لماذا كانت الفاشية مُولَعة بالرياضة؟

مقال

Fabio Sappino
بواسطة {أ}، مترجمة بواسطة {ت}
نُشر على 20 March 2025
متوفر بلغات أخرى: اللغة الإنجليزية, الفرنسية
طباعة المادة PDF

هل يمكن أن تكون التربية البدنية جزءًا من مشروع شمولي للسيطرة على الجماهير وإعادة تشكيلها؟ اعتقد زعيما إيطاليا الفاشية، بينيتو موسوليني (1883-1945م)، وألمانيا النازية، أدولف هتلر (1889-1945م)، أن الرياضة يمكن استخدامها لثقل أجساد وعقول شباب أمتهم، وإعدادهم لدورهم المستقبلي كمحاربين.

كانت إحدى الخطوات الأولى في كلَا النظامين الفاشيين، لخلق "المواطن الجديد" هي الاستخدام السياسي للأنشطة البدنية، حتى في سن مبكرة وللفتيان والفتيات على حد سواء، وأصبحت الرياضة أساسية لبناء الإجماع وبناء الضمير الوطني وتعزيز الانضباط وروح الفريق والرجولة.

Propaganda Picture of a Shirtless Mussolini
صورة دعائية لموسوليني عاري الصدر
Unknown Photographer (Public Domain)

الدولة كجسد، والجسد كدولة

صُوِّر بينيتو موسوليني، - مؤسس الفاشية وديكتاتور (الدوتشي) إيطاليا من 1922 إلى1945- مرات لا تحص وهو يمارس أنشطة بدنية، حيث صُوِّر وهو يسبح ويركض ويلعب التنس ويبارز بالسيف ويمتطي حصانًا ويتسابق بالزلاجة حتى وهو عاري الصدر خلال التزلج. خلقت كل هذه الصور أسطورة موسوليني باعتباره "الرياضي الأول في إيطاليا". كان التصور العام للزعيم كرياضي قادر على ممارسة الرياضة بنجاح (واضح) في أي نوع من أنواعها، أمرًا أساسيًا لخلق رابطة عاطفية قوية مع الرأي العام. قُدِمَ موسوليني الرياضي كنموذج خارق للرجل الإيطالي المثالي، وسرعان ما أصبح جسده صورة للحزم السياسي القوي، في تناقض مع صورة البرجوازية الضعيفة التي كانت تميز السياسة الإيطالية قبل استيلاء الفاشيين على السلطة في عام 1922م.

مثلت كرة القدم النموذج الأمثل للمفهوم الفاشي للرياضة، لأنها كانت تنطوي على عمل جماعي رجولي خاضع لسلطة مدرب

ارتبط تمجيد موسوليني كرمز ارتباطًا وثيقًا بنظرة الفاشية إلى الدولة كجسد بشري. كان هذا "الجسد السياسي" يتألف من أجهزة تعمل معًا لهدف أكبر، تحت رِقابة هرمية صارمة، يأتي موسوليني نفسه علي قمته، فهو النموذج الذي لا يمكن تحقيقه وقادرًا على إلهام الشعب كله الذي كان يجب أن يتشكل على صورته ومثاله، لكن هل كان موسوليني أفضل رياضي شهدته إيطاليا على الإطلاق؟ بدأ الدوتشي في الواقع، رحلة اللِّيَاقَة البدنية في أواخر الثلاثينيات من عمره، بالتزامن مع صعوده إلى السلطة؛ حيث أراد أن يُصوَّر كقائد ديناميكي مرتبط بشغف شعبه بالرياضة، ومن هذا المنطلق، لم يكن فقط رائدًا للاتجاهات الحديثة، بل كان أيضًا استثناءً في بانوراما القادة الفاشيين من جيله، فلم يحاول أدولف هتلر في ألمانيا ولا ديكتاتور إسبانيا فرانثيسكو فرانكو (1892-1975م) أن يظهروا أنفسهم كرياضيين.

