إن الثورة الصناعية في بريطانيا غيرت حياة البشر بأكملهم في حياتهم العملية والمنزلية. كان الثمن المدفوع للحصول على الآلات الموفرة للجهد البشري وتأمين المواصلات المريحة والرخيصة والبضائع الاستهلاكية الموفرة والإنارة والتدفئة ذات الجودة والطرق الأسرع للتواصل هو زيادة التلوث والضوضاء وحدوث ثورة مجتمعية هائلة والوظائف المكررة.
لا يمكن حصر هذه الاختراعات في قائمة مختصرة لأنها لا توفيها حقها، لكن الاختراعات المدرجة في الأسفل لم تُختار بسبب قدرتها على فعل الأشياء فحسب بل من أجل ما سمحت لاختراعات أخرى أن تفعله وكيف حولت الحياة اليومية والعملية لملايين البشر. والفترة المختارة مهمة أيضاُ وهي الفترة بين 1750 إلى 1860. وحين نضع هذه المعايير في الحسبان، فأقوى 10 اختراعات أنتجتها الثورة الصناعية هي:
- محرك واط البخاري (1778)
- المنسج الميكانيكي (1785)
- مِحلاج القطن (1794)
- الإضاءة بمصابيح الغاز (1807)
- المغناطيس الكهربي (1825)
- أول صورة فوتوغرافية (حوالي 1826)
- قاطرة بخار ستيفنسون (1829)
- التلغراف الكهربائي (1837)
- مطرقة البخار (1839)
- صناعة الفولاذ على نطاق واسع (1856)
محرك واط البخاري
إن المحرك البخاري الذي يستمد طاقته من توسع المياه الساخنة يُشهد له أنه أهم اختراع في الثورة الصناعية، ويعود السبب في المقام الأول إلى أنه أصبح مصدراً للطاقة للعديد من الاختراعات المستقبلية. نشأ المحرك البخاري من ضرورة ضخ أعمدة المناجم المغمورة بالمياه وتمكين التعدين الأعمق. كان توماس سيفيري (حوالي. 1650-1715) هو من اخترع أول مضخة بخارية في عام 1698. في عام 1712، أتقن توماس نيو كومن (1664-1729) مضخته البخارية القوية لتصريف مناجم الفحم من المياه في دودلي في مدينة ميدلاندز.
لجعل المحرك البخاري أكثر فائدة لأغراض أخرى، كان يجب أن يكون أكثر كفاءة من حيث استهلاك الوقود والطاقة. استمر صانعا الآلات الإسكتلندي جيمس وات (1736-1819) وماثيو بولوتون (1728-1809) بالعبث في آليات تشغيل المحرك البخاري حتى نجحا في عام 1778 في إتمام مكثف منفصل لزيادة كفاءة المحرك بشكل كبير. كما زادت الطاقة أيضًا عن طريق البخار الذي يعمل على تشغيل المكبس لأسفل ليس فقط لأعلى (وبالتالي اسمه، محرك ثنائي الفعل)، مما يزيد من "القوة الحصانية"، وهو مصطلح اصطلحه وات. كما تم تحويل طاقته إلى حركة دوارة أكثر تنوعًا باستخدام الحذافة. باستخدام ربع وقود محرك نيو كومن، كان محرك وات رخيصًا بما يكفي لاستخدامه في أي مكان تقريبًا. استمرت المحركات البخارية في التطور، لا سيما مع المحرك البخاري التمددي، واستفادت من أدوات الورشة المحسنة عن أي وقت مضى التي يمكن أن تجعل الأجزاء أقوى وأكثر ملاءمة.
بحلول عام 1800، كانت بريطانيا تمتلك أكثر من 2500 محرك بخاري، معظمها يستخدم في المناجم ومصانع القطن ومصانع التصنيع. وصُنِعَ 500 محرك من هذه المحركات بواسطة مصنع وات وبولتن في برمنجهام. تأثرت كل مناحي الحياة. الآن، أصبح البخار يشغل النوافير، وآلات الدرَّاسة، ومضخات الصرف الصحي، والمطابع. في المجمل، يمكن زيادة كفاءة أي عمل يتطلب الدفع أو السحب أو الرفع أو الضغط باستخدام الآلات التي تعمل بالبخار. أصبحت المحركات البخارية مسخرة لتشغيل القطارات والسفن البخارية، وعلى الأرجح، تسببت كل هذه الاستخدامات في طفرة في صناعة تعدين الفحم، والتي كانت سبب نشأة الآلة في المقام الأول.
