أصبحت موعظة الجبل من إنجيل متى (الإصحاحات 5 و6 و7) عنصرًا أساسيًا في الديانة المسيحية. تستند الموعظة على التقاليد اليهودية وشريعة موسى، ولكن مع إضافة تفسيرات لتعاليم يسوع الناصري، وضعها متى في بداية خدمة يسوع، واستمرت مواضيعها طوال الإنجيل.
خلفية متي وإعداده
لا يوجد تواريخ داخلية في إنجيل متى، مثله مثل الأناجيل الأخرى. وضع آباء الكنيسة في القرن الثاني الميلادي متى كأول إنجيل في العهد الجديد، ولكننا نعلم أن مرقس كان الأقدم، حوالي 70 م أو أكثر، أما متى (حوالي 85 م) ولوقا (حوالي 95 م)، واحتوي (متي ولوقا) على قصص شبه حرفية من مرقس، لذا فإن الإجماع هو أن لديهم نسخة مكتوبة من مرقس، أما الموعظة ليست في إنجيل مرقس. استنتج العلماء أن (متى ولوقا) كان لديهما مصادر إضافية ليسوع غير مرقس، والمعروفة باسم مصدر”Q”، الذي لم يصل إلينا بشكل مستقل ولكن سُمي “Q”نسبةً إلى“Quelle” (مصدر) بالألمانية لأن علماء الكتاب المقدس الألمان كانوا أول من صنف هذه التعاليم الإضافية. كان لدى لوقا نسخة مماثلة، تسمي "موعظة السهل".
نفهم أن مصدر إنجيل متى هو منطقة الجليل، وهذا مستمد من عدة عوامل، أحدها أن الإنجيل ينتهي بقول يسوع القائم من بين الأموات للتلاميذ أن يذهبوا إلى الجليل ويلتقوا به هناك، ثم ظهر بعد ذلك وأمرهم "فَاذْهَبُوا وَتَلْمِذُوا جَمِيعَ الأُمَمِ" (متى 28: 19).
نجا بعض اليهود، عندما دمر الرومان أورشليم ومجمع الهيكل في عام 70 م، والذين ربما كان من بينهم بعض الفريسيين، وهربوا من المدينة وأسسوا مدارس رسمية لدراسة التوراة بعد أن توقفت القرابين في عبادة الهيكل، بعض هذه المدارس كانت موجودة في الجليل وتمركزت في المعابد اليهودية، وأصبحت هذه بداية ما يُعرف باليهودية الحاخامية على مدى القرون التالية.
ازداد النقد اللاذع لليهود، طوال إنجيل متى، حيث علّم يسوع باستمرار ضد القيام بالأشياء على طريقة اليهود في معابدهم. لدينا تصور أن المسيحيين ربما يكونوا قد خرجوا حرفيًا من المعابد اليهودية وأسسوا نسختهم الخاصة التي أصبحت الكنائس الأولى.
زعم المسيحيون أن يسوع هو المسيح الذي تنبأ به الأنبياء في الأيام الأخيرة، التي عندها سيؤسس الله ملكوته على الأرض، ولكن مع مرور العقود، لم يظهر الملكوت. بررت المسيحية المبكرة ذلك بمفهوم “parousia” أو "المجيء الثاني للمسيح"، حيث سيعود يسوع، بعد قيامته وسيرفع إلى السماء، في وقت لاحق، ليحقق كل ما تنبأ به الأنبياء. كان الهدف العام للعظة ذا شقين:
- تبيان أن المسيحيين لديهم الفهم الصحيح لشرائع موسى على عكس اليهود.
- تعليم المؤمنين كيف يعيشون في الفترة الانتقالية في انتظار عودة يسوع.