كان الدوتشي يضمن حضوره في كل حدث رياضي كبير، حيث عدّ حضوره الحافز الرئيس للرياضيين الإيطاليين الذين كانوا يتشجعون أكثر للفوز في كل مسابقة. كان موسوليني يعرف بوضوح أن الرياضة وسيلة قوية لإلهاء الجماهير، لذا لم يرغب في تفويت أي فرصة للظهور مع الرياضيين الفائزين. فضلًا على ذلك، كان كل انتصار يتحقق، وكل رقم قياسي يُكسر يُقدم على أنه نجاح لتجديد شباب الشعب الإيطالي. كان حضور الزعيم مؤكدًا حتى في المسابقات الأكثر مللًا له مثل: مباريات كرة القدم، وبالرغم من عدم مبالاة الديكتاتور بكرة القدم، إلا أنها كانت تمثل النموذج الأمثل للمفهوم الفاشي للرياضة، لأنها كانت تنطوي على عمل جماعي رجولي خاضع لسلطة مدرب؛ فضلًا على ذلك، عززت الشعبية التي وصلت إليها كرة القدم في ثلاثينيات القرن العشرين، خاصة بعد الانتصارات الإيطالية في كأس العالم لعامي 1934م و1938م، وعي النظام بإمكانات الدعاية الرياضية، ومن الأمثلة الأخرى سباق (الألف ميل)، وهو سباق لرياضة السيارات أظهر صورة الدولة الحديثة والتكنولوجية بفضل التحسينات التي أُدخلت على شبكة الطرق وصناعات السيارات. كان موسوليني، الذي كان صحفيًا بارعًا قبل أن يصبح ديكتاتورًا، معروفًا بخطاباته المتوهجة والملتوية التي كان يشيد فيها بالبراعة الرياضية للإيطاليين، حتى إن لُعْبَة البوتشي (نوع من البولينغ) كانت تستحق أن تكون شاعرية، حيث كانت "الأرض الحية ملعبًا، والشمس مصباحًا، وكأس من شراب نوح مستهلًا: للعبة الأصحاء والسعداء، أسياد العالم" (كانيلا، 42).

Gymnastic Show Performed by a Group of Balilla
عرض الجمباز الذي قدمته مجموعة باليلا
Unknown Photographer (CC BY-SA)

إذا كان موسوليني نموذجًا للرجل الرياضي المثالي، فإن النموذج الأولي للرجل الفاشي تجسده تماثيل مجمع "فورو موسوليني" في روما. كان "فورو موسوليني" مجمعًا رياضيًا ضخمًا في روما مستوحى من عمارة الإمبراطورية الرومانية، ومزخرفًا بسلسلة من التماثيل التي تمثل الرياضيين من مختلف الرياضات. كانت التماثيل هي النسخة المثالية للرجولة التي كان من المفترض أن تكون بمنزلة نماذج ملهمة للشباب. كانت هناك رابط قوي بين الفاشية والرجولة، حيث أصرت الدعاية الفاشية دائمًا على صورة الفحولة للرجل الجندي الذي يُصاغ ويَقوي بالتدريب المستمر، ولكن للحصول على الرجل الفاشي المثالي، كان من الضروري أولًا التدخل في تعليم الشباب وإحداث ثورة في هذا المجال.

تشكيل الشباب في إيطاليا الفاشية

آمن موسوليني بضرورة تحول المجتمع الإيطالي، لخلق المجتمع الفاشي المثالي، ولذلك، بدأ النظام في تدريب وتلقين حتى الأطفال من أجل خلق فاشية المستقبل المثالية. كان الاهتمام الخاص بالشباب نتيجة لانعدام الثقة في السكان البالغين، لأنهم كانوا لا يزالون متأثرين جدًا بالقناعات السياسية للأنظمة السابقة. لن يشمل التحول العقلية أو أسلوب الحياة فقط، بل الجسد أيضًا.