المنسج الميكانيكي
تغيرت صناعة النسيج في الثورة الصناعية البريطانية بفعل الآلات. اخترع إيدموند كارترايت (1743-1823) المنسج الميكانيكي في عام 1785. ضاعفت الآلات سرعة إنتاج المنسوجات وهذا عنى أنه لم يعد هناك حاجة للحاكة الماهرين. إن الآلة التي تعمل بشكل أوتوماتيكي احتاجت فقط لعامل واحد لتغيير الدواسة الكاملة. ومن أوائل المصانع التي استخدمت المنسج الميكانيكي بشكل فعال كانت مصانع ريتشارد أركرايت (1732-1792). كافأت الحكومة البريطانية كارترايت بمبلغ وقدره 10,000 جنيه إسترليني في عام 1809 تقديراً له على الإسهام الجليل التي قدمته آلة المنسج الميكانيكي للصناعة البريطانية. قام عدد من المخترعين بتحسين كفاءة منسج كارترايت مثل ريتشارد روبرتس (1789-1864) الذي اخترع نسخة أكثر متانة من الحديد في عام 1822. وسرعان ما أمدت مصانع النسيج في جميع الأرجاء أنفسهم بأعداد كبيرة من المناسج الميكانيكية. وبحلول عام 1835، كان هناك 50,000 منسج ميكانيكي مستخدم في بريطانيا واستطاعت المصانع انتاج أقمشة أرخص عن أي مكان آخر في العالم.
إن انتشار المنسج الميكانيكي ألزم المخترعين باختراع آلات غزل أقوى لتتحمل القدرة الجمة التي تستنفذها المناسج. لم يعد هناك حاجة لمشغلين آلات ماهرين في حرفة النسيج بل أصبح شغلهم الشاغل هو الحرص على إبقاء الآلات تعمل، عادة ٢٤ ساعة في اليوم. ومع الازدياد في عدد المصانع المفتوحة، ازاد الطلب على وظائف جديدة. أصبحت منتجات الأقمشة زهيدة وشراؤها في متناول الجميع وازدهرت صناعات التوريد مثل مزارع القطن الواسعة ومناجم الفحم. وبشكل غير مباشر، فاستغلال أصحاب العمل عديمي الضمير العمال في نظام المصانع أدى إلى إنشاء حركة النقابات العمالية لحماية حقوق العمال وصحتهم.
مِحلاج القطن
والآن، بعد أن أصبح من الممكن ميكنة الغزل والنسج، زادت سرعة وكمية إنتاج النسيج بشكل كبير. ما كان مطلوبًا بعد ذلك هو تزويد الماكينات النهمة بالمواد الخام للعمل بها، القطن على وجه الخصوص. وكان القطن يُقطَف ويُفرز ويُنظف يدويًا، وعادة ما كانوا يستعملون عمالة العبيد في المزارع الكبيرة في جنوب الولايات المتحدة. انتقل إيلي ويتني (1765-1825) من ماساتشوستس إلى مزرعة قطن في جورجيا حيث ابتكر طريقة لتسريع إنتاج القطن. وأصبحت عملية فصل البذور اللزجة عن كرات القطن التي تستغرق وقتًا طويلاً تتم الآن بواسطة محلاج القطن الذي اخترعه ويتني في عام 1794.