موسي الجديد وفقًا لمتي
قال موسي عن المستقبل حين ألقى خُطْبة الوداع للشعب: "يُقِيمُ لَكَ الرَّبُّ إِلهُكَ نَبِيًّا مِنْ وَسَطِكَ مِنْ إِخْوَتِكَ مِثْلِي. لَهُ تَسْمَعُونَ." (تثنية 18: 15). قدّم متّى يسوع على أنه موسى الجديد، عن طريق التلميح إلى تقاليد موسى في قصة الخروج في إنجيله عن يسوع. يتضمّن الإنجيل من الناحية الهيكلية، سلسلة من خمس لوحات تعليمية؛ التوراة تعني "التعليم" (تعليم موسى)، مما يعكس التقليد القائل بأن الأسفار الخمسة الأولى من الكتاب المقدس كتبها موسى.
قُدِّمت موعظة متى بصفتها لوحة تعليمية رئيسة، تنقسم الموعظة نفسها إلى خمس خطب:
- خطاب التّلمذة.
- خطاب الأمثال.
- خطاب حول جماعة الإيمان.
- خطاب حول الأحداث المستقبلية
- خاتمة حول معنى الموعظة.
إن مكان الموعظة على قمة جبل يرمز إلى موسى على جبل سيناء، لا تزل العظة مشهورة باعتبارها من أشهر تعاليم يسوع.
التطويبات
تُصنَّف الافتتاحية على أنها "تطويبات" وهي مأخوذة من الترجمة اللاتينية المتأخرة للكتاب المقدس “Vulgata” "الشائعة" للكلمات الأولى: "طُوبَى لــــ"
وَلَمَّا رَأَى الْجُمُوعَ صَعِدَ إِلَى الْجَبَلِ، فَلَمَّا جَلَسَ تَقَدَّمَ إِلَيْهِ تَلاَمِيذُهُ. فَفتحَ فاهُ وعَلَّمَهُمْ قَائِلًا: «طُوبَى لِلْمَسَاكِينِ بِالرُّوحِ، لأَنَّ لَهُمْ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ. طُوبَى لِلْحَزَانَى، لأَنَّهُمْ يَتَعَزَّوْنَ. طُوبَى لِلْوُدَعَاءِ، لأَنَّهُمْ يَرِثُونَ الأَرْضَ. طُوبَى لِلْجِيَاعِ وَالْعِطَاشِ إِلَى الْبِرِّ، لأَنَّهُمْ يُشْبَعُونَ. طُوبَى لِلرُّحَمَاءِ، لأَنَّهُمْ يُرْحَمُونَ. طُوبَى لِلأَنْقِيَاءِ الْقَلْبِ، لأَنَّهُمْ يُعَايِنُونَ اللهَ. طُوبَى لِصَانِعِي السَّلاَمِ، لأَنَّهُمْ أَبْنَاءَ اللهِ يُدْعَوْنَ. طُوبَى لِلْمَطْرُودِينَ مِنْ أَجْلِ الْبِرِّ، لأَنَّ لَهُمْ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ. طُوبَى لَكُمْ إِذَا عَيَّرُوكُمْ وَطَرَدُوكُمْ وَقَالُوا عَلَيْكُمْ كُلَّ كَلِمَةٍ شِرِّيرَةٍ، مِنْ أَجْلِي، كَاذِبِينَ." (متى 5: 1-11)
لم تكن التطويبات ابتكارًا مسيحيًا، حيث نجد نفس العناصر في التراتيل والمدائح لله في العهد القديم. عُثِرَ على عبارات مماثلة في مخطوطات البحر الميت (4Q525) لطائفة الإسينيين اليهودية (حوالي 150 ق.م إلى 68 م).
إن جملة "طُوبَى لَكُمْ إِذَا عَيَّرُوكُمْ وَطَرَدُوكُمْ وَقَالُوا عَلَيْكُمْ كُلَّ كَلِمَةٍ شِرِّيرَةٍ، مِنْ أَجْلِي، كَاذِبِينَ." هي استمرار لادعاء اضطهاد اليهود للمسيحيين بدءًا من محاكمة وصلب يسوع الناصري، في نهاية المطاف، أصبحت إشارة إلى الاضطهاد الروماني للمسيحيين قرب نهاية القرن الأول الميلادي.
