توجد لدينا أدلة على أهمية الحب للمصري القديم كما هو الحال لنا هذه الأيام، ومع أنّ الزواج في مصر القديمة كان يهدف إلى الاستقرار المجتمعي والتقدم الشخصي، كان الحب موضوعًا شائعًا في الشعر، خاصة في عصر الدولة الحديثة (1570-1069 ق.م) مع ظهور أعمال تمدح فضائل الحبيب أو الزوجة.
تُؤرخ بردية "تشيستر بيتي الأولى" إلى عام 1200 ق.م، ونجد بين طياتها قطعة أدبية يتحدث فيها أحد الرجال عن "أخته" التي في الحقيقة ليست قريبته بيولوجيًا، حيث كان يُشار إلى النساء عادةً على أنهن شقائق الرجال، والنساء الأكبر سنًا هن أمهاتهن، والرجال في نفس عمرهم أخواتهم، والرجال الأكبر سنًا هم آباؤهم، فالرجل في فِقْرة بردية "تشستر بيتي" لا يمدح محبوبته فحسب، بل يقدم مثالًا مصريًا عن الجمال الأنثوي وقتئذ:
"أختي فريدة من نوعها، لا أحد يستطيع أن ينافسها، فهي أجمل امرأة على قيد الحياة. انظر، إنها مثل نجم الشِّعرَى اليَمَانِيَّة، الذي يمثل بداية عام جيد. إنها تشع بالكمال وتتوهج بالصحة. نَظْرَة عينها رائعة. شفتيها تتحدثان بكلمات قليلة لطيفة. هي طويلة العنق، وصدرها ممتلئ، وشعرها بلون اللازورد النقي، حتى الذهب لا يقارن بذراعيها، وأصابعها مثل زهور اللوتس. أردافها ممتلئة، لكن خصرها ضيق، وأما فخذيها فمَا يزيدانها إلا جمالًا". (لويس، 203)
مُنحت المرأة في مصر القديمة مكانة متساوية تقريبًا مع الرجل، وذلك تمشيًا مع قصة قديمة مفادها أنه بعد فجر الخلق، عندما حكم أوزوريس وإيزيس العالم، جعلت إيزيس الجنسين متساويين في السلطة، ومع ذلك، كان الذكور يعدوا الجنس المهيمن، وكان الكتبة يكتبون تلك الأدبيات في الغالب من الذكور، مما أثر في كيفية النظر إلى النساء.
يُشير المقطع أعلاه، إلي المرأة بوصفها "ناعمة الثدي" (تُترجم أيضًا باسم "بيضاء الثدي") ليس لأنها قوقازية ولكن لأن بشرتها كانت أفتح من بَشَرَة الذين يعملون في الحقول طوال اليوم، فالنساء تقليديًا مسؤولات عن المنزل، وقد حرصت نساء الطبقة العليا على البقاء بعيدًا عن الشمس لأن البَشَرَة الداكنة تشير إلى أحد أفراد الطبقة الدنيا من الفلاحين الذين يعملون في الهواء الطلق. اختبر أفراد الطبقة الدنيا في المجتمع نفس مشاعر الإخلاص والحب الذي عاشها أولئك الأعلى منهم في السلم الاجتماعي، وقد اختبر العديد من المصريين القدماء الحب، الجنس، والزواج بالطريقة نفسها التي يختبرها الفرد الأن.
الحب في مصر القديمة
عُدّ الملك "توت عنخ آمون" أشهر ملوك الدولة الحديثة في مصر، ليس بسبب إنجازاته الكبيرة، بل بسبب مقبرته التي وُجدت كاملة وسليمة عام 1922م، فعلى الرغم من صغر سن الفرعون توت عنخ آمون (1336-1327 ق.م) عندما اعتلى العرش، فقد بذل قُصَارَى جهده لاستعادة الاستقرار وعودة الممارسات الدينية المصرية القديمة بعد عهد والده "أخناتون" (1353-1336 ق.م)، عاونته على ذلك زوجته الشابة وأخته غير الشقيقة الملكة " عنخ إسن آمون" (حوالي 1350 ق.م)، وتعد صورهما معًا من بين أكثر صور الحب والرومانسية إثارة للاهتمام في مصر القديمة.