ليس ممكنًا مع ذلك، أن تكون المدارس والأسر هي المحرك الوحيد للثورة الثقافية، لأنها كانت لا تزل متأثرة جدًا بالتقاليد والتربية السابقة. أنشأ موسوليني في إيطاليا، سلسلة من المنظمات التي تهدف إلى تلقين الشباب. كل الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين 8 و13 سنة يمكن تسجيلهم في "حركة باليلا"، ثم يترقوا للانضمام إلى "الطليعة الفاشية"، وأخيراً بعد بلوغهم 17 سنة من العمر، يمكنهم الحصول على عضوية "الحزب الوطني الفاشي".

Balilla in their Uniforms
مجموعة باليلا بزيهم الرسمي
Unknown Photographer (Public Domain)

لم يُعّد الإصلاح الأول للتعليم الذي قامت به الحكومة الفاشية في عام 1923م كافيًا للتلقين الأيديولوجي؛ حيث عُدّ نخبوياً وإنسانيًا أكثر من اللازم، وانتُقد الإصلاح أيضًا بسبب المساحة الضئيلة التي تُركت للتربية البدنية، لدرجة أنه في عام 1926م أُنشئ (المنظمة الوطنية لباليلا) للمساعدة والتربية البدنية والأخلاقية للشباب الذين تتراوح أعمارهم بين 8 و18 عامًا، وجمعت كل المجموعات السابقة. هدفت (المنظمة الوطنية لباليلا) إلى تدريب الشباب الإيطاليين الصغار حتى يصبحوا في النهاية جنودًا منضبطين. شملت المنظمة الشباب من سن 6 إلى 18 سنة، مقسمة إلى ثلاث مؤسسات فرعية: أبناء الذئبة (6-8 سنوات)، وباليلا (8-14 سنة)، والطلائع الفاشية (14-18 سنة) وكانت تهدف ليس فقط إلى التعليم الروحي والثقافي والديني، بل أيضًا إلى التعليم ما قبل العسكري والرياضي-التقليدي والتعليم المهني والتقني وفقًا للأيديولوجية الفاشية. كانت العضوية مجانية، ولكن كانت هناك ضغوطات للانضمام، بالإضافة إلى المنح الدراسية والجوائز لتشجيع الناس على التسجيل، كما كان (للمنظمة الوطنية لباليلا) الحق في التدخل في حياة المدارس، مما خلق الكثير من الاحتكاك مع المعلمين، ومع ذلك، اضطر النظام المدرسي إلى التكيف مع العسكرة المفروضة على المناهج الدراسية، فعلى سبيل المثال، ابتداءً من السنة الثانية، كان على الأطفال أن يتعلموا كيفية السير وكيفية أداء التحية "الرومانية"، وهي الإيماءة الفاشية بالذراع الممدودة التي حلت محل المصافحة البرجوازية الأقل نظافة. تلقى طلاب المدارس الثانوية تدريبًا يحاكي سيناريوهات الحرب، مثل: رمي الجلة، للتدرب على رمي القنابل اليدوية.

التنافس على تكوين الشباب

وكثيرًا ما سبقت خطابات موسوليني العامة عروض الجمباز وتصميم الرقصات باستخدام مُعَدَّات الصالة الرياضية.