الشريعة والأنبياء
"لاَ تَظُنُّوا أَنِّي جِئْتُ لأَنْقُضَ النَّامُوسَ أَوِ الأَنْبِيَاءَ. مَا جِئْتُ لأَنْقُضَ بَلْ لأُكَمِّلَ. فَإِنِّي الْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: إِلَى أَنْ تَزُولَ السَّمَاءُ وَالأَرْضُ لاَ يَزُولُ حَرْفٌ وَاحِدٌ أَوْ نُقْطَةٌ وَاحِدَةٌ مِنَ النَّامُوسِ حَتَّى يَكُونَ الْكُلُّ. فَمَنْ نَقَضَ إِحْدَى هذِهِ الْوَصَايَا الصُّغْرَى وَعَلَّمَ النَّاسَ هكَذَا، يُدْعَى أَصْغَرَ فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ. وَأَمَّا مَنْ عَمِلَ وَعَلَّمَ، فَهذَا يُدْعَى عَظِيمًا فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ. فَإِنِّي أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّكُمْ إِنْ لَمْ يَزِدْ بِرُّكُمْ عَلَى الْكَتَبَةِ وَالْفَرِّيسِيِّينَ لَنْ تَدْخُلُوا مَلَكُوتَ السَّماوَاتِ." (متى 5: 17-20)
كانت عبارة "لأُكَمِّلَ" هي مقولة متّى التي قالها ليوضح أنه على الرغم من تأخر الملكوت، فإن كل شيء في خدمة يسوع كان في الواقع يتبع تنبؤات الأنبياء مثل: (إقامة المسيح، إشراك المؤمنين اليهود والأمم، مفهوم الدينونة الأخيرة)
مضمون الموعظة
تتألّف العظة من مقابلات في بنية حجج متّى. يبدأ كل قسم بـ "قَدْ سَمِعْتُمْ أَنَّهُ قِيلَ"، في إشارة إلى ما ورد في شريعة موسى، ويلي ذلك عبارة "وَأَمَّا أَنَا فَأَقُولُ لَكُمْ" التي تسلط الضوء على الفهم الصحيح والسليم للوصايا.
الغضب
قَدْ سَمِعْتُمْ أَنَّهُ قِيلَ لِلْقُدَمَاءِ: لاَ تَقْتُلْ، وَمَنْ قَتَلَ يَكُونُ مُسْتَوْجِبَ الْحُكْمِ. وَأَمَّا أَنَا فَأَقُولُ لَكُمْ: إِنَّ كُلَّ مَنْ يَغْضَبُ عَلَى أَخِيهِ بَاطِلًا يَكُونُ مُسْتَوْجِبَ الْحُكْمِ، وَمَنْ قَالَ لأَخِيهِ: رَقَا، يَكُونُ مُسْتَوْجِبَ الْمَجْمَعِ، وَمَنْ قَالَ: يَا أَحْمَقُ، يَكُونُ مُسْتَوْجِبَ نَارِ جَهَنَّمَ. فَإِنْ قَدَّمْتَ قُرْبَانَكَ إِلَى الْمَذْبَحِ، وَهُنَاكَ تَذَكَّرْتَ أَنَّ لأَخِيكَ شَيْئًا عَلَيْكَ، فَاتْرُكْ هُنَاكَ قُرْبَانَكَ قُدَّامَ الْمَذْبَحِ، وَاذْهَبْ أَوَّلًا اصْطَلِحْ مَعَ أَخِيكَ، وَحِينَئِذٍ تَعَالَ وَقَدِّمْ قُرْبَانَكَ. كُنْ مُرَاضِيًا لِخَصْمِكَ سَرِيعًا مَا دُمْتَ مَعَهُ فِي الطَّرِيقِ، لِئَلاَّ يُسَلِّمَكَ الْخَصْمُ إِلَى الْقَاضِي، وَيُسَلِّمَكَ الْقَاضِي إِلَى الشُّرَطِيِّ، فَتُلْقَى فِي السِّجْنِ. اَلْحَقَّ أَقُولُ لَكَ: لاَ تَخْرُجُ مِنْ هُنَاكَ حَتَّى تُوفِيَ الْفَلْسَ الأَخِيرَ!" (متى 5: 21-26)
إن " السِّجْنِ" هنا تشبيهًا للجحيم، جهنم، أرض الموتى.
