حوار: الفن المسيحي القروسطي في المشرق

مقال

James Blake Wiener
بواسطة ، تمت ترجمته بواسطة Malek Kanhoush
نُشر في 19 December 2024
متوفر بلغات أخرى: الإنجليزية
طباعة المقالة

لا يزال العلماء المختصون بالعصور الوسطى يملكون مفاهيمًا خاطئة وأساطير حول المسيحيين الشرقيين. والواقع أن حقيقة كون الشرق الأوسط هو مهد المسيحية لازالت تشكل بالنسبة للكثيرين مجرد فكرة ثانوية. فخلال العصور الوسطى، عاش المسيحيون من مختلف المذاهب والطوائف في ما يعرف في يومنا الحاضر بلبنان وسوريا وإسرائيل وفلسطين. وهنا، بنوا الكنائس وأديرة الرهبان والراهبات والمعاهد اللاهوتية، التي تحتفظ بكنوز فنية وثقافية خالدة.

يُحاور جيمس بليك وينر (James Blake Wiener) الدكتور مات إيميرزي (Mat Immerzee) لشرح التراث الفني والثقافي لمسيحيي القرون الوسطى الذين أقاموا في ما يعرف الآن ببلاد الشام ووضعه في سياقه الصحيح.

الدكتور إميرزي هو أستاذ مساعد متقاعد في جامعة ليدن (Universiteit Leiden) ومدير مركز بول فان مورسل (Paul van Moorsel Centre) للفن والثقافة المسيحية في الشرق الأوسط في جامعة فريجي (Vrije Universiteit) بأمستردام.

Saint Bacchus Fresco
جدارية للقديس باخوس
James Gordon (CC BY)

ج. ب. و.: ​​إن أكبر طائفة مسيحية في لبنان الحالي هي المسيحية المارونية – وهم يُعيدون أصولهم إلى القديس مارون الناسك السوري في القرن الرابع (توفي 410 م). والكنيسة المارونية هي كنيسة سريانية كاثوليكية شرقية، تستخدم الطقس الأنطاكي، وهي متحدة مع روما منذ عام 1182. ومع ذلك فقد احتفظ الموارنة بتقاليدهم وممارساتهم الفريدة.

ما الذي تعتقد أنه يميز الفن والعمارة المارونية في العصور الوسطى عن غيرها من الطوائف المسيحية في الشرق؟ نظراً للدرجة الكبيرة من الاتصال بالتجار والصليبيين من أوروبا الغربية، فإنني أتوقع أن نرى تأثيراً "غربياً" ينعكس في الصروح المارونية والفسيفساء واللوحات الجدارية وما إلى ذلك.

م. إ.: تمتعت المجتمعات المسيحية الشرقية، في القرن الثالث عشر على وجه الخصوص، بازدهار ثقافي مذهل تجلى في تزيين الكنائس باللوحات الجدارية والأيقونات والمنحوتات والأعمال الخشبية وإنتاج المخطوطات المصورة، ولكن ما تبقى اليوم يختلف من مجتمع إلى آخر أو من منطقة إلى أخرى. في لبنان، توجد عشرات الكنائس المزخرفة للموارنة والروم الأرثوذكس في القرى الجبلية والبلدات الصغيرة في محيط جبيل وطرابلس ووادي قاديشا، وبالاستثناء في بيروت، ولكن القليل منها فقط لا يزال يحتفظ بأجزاء كبيرة من الزخرفات القروسطية. سقطت معظم الكنائس في حالة من الاضمحلال بعد الانهيار الثقافي المسيحي في أوائل القرن الرابع عشر عندما اشتدت الضغوط للتحول. وبينما تُركت العديد من مباني الكنائس على حالتها، تم تجديد بعضها الآخر في الفترة العثمانية أو في فترة أكثر معاصرة.