كانت آلات محالج القطن تعمل في البداية بالخيول أو عجلات المياه، ثم استخدمت في النهاية قوة البخار. كانت الآلة تسحب القطن الخام من خلال شبكة مشط حيث تفصله مجموعة من الأسنان المعدنية الدوارة والخطافات وتزيل البذور المستعصية. أصيحت آلة محلاج القطن الواحدة قادرة على معالجة ما يصل إلى 25 كجم (55 رطلاً) من القطن يوميًا. ومع ارتفاع إنتاج القطن بشكل جنوني، زاد الطلب أكثر على استعمال العبيد في مزارع القطن لقطف كرات القطن التي تغذي محالج القطن النهمة. كانت الآلة ناجحة للغاية، لدرجة أن أصحاب المزارع في كل مكان قاموا بنسخها بشكل غير قانوني. ارتفع عدد العبيد في أمريكا إلى ما يقرب من أربعة ملايين بحلول عام 1860. صار القطن يُصَدَّر على نطاق واسع، حيث كانت الولايات المتحدة تمثل 75٪ من إنتاج القطن في العالم. ولقد شكل القطن نسبة 2.3% من إجمالي الواردات في بريطانيا عام 1790؛ وبحلول عام 1830، ارتفع هذا الرقم إلى 55%. كانت مصانع النسيج البريطانية تعمل على معالجة المواد الخام وتصديرها مرة أخرى بنجاح منقطع النظير، حتى أن المنسوجات القطنية شكلت نصف إجمالي صادرات بريطانيا في عام 1830. وكما يشير المؤرخ آر. سي. ألين، فإن "القطن كان الصناعة الاستثنائية للثورة الصناعية" على المستوى العالمي (182).
الإضاءة بمصابيح الغاز
إن الإضاءة الخافتة في الليل التي كانت تتوفر عن طريق حرق الزيت أو شموع الشحم تحسنت بعد اختراع الإضاءة بمصابيح الغاز. في الفترة من حوالي عامي 1792 و1794، اكتشف الإسكتلندي ويليام موردوك (1754-1839) أن غبار الفحم ينبعث منه غاز يمكن إشعاله. نجح مردوك في استخدام مصابيح الغاز في مصهره في برمنغهام. فإن رائد فكرة استخدام غاز الفحم لإضاءة الشوارع هو المخترع الألماني فريدريك ألبرت وينسور (1763-1830) منذ عام 1807. أظهر وينسور بشكل مذهل إمكانات فكرته من خلال تركيب أضواء الشوارع بالغاز ابتداءً من منطقة بال مال حتى سانت جيمس بارك في لندن. أحدث هذا العرض ضجة كبيرة بين العامة، وحصلت منطقة بال مال على 13 عامود ثابت من المصابيح المضاءة بالغاز، مما جعلها أول شارع في العالم مضاء. بحلول عام 1820 تقريبًا، كان في لندن 40,000 مصباح غازي.
لقد أدى إضافة الإضاءة إلى الشوارع المظلمة إلى تغيير عادات الناس. وبسبب أنه لم يعد من الخطر الخروج ليلاً، جازف الكثيرون بالذهاب إلى المطاعم وأماكن الترفيه. انتشرت الفكرة بسرعة حول العالم، حيث أصبحت بالتيمور أول مدينة في الولايات المتحدة تستخدم إضاءة شوارع بغاز الفحم في عام 1816. في عام 1820، ركبت باريس إضاءة الغاز في شوارعها.
المغناطيس الكهربي
استلهم المهندس الكندي ويليام ستيرجون (1783-1850) اختراع أول مغناطيس كهربائي في عام 1825 من أعمال العالم الفرنسي أندريه-ماريه أمبير (1775-1836) والفيزيائي الهولندي هان كريستشان أورستيد (1777-1851). كان هذا الجهاز عبارة عن قطعة حديدية على شكل الحدوة داخل سلك ملفوف عنده قابلية توصيل الكهرباء، وبالتالي يقدر على جعل الحديدة مُمَغْنَطَة أو غير مُمَغْنَطَة. وتُستخدم هذه القوة المغناطيسية الناتجة في رفع أي جسم، لكن عندما اخترع ستيرجون المبادل الكهربائي، أصبح عند المغناطيس الكهربائي الذي اخترعه قدرة على قيادة محرك، مما حوله إلى مصدر طاقة متنوع أكثر. صار مصدر الطاقة بفعل المغناطيس الكهربائي مستخدماً في كل شيء، ابتداءً من التليغراف (انظر في الأسفل) إلى ماكينة الغسيل التي نستخدمها اليوم.