لم يكن هناك في الحالة الإيطالية، احتكارًا لتكوين الشباب. كانت العديد من المنظمات الشبابية الكاثوليكية تتنافس فعلًا لكسب قلوب وعقول الشباب الإيطالي، مثل" (جمعية الشباب الكاثوليكي الإيطالي أو الاتحاد الجامعي الكاثوليكي الإيطالي)، وكلاهما تحت مظلة جمعية تدعى "العمل الكاثوليكي". كانت العلاقات بين إيطاليا والكرسي الرسولي في أوائل العشرينيات من القرن العشرين، لا تزل متضررة بسبب ضم روما، مدينة البابا بحكم منصبه كأسقف للمدينة، إلى مملكة إيطاليا عام 1870م. يجادل العديد من المؤرخين بأن إيطاليا الفاشية لم تكن دولة شمولية كاملة بحكم التغلغل القوي للكنيسة الكاثوليكية في المجتمع، ولا سيما في تعليم الشباب. لم يستطع موسوليني أن يجاهر بمعارضته لشعبية الكنيسة، فاختار التسوية مع البابا. ستشكل مسألة تعليم الشباب إحدى نقاط الصراع الرئيسة بين الكنيسة وموسوليني، ولكن خلف الاستقرار الظاهري للعلاقات. بدأت الصِّحافة في عام 1931م، حملة شرسة ضد جمعية "العمل الكاثوليكي"، وأعقب ذلك تصاعد الجدل، مما أدى إلى أن يأمر موسوليني المحافظين بحل جميع جمعيات الشباب الكاثوليكية. رد البابا بيوس الحادي عشر برسالته العامة "Non abbiamo bisogno" (لسنا بحاجة)، التي رفض فيها ادعاء النظام باحتكار التعليم، وأدان فيها التربية النظامية والوثنية، بعد ذلك قرر الدوتشي تهدئة الصِّحافة ووقع اتفاقًا أنقذ جمعية "العمل الكاثوليكي" ومنظماتها، ولكن أُعيد تنظيمها من أجل التكوين الروحي فقط. أظهرت أزمة عام 1931م استحالة "فاشية" الكاثوليكية، بل استحالة "كاثوليكية" الفاشية أيضًا.

من رياضيين إلى محاربين

كان "ريناتو ريتشي" أول رئيس (للمنظمة الوطنية لباليلا)، الذي قرر تركيز الجهود على التربية البدنية للفاشيين الشباب، وكان مسؤولًا عن إنشاء (فورو موسوليني والأكاديمية الفاشية للتربية البدنية)، وعلى هذا التركيز على التدريب الرياضي. لم يكن الاهتمام بالتدريب البدني من اختصاص من هم دون الثامنة عشرة من العمر: فمنذ عام1920م، شكلت المجموعات الجامعية الفاشية (GUF - Gruppi universitari fascisti) العمود الفقري لمحاولة "إضفاء الطابع الفاشي" على الجامعات. كان أحد أهم أنشطة "المجموعات الجامعية الفاشية" هو المشاركة في تنظيم الليتورالية الرياضي (Littoriali dello sport)، فمنذ عام 1932م، كانت الليتورالية أهم المسابقات الرياضية، وهي نوع من الألعاب الأولمبية للشباب الإيطالي. شارك كل عام أكثر من 2000 رياضي إما في النسخة الشتوية، "ليتورالية الثلج والجليد"، أو في النسخة الصيفية. أصبح هذا الحدث مهمًا جدًا لدرجة أنه في عام 1935م تأسست "المسابقات الأغونية"، وهي مسابقات إقليمية لاختيار المشاركين في الليتورالية. كان على كل رياضي أن يتنافس نيابةً عن مجموعته الجامعية، وكان يُعلن عن المجموعات الجامعية الفاشية التي تستطيع جمع أكبر عدد من النِّقَاط في جميع المسابقات المختلفة "الاتحاد الجامعي اليتوريالي" ويُكرم بارتداء حرف (م - m) الذهبي على زيه الرسمي. أما أولئك الذين لم يكملوا دراستهم في الجامعة، أنشأ النظام منظمة خاصة بهم، وهي "الشباب الفاشي المقاتل"، والتي كانت تمثل الدورات التدريبية نشاطها الأساسي. شُجَّعَ كل عضو في المجموعة على ممارسة أي نوع من أنواع الرياضة، وذلك بفضل الخصومات على شراء المُعَدَّات الرياضية أو المشاركة في المسابقات.