صُورت الملكة "عنخ إسن آمون" دائمًا مع زوجها، لكن هذا يعد أمرًا معتادًا، حيث إن مثل هذه الصور شائعة، لكن ما يجعل "الملك توت وزوجته" على وجه الخصوص مثيرين للاهتمام هو كيف يؤكد الفنان على إخلاصهم لبعضهم البعض بواسطة قربهم وإيماءات أيديهم وتعبيرات وجههم. يقول عالم المصريات زاهي حواس:
"[أنهم أحبوا بعضهم البعض] هذا هو بالتأكيد حكمنا على الصور الفنية التي تملأ قبر الملك الذهبي، ويمكننا أن نشعر بالحب بينهما حين نرى الملكة تقف أمام زوجها وتقدم له الزهور وترافقه في أثناء رحلات صيده". (51)
توفي توت عنخ آمون عن عمر يناهز 18 عامًا، واختفت الملكة "عنخ إسن آمون" على إثره من السجلات التاريخية، وعلى الرغم من أن تصويرهما كان مثاليًا، كما كان الحال في معظم الفن المصري، إلا أنهما ما زالا ينقلان مستوى عميقًا من الإخلاص الذي يجده المرء أيضًا، بدرجات متفاوتة، في اللوحات والنقوش الأخرى عبر تاريخ مصر.
يقول زوج عن زوجته في نقش على تابوت من الأسرة الحادية والعشرين: "يا وَيْلَتَاه، لقد خُطِفَتي مني، يا صاحبة الوجه الجميل، لم يكن مثلك أحد ولم أجد فيك عيبًا". الزوج في هذا النقش يوقع باسم "أخيك ورفيقك" نَظْرَ المصريين القدماء إلى الرجال والنساء في العديد من النقوش المماثلة علي أنهم شركاء وأصدقاء متساوون في العِلاقة، وعلى الرغم من أن الرجل كان هو رأس الأسرة، وكان من المتوقع أن يطاع، إلا أن النساء كن يُحترمن باعتبارهن رفيقات عمل مع أزواجهن، وليس خاضعات له. كتبت عالمة المصريات إريكا فيوتشت:
"صُورت الزوجة في زخارف قبر زوجها، على أنها متساوية، ومشاركة في حياته على الأرض وكذلك في العالم الآخر. ولم يقتصر الأمر على اضطرارها إخفاء جسدها خلال أي حِقْبَة من التاريخ المصري، بل أُبْرِز سحرها في اللوحات الجدارية والنقوش البارزة". (ناردو، 29)
كانت الحياة الجنسية في مصر القديمة مجرد جانب آخر من جوانب الحياة على الأرض، فلم تكن هناك محظورات فيمَا يتعلق بالجنس ولا وصمة عار مرتبطة بأي جانب منه باستثناء الخيانة الزوجية، وزنا محارم بين الطبقات الدنيا، وفي كلتا الحالتين، كانت وصمة العار تلك أكثر خطورة على المرأة من الرجل لأن سلسلة النَّسَب كانت تنتقل عبر المرأة. يلاحظ المؤرخ جون إي لويس:
"مع أنّ المصريين القدماء كان لديهم موقف لين تجاه ممارسة الجنس بين البالغين بالتراضي (لم تكن هناك وصمة عار خاصة ضد الأطفال غير الشرعيين)، لكن عند زواج المرأة، كان من المتوقع منها أن تكون مخلصة لزوجها. ليكون على يقين من أن أبناء زواجهم -ورثة ممتلكاته– من نسله، ولا توجد عقوبة رسمية ضد المرأة التي تمارس الجنس خارج إطار الزواج، وكانت العقوبات الخاصة هي الطلاق، الضرب، وأحيانًا الموت". (204)
وفي حين أن هذا صحيح، إلا أن هناك سجلات لمسؤولين حكوميين تدخلوا في تلك القضايا وأمروا بإعدام امرأة بتهمة الزنا عندما أبلغ الزوج السلطات بالقضية، وفي إحدى الحالات، ربطت المرأة إلى وتد خارج منزلها، حيث حكم عليها باِسْتَبَاحتها وحرقها حتى الموت.