Christian Pilgrimage in the Middle Ages, c. 1000
الحج المسيحي في العصور الوسطي قرابة عام 1000 م.
Simeon Netchev (CC BY-NC-ND)

يتميز الفن المسيحي الشرقي بتجانس كبير مع بعض الاختلافات الإقليمية والطائفية. فقد انفصل عن الإمبراطورية الرومانية الشرقية (البيزنطية) بعد الفتح العربي، كما نجا من حركة تحطيم الأيقونات البيزنطية (726-843 م)، مما سمح لمسيحيي الشرق الأوسط بتطوير تراثهم الفني بطريقتهم الخاصة. ومن الموضوعات الجذابة تقديم القديسين المحاربين وهم على ظهور الخيل مثل جاورجيوس (George) وثيودوروس (Theodore) منذ حوالي القرن الثامن. وكان على الغرب والإمبراطورية البيزنطية الانتظار حتى عصر الصليبيين لالتقاط هذا الزخرف الشرقي وجعله نجاحًا عالميًا. ولكن الاقتراض كان متبادلاً. فالقديسين الفرسان المرسومين في الكنائس المارونية والملكية (الأرثوذكسية اليونانية) والسريانية الأرثوذكسية كانوا يرتدون بشكل متزايد دروع من السلاسل وتصور وضعية أقدامهم وهي تدفع للأمام، وهي تقنية قتالية طورت داخل الدوائر العسكرية النورماندية. وعلاوة على ذلك، تم تصوير القديسين الفارسين السوريين سرجيوس (Sergius) وباخوس (Bacchus) وهما يحملان راية "صليبية" متقاطعة، وهي صفة ترتبط عادة بالقديس جاورجيوس، وكأنهما كانا من فرسان الصليبيين. وبصرف النظر عن هذه الأمثلة، هناك القليل من الأدلة على حساسية الشرقيين للموضوعات اللاتينية النموذجية. نجد القديس لورانس الذي من روما (Lawrence of Rome) ممثلاً في دير السيدة العذراء الرومي الأرثوذكسي بالقرب من كفتون، ولكن هذا استثنائي.

تتميز منطقة القلمون الواقعة بين دمشق وحمص، على الرغم من وقوعها داخل أراضٍ إسلامية، بسكانها الروم الأرثوذكس والسريان الأرثوذكس الراسخين.

لا يمكن للمرء عادةً أن يحدد من خلال الرسوم الجدارية في لبنان إلى أي طائفة تنتمي الكنيسة المعنية. فهي تمثل جميعها نفس المواضيع والقديسين الذين كتبت أسماؤهم باللغة اليونانية و/أو السريانية، وربما وظفوا رسامين من نفس الدوائر الفنية. وفيما يتعلق بالعمارة، لم تُقل الكلمة الأخيرة في هذا الشأن، لأن توثيق عمارة الكنائس اللبنانية في العصور الوسطى لا يزال قيد التنفيذ. ومع ذلك، فإن بناء بعض الكنائس يعكس بلا شك تأثيرات معمارية غربية؛ فكنيسة القديس سابا المارونية في إده في منطقة البترون على سبيل المثال ذات طراز رومانسكي واضح.

ج. ب. و.: امتدادًا لسؤالي الأخير، هل من الصحيح إذن أن نفترض أن الأراضي الصليبية - الرها، وأنطاكية، وطرابلس، والقدس - كانت متقبلة تمامًا للأنماط المسيحية الشرقية؟

م. إ.: من الصعب أن نحدد ذلك لأن مقاطعة الرها القديمة وإمارة أنطاكية لم يتبق منها شيء تقريباً. لدينا بعض الكنائس المزخرفة في مملكة القدس السابقة (أبو غوش، بيت لحم)، وهنا نرى تركيزاً قوياً على الحرف اليدوية البيزنطية والاستخدام اللاتيني. وبصرف النظر عن الزخارف المحفوظة للكنائس في الجبال اللبنانية، هناك بعض الأمثلة الرائعة والمماثلة من حيث الأسلوب والموضوع عبر الحدود مع سوريا.

Saint Peter in Sinai
القديس بطرس في سيناء
Wikipedia (Public Domain)

ورغم وقوعها داخل أراضٍ إسلامية، فإن منطقة القلمون الواقعة بين دمشق وحمص تتميز بسكانها الروم الأرثوذكس والسريان الأرثوذكس الراسخين؛ ومن القرن الثامن عشر وما بعد، كانت تضم أيضاً الروم الكاثوليك والسريان الكاثوليك. ومن المثير للاهتمام أن الخصائص الأسلوبية تؤكد أن الرسامين السوريين الأصليين شاركوا أيضاً في الزخرفة داخل الحصون الصليبية مثل قلعة الحصن وقلعة المرقب في سوريا. ومن الواضح أن التعاقد مع القوى العاملة المحلية كان أسهل من العثور على متخصصين في أوروبا.

