كتاب الهيستوريا أوغوستا- تاريخ الأباطرة (التاريخ العظيم) هو عمل لاتيني من القرن 4 ميلادية يؤرخ لحياة الأباطرة الرومان من 117-285 ميلادية. من بين العديد من القصص ذات الصلة تاريخ زنوبيا التدمرية وتحديها للسلطة الرومانية التي سحقها الإمبراطور أوريليان في عام 273 ميلادية.
كانت زنوبيا (ولدت عام 240 ميلادية، تاريخ الوفاة غير معروف) زوجة الحاكم السوري ومؤسس المملكة التدمرية، أوديناثوس- أُذينة (حكم 263-267 ميلادية) الذي قُتل (أو اغتيل عمداً) في رحلة صيد في عام 267 ميلادية، تاركاً ابنه الصغير وهبلاتوس- وهب اللات (ولد عام 259 ميلادية، توفي حوالي 273 ميلادية) خلفاً له. وبما أن وهبلاتوس كان أصغر من أن يحكم في ذلك الوقت، أصبحت زنوبيا وصية على ابنهما ووسعت مملكة تدمر إلى إمبراطورية.
حدث صعودها إلى السلطة خلال الفترة الفوضوية المعروفة باسم أزمة القرن الثالث (235-284 م، والمعروفة أيضا باسم الأزمة الإمبراطورية) عندما كانت الحكومة المركزية ضعيفة وخلف العديد من أباطرة الثكنات بعضهم البعض بسرعة في الحكم. في هذا المناخ، لم يلاحظ أحد- أو كان لديه القدرة على التعامل- مع توسع زنوبيا المطرد في السلطة حتى وصل أوريليان (حكم 270 - 275 ميلادية) إلى السلطة وأنهى طموحاتها، مما أعاد الإمبراطورية التدمرية تحت سيطرة روما. ذُكرت قصة صعود وسقوط زنوبيا في عدد من الأعمال القديمة، ومن بينها، هيستوريا أوغوستا.
الهيستوريا أوغوستا تاريخياً
في حين أن كتاب الهيستوريا أوغوستا- تاريخ الأباطرة معترف به اليوم على أنه خيالي إلى حد كبير (حتى أن بعض العلماء أعطوه تسمية "الخيال التاريخي") ، فقد اعتبر تاريخا موثوقاً به في وقته ولعدة قرون بعد ذلك. قبله المؤرخ الشهير إدوارد جيبون (1737-1794 م) كسجل أصيل للتاريخ الروماني القديم واعتمد عليه على نطاق واسع في عمله المكون من ستة مجلدات "تاريخ تراجع وسقوط الإمبراطورية الرومانية" الذي، مثل تاريخ الأباطرة، ينظر إليه إلى حد كبير على أنه غير دقيق في العصر الحديث. ومع ذلك، كان لهذين العملين تأثير كبير على الجماهير التي قرأتهما أو سمعتهما تقرأ.
بدلا من النظر إلى الهيستوريا أوغوستا على أنها خيالية إلى حد كبير، ربما يكون من الأفضل النظر إليها في نفس ضوء أدب نارو القديم في بلاد ما بين النهرين. بدأ أدب نارو في الظهور حوالي الألفية الثانية قبل الميلاد في بلاد ما بين النهرين ويتميز بقصص تضم شخصية معروفة من الماضي (عادةً ما يكون ملكاً) كشخصية رئيسية في قصة شبه تاريخية، والتي إما تمجد براعة الملك العسكرية، أو تروي قصة حياته وحكمه، أو في كثير من الأحيان، استخدم الملك لتجسيد العلاقة الصحيحة بين البشر والآلهة. كانت الشخصية الرئيسية (الملك) دائما شخصية تاريخية فعلية، لكن القصة كانت إما خيالية أو مائلة بطريقة معينة من أجل تحقيق الانطباع المطلوب.
في حين أن الهيستوريا أوغوستا لا تهتم بالآلهة كما هي الحال مع الأباطرة الرومان، فإن نفس النموذج ينطبق على أن حكايات الحكام الرومان تعطى على أنها "لحظات تعليمية" يتعلم المرء من خلالها ما يعنيه أن يكون ملكاً جيداً أو فقيراً أو رجلاً عظيماً أو فاشلا. من المؤكد أن العمل منحاز في عرضه ولكن من المفهوم أنه اعتمد على مصادر تاريخية موثوقة لرواياته. ومع ذلك، فإن تركيز هذه الروايات ينصب دائما على مدى فهم وفعالية- أو تفاهة- عهد إمبراطور معين كان. ومع ذلك، لا ينطبق هذا النموذج على الأباطرة الرومان فحسب، بل ينطبق أيضا على خصومهم، وعلى الأخص على الملكة زنوبيا ملكة تدمر.