الزنا
"قَدْ سَمِعْتُمْ أَنَّهُ قِيلَ لِلْقُدَمَاءِ: لاَ تَزْنِ. وَأَمَّا أَنَا فَأَقُولُ لَكُمْ: إِنَّ كُلَّ مَنْ يَنْظُرُ إِلَى امْرَأَةٍ لِيَشْتَهِيَهَا، فَقَدْ زَنَى بِهَا فِي قَلْبِهِ. فَإِنْ كَانَتْ عَيْنُكَ الْيُمْنَى تُعْثِرُكَ فَاقْلَعْهَا وَأَلْقِهَا عَنْكَ، لأَنَّهُ خَيْرٌ لَكَ أَنْ يَهْلِكَ أَحَدُ أَعْضَائِكَ وَلاَ يُلْقَى جَسَدُكَ كُلُّهُ فِي جَهَنَّمَ. وَإِنْ كَانَتْ يَدُكَ الْيُمْنَى تُعْثِرُكَ فَاقْطَعْهَا وَأَلْقِهَا عَنْكَ، لأَنَّهُ خَيْرٌ لَكَ أَنْ يَهْلِكَ أَحَدُ أَعْضَائِكَ وَلاَ يُلْقَى جَسَدُكَ كُلُّهُ فِي جَهَنَّمَ." (متى 27:5-30)
الطلاق
"وَقِيلَ: مَنْ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ فَلْيُعْطِهَا كِتَابَ طَلاَق. وَأَمَّا أَنَا فَأَقُولُ لَكُمْ: إِنَّ مَنْ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ إلاَّ لِعِلَّةِ الزِّنَى يَجْعَلُهَا تَزْنِي، وَمَنْ يَتَزَوَّجُ مُطَلَّقَةً فَإِنَّهُ يَزْنِي." (متى 5: 31-32)
سمح موسى بالطلاق، لم تكن المشكلة في المجتمعات المسيحية الأولى هي الطلاق في حد ذاته، بل زواج المطلقات والرجال والنساء الأرامل في الفترة التي سبقت عودة المسيح.
القصاص
"سَمِعْتُمْ أَنَّهُ قِيلَ: عَيْنٌ بِعَيْنٍ وَسِنٌّ بِسِنٍّ. وَأَمَّا أَنَا فَأَقُولُ لَكُمْ: لاَ تُقَاوِمُوا الشَّرَّ، بَلْ مَنْ لَطَمَكَ عَلَى خَدِّكَ الأَيْمَنِ فَحَوِّلْ لَهُ الآخَرَ أَيْضًا. وَمَنْ أَرَادَ أَنْ يُخَاصِمَكَ وَيَأْخُذَ ثَوْبَكَ فَاتْرُكْ لَهُ الرِّدَاءَ أَيْضًا. وَمَنْ سَخَّرَكَ مِيلًا وَاحِدًا فَاذْهَبْ مَعَهُ اثْنَيْنِ. مَنْ سَأَلَكَ فَأَعْطِهِ، وَمَنْ أَرَادَ أَنْ يَقْتَرِضَ مِنْكَ فَلاَ تَرُدَّهُ." (متى 5: 38-42)
هذه واحدة من أكثر المقاطع التي أسيء فهمها، حيث أصبحت توصف في التقليد المسيحي بأنها قوانين الانتقام، أي قوانين القصاص، ومع ذلك، لم يكن الأمر حرفيًا. كان القانون يتعلق بقواعد تحديد التعويضات عن الأضرار: "وَإِذَا أَحْدَثَ إِنْسَانٌ فِي قَرِيبِهِ عَيْبًا، فَكَمَا فَعَلَ كَذلِكَ يُفْعَلُ بِهِ. كَسْرٌ بِكَسْرٍ، وَعَيْنٌ بِعَيْنٍ، وَسِنٌّ بِسِنٍّ. كَمَا أَحْدَثَ عَيْبًا فِي الإِنْسَانِ كَذلِكَ يُحْدَثُ فِيهِ." (لاويين 24: 19-20). إذا تعرضت للضرر من قبل شخص ما، فلا يمكن أن يتجاوز مبلغ التعويض قيمة ما تضرر. وبعبارة أخرى، إذا فقدتَ عينًا، لا يمكنك أن تقتص بقلع رأس شخص ما.