ج. ب. و.: مارست الإمبراطورية البيزنطية نفوذاً سياسياً وثقافياً ودينياً هائلاً في بلاد الشام طوال العصور الوسطى؛ ولا تزال نسبة كبيرة من السكان المسيحيين في كل من سوريا ولبنان ملتزمة بطقوس كنيسة الروم الأرثوذكس حتى اليوم.

م. إ.: إن التأثيرات البيزنطية المعاصرة لا يمكن تجاهلها إذا ما وضعنا جانباً الأسس الثقافية التي أُرسيت قبل الغزو العربي. ففي القرنين الثاني عشر والثالث عشر، كان الرسامون الجوالون الذين تلقوا تدريباً بيزنطياً يعملون لصالح أي عميل يدفع أجرًا جيدًا داخل الأراضي الفرنجية والإسلامية، من القاهرة إلى تبريز، بغض النظر عن خلفيتهم الطائفية. وهذا يفسر جزئياً إدخال بعض الموضوعات البيزنطية "الرائجة" والريشة ذات الطابع البيزنطي في العديد من اللوحات الجدارية والأيقونات. ويُعتقد أن الفسيفساء ذات الطراز البيزنطي، التي صُنعت في ستينيات القرن الثاني عشر، في كنيسة المهد في بيت لحم، كانت نتيجة للتعاون اللاتيني البيزنطي على أعلى المستويات؛ وهي تبث رسالة دعائية عن الوحدة المسيحية. ولكن في عام 1204، استولى الصليبيون على القسطنطينية وأجزاء كبيرة من الإمبراطورية البيزنطية. لقد نقل أهل البندقية هذه الغنائم إلى البندقية، والمثير للدهشة أنهم نقلوها أيضاً إلى الإسكندرية بموافقة السلطان في القاهرة، وكانوا يعتزمون بيع هذه الغنائم في الشرق الأوسط. وهذا كان مؤذيلً للوحدة المسيحية...

تعود جذور الكنيسة الرومية الأرثوذكسية الشرقية إلى النزاع الخلقيدوني حول الطبيعة البشرية والإلهية للمسيح في عام 451، والذي أدى إلى الانهيار العقائدي للكنيسة البيزنطية إلى فصائل مؤيدة وأخرى معادية للخلقيدونية. ومثل الموارنة، ظل الملكيون (الموالون للملكية) مخلصين لوجهة النظر البيزنطية الرسمية السابقة، باستثناء البطاركة الشرقيين في أنطاكية والإسكندرية والقدس الذين سُمح لهم رسميًا بالاستقلال دون تدخل مباشر من القسطنطينية. من ناحية أخرى، أصبح السريان الأرثوذكس تابعين عقائديًا للكنائس القبطية والإثيوبية والأرمنية "الميافيزية" المتطابقة. ولتعقيد الأمور أكثر، انضم جزء من الطوائف الأرثوذكسية اليونانية والسريانية الأرثوذكسية إلى كنيسة روما في القرن الثامن عشر. أدى هذا إلى إنشاء كنائس الروم الملكيين الكاثوليك والسريان الكاثوليك.

The Church of Nativity, Bethlehem
كنيسة المهد، بيت لحم.
Konrad von Grünenberg (Public Domain)

ج. ب. و.: هل يمكنك أن تخبرنا المزيد عن الكنيسة السريانية الأرثوذكسية؟ إذا لم أكن مخطئًا، فقد ازدهر بناء الكنائس والأديرة من قبل المجتمعات السريانية الأرثوذكسية بمجرد وقوعها تحت الحكم الإسلامي حوالي عام 640.