زنوبيا وأوريليان
أصبحت زنوبيا ملكة الإمبراطورية التدمرية بعد وفاة أُذينة عندما تم تعيينها ظاهرياً وصية على ابنهما الصغير وهبلاتوس. بعد فترة وجيزة من توليها السلطة، شرعت في سلسلة من الحملات الدبلوماسية والعسكرية لتعزيز سلطتها وتوسيع مملكتها. لم يكن لدى الأباطرة الرومان الذين كافحوا لاحتواء أزمة القرن الثالث الوقت ولا الموارد للتعامل معها حتى تمكن أوريليان من الوصول إلى السلطة في عام 270 ميلادية وركّز جهوده على إعادة المناطق المختلفة من الإمبراطورية تحت سيطرة الحكومة المركزية.
وصل أوريليان إلى السلطة في نهاية أزمة القرن الثالث عندما انقسمت الإمبراطورية إلى ثلاثة كيانات منفصلة:
- الإمبراطورية الغالية
- الإمبراطورية الرومانية
- الإمبراطورية التدمرية
كان أوريليان هو الذي عمل على إعادة إمبراطوريتي غاليك وتدمر إلى سيطرة روما. وفقا للمؤرخ جون لويس، كان أوريليان "معروفا شعبيا باسم "manu ad ferrum- القبضة الحديدية" في إشارة إلى استعداده للدفاع عن الإمبراطورية ضد جميع الأعداء في أي لحظة. وتحقيقاً لهذه الغاية، يقدم الهيستوريا أوغوستا الإمبراطور كحاكم قوي، على الرغم من رحمته، لن يتسامح مع المعارضة أو التمرد.
على الرغم من أن أسلافه سمحوا لزنوبيا بحرية المطالبة بثلث الإمبراطورية الرومانية في الشرق ومن ثم تطويرها، إلا أن أوريليان لم يحذو حذوهم وقاد جيشه شخصياً لسحق زنوبيا وقوات تدمر. يذهب الهيستوريا أوغوستا إلى أبعد الحدود للتأكد من أن القارئ يفهم مدى جدارة الخصم زنوبيا لأن أوريليان كان قلقاً من أنه سيبدو غير مشرّف في الحرب ضد امرأة.
ما إذا كانت الحقائق المتعلقة بالعمل قد حدثت بالفعل فلم تكن مهمة للكاتب (في هذه الحالة، فوبيسكوس) مثل تأثير القصة على القارئ. إن مسيرة أوريليان عبر "عصابات اللصوص في سوريا" وتحمله "هجمات مستمرة" لاستعادة العوالم الشرقية تظهر شجاعته، في حين تظهر رسالته إلى زنوبيا التي يُطالبُها فيها بالاستسلام طبيعته الرحيمة. وفيما يلي نص الرسالة، جزئيا:
أنت، يا زنوبيا، تستطيعين أن تعيشين مع عائلتك في المكان الذي سأعينك فيه بناء على نصيحة مجلس الشيوخ الموقر. يجب أن تُسلّم إلى خزينة روما جواهرك وفضتك وذهبك وأرديتك الحريرية وخيولك وجمالك. بالتالي، سيتمتع التدمُرييين في الحفاظ على حقوقهم المحلية. (لويس، 380)
ترد زنوبيا بغطرسة، بدءًا من: "لم يطلب مني أحد من قبل، سواك، ما تطلبه في رسالتك"، وبعد أن رفضت شروطه، وتختتم بالسطور: "سوف تخفض بعد ذلك تلك النغمة التي تبدو - كما لو كنت قد حصلت بالفعل على الفتح الكامل - والآن تريدني أن أستسلم" (لويس، 381). كان من شأن هذا أن يوضح للقارئ مدى غطرسة الخصم زنوبيا ومدى شرف تصرفات أوريليان في القبض عليها وإظهار الرأفة. ثم يقدم السرد بإيجاز قصة هزيمة زنوبيا على يد أوريليان والقبض عليها.
بعد إعادتها إلى روما واستعراضها في الشوارع في مسيرته المُظّفرة، يطلق أوريليان سراحها لتعيش بقية أيامها في "سلام ورفاهية". استناداً إلى المصادر القديمة الأخرى عن زنوبيا، يبدو أن هذا هو ما حدث حقاً (باستثناء زنوبيا التي ظهرت علناً في انتصار أوريليان في السلاسل الذهبية)، ولكن الطريقة التي يقدم بها الهيستوريا أوغوستا القصة هي التي تهم.
