أُلُوهِيّة المسيح

10 الأيام المتبقية

استثمر في تعليم التاريخ

من خلال دعم مؤسسة تاريخ العالم الخيرية، فإنك تستثمر في مستقبل تعليم التاريخ. تبرعك يساعدنا على تمكين الجيل القادم بالمعرفة والمهارات التي يحتاجونها لفهم العالم من حولهم. ساعدنا في بدء العام الجديد استعدادًا لنشر معلومات تاريخية أكثر موثوقية مجانًا للجميع.
$3086 / $10000

مقال

Rebecca Denova
بواسطة ، تمت ترجمته بواسطة Mahmoud Ismael
نُشر في 30 April 2022
متوفر بلغات أخرى: الإنجليزية, الفرنسية, أسباني
استمع إلى هذه المقالة
X
طباعة المقالة

بدأ يهود مدينة الناصرة في الجليل خلال عشرينيات وثلاثينيات القرن الأول الميلادي، بالتبشير بأن إله إسرائيل سوف يتدخل قريبًا في التاريخ، ويعيد بني إسرائيل إلى مُراد الله الأصلي ومجده. أصبح يسوع الناصري -بموجب صدي تلك الدعوة-، يُعبد ليس فقط كإله، بل كتجلٍ جسدي لإله إسرائيل على الأرض، وهناك عدة عوامل (دينية، تاريخية، ثقافية، وسياسية.) أثرت في هذا الاعتقاد.

The Trinity
الثالوث
Agnolo Gaddi (Copyright)

تُحدد هوية الفرد في عالمنا الحديث، حسب ديانته (يهودي، مسيحي، مسلم، هندوسي، إلخ)، ونعني بكلمة الديانة نظام الاعتقاد الذي يشمل المفاهيم، الطقوس، والقواعد الاجتماعية للمؤمن، على النقيض في العالم القديم، لم يكن مفهوم الدين كطائفة منفصلة موجود بالمعنى الذي نفهمه اليوم، فالمصطلح الحديث، الذي اِستُخدم في القرن السابع عشر، مشتق من الجذر اللاتيني “religio”، والذي يُترجم "الأشياء التي تربط الإنسان بالآلهة".

آمنت جميع الشعوب القديمة بالتكامل التام بين الإلهيات (الآلهة، والقوي الأخرى في السماء وتحت الأرض) والبشر وحياتهم اليومية. عاش القدماء وفقًا لما وجدوا عليه آبائهم وأجدادهم (التاريخ المشترك، الوطن، اللغة، الطقوس، والأساطير) التي نقلوها عن الآلهة، وضعت تلك العناصر أساس السلطات الحاكمة، البناء الاجتماعي لأدوار الجنسين، قواعد القانون والنظام المناسبة.

تعدد الآلهة والتوحيد

يُوضع الشَرَّكَ (الاعتقاد بتعدد الآلهة)، واحياناً وحدة الوجود (الاعتقاد بكل القوى الطبيعية) جنبًا إلى جنب مع التوحيد (الإيمان بإله واحد)، باعتبارهما نقيضان. ومع ذلك، فإن تلك المصطلحات الإشكالية "حديثة النشأة"، فلم يكن أحد في العالم القديم يعتبر نفسه مشركًا، والأهم من ذلك لم يكن هناك المصطلح الحديث "التوحيد القديم" في العالم القديم. تصور اليهود القدماء تسلسلاً هرميًا للقوى في السماء: (أبناء الله، الملائكة، رؤساء الملائكة (الرسل الله الذين أبلغوا مشيئة الله)، الشيروبيم، والسارافيم) مثلهم مثل جيرانهم من الحضارات، وأيضا اعترف اليهود أيضًا بوجود قوي إلهيه أدنى، مثل الأبالسة (الشياطين)، وابتكروا مفهوم "الملاك الهابط" الذي أصبح في النهاية الشيطان أو إبليس.