أول صورة فوتوغرافية
التقط الفرنسي جوزيف نيسيفور نيبس (1765-1833) أول صورة فوتوغرافية باستخدام قمرة مظلمة في عام 1826. كانت الصورة بعنوان المنظر من نافذة لو جراس ضبابية بعض الشيء، لكنها كانت أقدم صورة باقية لمنظر حقيقي. القمرة المظلمة والتي تتكون في الأساس من صندوق به فتحة صغيرة مغطاة بعدسة، لم تكن شيئاً مستحدثاً بل كان الفنانون والنقاشون يستخدمونها لمساعدتهم في عملهم. كان الجديد هو فكرة نيبس لالتقاط الصورة بشكل دائم من خلال العدسة على ورق مطلي بكلوريد الفضة حساس للضوء. أطلق على هذه التقنية الجديدة اسم التصوير الشمسي (الهيليوغرافي)، لكنها كانت بها عيبان كبيران. كانت المشكلة الأولى هي تلاشي الصورة إلى اللون الأسود عند تعرضها للضوء. وكانت المشكلة الثانية هي أن الصورة تم التقاطها في صورة سلبية (حيث تظهر المناطق المضيئة في الحياة الواقعية مظلمة والعكس صحيح). ). حل نيبس المشكلة باستخدام محلول البيتومين لتغطية لوح زجاجي أو صفيحي، وبذلك التقط المنظر من نافذته. ومن عمل على تحسين فكرة التصوير الفوتوغرافي بشكل أكبر هو لويس جاك داجير (1789-1851)، الذي استخدم ألواح نحاسية معالجة بالفضة لالتقاط صورة إيجابية. اشترت الحكومة الفرنسية الدَّغَريَّة (أو حرفياً الداجيروتايب) وجعلته متاح للجمهور، مما أدى إلى طفرة في استوديوهات التصوير الفوتوغرافي. في عام 1840، صنع المخترع الإنجليزي ويليام هنري فوكس تالبوت (1800-1877) أول سلبيات ورقية يمكن من خلالها عمل أي عدد من المطبوعات.
فظهور كاميرا التصوير الفوتوغرافي لم تسمح للأشخاص من جميع الطبقات بالتقاط صورهم فحسب، بل أحدث ثورة في الفن أيضًا. لم يعد العديد من الفنانين التشكيليين يرغبون في إعادة خلق العالم من حولهم بأكبر قدر ممكن من الدقة لأن الكاميرا أصبح بإمكانها تحقيق ذلك بسهولة. بدلاً من ذلك، سعى الفنانون إلى التقاط التأثيرات اللحظية للضوء واللون أو توصيل عاطفة معينة في أعمالهم. وظهور الكاميرا كان من أسباب تطوير حركة الانطباعية والرمزية في الربع الأخير من القرن التاسع عشر.
قاطرة بخار” روكيت“
كانت السكك الحديدية الأولية عبارة عن مسارات قصيرة تستخدم في المناجم لنقل المواد إلى حيث يمكن شحنها بعيدًا. امتلك جورج ستيفنسون (1781-1848) شركة في نيوكاسل متخصصة في بناء قطارات السكك الحديدية لنقل الفحم مثل هذا. من منظور ستيفنسون، كان هناك قدرة على نقل الركاب بنفس الطريقة التي يُنقل بها الفحم وصمم محرك قطار Locomotion 1، الذي كان قويًا بما يكفي لسحب العربات. نقلت قاطرة Locomotion 1 أول ركاب على متن سكك حديدية بخارية من ستوكتون إلى دارلينجتون في شمال شرق إنجلترا في عام 1825.
ثم تفوق نجل جورج، روبرت ستيفن (1803-1859) على والده باختراع قاطرة البخار "روكيت" التي اخترعها عام 1829. وفازت القاطرة بمسابقة "تجارب رينهيل" في ذلك العام المقامة لمعرفة أي آلة ستسحب العربات على أول خط بين المدن في العالم بين ليفربول ومانشستر. وكانت "روكيت" أول قاطرة قوية وموثوقة؛ فقد تضمنت العديد من ميزات التصميم الجديدة مثل المرجل متعدد الأنابيب وأنبوب التفجير الذي أعطى قوة أكبر من القاطرات المنافسة. وقاطرة "روكيت" القادرة على الوصول إلى سرعة قصوى مذهلة (في ذلك الوقت) تبلغ 48 كم/ساعة (30 ميلاً في الساعة) فازت بجائزة نقدية قدرها 500 جنيه إسترليني (حوالي 42000 جنيه إسترليني أو 50000 دولار اليوم). وسرعان ما أصبح سعة خط ليفربول-مانشستر الركابية تحتمل 1200 راكب يوميًا. وقد أظهرت الطريق إلى الأمام لإحداث ثورة في السفر ليس فقط في بريطانيا ولكن في جميع أنحاء العالم.