المصريون القدماء والجنس
تظهر قصص وتحذيرات من النساء الخائنات على نحو متكرر في الأدب المصري القديم. إحدى أشهرها هي حكاية الأخوين (المعروفة أيضًا باسم مصير الزوجة الخائنة) التي تحكي قصة "أنبو" وأخيه "باتا". يعيش "أنبو"، الأخ الأكبر، مع زوجته وشقيقه الأصغر "باتا"، وفي أحد الأيام، يعود "باتا" من الحقل إلى المنزل لأخذ المزيد من البذور للزراعة، فتحاول زوجة أخيه إغواءه. فيمتنع "باتا" قائلًا إنه لن يخبر أحدًا بما حدث، ويعود إلى الحقول مع شقيقه، وعندما عاد "أنبو" إلى المنزل لاحقًا، وجد زوجته "مستلقية هناك، ويبدو كما لو أنها تعرضت للعنف من قِبل فاعل شرير"، وتدعي أن "باتا" حاول اغتصابها، مما أدى إلى تأليب "أنبو" ضد أخيه. كتبت تلك القصة حوالي (1200 ق.م)، وهي مصدر إلهام محتمل للقصة الكتابية اللاحقة في سفر (تكوين 39: 7) عن يُوسُف وزليخة زوجة بوتيفار (عزيز مصر).
كانت قصص المرأة الخائنة موضوعًا شائعًا بسبب المشاكل المحتملة التي قد تسببها الخيانة الزوجية، ففي قصة "أنبو وباتا"، دُمرت عِلاقة الأخوين، وقُتِلت الزوجة، ولكن قبل أن تموت، استمرت في التسبب في مشكلات للأخوين، ولاحقًا في المجتمع. إن تركيز المصريين على الاستقرار الاجتماعي والوئام كان سيجعل هذا الموضوع ذا أهمية بالغة للجمهور.
تُعد أسطورة "إيزيس وأوزوريس"، ومقتل "أوزوريس" على يد أخيه "ست"، من أشهر الأساطير المتعلقة بالآلهة، حيث يقرر "ست" في النسخة الأكثر انتشارًا من تلك الأسطورة، قتل "أوزوريس" بعد أن تتنكر "نفتيس" (زوجة ست)، في هيئة "إيزيس" لإغواء "أوزوريس"، فعمت الفوضى بعد مقتل أوزوريس، بسبب الخيانة الزوجية، التي تركت انطباعًا قويًا على الجَمهور القديم، يُنظر إلى "أوزوريس" على أنه بريء في الأسطورة، حيث كان يتصور أنه كان يمارس الجنس مع زوجته، وكما في الحكايات الأخرى، فإن اللوم يقع على "المرأة الأخرى" أو "المرأة الغريبة"، "نفتيس".
لم يُكتب الكثير عن الجنس في مصر القديمة، فهناك القليل جدًا من المعلومات حول الأوضاع والممارسات الجنسية، على عكس القصص التي تشجع على الإخلاص، وهو ما يفسره العلماء عادةً على عدم الأهمية الكبرى لهذا الموضوع عند المصريين، ولا يوجد علاج أيضًا للمثلية الجنسية، بالرغم من اعتقاد الباحثين أن الملك "بيبي الثاني" الذي عمر طويلًا (2278-2184 ق.م) كان مثليًا، وكان هناك حرية للنساء غير المتزوجات في ممارسة الجنس مع من تختاره، وتقدم لنا بردية "إيبرس الطبية"، المكتوبة حوالي (1542 ق.م)، وصفات لمنع الحمل. يقرأ في البردية:
"وصفة لمنع الحمل مدة سنة أو سنتين أو ثلاث سنوات. يُطحن حتى ينعم مقدار من تمر السنط مع القليل من العسل، ثم بلّلي قطعة صوف بالخليط، ثم أدخليه في المَهْبِل". (لويس، 112)
كانت عمليات الإجهاض متاحة أيضًا، ولم تكن هناك وصمة عار مرتبطة بها مثل ممارسة الجنس قبل الزواج، في الواقع، لا توجد كلمة تعني "عذراء" في اللغة المصرية القديمة؛ مما يشير إلى أن درجة الخبرة الجنسية لدى الفرد - أو عدمها- ذا أهمية، ولم تكن الدعارة مصدر قلق أيضًا، حيث لاحظ عالم المصريات ستيفن سناب أن "الأدلة على الدعارة في مصر القديمة ضئيلة إلى حد ما، خاصة قبل العصر المتأخر" (116). ولم يشر إلى أي بيوت دعارة في مصر ولم تُذْكَر الدعارة في أي أعمال مكتوبة أو قرارات قانونية.