بدأ التوحيد اليهودي في الظهور في لحظة القصة التأسيسية لتلقى موسى وصايا الله العشر على جبل سيناء.

بدأ التوحيد اليهودي في الظهور في لحظة القصة التأسيسية لتلقى موسى وصايا الله العشر على جبل سيناء: " أَنَا الرَّبُّ إِلهُكَ... لاَ يَكُنْ لَكَ آلِهَةٌ أُخْرَى أَمَامِي." (خروج 20: 3)، توجد قراءة أخري أفضل للعبارة العبرية "لا يوجد آلهة أخرى بجانبي"، وهذا يدل وجود آلهة أخرى؛ فهي وصية لليهود بعدم عبادة أي آلهة أخرى. نحن نخلط اليوم بين "العبادة" و"الإيمان" و"التبجيل"، لكن العبادة في العالم القديم كانت تعني دائمًا التضحيات، فكان بإمكان اليهود أن يُصلوُا إلى الملائكة والقوي الأخرى في السماء، لكن تقديم الذبائح كان حصراً لإله إسرائيل، كانت هذه الوصية واحدة من الاختلافات الرئيسية بين اليهود وجميع الطوائف العرقية التقليدية الأخرى، الاختلاف الآخر هو أن إله إسرائيل لم يتزوج أبدًا مع إلهة أو امرأة بشرية.

تشير النصوص اليهودية باستمرار إلى وجود آلهة الأمم (المجموعات العرقية):

  • "لاَ تَسِيرُوا وَرَاءَ آلِهَةٍ أُخْرَى مِنْ آلِهَةِ الأُمَمِ الَّتِي َمِ الَّتِي حَوْلَكُمْ" (تثنية 6: 14).
  • "لِئَلاَّ يَكُونَ فِيكُمْ رَجُلٌ أَوِ امْرَأَةٌ أَوْ عَشِيرَةٌ أَوْ سِبْطٌ قَلْبُهُ الْيَوْمَ مُنْصَرِفٌ عَنِ الرَّبِّ إِلهِنَا لِكَيْ يَذْهَبَ لِيَعْبُدَ آلِهَةَ تِلْكَ الأُمَمِ" (تثنية 29: 18).
  • "تَهَلَّلُوا أَيُّهَا الأُمَمُ، شَعْبُهُ، لأَنَّهُ يَنْتَقِمُ بِدَمِ عَبِيدِهِ، وَيَرُدُّ نَقْمَةً عَلَى أَضْدَادِهِ، وَيَصْفَحُ عَنْ أَرْضِهِ عَنْ شَعْبِهِ" (تثنية 32: 43 - النسخة القياسية الجديدة المنقحة).
  • "مَنْ مِنْ كُلِّ آلِهَةِ هذِهِ الأَرَاضِي أَنْقَذَ أَرْضَهُمْ مِنْ يَدِي، حَتَّى يُنْقِذَ الرَّبُّ أُورُشَلِيمَ مِنْ يَدِي؟" (اشعياء 36:20).
  • "اَللهُ قَائِمٌ فِي مَجْمَعِ اللهِ. فِي وَسْطِ الآلِهَةِ يَقْضِي" (مزمور 82: 1).

حارب إله إسرائيل آلهة مصر خلال قصة خروج اليهود من مصر، ليبين من يسيطر على قوي الطبيعة: "...وَأَصْنَعُ أَحْكَامًا بِكُلِّ آلِهَةِ الْمِصْرِيِّينَ. أَنَا الرَّبُّ." (خروج 12: 12)، وهذا لا معنى له إذا لم يتم الاعتراف بوجود تلك الآلهة الأخرى. اقتنع اليهود بوجوب احترام جميع الآلهة؛ فبالرغم من تقديمهم الذبائح لإله إسرائيل فقط، كان من الخطر أيضا إغضاب الآلهة الأخرى.