فـ "جنون السكك الحديدية" (وهو فقاعة أسهم مالية حصلت عام 1940) شهد على بناء 24000 كيلومتر (15000 ميل) من خطوط السكك الحديدية عبر بريطانيا بحلول 1870. ومنذ عام 1848، أصبح بإمكان الركاب السفر من لندن إلى جلاسكو في 12 ساعة، حيث وصلت القطارات إلى سرعات 80 كم / ساعة (50 ميلاً في الساعة)، وهي رحلة كانت تستغرق خمسة أيام أو أكثر بالعربات. وقد أحدثت السكك الحديدية طفرة في إنتاج الفحم (للوقود) والحديد والصلب (للسكك الحديدية والجسور والقطارات). بدأ الناس يسافرون إلى أماكن جديدة، خاصةً شاطئ البحر. تم خلق كمية هائلة من الوظائف، كل شيء من رؤساء المحطات إلى منظفات المراحيض. أصبحت الخطابات تصل إلى أي مكان في بريطانيا في ظرف يوم واحد، وكانت الملايين من أطنان الشحن المحمولة تعني أن السلع الاستهلاكية أصبحت أرخص.
التلغراف الكهربائي
لقد أدت السكك الحديدية إلى تحسين سرعة السفر والاتصالات بشكل كبير، حيث أن الشُوالات المحملة بالرسائل كانت تنقل باستخدام القطار. قدمت بريطانيا نظام البريد الشامل في عام 1840، والذي أتاح التسليم في اليوم التالي، ولكن كان هناك بالفعل منافس جاد للبريد. اخترع ويليام فوثيرجيل كوك (1806-1879) وتشارلز ويتستون (1802-1875) التلغراف في عام 1837. كانت أول آلة تلغراف تحتوي على 20 حرفًا فقط، يشار إليها في الرسالة المرسلة بحركة طفيفة لإبرتين (من مجموعة الإبر الخمس الموجودة في الآلة) نحو حرف معين. تتحرك الإبر بواسطة نبضات كهربائية مرسلة إلى أسفل خط التلغراف الذي يربط بين ماكينتين. فالآن يمكن إرسال الرسائل القصيرة بسرعة وجُرِّبَتْ لأول مرة على السكك الحديدية لتوصيل التعليمات إلى السائقين والمحطات.
حصل أول استخدام ناجح للتلغراف على سكك جريت ويسترن الحديدية في عام 1838، حيث استُخدم بين محطة بادينجتون وغرب دريتون على بعد 21 كيلومترًا (13 ميلاً). في البداية وضِعَت الأسلاك تحت الأرض، ولكن بعد ذلك أصبحت معزولة لكي تعلق في الهواء الطلق وهو ما أصبح يُعرف بأعمدة التلغراف. وبالتزامن مع اعتماد النظام عبر شبكة السكك الحديدية البريطانية، فقد كان من الممكن لأول مرة الحصول على توقيت عالمي حيث أنه في الماضي كانت التوقيتات تختلف من مدينة لمدينة. وبالتالي، عمل التلغراف على إحداث توقيت جرينتش (GMT). أصبح الآن بالإمكان إرسال المعلومات أينما كانت هناك آلات التلغراف، مما يعني أن أخبار الأحداث تنتشر بشكل أسرع بكثير عن ذي قبل. كانت سرعة الاتصالات التلغرافية مفيدة جدًا أيضًا للشرطة، التي يمكنها تنبيه زملائها الضباط من بعيد عن النشاط الإجرامي وحتى القبض على المجرمين الهاربين. أحرزت الاتصالات التلغرافية تقدماً كبيراً عندما استخدم صموئيل مورس (1791-1872) من ماساتشوستس، بمساعدة ألفريد فايل، شفرة مورس لأول مرة في عام 1844. وضعت السفينة البخارية العملاقة إس إس جريت إيسترن، التي صممها إسمبارد مملكة برونيل (1806-1859)، أول سلك تلغراف عبر المحيط الأطلسي في عام 1866، وهذا سمح الآن بالاتصال السريع بين القارات. وفجأة، تقلص العالم وتسارعت الحياة عن ذي قبل.