لا تزل بردية "تورين الجنسية 55001" الشهيرة، التي تصف لقاءات مثيرة مختلفة، بعيدة عن التفسير الحاسم حول ما إذا كانت تصف علاقات جنسية بين عاهرة وعميل أم أنها مجرد رُسُوم هزلية، والأخطر بكثير من العاهرة أو المرأة غير الخبيرة جنسيًا تلك التي تستطيع إغراء الرجل وتبعده عن زوجته وعائلته. يحذر الحكيم "آني" في وصاياه من:
"المرأة الغريبة التي لا يعرفها أحد في مدينتها، لا تنظر إليها وهي مارة ولا تجامعها، وغياب المرأة عن زوجها ماء عميق لا يعرف له قاع". (لويس، 184)
كان من المنطقي أن يركز القدماء المصريون على نحو خاص بتلك القصص التي تشجع على الهدوء الداخلي، نظرًا لإدراكهم أهمية التناغم الاجتماعي، ومن العجيب عدم وجود قصص مماثلة يقع فيها اللوم على الرجال. أكد المصريون القدماء على قيمة عدم تعدد الزوجات حتى بين قصص الآلهة، فعادة ما يكون للآلهة الذكور زوجة أو رفيقة واحدة فقط، ولكن كان يُسمح للملك أن يكون له أكبر عدد ممكن من الزوجات، كما يُسمح أيضا لأي رجل من العائلة الملكية ذي إمكانات، وهذا على الأرجح أثر في كيفية النظر إلى خيانة الذكور، ومع ذلك، فإن العِلاقة المثالية في المصرية القديمة كانت تتكون من زوجين يظلان مخلصين لبعضهما البعض وينجبا اطفالًا.
الزواج في مصر القديمة
لم يكن هناك حفل زواج في مصر القديمة، وكانت المرأة تعد زوجة للرجل لحظة دخولها منزله بأَمتِعتها المتفق عليها، وعادة ما يرتب الأهالي الزيجات، من مهر العروس المتفق عليه والهدايا المتبادلة من عائلة العريس إلى العروس. كانت اتفاقيات ما قبل الزواج شائعة، وأي ممتلكات مادية تحضرها العروس للزواج تظل ملكًا لها تتصرف بها كما تشاء. كان الغرض من الزواج هو إنجاب الأطفال، ولكن كان من المتوقع من الأزواج أن يحبوا ويكرموا بعضهم البعض. تعلق عالمة المصريات باربرا واترسون على هذا:
"يبدو أن اتخاذ زوجة كان مرادفًا لإنشاء منزل. كان من المتوقع من الرجل أن يحب زوجته، كما توضح الوصية التالية من الحكيم "بتاح حتب": "أحب زوجتك، أطعمها، ألبسها، وأسعدها...ولكن لا تجعل لها اليد الطُّولى!"، قدم حكيم آخر وهو "آني" وصفة لحياة سعيدة: "لا تمثل دور الرئيس مع زوجتك، ولا تقس عليها في دارها، إن أدركت صلاحها لا تسألها عن موضع شيء، إن كانت قد وضعته في المكان المناسب" (15)
يقوم العريس ووالد العروس بإعداد عقد زواج يُوَقَّع أمام الشهود، وبعد ذلك يعدّ الزوجان متزوجين، فالأطفال في حضانة للأم، وفي حالة الطلاق يذهبون معها، وبالرغم من كثرة التحذيرات من المرأة الخائنة، فقد مُنحت المرأة حرية هائلة في الزواج. كتب المؤرخ دون ناردو:
"لم تكن المرأة أكثر من مجرد ملكية في نظر معظم الرجال في معظم المجتمعات القديمة، وكان التركيز في تلك المجتمعات دائمًا على كيف يمكن للمرأة أو ينبغي لها أن تجعل الرجل سعيدًا، ومن المؤكد، أن مصر مثلها مثل الحضارات القديمة كانت يهيمن عليها الذكور إلى حد بعيد، وكان من المتوقع في الغالب من النساء أن ينفذن أوامر أزواجهن. ومع ذلك، يبدو أن العديد من الأزواج المصريين قد تمتعوا بعلاقات حب إيجابية. (23)
تُظهر لوحات المقابر وغيرها من الفنون والنقوش الأزواج والزوجات وهم يأكلون، يرقصون، ويعملون معًا، ففي العائلات الملكية، يمكن للأخ أن يتزوج بأخته أو أخته غير الشقيقة، لكن هذا لم يكن موضع تشجيع بين بقية السكان، بالنسبة لمعظم الناس، رُتِّب الزواج لتحقيق أقصى فائدة لكلا الطرفين، وكان من المأمول أنهم، عندما يعيشون معًا، سينمو حبهم لبعض إذا لم يكونوا يفعلوا ذلك فعلًا. يكتب ناردو:
"قد يجد الرجل قدرًا من السعادة -حتى لو لم يكن يحب زوجته بشدة-، في معرفة أنها راضية، تحتفظ عن طيب خاطر بمنزل مرتب، مُدار بشكل جيد، وتعلم الأطفال الأخلاق الحميدة، ويمكنه أيضًا أن يفخر بحقيقة أنه عمل بجد لوضع الطعام على المائدة وسقفًا فوق رأسيهما. (23-24)
عُدّت الأسرة النووية المستقرة هي الأساس لمجتمع مستقر، وبالرغم من حرية أفراد العائلة المالكة في الزواج بأي شخص يختارنه (على غرار زواج الآلهة الإخوة والأخوات مثل إيزيس وأوزوريس أو نوت وجب)، فقد شُجِّعَت عامة الناس على الزواج خارج إطار القرابة باستثناء حالة أبناء العمومة. يُزَوَّج الفتيات في عمر 12 عامًا والفتيان في سن 15 عامًا، مع أنّ متوسط العمر يبدو أنه 14 عامًا للفتيات و18 أو 20 عامًا للفتيان.