م. إ.: بصفتهم طائفة ميافيزية، تمتعت الطائفة السريانية الأرثوذكسية بنفس الوضع المحمي الذي كانت تتمتع به الطوائف غير المسلمة الأخرى تحت الحكم الإسلامي. وقد سمح لهم هذا بإنشاء هرم كنسي مستقل يرأسه بطريركهم الذي كان يقيم اسميًا في أنطاكية، التي تغطي مناطق واسعة في إيران والعراق وتركيا وسوريا. وتقع بعض أقدم كنائسهم، التي تتميز بالنحت المعماري وأحيانًا الفسيفساء، في منطقة طور عابدين جنوب شرق تركيا. ومن اللافت للنظر أنه في حوالي عام 800، هاجرت مجموعة من الرهبان من مدينة تكريت (تكريت حاليًا في العراق) إلى مصر لإنشاء "مستعمرة" سريانية داخل المجتمع الرهباني القبطي. ولا يزال "دير السريان" قائمًا وهو أحد المعالم الرئيسية للمسيحية في الشرق الأوسط بهندسته المعمارية ولوحاته الجدارية وأيقوناته وأعماله الخشبية والجصية التي تتراوح في تاريخها من القرن السابع إلى القرن الثالث عشر. ويضم الدير أيضًا مجموعة واسعة من المخطوطات. ومن الأديرة المزخرفة الأخرى دير القديس موسى (دير مار موسى؛ السرياني الكاثوليكي حاليًا) بالقرب من النبك شمالي من دمشق، حيث لا تزال الرسومات التي تعود إلى القرنين الحادي عشر والثالث عشر مرئية. ويشتهر دير مار بهنام (دير مار بهنام؛ السرياني الكاثوليكي حاليًا) بالقرب من الموصل بمنحوتاته المعمارية التي تعود إلى القرن الثالث عشر ونقوشه الجصية الفريدة، ولكن للأسف، دمر مقاتلو داعش الكثير منه.

أفضل أن أصفهم بـ "المتدربين على الطريقة البيزنطية" بدلاً من "البيزنطيين"، لأنه ليس من الواضح دائمًا من أين أتوا.

وظل الوجود السرياني الأرثوذكسي في لبنان محصوراً في كنيسة مكرسة للقديس بهنام في طرابلس، والاستخدام المؤقت لكنيسة مارونية مكرسة للقديس ثيودوروس في قرية بحديدات من قبل اللاجئين من الشرق الذين كانوا هاربين من المغول خلال خمسينيات القرن الثالث عشر. ولا تزال هذه الكنيسة تعرض كامل زخرفتها من هذه الفترة. ومن المستحيل معرفة أي طائفة رتبت عملية التجديد، ولكن إضافة شخصية مانحة مرتدية زياً غربياً تشهد على الدعم من أحد اللوردات الفرنجة المحليين (على الأرجح). وأخيراً، تفوق السريان الأرثوذكس أيضاً في زخرفة المخطوطات، ويمكن العثور على أمثلة لذلك في المجموعات الغربية والمكتبة البطريركية بالقرب من دمشق.

ج. ب. و.: بما أن الكنائس الرومية الأرثوذكسية اللبنانية والسريانية كانت تتعامل مع الأوروبيين الغربيين بشكل أقل من الكنيسة المارونية، فهل يعكس الفن الأرثوذكسي المسيحي في العصور الوسطى في لبنان وسوريا تصاميم وأساليب بيزنطة في العصور الوسطى ويحافظ عليها؟ وإذا كان الأمر كذلك، فبأي طرق، وأين نرى الانحراف أو الابتكار؟

م. إ.: كما قلت من قبل، كان الفنانون الذين تلقوا تدريبهم على الطريقة البيزنطية نشطين بشكل مدهش في الدول الفرنجية وخارجها، وخاصة خلال القرن الثالث عشر. أفضل أن أصفهم بأنهم "متدربون على الطريقة البيزنطية" بدلاً من "البيزنطيين"، لأنه ليس من الواضح دائمًا من أين أتوا. فعلى سبيل المثال، لا يزال الرسامون من قبرص يعملون وفقًا للتقاليد الفنية البيزنطية ولكنهم لم يعودوا خاضعين لسلطة الإمبراطور بعد غزو الصليبيين للجزيرة في عام 1291. من الناحية الثقافية، كانوا لا يزالون بيزنطيين بالكامل، ولكن إذا تحدثنا بمصطلحات حديثة، فمن المؤكد أنهم كانوا يحملون الجنسية الفرنجية القبرصية. القليل الذي يمكننا قوله من اللوحات المحفوظة هو أن بعض الفنانين القبارصة سافروا إلى بلاد الشام في أعقاب تغيير السلطة بحثًا عن زبائن جدد. من غير المعروف ما إذا كانوا قد بقوا أو عادوا بعد إنجاز مهامهم، ولكن حوالي منتصف القرن الثالث عشر شهدنا ولادة أسلوب "قبرصي سوري" يجمع بين تقنيات الرسم البيزنطية والسمات والتصاميم الشكلية السورية النموذجية؛ على سبيل المثال، في الدير المذكور أعلاه في كفتون بلبنان. وعادةً ما نجد أمثلة لهذا الفن الممزوج ليس فقط في لبنان وسوريا، بل وأيضًا في قبرص.

