَ يَنْقَطِعُ. فَإِنِّي كُنْتُ أَوَدُّ لَوْ أَكُونُ أَنَا نَفْسِي مَحْرُومًا مِنَ الْمَسِيحِ لأَجْلِ إِخْوَتِي أَنْسِبَائِي حَسَبَ الْجَسَدِ، الَّذِينَ هُمْ إِسْرَائِيلِيُّونَ، وَلَهُمُ التَّبَنِّي وَالْمَجْدُ وَالْعُهُودُ وَالاشْتِرَاعُ وَالْعِبَادَةُ وَالْمَوَاعِيدُ" (رومية 9: 2-4).
سيتوب اليهود في النهاية بمجرد أن يروا ما حدث للأمم، ويقبلون بشرى المسيح السارة ويؤمنون، وفي هذه الأثناء، يجب على الأمم ألا يتفاخروا بحظهم الجيد، لأنهم هامشيون.
"فَإِنِّي لَسْتُ أُرِيدُ أَيُّهَا الإِخْوَةُ أَنْ تَجْهَلُوا هذَا السِّرَّ، لِئَلاَّ تَكُونُوا عِنْدَ أَنْفُسِكُمْ حُكَمَاءَ: أَنَّ الْقَسَاوَةَ قَدْ حَصَلَتْ جُزْئِيًّا لإِسْرَائِيلَ إِلَى أَنْ يَدْخُلَ مِلْؤُ الأُمَمِ، وَهكَذَا سَيَخْلُصُ" (رومية 11: 25-26)
لم يشر بولس إلى إطار زمني ولا إلى أي فكرة عن نَصِيب ما، ولكن هذا كان فهم بولس الذاتي لدوره في الخلاص: كانت المملكة تنتظر عمل بولس الحاسم بين الأمم ثم يؤمن اليهود.
ليس لدينا من حيث التأثير والأعداد أرقام محددة لعدد الأشخاص، الذين ساعدهم بولس على أن يصبحوا مؤمنين جدد، ولكن في منتصف القرن الثاني، أصبحت تعاليم بولس أساس العقيدة المسيحية، وكانوا يشيرون إليه باستمرار في اقتباساتهم بلقب "الرسول"، وهو اللقب الذي كان سيفتخر به إن كان بينهم.