يكون الصبي في هذا الوقت قد تعلم فعلًا تجارة والده وأصبح يمارسها، في حين كانت الفتاة، ما لم تكن من العائلة المالكة، قد تدربت على إدارة المنزل ورعاية صغار وكبار السن في الأسرة والحيوانات المنزلية. يشير المؤرخ تشارلز فريمان إلى أن "الأسرة كانت الوحدة الحية للمجتمع المصري، حيث تُظهر اللوحات الجدارية والمنحوتات أزواجًا راضين وهم يضعون أذرعهم حول بعضهم البعض، وكانت هناك رعاية مثالية من صغار السن لكبار السن" (ناردو، 25)، ومع ذلك، لم تنجح هذه الزيجات دائمًا، وفي مثل هذه الحالات، يحدث الطلاق.
الطلاق في مصر القديمة
كانت نهاية الزواج بسيطة مثل البداية، حيث يطلب أحد الزوجين أو كليهما الطلاق، فتُقَسَّم الممتلكات المادية حسب اتفاق ما قبل الزواج، ويُوَقَّع على اتفاق جديد، فينتهي الزواج. تشير المؤرخة مارغريت بونسون إلى أن "فسخ الزواج يتطلب قدرًا معينًا من الانفتاح فيمَا يتعلق بحقوق الملكية والبقاء الاقتصادي للزوجة السابقة" (156).
تعني مارغريت بهذا أنه حتى تلك الممتلكات التي قد يعتقد الزوج أنها ملكه يجب أن تُقَسَّم مع زوجته وفقًا للاتفاق الأصلي، فأي شيء تتزوج بها الزوجة، سمح لها بأخذه معها عند انتهاء الزواج، إلا في حالة الخيانة الزوجية، المثبتة بشكل واضح، فعندها تحرم المرأة من حقوقها عند الطلاق.
أصبحت هذه الاتفاقيات أكثر تعقيدًا خلال عصر الدولة الحديثة والعصر المتأخر حيث يبدو أن إجراءات الطلاق أصبحت أكثر تقنينًا وكانت السلطة المركزية أكثر مشاركة في الإجراءات. تلاحظ بونسون كيف أن "العديد من الوثائق التي تعود للعصر المتأخر تبدو وكأنها عقود زواج حقيقية، ففي حالة الطلاق، يعود المهر الذي قدمه العريس وقت الزواج إلى الزوجة لإعالتها أو يُدفع لها دفعة واحدة" (156). كانت دفعات النفقة أيضًا خيارًا، حيث يرسل الزوج إلى زوجته السابقة راتبًا شهريًا حتى تتزوج مجددًا، حتى لو لم يكن بينهم أطفال.
الزواج الأبدي
كان من المتوقع مع ذلك، أن يستمر الزواج مدى الحياة، حتى في الحياة الأخرة. عاش معظم الرجال حتى الثلاثينيات من عمرهم فقط، وكثيرًا ما ماتت النساء في سن السادسة عشرة في أثناء الولادة وعاشوا لفترة أطول قليلًا من الرجال، وإذا كان لدى المرء عِلاقة جيدة بزوجته، فإن الأمل في رؤيتها مجددًا من شأنه أن يخفف خسارة الموت إلى حد ما، إذ تُصور لوحات ونقوش القبر الزوجين وهما يستمتعان بصحبة بعضهما البعض في حقل القصب ويفعلان الأشياء نفسها التي فعلوها عندما كانا على الأرض.