The Virgin and Child Mosaic, Hagia Sophia
فُسيفساء العذراء والطفل، آيا صوفيا
Hagia Sophia Research Team (CC BY-NC-SA)

بالتركيز على العناصر المشتركة في الفن المسيحي الشرقي والفن البيزنطي، يوضح مثال زخارف حنية الهيكل أوجه التشابه والاختلافات الدقيقة في كثير من الأحيان. منذ الفترة المسيحية المبكرة، كان التكوين المشترك في الحنية خلف المائدة المقدسة يتألف من الظهور السري للمسيح (المسيح في المجد) بين المخلوقات الحية الأربعة في الحنية والعذراء بين القديسين، مثل الرسل وآباء الكنيسة، في المنطقة السفلية. ومع ذلك، فإن أحد المتغيرات المبكرة التي واجهناها في مصر تترجم الرؤية التوراتية لحزقيال: هنا، يوضع المسيح في المجد على المركبة النارية التي رآها النبي. وقد أبرزت الأبحاث الحديثة أن هذا البديل تم تطبيقه أيضًا في الكنائس السريانية الأرثوذكسية في تركيا والعراق حتى أواخر القرن الثالث عشر. غالبًا ما تجمع لوحات الحنية الشرقية في العصور الوسطى بين المسيح في المجد وأيقونة الشفاعة، أي العذراء والقديس يوحنا المعمدان يتوسلان لأجل البشرية. في حين حافظ البيزنطيون على فصل هذه الموضوعات، فإن "أيقونة الشفاعة" موجودة من مصر إلى أرمينيا وجورجيا في كنائس جميع الطوائف.

ج. ب. و. : لا يمكن للمرء أن يناقش الفن المسيحي في العصور الوسطى في الشرق الأدنى دون أن يذكر الأرمن والجورجيين. فقد حدثت أول رحلة حج مسجلة للأرمن في أوائل القرن الرابع، وازدهرت قيليقية الأرمنية (1080-1375) في زمن الحروب الصليبية. وفي عهد الملكة تامار (حكمت من 1184 إلى 1213)، تولت جورجيا الدور التقليدي للتاج البيزنطي كحامي للمسيحيين في الشرق الأوسط. ولم يتزوج الأرمن والجورجيون من بعضهم البعض فحسب، بل تزاوجوا أيضًا مع البيزنطيين والصليبيين.

أين نعثر على الوجود الأرمني والجورجي في العصور الوسطى في بلاد الشام بأقوى صورة؟ هل يمكن ملاحظته؟

Tomb of Saint Hripsime in Armenia
قبر القديسة هيريبسيمة في أرمينيا
James Blake Wiener (CC BY-NC-SA)

م. إ.: يمكن العثور على الفن الأرمني والجورجي في العصور الوسطى في موطنيهما، ولكن هناك أيضًا أعمال باقية تشهد على وجودهما في بلاد الشام ومصر. بدءًا من الأرمنالذين عاشوا دائمًا في مجموعات متفرقة في جميع أنحاء الشرق الأوسط، بينما في القدس لديهم حي خاص بهم. يشهد باب خشبي من القرن الثالث عشر بزخارف ونقوش أرمنية نموذجية في كنيسة المهد في بيت لحم على الاهتمام الذي أبداه الأرمن بالأرض المقدسة. وإلى الجنوب، تذكرنا لوحة جدارية من القرن الثاني عشر بها نقوش أرمنية في الدير الأبيض بالقرب من سوهاج بالوجود الأرمني القوي في مصر تحت الحكم الفاطمي خلال القرنين الحادي عشر والثاني عشر. وصل الأرمن في أعقاب صعود قوة أمير الحرب الأرمني المسلم والوزير اللاحق بدر الجمالي، الذي استولى على كل السلطة في مملكة الفاطميين خلال سبعينيات القرن الحادي عشر. ولم يكتف بإحضار جيشه المكون من الأرمن المسيحيين والمسلمين، بل جعل من مصر أيضًا موطنًا آمنًا للأرمن من المناطق الأكثر اضطرابًا.