Foro Italico (Inaugurated As Foro Mussolini)
فورو إيتاليكو (افتتح باسم فورو موسوليني)
Willem van de Poll (Public Domain)

كان للتدريب عادة دورًا دعائيًا هامًا. كانت عروض الجمباز تشمل كل مستويات المنظمات الشبابية، وكثيرًا ما كانت تسبق حركات وزن الجسم أو الرقصات باستخدام مُعَدَّات الصالة الرياضية خطب موسوليني العامة. عُدّت العروض مهمة جدًا في تأديب الجماهير لدرجة أنه كانت هناك مسابقة خاصة بها، واعتبارًا من عام 1929م، كانت "مسابقة الدوتشي" (Concorso Dux) تقيم أفضل العروض الجماعية، وبالنسبة لكل من الأطفال والمراهقين المشاركين في هذه العروض - التي كانت تصاحبها صخب الطبول وتصفيق الجماهير - كان الشعور بالانتماء إلى مجموعة منضبطة ومتناغمة يتعزز لدى الأطفال والمراهقين على حد سواء، كما كان الشعور بالتماهي في شعائر وجماليات النظام الفاشي.

إذا كانت الفاشية تهدف إلى خلق "الرجل الجديد"، فماذا يمكن أن يقال عن "المرأة الجديدة"؟ بدأ عدد متزايد من النساء في ممارسة التربية البدنية في ظل الفاشية، بالرغم من وجود مقاومة قوية للأنشطة الرياضية النسائية، فبينما كان للرياضة بالنسبة للذكور دور في تشكيل جنود المستقبل الأقوياء، كان لا يزل يُتوقع من النساء القيام بدورهن التقليدي كأمهات. عارضت الكنيسة بشدة توسيع نطاق التربية البدنية لتشمل النساء، واعتقد العديد من المنتقدين، على نحو خاطئ، أن الرياضة يمكن أن تضر بسلامة الأعضاء التناسلية، ومع ذلك، كان لدى (المنظمة الوطنية لباليلا)، قسم خاص بالإناث، مقسم إلى "أبناء الذئبة" (6-8 سنوات) و"الإيطاليات الصغيرات" (8-14 سنة) و"الشابات الإيطاليات" (14-18 سنة). كانت جميع "بنات إيطاليا" مقدر لهن مستقبلًا أن يكن زوجات وأمهات مثاليات، قادرات على أن يجلبن إلى العالم أجيالًا قادمة من الإيطاليين الأقوياء الأشداء. كانت الفتيات تتدرب على الطاعة والخصوبة والقوة والخضوع عن طريق رياضات عُدّت متناغمة، مثل: الجمباز أو التزلج، ولكن أيضًا عن طريق أنشطة مثل: السباحة أو التزلج، التي كانت تجعل الفتيات مقاومات دون أن تجعلهن عدوانيات.

اِحْتِكَار الشباب في ألمانيا النازية

تأثرت النازية بشدة بالفاشية الإيطالية، وعلى وجه الخصوص، كان الاهتمام بالشباب وتربيته البدنية في إيطاليا هو ما راقبته ألمانيا النازية من كثب باعتباره عملًا رائدًا، واعتبرت الفاشية الإيطالية النازية فرعًا من فروعها، ولكن كان هناك رابطًا قويًا بين الاثنين، لأن تطوير السياسة العنصرية انطبقت أيضًا على الرياضة. لم تتخذ نغمات الدعاية الإيطالية، في الأقل في البداية، نغمات معادية للسامية بشكل صريح، لكن تطور الدلالات العنصرية بشكل ملحوظ بعد التطور الاستعماري الإيطالي واعتماد القوانين العنصرية في إيطاليا عام 1938م أدى إلى ظهور مظاهر عنصرية أكثر وضوحًا في الدعاية الرياضية.