Moses Receives the 10 Commandments
موسى يتلقى الوصايا العشرة
Gebhard Fugel (Public Domain)

لدينا مفهوم يهودي أخر مفاده أن إلههم يتدخل في كثير من الأحيان في تاريخ البشرية، إما لإنقاذ شعبه من الظلم أو لمعاقبتهم لمخالفتهم وصاياه، وبهذا المعنى، كان الله شخصية إِيثارِيّة، يظهر نفسه بأشكال مختلفة لتنفيذ إرادته الإلهية، فصورت القصص السابقة الله وهو يظهر حرفيًا على الأرض، لكن النسخ اللاحقة اختزلت تلك الوظيفة في روح الله إما يستحوذ علي الناس أو يتجلى في حدث ما، وأنه عندما تكلم الله من خلال الأنبياء، دخلوا في غَيبوبَةُ، واِسْتَحْوَذ عليهم الروح، وتكلموا بكلمات الإله، وبهذا المعنى، غالبًا ما كانوا يحملون لقب "أبناء الرب"، أي في علاقة خاصة حيث دعاهم الله لرسالة أو مهمة معينة.

يحتوي متى ولوقا على قصص ميلاد يسوع، حيث حَلَّ روح الله على أمه مريم، وتتبني الأناجيل مفهوم "ابن الله" في إشارة إلي يسوع بمعنى العلاقة الخاصة (التي دعاها الله) بالإضافة إلى الفهم الحرفي باعتباره ذُرِّيَّة الله، وتضمنت الأناجيل أيضًا شخصية إلهية أخرى، وهي "ابن الإنسان"، وهذه شخصية من شخصيات نهاية العالم (اِشتهرَت في سفر أخنوخ غير القانوني) خلقها الله في نفس الوقت الذي خلق فيه الكون، وسيكون ابن الإنسان هذا قاضي الدينونة النهائية (ضد إسرائيل والأمم) يوم يؤسس الله حكمه على الأرض، لا تصور الأناجيل يسوع مطلقًا يطالب بذلك اللقب لنفسه بشكل مباشر؛ بل دائمًا يشير إلى شخص ثالث: " وَسَوْفَ تُبْصِرُونَ ابْنَ الإِنْسَانِ..." (مرقس 14: 62).

قيامة يسوع

تُعتبر رسائل بولس الرسول أول الكتابات التاريخية عن يسوع الناصري، فليس لدينا كتابات يهودية أو رومانية معاصرة لزمن يسوع المعروف الآن باسم "المسيح" (بالعبرية: meshiach، باليونانية: christos)، وتعود تلك الرسائل إلى خمسينات وستينات القرن الأول الميلادي. كُتبت الأناجيل بين عامي 70 و100م ولا تُعد تلك الأناجيل شهادات شهود عيان، فكل هذه الكتابات ادعت أن يسوع قام من بين الأموات صباح الأحد (عيد الفصح) بعد صلبه ودفنه.

بُنيت فكرة قيامة الأموات على تعاليم الفريسيين، تلك الطائفة اليهودية التي نشأت حوالي 150ق.م، فوفقاً لأسفار أنبياء إسرائيل، فإن تدخل الأخير لله سيؤدي إلى قيام جميع الموتى ودينونتهم، وسيسكن الأبرار في جنة عدن الجديدة على الأرض، بينما سيرسل الأشرار إلى الجحيم. كانت فكرة دخول الجنة مفهومًا مسيحيًا لاحقًا تأثر بالفلسفة اليونانية وتطور خلال القرون القليلة التالية.

Resurrection of Christ by Piero della Francesca
قيامة المسيح - بييرو ديلا فرانشيسكا
Piero della Francesca (CC BY-NC-SA)

لا يمكننا التحقق من الحقيقة التاريخية لقيامة يسوع، لكن اتفق الإجماع على أن أتباع يسوع اختبروا شيئًا ما (إما شخصًا حقيقيًا، أو رؤية، أو تجربة "روح المسيح" بينهم)، وادعى التقليد اليهودي بحلول القرن الأول الميلادي، أن العديد من آباء وأنبياء إسرائيل في الجنة الآن مكافأةً لهم على حياتهم وتعاليمهم المثالية، استخدم اليهود في رواياتهم عن قصص شهداء ثورة المكابيين (167ق.م) مفهوم تبرئة الصالحين؛ فأي شخص مات من أجل معتقداته يدخل الجنة تلقائيًا.