كان للأرمن المسيحيين دير خاص بهم واستخدموا عددًا من الكنائس في مصر. ومع ذلك، استولى الأقباط على هذه الكنائس عند سقوط السلطة الفاطمية وطرد جميع الأرمن لاحقًا خلال ستينيات القرن الثاني عشر. ومن المعروف أن الكاثوليكوس الأرمني أو "رئيس مصر" غادر إلى القدس آخذًا معه جميع كنوز الكنيسة.

في الدير الأبيض، قام فنان يدعى ثيودور من قرية في جنوب شرق تركيا برسم جدارية نيابة عن عمال المناجم الأرمن الذين سُمح لهم على ما يبدو باستخدام كنيسة الدير. من الصعب تصديق أن ثيودور جاء كل هذه المسافة لإنجاز مهمة واحدة فقط في هذا المكان النائي. لا شك أنه قام بتزيين المزيد من الكنائس الأرمنية أثناء إقامته في مصر، لكن الأقباط محوا تمامًا كل الآثار المتبقية لأصحابها السابقين.

كان الوجود الجورجي مقتصراً على القدس، حيث كانوا يمتلكون دير الصليب المقدس حتى استولى عليه الأرثوذكس اليونانيون في القرن السابع عشر. وفي كنيسة الدير، توجد سلسلة من اللوحات التي تعود إلى القرن الرابع عشر تحمل نقوشاً جورجية تذكرنا بهذه الفترة. بالإضافة إلى ذلك، كانت أيقونة تمثل القديس جاورجيوس ومشاهد من حياته مرسومة في أوائل القرن الثالث عشر، ومحفوظة في دير القديسة كاترين في سيناء، هدية من راهب جورجي، الذي تم تصويره وهو يسجد عند قدمي القديس.

St. Catherine's Monastery, Sinai
دير سانت كاترين بسيناء
Marc!D (CC BY-NC-ND)

ج. ب. و.: بما أننا تطرقنا إلى دمج التأثيرات الفنية الخارجية القادمة من أوروبا الغربية وبيزنطة إلى بلاد الشام، فقد تساءلت عما إذا كان بإمكانك تقديم تعليق أو تعليقين أخيرين على تلك التأثيرات المعمارية أو الفنية القادمة من العالم العربي أو حتى العالم الإسلامي الأوسع.

إلى أي مدى تبنى المسيحيون المشرقيون -الذين كانوا يعيشون غالبا بالقرب من جيرانهم المسلمين- الأنماط الإسلامية في الفن والعمارة أو استوعبوها؟

م. إ.: إن أقدم الأمثلة على الفن الإسلامي من العصر الأموي تظهر تأثيرات قوية من العصور القديمة المتأخرة، والتي كانت بدورها مصدر إلهام للفن المسيحي المبكر. وبمرور الوقت، كانت هذه الصلات الفنية تنفصل تدريجياً لتلتقي مرة أخرى في مناسبات محددة. وأقدم مثال على الفن المسيحي المستوحى من الإسلام هو النقوش الجصية المزخرفة البحتة في دير السسريان في مصر. وقد بناه في أوائل القرن العاشر رئيس الدير موسى الذي من نصيبين. وتنضح غرفة المذبح المبلطة بالجص بنفس الأجواء التي تنضح بها المنازل في عاصمة العباسيين في القرن التاسع سامراء ومسجد ابن طولون (أمير عباسي جاء إلى مصر حاكماً لها) المزين بشكل مماثل في القاهرة.