Hitler Youth Members
أعضاء شبيبة هتلر
Ruffneck'88 - German Federal Archive (CC BY-SA)

تأسست أول مجموعة شباب نازية (رابطة شباب الحزب النازي) في عام 1922م، حيث شُكلت كمنظمة شبه عسكرية، وضمت الشباب (الآريين أو غير اليهود فقط) الذين تتراوح أعمارهم بين 14 و18 عامًا، لتكوين أتباع جدد (لكتيبة العاصفة)، وهي أول مجموعة شبه عسكرية للحزب النازي. لم تحقق (رابطة شباب الحزب النازي) النجاح الذي كان يأمله هتلر: لم تكن سوى واحدة من منظمات الشباب العدّة في ألمانيا وكانت تعاني من مشكلة التجنيد، ولم تستمر طويلًا، حيث انهارت الرابطة بعد الانقلاب الفاشل عام 1923م (انقلاب قاعة البيرة)، في حين سُجنَ هتلر وحُظِرَ الحزب النازي، وجدير بالذكر أن الشباب أدّت دورًا مختلفًا في ألمانيا النازية، مقارنةً بنظيرتها الإيطالية، فبينما كانت أسطورة الشباب إحدى ركائز الأيديولوجية الفاشية، كان حجر الزاوية في النازية هو العرق، ولم تظهر ضرورة إلي إنشاء ميثاق أيديولوجي للشباب في خدمة الحزب إلا في وقت لاحق.

أُنشئت في عام 1926م، منظمة شبابية جديدة موحدة للفتيان: شبيبة هتلر (شباب هتلر)، ونُظمت حسب العمر وقسمت إلى فئتين: فرق الشباب (14-16سنة) ووحدات التجوال (16-18 سنة). شُجَّعَت الفتيات (من 14 إلى 18 عامًا) على الانضمام إلى رابطة الفتيات الألمانيات، وأُنشئت مجموعات إضافية لاحقًا للفتيان والفتيات الذين تتراوح أعمارهم بين 10 و14 عامًا. دُرّب جميع الفتيان والفتيات على فوائد التمارين البدنية وبناء الفريق. لم تنمو المنظمات بسرعة في السنوات الأولى من وجودها، حتى بعد استيلاء هتلر على السلطة في عام 1933م، لم يسمح هذا الأمر ببدء تعليم جماعي للأيديولوجية النازية إلا مع إلزامية العضوية لجميع شباب الرايخ الثالث في عام 1940م.

شجعت المؤسسة النازية بنشاط النمو الرياضي للشباب الألماني. أصبحت الرياضة أداة لرفع "العرق الآري" إلى أقصى إمكاناته عن طريق التدريب البدني والانضباط، وكان الغرض من ذلك هو إظهار التفوق الجرماني للعالم، لم يكن هناك في هذا المشروع، مكان لأي شخص لا يُعّد آريًا؛ حيث أصدر هتلر توجيهات عنصرية أدت إلى طرد غير الآريين من الاتحادات الرياضية، واستبعادهم من كل أنواع المنافسات، فلم يكن أمام العديد من الرياضيين اليهود، وكذلك الغجر وشعب السنتي، خِيار سوى الهجرة.

Cartoon Depicting Nazi Sportsmen Destroying the Olympic Spirit (1935)
كاريكاتير يصور رياضيين نازيين يدمرون الروح الأولمبية (1935)
John Henry Amshewitz (Public Domain)