استخدمت المسيحية المبكرة مقاطع "العبد المُعاني" من سفر إشعياء (45: 52-53) للإجابة على السؤالين كيف تألم المسيح؟ ولماذا مات؟ وتوضح هذه المقاطع بالتفصيل "العبد الصالح" الذي عانى ومات ثم أقامه الله من الموت ليشاركه عرشه، ففي سياق سفر إشعياء التاريخي، كان "العبد الصالح" هو أمة إسرائيل. ادعى المسيحيون أن إشعياء تنبأ بأحداث حياة المسيح، فيروي سفر أعمال الرسل أن القديس استفانوس قبل موته شهيداً رأى المسيح وهو عن يمين الله.

بولس رسول الأمم

روى بولس مزيجًا محيرًا من القصص عن المسيح: كان المسيح شخصية إلهية موجودة منذ البدأ وشخصًا "...صَارَ مِنْ نَسْلِ دَاوُدَ مِنْ جِهَةِ الْجَسَدِ، مولودًا من امرأة... وَتَعَيَّنَ ابْنَ اللهِ بِقُوَّةٍ... بِالْقِيَامَةِ مِنَ الأَمْوَاتِ"

كان بولس فريسيًا اختبر رؤية يسوع في السماء وأصبح مؤمنًا. أنشأ بولس جماعات في جميع أنحاء الجزء الشرقي من الإمبراطورية الرومانية، حيث كانت رسالته مخصصة للوثنيين السابقين (الأمم وغير اليهود) الذين أرادوا الانضمام للمسيحية. أوضح مسيحي سابق أن تأخر مجيء "الملكوت" لم يكن معضلة لأن المسيح على أي حال قادم، وتعرف ذلك بعقيدة المجيء الثاني (الظهور الثاني) للمسيح؛ فعند عودته سينتهي الزمان حسب الأنبياء، وعلى المؤمنين حتى عودته، أن يعيشوا كما لو أن المسيح جاء، وأن الملكوت موجودًا بالفعل. كان هذا هو الوقت الذي بدأت فيه عملية التدوين الطويلة للقواعد والقوانين الخاصة بالديانة المسيحية. تقبل المسيحيون الأوائل مستويات القوى في السماء و(الجحيم)، فكثيراً ما أشار بولس الرسول إلى وجود آلهة للأمم الأخرى في رسائله، بل وبّخهم لتدخلهم في مهامه. ادعى بولس أنه عند عودة المسيح، فإن كل القوات الأخرى في السماء ستخضع تحت سلطانه (كورنثوس الأولى 15).

روى بولس مزيجًا محيرًا من القصص عن المسيح: كان المسيح شخصية إلهية موجودة منذ البدأ (حاضر عند الخليقة ويساعد الله في الخليقة) وشخصًا "...صَارَ مِنْ نَسْلِ دَاوُدَ مِنْ جِهَةِ الْجَسَدِ، مولودًا من امرأة... وَتَعَيَّنَ ابْنَ اللهِ بِقُوَّةٍ... بِالْقِيَامَةِ مِنَ الأَمْوَاتِ" (رومية 1: 3)، وإن كان بولس والمسيحيون الأوائل زعموا ببساطة أن يسوع موجود الآن في السماء وسيعود لقيادة جيوش الله في المعركة الأخيرة، فإن ذلك يتناسب مع العديد من وجهات نظر يهودية الهيكل الثاني، لَكِنّهم، فعلوا ذلك بجعل يسوع شخصية محورية ليس فقط في نهاية الزمان ولكن أيضًا في البداية – حاضرًا ومشاركًا في الخليقة – وهو مفهوم كان ضروريًا لهوية إله إسرائيل.