لم تكن عبارة "مَنْ لَطَمَكَ عَلَى خَدِّكَ الأَيْمَنِ فَحَوِّلْ لَهُ الآخَرَ أَيْضًا" حرفية أيضًا، ففي سياقها، كانت تعظ ضد طلب التعويض عن الأضرار، وهي طريقة للقول "توقفوا عن مقاضاة بعضكم البعض". كان الناس في الإمبراطورية الرومانية متورطين ومهووسين بالدعاوى القضائية. كان بولس يعظ المؤمنين في كورنثوس بسبب المشكلة ذاتها. كان الفهم العام في إنجيل متى هو أنه عندما يعود يسوع من السماء، سيظهر ملكوت الله، عندها، سيصحح الله جميع المظالم المتصورة ويخصص عقابًا مناسبًا لأولئك الذين تسببوا في الضرر.
كان يحق للجيش الرومان في المقاطعات، أن يأمر السكان المحليين بحمل عتادهم الذي يصل وزنه أحيانًا إلى 60 رطلاً (27 كجم)، ولكن لم يكن بإمكانهم القيام بذلك سوى لمسافة ميل واحد، وكان التعليم "مَنْ سَخَّرَكَ مِيلًا وَاحِدًا فَاذْهَبْ مَعَهُ اثْنَيْنِ" ولا تتذمر، لأنه مرة أخرى، كل هذا سيسوي في ملكوت الله.
أَحِبُّوا أَعْدَاءَكُمْ
"سَمِعْتُمْ أَنَّهُ قِيلَ: تُحِبُّ قَرِيبَكَ وَتُبْغِضُ عَدُوَّكَ. وَأَمَّا أَنَا فَأَقُولُ لَكُمْ: أَحِبُّوا أَعْدَاءَكُمْ. بَارِكُوا لاَعِنِيكُمْ. أَحْسِنُوا إِلَى مُبْغِضِيكُمْ، وَصَلُّوا لأَجْلِ الَّذِينَ يُسِيئُونَ إِلَيْكُمْ وَيَطْرُدُونَكُمْ، لِكَيْ تَكُونُوا أَبْنَاءَ أَبِيكُمُ الَّذِي فِي السَّمَاوَاتِ، فَإِنَّهُ يُشْرِقُ شَمْسَهُ عَلَى الأَشْرَارِ وَالصَّالِحِينَ، وَيُمْطِرُ عَلَى الأَبْرَارِ وَالظَّالِمِينَ." (متى 5: 43-45)
لا يوجد مثل هذا السَطْر في الكتاب المقدس، لكنه يلخص مقارنة متى للعلاقات في المجتمع.