زنوبيا، المتمرد الشرقي العنيد، يخضع للإمبراطور الروماني النبيل الذي، على الرغم من أن الظروف أجبرته على تدمير تدمر، يبذل قصارى جهده لحل الصراع من خلال وسائل سلمية شريفة. كان من شأن عفوه عن زنوبيا والختام السلمي لحياتها في قصر روماني أن ينعكس أيضاً بشكل جيد على الإمبراطور. على الرغم من أن بعض الإصدارات اللاحقة من أسطورة زنوبيا تدعي أنها أُعدمت في روما، إلّا أن هذا الاستنتاج لحياتها لم يرد في أي مكان في القصص السابقة المتعلقة بها. تاريخ وفاتها غير معروف، ولكن يبدو أنها عاشت بقية حياتها تماشياً مع وضعها كملكة سابقة، ومن المفترض أنها توفيت بسلام كزوجة لروماني من الطبقة العليا.
القصة في الهيستوريا أوغوستا
الرواية التالية عن تمرد زنوبيا ضد روما، وانتصار أوريليان العظيم، يأتي من رواية فلافيوس فوبيسكوس عن حياة أوريليان في تاريخ الأباطرة:
بعد الاستيلاء على تيانا والفوز في معركة صغيرة بالقرب من دافني، استولى أوريليان على أنطاكية، بعد أن وعد بمنح العفو لجميع السكان، و - بناء على نصيحة أبولونيوس الموقر- أظهر نفسه أكثر إنسانية ورحمة. بعد ذلك، بالقرب من إيميسا، أعطى المعركة لزنوبيا وحليفها زابا- معركة كبيرة فيها مصير الإمبراطورية نفسه في القضية. بالفعل كان فرسان أوريليان متعبين ومتذبذبين وعلى وشك الهروب، عندما جدد نوع من الظهور السماوي شجاعتهم بمساعدة إلهية، والمشاة الذين جاءوا لمساعدة الفرسان، احتشدوا بقوة. هُزمت زنوبيا وزابا، واكتمل النصر.أوريليان ، الذي أصبح سيد الشرق ، دخل إيميسا كفاتح. بادئ ذي بدء، قدم نفسه في معبد إيل جبل- الشمس، كما لو كان يفي بنفسه بنذر عادي - لكنه رأى هناك نفس الشخصية الإلهية التي رآها تأتي لإنقاذه خلال المعركة. لذلك كرس في نفس المكان بعض المعابد، مع هدايا رائعة. كما أقام في روما معبداً للشمس، وكرسه بأبهة كبيرة.
بعد ذلك سار نحو تدمر، لينهي أعماله بالاستيلاء على تلك المدينة. ومع ذلك، شنت عصابات اللصوص في سوريا هجمات مستمرة بينما كان جيشه في المسيرة. وخلال الحصار كان في خطر كبير من خلال إصابته بسهم.
وأخيراً، وبعد أن سئم أوريليان وأحبطته خسائره، تعهد بالكتابة إلى زنوبيا، متعهدا لها - إذا استسلمت - بالحفاظ على حياتها - في الرسالة التالية:
"أوريليان، إمبراطور روما ومرمم الشرق إلى زنوبيا وأولئك الذين يشنون الحرب إلى جانبها. كان يجب أن تفعل ما أمرتك به في رسالتي [السابقة]. أعدك بالحياة إذا استسلمت. أنت، يا زنوبيا، تستطيع أن تعيش مع عائلتك في المكان الذي سأعينك فيه بناء على نصيحة مجلس الشيوخ الموقر. يجب أن تسلم إلى خزينة روما جواهرك وفضتك وذهبك وأرديتك الحريرية وخيولك وجمالك. بالتالي، سيتمتع التدمُرييين في الحفاظ على حقوقهم المحلية".
ردت زنوبيا على هذه الرسالة بفخر وجرأة، بما لا يتفق على الإطلاق مع حظها. لأنها تخيلت أنها تستطيع تخويفه.
"زنوبيا، ملكة الشرق، إلى أوريليان أوغسطس. لم يطلب مني أحد من قبل، سواك، ما تطلبه في رسالتك. يجب على المرء في الحرب أن يتمسك فقط بصوت الشجاعة. أنت تطلب مني أن أسلم، كما لو كنت لا تعرف أن الملكة كليوباترا فضلت الموت بدلاً من العيش في أي محطة أخرى باستثناء محطتها. الفرس لا يتخلون عنا، وسننتظر مساعديهم. إن الساراسين والأرمن يقفون إلى جانبنا. لقد هزم قطاع الطرق في سوريا جيشكم، يا أوريليان. ماذا سيكون عندما نتلقى التعزيزات التي تأتي إلينا من جميع الجهات؟ سوف تخفض بعد ذلك تلك النغمة التي تبدو - كما لو كنت قد حصلت بالفعل على الفتح الكامل - والآن تريدني أن أستسلم".