عبادة المسيح

توجد ترنيمة مبكرة قالها بولس في رسالته لأهل مدينة فيلبي (2: 6-11):

"الَّذِي إِذْ كَانَ فِي صُورَةِ اللهِ، لَمْ يَحْسِبْ خُلْسَةً أَنْ يَكُونَ مُعَادِلًا للهِ. لكِنَّهُ أَخْلَى نَفْسَهُ، آخِذًا صُورَةَ عَبْدٍ، صَائِرًا فِي شِبْهِ النَّاسِ. وَإِذْ وُجِدَ فِي الْهَيْئَةِ كَإِنْسَانٍ، وَضَعَ نَفْسَهُ وَأَطَاعَ حَتَّى الْمَوْتَ مَوْتَ الصَّلِيبِ. لِذلِكَ رَفَّعَهُ اللهُ أَيْضًا، وَأَعْطَاهُ اسْمًا فَوْقَ كُلِّ اسْمٍ لِكَيْ تَجْثُوَ بِاسْمِ يَسُوعَ كُلُّ رُكْبَةٍ مِمَّنْ فِي السَّمَاءِ وَمَنْ عَلَى الأَرْضِ وَمَنْ تَحْتَ الأَرْضِ، وَيَعْتَرِفَ كُلُّ لِسَانٍ أَنَّ يَسُوعَ الْمَسِيحَ هُوَ رَبٌّ لِمَجْدِ اللهِ الآبِ".

تفسير "اسْمًا فَوْقَ كُلِّ اسْمٍ" هو “Tetragrammaton” اسم الله (يهوه)، و" لِكَيْ تَجْثُوَ بِاسْمِ يَسُوعَ كُلُّ رُكْبَةٍ" تعني العبادة بمفهومها القديم المتمثل في الانحناء أمام صور الآلهة المختلفة. تُعد رسالة بولس لأهل فيليبي (2: 6-11) في الأساس تَأوِيل (تفسير) لسفر إشعياء (45: 52-53)، وكما قال بولس، كانت معاناة يسوع وموته حجر عثرة لكل من اليهود والأمم. يطرح ما سلف السؤال: إذا كان يسوع مساويا لله فكيف يمكن أن يُصلب؟

Crucifixion by Giotto
الصلب - جوتو
Web Gallery of Art (Public Domain)

كان النبي إشعياء هو المفضل عند بولس في استشهاداته: "أَنَّهُ هكَذَا قَالَ الْعَلِيُّ الْمُرْتَفِعُ، سَاكِنُ الأَبَدِ، الْقُدُّوسُ اسْمُهُ: فِي الْمَوْضِعِ الْمُرْتَفِعِ الْمُقَدَّسِ أَسْكُنُ، وَمَعَ الْمُنْسَحِقِ وَالْمُتَوَاضِعِ الرُّوحِ، لأُحْيِيَ رُوحَ الْمُتَوَاضِعِينَ، وَلأُحْيِيَ قَلْبَ الْمُنْسَحِقِينَ" (57: 15). كان الحل المسيحي هنا هو تفسير هذه المقاطع لإيضاح أن "العبد المُعاني" كان صورة موجودة مسبقًا لله نفسه، والذي تواضع بإيثار ليظهر في يسوع الناصري الأرضي، واستمر بولس في تكريم الله باعتباره الله، لكنه أضاف الآن يسوع بصفته "الرب". وهذا مربك جدًا في رسائله لأن الكلمة المفردة في اليونانية التي تعني "الرب" (Kyrios) يمكن أن تعني إله إسرائيل أو لقب سيد أو قاضي أوحاكم.