لأَنَّهُ إِنْ أَحْبَبْتُمُ الَّذِينَ يُحِبُّونَكُمْ، فَأَيُّ أَجْرٍ لَكُمْ؟ أَلَيْسَ الْعَشَّارُونَ أَيْضًا يَفْعَلُونَ ذلِكَ؟ وَإِنْ سَلَّمْتُمْ عَلَى إِخْوَتِكُمْ فَقَطْ، فَأَيَّ فَضْل تَصْنَعُونَ؟ أَلَيْسَ الْعَشَّارُونَ أَيْضًا يَفْعَلُونَ هكَذَا؟ فَكُونُوا أَنْتُمْ كَامِلِينَ كَمَا أَنَّ أَبَاكُمُ الَّذِي فِي السَّمَاوَاتِ هُوَ كَامِلٌ. (متى 5: 46-48)
الذكاة والصلاة والصيام
"اِحْتَرِزُوا مِنْ أَنْ تَصْنَعُوا صَدَقَتَكُمْ قُدَّامَ النَّاسِ لِكَيْ يَنْظُرُوكُمْ، وَإِلاَّ فَلَيْسَ لَكُمْ أَجْرٌ عِنْدَ أَبِيكُمُ الَّذِي فِي السَّمَاوَاتِ. فَمَتَى صَنَعْتَ صَدَقَةً فَلاَ تُصَوِّتْ قُدَّامَكَ بِالْبُوقِ، كَمَا يَفْعَلُ الْمُرَاؤُونَ فِي الْمَجَامِعِ وَفِي الأَزِقَّةِ، لِكَيْ يُمَجَّدُوا مِنَ النَّاسِ. اَلْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّهُمْ قَدِ اسْتَوْفَوْا أَجْرَهُمْ! وَأَمَّا أَنْتَ فَمَتَى صَنَعْتَ صَدَقَةً فَلاَ تُعَرِّفْ شِمَالَكَ مَا تَفْعَلُ يَمِينُكَ، لِكَيْ تَكُونَ صَدَقَتُكَ فِي الْخَفَاءِ. فَأَبُوكَ الَّذِي يَرَى فِي الْخَفَاءِ هُوَ يُجَازِيكَ عَلاَنِيَةً. «وَمَتَى صَلَّيْتَ فَلاَ تَكُنْ كَالْمُرَائِينَ، فَإِنَّهُمْ يُحِبُّونَ أَنْ يُصَلُّوا قَائِمِينَ فِي الْمَجَامِعِ وَفِي زَوَايَا الشَّوَارِعِ، لِكَيْ يَظْهَرُوا لِلنَّاسِ. اَلْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّهُمْ قَدِ اسْتَوْفَوْا أَجْرَهُمْ! وَأَمَّا أَنْتَ فَمَتَى صَلَّيْتَ فَادْخُلْ إِلَى مِخْدَعِكَ وَأَغْلِقْ بَابَكَ، وَصَلِّ إِلَى أَبِيكَ الَّذِي فِي الْخَفَاءِ. فَأَبُوكَ الَّذِي يَرَى فِي الْخَفَاءِ يُجَازِيكَ عَلاَنِيَةً. لا وَحِينَمَا تُصَلُّونَ لاَ تُكَرِّرُوا الْكَلاَمَ بَاطِلًا كَالأُمَمِ، فَإِنَّهُمْ يَظُنُّونَ أَنَّهُ بِكَثْرَةِ كَلاَمِهِمْ يُسْتَجَابُ لَهُمْ. فَلاَ تَتَشَبَّهُوا بِهِمْ. لأَنَّ أَبَاكُمْ يَعْلَمُ مَا تَحْتَاجُونَ إِلَيْهِ قَبْلَ أَنْ تَسْأَلُوهُ." (متى 6: 1-8)
من المهم أن نشير إلى أنه ليس لدينا دليل معاصر على جدل متى ضد اليهود فيمَا يتعلق بممارساتهم وسلوكهم، ولكن يبقى تأثير الموعظة، حسب تعريف ميريام-ويبستر في كلمة، "فريسي"، "التي تتسم بالرياء والشك في التذكية الذاتية".