The Mosque of Ibn Tulun, Cairo Egypt
مسجد ابن طولون، القاهرة - مصر.
Berthold Werner (CC BY)

إن الزخارف التي تزين حواجز الهيكل في العصر الفاطمي في الكنائس القبطية والأعمال الخشبية من السياقات الإسلامية واليهودية والعلمانية المصرية متبادلة بشكل كامل؛ وعلى نحو مماثل، فإن النحت المعماري في القرن الثالث عشر، والرسوم التوضيحية للمخطوطات، والأعمال المعدنية من منطقة الموصل تعرض نفس اللغة الفنية الأسلوبية والتصويرية المشتركة. وبصورة عامة، من الواضح أننا نتعامل مع حرفيين يعملون نيابة عن أطراف مختلفة على المستوى المحلي بغض النظر عن خلفياتهم الدينية. وفي بعض الأحيان، يصادف المرء زخارف "إسلامية" في اللوحات الجدارية، ولكن الانطباع العام هو أن الرسم المسيحي كان خاضعًا للمحافظة الصارخة عند مقارنته بعناصر الديكور الداخلي الأكثر عصرية و"حيادية". والنقوش العربية الوحيدة الموجودة في اللوحات الجدارية تتعلق بنصوص تخلد ذكرى أنشطة البناء أو التجديد، أو كتابات الجرافيتي التي يتركها الزوار. ومن الواضح أن هناك اختلافًا في المكانة بين اللغة العامية المنطوقة واللغة اليونانية والسريانية للكنيسة.

ج. ب. و.: دكتور مات إيمرزيل، أشكرك كثيرًا على وقتك واهتمامك.

م. إ.: أهلا بك، إنه لمن دواعي سروري المساهمة في مجلتكم.

كان مات إيمرزيل ناشطًا في الشرق الأوسط منذ عام 1989، أولاً في مصر، ثم في سوريا ولبنان، ومؤخرًا في قبرص. مجال دراسته الرئيسي هو الثقافة المادية للمجتمعات المسيحية الشرقية من القرن الثالث حتى الوقت الحاضر. على وجه الخصوص، يدرس اللوحات الجدارية والأيقونات والمنحوتات الحجرية والجصية والأعمال الخشبية ورسوم المخطوطات. شارك في مشاريع بحثية تركز على تشكيل الهوية المجتمعية الدينية، وتدريب أمناء المجموعات المحلية، وحملات الترميم والتوثيق. وهو مدير مركز بول فان مورسل (Paul van Moorsel Centre) للفن والثقافة المسيحيين في الشرق الأوسط ورئيس تحرير مجلة الفن المسيحي الشرقي (ECA) التي تنشرها دار نشر بيترز (Peeters Publishers) في لوفين (Leuven)، هولندا.

نبذة عن المترجم

Malek Kanhoush
كاتب مستقل، مهتم بالتاريخ، حائز على شهادة مشاركة في دورة تعليمية وتطبيقية لعلم المخطوطات وعلم إدارة الوثائق ممنوحة من قبل قسم المخطوطات والتوثيق في أبرشية حلب المارونية، تحت إشراف الخبير أستاذ العلوم الإنسانية الشرقية وعلم المخطوطات والتوثيق مكاريوس جبور.

نبذة عن الكاتب

James Blake Wiener
جيمس هو كاتب وأستاذ سابق للتاريخ. وهو حاصل على درجة الماجستير في تاريخ العالم مع اهتمام خاص بالتبادل بين الثقافات وتاريخ العالم. وهو أحد مؤسسي موسوعة تاريخ العالم وكان سابقا مدير الاتصالات فيها.

استشهد بهذا العمل

نمط APA

Wiener, J. B. (2024, December 19). حوار: الفن المسيحي القروسطي في المشرق [Interview: Medieval Christian Art in the Levant]. (M. Kanhoush, المترجم). World History Encyclopedia. تم استرجاعها من https://www.worldhistory.org/trans/ar/2-2592/

أسلوب شيكاغو

Wiener, James Blake. "حوار: الفن المسيحي القروسطي في المشرق." تمت ترجمته بواسطة Malek Kanhoush. World History Encyclopedia. آخر تعديل December 19, 2024. https://www.worldhistory.org/trans/ar/2-2592/.

أسلوب إم إل إيه

Wiener, James Blake. "حوار: الفن المسيحي القروسطي في المشرق." تمت ترجمته بواسطة Malek Kanhoush. World History Encyclopedia. World History Encyclopedia, 19 Dec 2024. الويب. 20 Feb 2025.