كانت عبادة يسوع على حد علمنا، تتكون من (ترانيم، صلوات، شفاعات، تعميد باسمه، شفاء، طرد الأرواح الشريرة باسمه، وسر التناول تخليداً لذكراه). نحن لا نعرف الكثير عن المعمودية في اليهودية، ولكن الشفاء وطرد الأرواح الشريرة لابد أن تتم باسم الله، ربما كان إدراج يسوع الآن في صيغ الطقوس وربطه بإله إسرائيل مصدرًا للتوتر في كنيس اليهود، أما الوثنيين الذين أرادوا أن يصبحوا مسيحيين، فكانت فكرة ظهور الإله على الأرض شائعة بشدة، لكن التغيير الأصعب لهم هو الامتناع عن عبادة الأصنام والآلهة الأخرى.

التوحيد الفلسفي

اكتمل الفصل بين المسيحية واليهودية بحلول القرن الثاني الميلادي، ولم يعد للقادة المسيحيين أي روابط عرقية مع اليهودية، بل كانوا وثنيين متحولين من ثقافتهم السائدة. وعلى هذا النحو، تلقوا تعليمهم جميعًا في مدارس فلسفية مختلفة، حيث تشترك تلك المدارس الفلسفية في قناعة مشتركة بوجود كائن إلهي، أو إله أعلى أصلي، أو خير أعلى، انبثقت عنه "قوي" أقل خلقت في النهاية الكون المادي للمادة، ثم انبعث عن هذا الكائن الأسمى مفهوم “logos” أو مبدأ العقلانية الذي غالبًا ما يُترجم إلى "الكلمة"، لتنظيم كل الأشياء في الكون.

Trinity
الثالوث
Lawrence OP (CC BY-NC-ND)

قَبِلَ كاتب إنجيل يوحنا هذا المفهوم وبدأ إنجيله بمقدمة تزعم أن يسوع هو "الكلمة"، أي المسيح الذي اتخذ جسداً (عقيدة التجسد). عزز آباء الكنيسة في القرن الثاني الميلادي عقيدة "الكلمة" خلال جدالهم ضد الانتقادات الفلسفية الوثنية للمسيحية، وباستخدام نفس المفاهيم، قال الآباء أن المسيحيين غير ملتزمين بالفلسفة التقليدية فحسب، بل أن تلك المدارس أيضًا لا تعرف الطبيعة الحقيقية لــ"الكلمة"، حاول المسيحيون إقناع روما أثناء اضطهادها لهم لعدم احترامهم الآلهة، بأنهم ليسوا ديانة جديدة، بل ورثة عهد إله إسرائيل الذي استبدل اليهود بهم الأن وهو نفس (الإله الأعلى للفلاسفة) أيضاً، جنبا إلى معرفتهم الصحيحة للـــ"الكلمة".

الثالوث

أصبح قسطنطين بعد تحوله إلى المسيحية، رئيسًا للدولة والكنيسة معاً، وفي تلك الأثناء بدأ كاهن مسيحي في الإسكندرية، يدعي آريوس، بالقول إنه إذا كان الله قد خلق كل شيء، فلا بد أنه في مرحلة ما قد خلق المسيح، وهذا يضع المسيح في مرتبة أدنى من الله، وخاضعًا له، فاندلعت أعمال شغب في عدة مدن نتيجة لمقالته تلك، فاضطر قسطنطين إلى عقد اجتماع في نيقية (تركيا الحديثة) لحل مسألة الحفاظ على مفهوم الإله الواحد مع إضافة عبادة المسيح.

انحصر النقاش في مجمع نيقية، على خيارين: هل كان المسيح “homoiousios”، مساوي للآب في الجوهر، أم كان “homoousios”، مساوي للآب في الوجود؟ (هل المسيح والآب من طبيعة واحدة أم عن طبيعة واحدة) (لاحظ أن الفرق بين هاتين الكلمتين يتلخص في حرف "I"). واختار المجمع خيار أن الله والمسيح من جوهر واحد، وأن المسيح هو ظهور الله نفسه على الأرض، صِيغَ ذلك فيما أصبح يعرف باسم "قانون الإيمان النيقاوي".