مطرقة البخار
إن مطرقة البخار لا تعد من أكثر الاختراعات جاذبية في هذه القائمة، ولكنها كانت ضرورية لجعل العديد من الاختراعات الأخرى ممكنة. إن هذا الجهاز البسيط نسبياً والذي طوره الإسكتلندي جيمس ناسميث (1808-1890) عام 1839 استخدم محرك بخاري لإسقاط (ودفع فيما بعد) وزنًا كبيرًا بدقة في كل من السرعة والاتجاه قادرًا على تشكيل أو ثني قطع معدنية كبيرة ترتكز على صفيحة سندان قابلة للتعديل. نظرًا لأنه يمكن تصنيع المطرقة البخارية بأي حجم مطلوب، فيمكن تصنيع قطع معدنية لم يكن من الممكن تصنيعها بأي وسيلة أخرى. بالإضافة إلى ذلك، تعني دقة المطرقة أنه يمكن ثني قطع معدنية مختلفة بنفس الطريقة تمامًا، وهو أمر ضروري لمكونات الآلات الكبيرة مثل المحركات البخارية العملاقة والقطارات والسفن الحديدية والأسلحة الثقيلة وعوارض الجسور.
كانت آلة ناسميث دقيقة للغاية لدرجة أنه استطاع أن يثبت لزوار مخبزه أن وزنه البالغ 2.5 طن يمكن أن يسحق قشرة بيض داخل كأس نبيذ ولا يتضرر الكأس. توافر هذه الدقة عنى أن المطرقة البخارية يمكنها القيام بمهام أصغر تتطلب المزيد من الدقة، مثل سك العملات المعدنية وطباعة الأوراق النقدية. كانت ميزة أخرى هي السرعة التي يمكن أن تعمل بها المطرقة، حيث تقوم أحيانًا بتوجيه 220 ضربة في الدقيقة. بغض النظر عن نوع العملية، فإن كل ما هو مطلوب من حيث العمالة هو شخص واحد يقوم بتشغيل رافعة بسيطة بدون أي تكلف. على عكس العديد من المخترعين الآخرين في هذه القائمة، حقق ناسميث ثروة مذهلة من المطرقة التي أحدثت ثورة في الإنتاج الصناعي.
صناعة الفولاذ
كان الحديد يستخدم في جميع مراحل الثورة الصناعية لجميع أنواع الآلات ومشاريع البناء، ولكن الفولاذ يتفوق كثيرًا في القوة والمرونة، وهو أخف وزنًا. مما يعني أن الفولاذ كان مفيدًا بشكل خاص للمشاريع الأكبر مثل بناء الجسور والمواد الحاملة للأوزان مثل مسارات السكك الحديدية. كانت المشكلة هي أن صناعة الصلب كانت عملية مكلفة. وكما هو الحال غالبًا مع الاختراعات في الثورة الصناعية، كانت الفكرة الجديدة مبنية على هرم من الاختراعات السابقة وتم إنتاجها بسبب البحث عن الكفاءة والفعالية من حيث التكلفة.
اخترع هنري بيسمر (1813-1898) محولاً في عام 1856 جعل إنتاج الصلب أزهد في التكلفة ويُعْتَمَد عليه. كانت محولات بيسمر الكبيرة والمملوءة بالحديد الخام المنصهر، قادرة على إنتاج ما يصل إلى 30 طناً من الصلب في 20 إلى 30 دقيقة، وإزالة الكربون والشوائب الأخرى عن طريق دفع الهواء تحت ضغط عالٍ عبر المعدن المنصهر. فالشوائب كانت تُشَكِّل أكاسيد، وبالتالي تفصل على شكل خبث، تاركة وراءها فولاذاً نقياً وقوياً. بعد اختراع بيسمر، انخفضت تكلفة الفولاذ من 50 جنيهًا إسترليني للطن إلى 4 جنيهات إسترليني فقط بحلول عام 1875. أصبحت شيفيلد واحدة من أكبر منتجي الصلب في العالم، حيث أنها صنعت، على وجه الخصوص، خطوط السكك الحديدية لبريطانيا والولايات المتحدة والعديد من الدول الأخرى حول العالم.