كان الاعتقاد المصري بالأبدية دعامة مهمة للزواج حيث يسعى المرء إلى جعل حياته وحياة الآخرين على الأرض ممتعة قدر الإمكان حتى يتمكن المرء من الاستمتاع بها للأبد. لم تكن هناك "جنة" في الآخرة عند المصريين، بل استمرارًا مباشرًا للحياة التي عاشها المرء. تكتب بونسون:
"كانت الأبدية سَرْمَديّة، لا يخافها أي مصري. كان أحد الأسماء القديمة لها هو "نوه"، ولكن كان يُطلق عليها أيضًا "شنو"، التي تعني المستديرة، ومن ثم أبدي أو لا ينتهي، وأصبحت نموذج للخراطيش الملكية. (86)
يقف المرء بعد الموت أمام "أوزوريس"، للحكم عليه فإن كان صالحًا، فإنه ينتقل إلى حقل القصب، حيث سيجد المرء كل ما تركه وراءه على وجه الأرض: (منزله، شجرته المفضلة، كلبه أو قطته المفضلة، وأولئك الأشخاص الذين رحلوا بالفعل، بما في ذلك زوجته)، ومع ذلك، إذا لم يعامل الشخص زوجته أو زوجه بشكل جيد في الحياة، فقد لا يحدث هذا الاجتماع أبدًا، والأسوأ من ذلك، يمكن للمرء أن يجد معاناة ذاتية في هذه الحياة وفي الحياة الآخرة. لدينا أمثلة متعددة من النقوش والتعاويذ لدرء الملابسات والحظ السيئ، والتي كان يعتقد أن سببها هو أن الزوج أو الزوجة في الحياة الآخرة يطارد أو ينتقم من الطرف الآخر عن طريق الأرواح الشريرة.
كان المصاب يلجأ وفي بعض الأحيان إلى الكاهن ليشفع عند الراحل ويوقف اللعنة، في مثل هذه الحالات، يذهب رجل أو امرأة إلى الكاهن ويكتب له تعويذة تشرح جانبه من القصة ويطلب من روح الزوج أو الزوجة التوقف عما يفعله، ومن ناحية أخرى، إذا كان الشخص مذنبًا بالفعل بارتكاب جريمة ما، فيجب عليه الاعتراف بها والتكفير عنها بطريقة ما. كان الكهنة يصفون أي كفارة ضرورية، وبمجرد إتمامها، تُرفع اللعنة. تقدم شقفات "الأوستراكا" في المواقع الدينية المختلفة دليلاً على الامتنان لإله أو إلهة لشفاعتهم في مثل هذه الأمور، أو الأدعية التي تطلب مساعدتهم في لإبطال انتقام روح الزوج أو الزوجة.
هناك طريقة أخرى لحل مثل هذه الصراعات وهي محو كل ذكريات الشخص من الوجود، عن طريق تدمير أي صور كانت لديهم، ومن الأمثلة الشهيرة على ذلك المصطبة الخاصة بمسؤول من الأسرة السادسة يدعي "كايم-عنخ" الذي تم مسح جميع الأدلة الخاصة بزوجته "جيست" من الجدران. إن روح الإنسان لا تحيا إلا إذا تذكرها من هم على الأرض، وكانت الآثار والمسلات والمعابد العظيمة مثل: "الكرنك في طيبة" كلها جهودًا لضمان استمرار الذكرى، وبمجرد فقدان اسم الشخص وصورته، تتلاشي روحه، وقد لا يتمكن من الاستمرار في حقل القصب، ومن المؤكد أنهم لن يكونوا قادرين على التسبب في أي مشكلة على الأرض لأن الروح ستحتاج إلى أن تكون قادرة على رؤية صورة لأنفسهم أو أسمائهم من أجل العودة.
كان من المأمول تجنب مثل هذه المشاكل من خلال عيش حياة من الوعي بالانسجام الأبدي والتعامل بلطف في الحياة اليومية. كتب الباحث جيمس ف. رومانو: "لقد أحب المصريون الحياة وكانوا يأملون في إدامة أجمل جوانبها في الحياة الآخرة" (ناردو، 20). بعض هذه الجوانب الممتعة كانت (الحب، الجنس، والزواج) والتي يمكن للمرء أن يستمتع بها إلى الأبد طالما أنه حقق أقصى استفادة منها أثناء وجوده على الأرض.