عند قراءة هذه الرسالة ، لم يحمر الإمبراطور، ومع ذلك كان غاضباً، وفي وقت واحد جمع جيشه مع جنرالاته، وأحاط تدمر من جميع الجهات، كرّس الإمبراطور العظيم اهتمامه لكل شيء. لأنه قطع العون عن الفرس، وأعطب جحافل الساراسين والأرمن، وكسبهم أحياناً بشدته، وأحيانا ببراعته؛ باختصار، بعد العديد من الهجمات، هزمت الملكة الباسلة. على الرغم من أنها هربت على الجمال التي سعت من خلالها للوصول إلى الفرس، إلا أن الفرسان الذين أرسلوا في المطاردة أسروها، وأحضروها إلى أوريليان.
وكان الجنود المضطربون - الذين طلبوا أن تتلقى زنوبيا للعقاب - كان عنيفاً جداً؛ ومن ثم فإن هذا الاضطراب لا يزال مستمرا. لكن أوريليان تصوّر أنه سيكون من المخجل إعدام امرأة، لذلك اكتفى بإعدام معظم هؤلاء الرجال الذين حرّضوا على هذه الحرب وأعدوها وأداروها، واحتفظ بزنوبيا لتزيين انتصاره ووليمة عين الشعب الروماني. ومن المؤسف أن كان الفيلسوف لونجينوس في عداد الذين ذُبحوا، الذي كان - كما يقال - سيد زنوبيا في اللغة اليونانية. ويزعم أن أوريليان وافق على وفاته لأنه نسبت إليه تلك الرسالة المذكورة أعلاه المليئة بالفخر المسيء.
من النادر بل ومن الصعب أن يظل السوريون مخلصين. التدمريين، الذين هزموا وغزوا، رأوا أن أوريليان قد اختفى وكان مشغولاً بشؤون أوروبا ، أرادوا إعطاء السلطة لأحد أخيليوس، أحد أقارب زنوبيا، وأثاروا ثورة كبيرة. وقاموا بقتل ستمائة من الرماة وساندريون، الذين تركهم أوريليان حكاماً في منطقتهم. لكن الإمبراطور، الذي كان دائماً في السلاح ، سارع إلى العودة من أوروبا ، ودمر تدمر، كما تستحق.
في انتصاره الرائع، الذي احتفل به في روما بعد أن غزا أوريليان تيتريسيوس، "إمبراطور بلاد الغال" الغاصب وأعداء آخرين، قادت زنوبيا في موكب مكشوف على الملئ، مُزينة بالجواهر، ومُحملة بسلاسل من الذهب ثقيلة لدرجة أن بعض حراسها اضطروا إلى حملها من أجلها. في وقتٍ لاحق، ومع ذلك، عوملت بإنسانية عظيمة، ومُنحت قصراً بالقرب من روما، وقضت أيامها الأخيرة في سلامٍ وترف.
الخُلاصة
هيستوريا أوغوستا هو المصدر القديم الوحيد عن حياة زنوبيا الذي يتضمن تفاصيل كونها "محملة بالسلاسل" كجزء من انتصار أوريليان في روما، ومع ذلك فإن هذه هي الصورة الأكثر شهرة المتعلقة بهزيمتها. في القرن 19 ميلادية، فسرت النحاتة الكلاسيكية الجديدة هارييت هوسنر (1830 - 1908 ميلادية) هذه الصورة بشكل ملكي في عملها زنوبيا في السلاسل (1859) التي تصور زنوبيا كملكة كريمة تهددها سلسلة طفيفة ولكنها لا تزال تحتفظ بقوتها.
ما حدث لزنوبيا بعد هزيمتها أمام أوريليان غير معروف في الواقع. المصادر القديمة عن حياتها، إلى جانب هيستوريا أوغوستا، هي المؤرخون زوسيموس (حوالي 490 م)، وزوناراس (القرن 12 م)، والطُّبري (ل. 839-923 م) الذين تم تصميم روايتهم على غرار رواية عدي بن زيد (عاش في القرن 6 ميلادية). من المفترض أن الهيستوريا أوغوستا هي الأقرب إلى الحقيقة في ربط نهاية الملكة العظيمة ومن المرجح أنها عاشت بقية حياتها في روما. حتى لو لم تفعل ذلك، تماشياً مع نموذج أدب نارو في بلاد ما بين النهرين، فإن رسالة هذا الاستنتاج إلى حياتها سيكون ما كان ينبغي عليها أن تقوم به.