"فَصَلُّوا أَنْتُمْ هكَذَا: أَبَانَا الَّذِي فِي السَّمَاوَاتِ، لِيَتَقَدَّسِ اسْمُكَ. لِيَأْتِ مَلَكُوتُكَ. لِتَكُنْ مَشِيئَتُكَ كَمَا فِي السَّمَاءِ كَذلِكَ عَلَى الأَرْضِ. خُبْزَنَا كَفَافَنَا أَعْطِنَا الْيَوْمَ. وَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا كَمَا نَغْفِرُ نَحْنُ أَيْضًا لِلْمُذْنِبِينَ إِلَيْنَا. وَلاَ تُدْخِلْنَا فِي تَجْرِبَةٍ، لكِنْ نَجِّنَا مِنَ الشِّرِّيرِ. لأَنَّ لَكَ الْمُلْكَ، وَالْقُوَّةَ، وَالْمَجْدَ، إِلَى الأَبَدِ. آمِينَ. فَإِنَّهُ إِنْ غَفَرْتُمْ لِلنَّاسِ زَلاَتِهِمْ، يَغْفِرْ لَكُمْ أَيْضًا أَبُوكُمُ السَّمَاوِيُّ. وَإِنْ لَمْ تَغْفِرُوا لِلنَّاسِ زَلاَتِهِمْ، لاَ يَغْفِرْ لَكُمْ أَبُوكُمْ أَيْضًا زَلاَتِكُمْ." (متى 6: 9-15)
لا نستطيع أن نحدد مصدر هذه الصلاة، ولكنها تعكس أفكارًا مشابهة للأميدا "الصلاة الواقفة" في الهيكل ثم في الليتورجيا الكنسية، في العبرية، تعني "תפילת העמידה" في العبرية "الوقوف" احترامًا عند تسبيح الله. قام الحاخامات اللاحقون بتدوينها لتستمر في تلاوتها ثلاث مرات خلال اليوم في الهيكل، ولا تزل مركزية في الديانة اليهودية، اعترافًا بالله بصفته خالق الكون، فهي تعكس الأمل في أن يتجلى ملكوته بالعدل النهائي للجميع. تُعرف بالصلاة الربانية، وتبقى صلاة ملخصة للمسيحية.
لدينا نصائح أخرى منها عدم لبس المسوح والرماد، وإظهار مدى تألمك خلال الصيام، فيجب عليك الصيام في الخفاء ولا تهتم بطعام أو ملابس كل يوم. الله يعلم نيتك وسيكافئك، والله يعلم احتياجاتك، فإذا كنت بارًا فسيعطيك في النهاية. "لاَ تَدِينُوا لِكَيْ لاَ تُدَانُوا"(متى 7: 1)، هذا من اختصاص الله وسيهتم به في يوم الدينونة.
مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ
كانت عبارة متى المفضلة للخلاص النهائي هي "مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ". كانت هذه إشارة إلى خُطَّة الله الأصلية للبشر في جنة عدن، لم يلغِ متى شريعة موسى، بل كثّف الناموس إلى ما هو أبعد من الأفعال، فلم يكتفِ بإدانة القتل، بل الأفكار القاتلة، ولم يكتفِ بتحريم الزنى، بل حتى الأفكار وشهوات الجسد الجنسية. لخص يسوع الغرض من العظة بقوله: "فَكُونُوا أَنْتُمْ كَامِلِينَ كَمَا أَنَّ أَبَاكُمُ الَّذِي فِي السَّمَاوَاتِ هُوَ كَامِلٌ" (5: 48)، وبعبارة أخرى، يمكن اختبار "مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ" بشكل استباقي، أي في انتظار الكمال، عن طريق السعي إلى الكمال خلال الفترة الانتقالية في الجماعة. أخذ المسيحيون اللاحقون الموعظة على أنها تبرير أن الملكوت يمكن أن يتجلى على الأرض في الكنيسة.
أصبحت الموعظة في اللاهوت المسيحي، أساسًا للادعاء بأن يسوع رفض شريعة موسى وعلى هذا اليهودية كلها من خلال إعادة تفسير موسى. كان تفسير متّى للعهد القديم جزءًا من فصل المسيحية عن اليهودية، لكن إدراج الأفكار وكذلك الأعمال في الوصايا كان سيحدث اتفاقًا بين العديد من اليهود، وفي الوقت ذاته، يشير المؤرخون إلى أن الكمال المثالي الذي شجعت عليه الموعظة لم يتجسد بعد في العالم الدنيوي الذي يتبني سياسة القوة والعنف.