أصبحت الرياضة والدعاية العنصرية في ألمانيا النازية ثنائيًا لا ينفصلان، كما ظهر في أولمبياد برلين عام 1936م، وهو حدث كان ينبغي أن يحتفل بالأخوة العالمية بدلًا من ذلك. كانت الألعاب الأولمبية معرضة للخطر بسبب تهديدات الدول الديمقراطية وجماعات الضغط المعنية بحقوق الإنسان بمقاطعتها، لكن النظام نجح في نزع فتيل تلك الأزمة، حتى إن الحكومة النازية كان لديها مُبَارِزة يهودية هي هيلين ماير، وسُمح لتيودور ليوالد، الذي كان يهوديًا وعضوًا سابقًا في اللجنة الأولمبية الألمانية، بالبقاء في منصبه، بالرغم من تجريده بالفعل من جميع سلطات اتخاذ القرار. كان هذان الشخصان جزءًا من التمثيل المطمئن للواقع الذي عززه النظام. دار الكثير من النقاش حول تحيز القادة الرئيسيين للجنة الأولمبية الدولية وانحيازهم للفاشية ومعاداتهم المستترة للسامية الذين أظهروا تعاطفًا مع الفعالية التنظيمية والرياضية لألمانيا النازية، إلا أنهم قللوا من شأن الأخطار الدولية للنازية وحلفائها. حققت دورة الألعاب الأولمبية في برلين، وهي أول دورة أولمبية في التاريخ تُبث على الهواء مباشرة، نجاحًا دعائيًا لا جدال فيه لهتلر، الذي استطاع تقديم عرض منظم بأدق التفاصيل لتمجيد ألمانيا النازية الجديدة، ومع ذلك، دخلت ألعاب برلين التاريخ قبل كل شيء بسبب انتصارات رياضي أمريكي من أصل أفريقي، جيسي أوينز (1913-1980م)، لكن وبالرغم من هذا الإذلال للمؤسسة النازية، مثلت دورة الألعاب الأولمبية لعام 1936م نجاحًا لهتلر.

حاولت كلًا من النازية والفاشية الإيطالية خلق يوتوبيا شمولية، وكان تكوين المواطن الجديد جزءًا أساسيًا من هذه الخطط. كان الشباب هدفًا لهذه المشروعات البائسة التي هدفت إلى خلق جيل أكثر لِيَاقَة وموحد أيديولوجيًا، وفي كلتا الحالتين، كان تأثير هذا التدريب الجماعي يتغير من حالة إلى أخرى. تبرأ العديد من الشباب من مشاركتهم في أنشطة تلك الأنظمة، وتذكر آخرون تجاربهم بشكل إيجابي لأنها مثلت لحظة تحرر، خاصًة من عائلاتهم. كان هذا صحيحًا خاصًة بالنسبة للنساء: فحتى لو أرادت تلك الأنظمة أن يكونوا أكثر انصياعًا لها، فإن الحرية التي اختبروها عن طريق المشاركة الجماعية في الرياضة حررت الكثير منهم من البيئة العائلية التقليدية، مما غذى الرغبة في مزيد من الاستقلالية. حتى اليوم، لا يزال الربط الإيجابي بين اللِّيَاقَة البدنية أو البراعة الرياضية وقوة قيادتهن فرصة دعائية مفيدة لا يبدو أن هناك من الديكتاتوريين من يستطيع مقاومتها.

نبذة عن المترجم

Mahmoud Ismael
مدرس تاريخ مهتم بترجمة المقالات والأبحاث التاريخية.

نبذة عن الكاتب

Fabio Sappino
فابيو طالب دكتوراه في التاريخ الدَّوْليّ في كُلْيَة لندن للاقتصاد (LSE). يعمل حاليًا على تاريخ الاستعمار الإيطالي والفاشية الإيطالية، مع اهتمام خاص بالعلاقات بين الإسلام والغرب.

استشهد بهذا العمل

أسلوب APA

Sappino, F. (2025, March 20). لماذا كانت الفاشية مُولَعة بالرياضة؟ [Why Was Fascism Obsessed With Sports?]. (M. Ismael, المترجم). World History Encyclopedia. مأخوذة من https://www.worldhistory.org/trans/ar/2-2667/

شيكاغو ستايل

Sappino, Fabio. "لماذا كانت الفاشية مُولَعة بالرياضة؟." ترجمة Mahmoud Ismael. World History Encyclopedia. آخر تعديل March 20, 2025. https://www.worldhistory.org/trans/ar/2-2667/.

أسلوب MLA

Sappino, Fabio. "لماذا كانت الفاشية مُولَعة بالرياضة؟." ترجمة Mahmoud Ismael. World History Encyclopedia. World History Encyclopedia, 20 Mar 2025. الويب. 14 Apr 2025.