First Council of Nicaea
مجمع نيقية الأول
Jjensen (Public Domain)

أولاً وقبل كل شيء، فإن وجود المسيح المطابق لجوهر الله قد أبقى من الناحية النظرية الوحدانية اليهودية التقليدية والفلسفية في المقدمة، وبما أن المسيح مطابق لله، فقد أكدت وجهة النظر (التي بدأت مع المسيحيين الأوائل) بأن المسيح كان موجودًا مسبقًا وساعد في خلق الكون. عزز هذا الاختيار أهمية الإمبراطور الروماني المسيحي الآن، ومع مرور الوقت، بدأ الادعاء بملكوت الله الوشيك في التلاشي؛ ومرت عقود ولم يأت الملكوت. لكن المسيحيون لم يغيروا تفكيرهم أبدًا، بل أجلوه إلى المستقبل البعيد (حتى يكون لديهم وقت لتغيير العالم)، وفي تلك الأثناء، ظهر مفهوم أن الإمبراطور المسيحي يمثل المسيح على الأرض حتى يعود، وبناءً عليه، فإن الإمبراطور يتمتع بنفس قوة الله على الأرض التي يحكمها.

بدأ ذلك مع تصوير الأباطرة المسيحيين، بدءًا من قسطنطين الأول (حكم 306-337م)، بهالات حول رؤوسهم، بل وتقضي المراسيم عند اقتراب أي شخص من الأباطرة المسيحيين، يُقَبِل إما طرف ردائهم أو خاتمهم، حتى مواكب فتيان المذبح وقراء الكتاب المقدس وكهنة القداس الكاثوليكي مأخوذة من طريقة دخول الأباطرة المسيحيون إلى السناتو.

المفهوم المسيحي للثالوث باختصار، هو أن الله واحد له ثلاثة جوانب، الآب والابن والروح القدس، فالروح القدس هي الواسطة التي يتم من خلالها التعبير عن الآب والابن أو ظهورهما في العالم.

صِيغَ مفهوم إضافي للمسيح في مجمع خلقيدونية (451م)، حيث دُعي هذا المجمع للنظر في طبيعة (أقانيم) المسيح: هل كان إنسانيًا أم إلهيًا، وفي أي لحظة من وجوده ظهر كواحد من كليهما. كان القرار النهائي هو أن المسيح يحتوي على طبيعتين متزامنتين، بشرية وإلهية، بطريقة غامضة، ولم يغير أحد تلك الأقانيم أو يقلل من الآخر في أي وقت.

نبذة عن المترجم

Mahmoud Ismael
مدرس تاريخ مهتم بترجمة المقالات والأبحاث التاريخية.

نبذة عن الكاتب

Rebecca Denova
ريبيكا آي دينوفا، حاصلة على درجة الدكتوراه، أستاذة فخرية للمسيحية المبكرة في قسم الدراسات الدينية بجامعة بيتسبرغ. وقد أكملت مؤخرًا كتابًا دراسيًا بعنوان "أصول المسيحية والعهد الجديد" (وايلي بلاكويل)

استشهد بهذا العمل

نمط APA

Denova, R. (2022, April 30). أُلُوهِيّة المسيح [The Divinity of Jesus]. (M. Ismael, المترجم). World History Encyclopedia. تم استرجاعها من https://www.worldhistory.org/trans/ar/2-1996/

أسلوب شيكاغو

Denova, Rebecca. "أُلُوهِيّة المسيح." تمت ترجمته بواسطة Mahmoud Ismael. World History Encyclopedia. آخر تعديل April 30, 2022. https://www.worldhistory.org/trans/ar/2-1996/.

أسلوب إم إل إيه

Denova, Rebecca. "أُلُوهِيّة المسيح." تمت ترجمته بواسطة Mahmoud Ismael. World History Encyclopedia. World History Encyclopedia, 30 Apr 2022. الويب. 21 Dec 2024.