طريق الحرير

تعريف

Joshua J. Mark
بواسطة ، تمت ترجمته بواسطة Asma ALRemeithi
نُشر في 01 May 2018
استمع إلى هذه المقالة
X
طباعة المقالة
Map of the Silk Road Routes (by Whole World Land And Oceans, Public Domain)
خريطة طريق الحرير
Whole World Land And Oceans (Public Domain)

يعد طريق الحرير شبكة من الطرق التجارية القديمة، التي اُقيمت في عهد سلالة "هان" الصينية، والتي ربطت مناطق العالم القديم تجارياً منذ عام (130 ق.م.) وحتى عام (1453 م). ولأن طريق الحرير في الحقيقة ليس طريقاً واحداً يربط الشرق بالغرب، فقد فضّل المؤرخون إطلاق مصطلح "طرق الحرير" إلا أن "طريق الحرير" هو المصطلح المُتداول والأكثر شهرة.

وقد سافر الرحالة الأوروبي ماركو باولو (1254-1324 م) عابراً هذه الطرق ووصفها بتعمق في أحد أهم أعماله ولكنه لم يكن المسؤول عن تسميتها. تعود تسمية هذه الشبكة من الطرق إلى الجغرافي الألماني والرحالة فرديناند فون وريتشهوفن عام (1877 م) 'Seidenstrasse' (طريق الحرير) أو'Seidenstrassen' (طرق الحرير). يذكر الرحالة باولو وفون وريتشهوفن من بعده السلع التي نُقِلت عبر هذه الطرق.

السلع المنقولة من الغرب الى الشرق تتضمن:
- الأحصنة
- السرج وعدة الركوب
- العنب
- الكلاب وحيوانات أخرى ( المستأنسة و غير المستأنسة ).
- جلود و فراء الحيوانات
- العسل
- الفواكه
- الأواني الزجاجية
- الأغطية الصوفية والسجاد
- الأقمشة
- الذهب والفضة
- الجمال
- العبيد، الرقيق
- الأسلحة

ومن الشرق الى الغرب:

الحرير
- الشاي
- الأصباغ
الأواني الصينية ( من صحون وأكواب وجرار)
- البورسلان
- القطع الأثرية الذهبية والبرونزية
- الدواء
- العطور
- العاج
- الأرز
- الورق
- البارود

استُخدمت شبكة الطرق هذه، بشكل متواصل منذ عام (130 ق.م.) عندما افتتحت سلالة "هان" الحاكمة التجارة مع الغرب بشكل رسمي، إلى عام (1453 م) عندما أنهت الإمبراطورية العثمانية التجارة مع الغرب وأغلقت الطرق. في ذلك الوقت، اعتاد الأوروبيون على السلع الآتية من الشرق. وحينما أغلقت الطرق، دعت الضرورة إلى استحداث طرق جديدة لتلبي حاجة الناس لتلك البضائع.

Camel with Guide, Tang Dynasty
جمل ودليلُه، فترة سلالة تانغ
Jan van der Crabben (CC BY-NC-SA)

لقد كان إغلاق طريق الحرير إيذاناً ببداية عصر الاسكتشاف (1453- 1660 م) والذي تميز بالرحالة الأوروبيين الذين توجهوا نحو البحر منشئين طرقاً بحرية جديدة بدلاً من الطرق البرية.
وأثر عصر الاكتشافات على ثقافات العالم، كالسفن الأوروبية التي احتكرت بعض الأراضي باسم دينهم ودولتهم، وعن طريق نشر وتعريف بالثقافة الغربية والدين، وفي الوقت ذاته، أثرت الحضارات الأخرى على الثقافة الأوروبية أيضا. ساهم طريق الحرير بشكل كبير منذ قيامه وحتى إغلاقه على تطوّر حضارات العالم، ومن الصعب تخيل العالم الحديث من دونه.

الطريق الملكي الفارسي:

فعلياً، يعود تاريخ طريق الحرير إلى ما قبل عهد سلالة هان الحاكمة، فالطريق الملكي الفارسي والذي أصبح واحداً من أهم الشرايين الرئيسة لطريق الحرير فيما بعد، تم إنشاؤه خلال عهد الإمبراطورية الإخمينية (550-330 ق.م.). وامتد الطريق الملكي الفارسي من سوسة، شمال فارس (إيران حالياً)، إلى البحر الأبيض المتوسط ماراً بآسيا الصغرى (تركيا حالياً). وتميّز هذا الطريق بوجود محطات أو نقاط بريدية على مدى الطريق مُزودة بالخيول لإيصال البريد بسرعة إلى جميع أنحاء الإمبراطورية. ولقد كتب هيرودوت عن سرعة وكفاءة رُسُل فارس قائلاً:

"لا شيء في العالم يضاهي سرعة تنقل الرسل الفارسيين؛ فلا الثلج ولا المطر ولا الحرارة ولا ظلام الليل يمنع سعاة البريد هؤلاء عن إكمال مهامهم بأقصى سرعة" (Histories VIII.98)

شكلت هذه الأسطر فيما بعد، أساس بريد الولايات المتحدة الأمريكية. حافظ الفرس على الطريق الملكي ومع الوقت أضيفت إليه تفرعات طرق جانبية صغيرة، قطعت في ما بعد شبه القارة الهندية، مروراً ببلاد ما بين النهرين و مصر.

Persian Royal Road
الطريق الملكي الفارسي
Fabienkhan (CC BY-SA)

الصين والغرب

بعد احتلال الإسكندر الأكبر على فارس، أقام مدينة الإسكندرية اسخاته عام(339 ق.م.)، (عُرفت لاحقاً بالمملكة الإغريقية) في وادي فرغانة (طاجيكستان حالياً)، ترك الجرحى فيها ثم أكمل مسيرته. بمرور الوقت، تزوج هؤلاء المحاربين المقدونيين من السكان الأصليين، خالقين ثقافة مقدونية - باكرتية والتي ازدهرت تحت الامبراطورية السلوقية بعد وفاة الإسكندر.

تحت الملك اليوناني- الباكتري يوثيديموس الأول (260-195 ق.م) ارتفعت ثروة هؤلاء الناس وممتلكاتهم. نسبةً الى المؤرخ اليوناني سترابون (63-24 م)، فإن الإغريق- البكتريين وسعوا إمبراطوريتهم حتى جبال "السيريس." و“Seres”هو الاسم الذي كان معروفاً للصين لدى اليونان وروما ويعني الأرض التي يُجلب منها الحرير. وعليه، فإنه يُعتقد أن أول اتصال بين الصين والغرب كان في عام (200 ق.م) تقريبا(.Geography XI.ii.i)

حرص الإمبراطور وو على كسب سلع جديدة من خلال التجارة مع الغرب، و افتتح طريق الحرير في عام (130 ق.م.)

تعرضت سلالة هان الحاكمة في الصين ،إلى مضايقات متكررة من قبل قبائل "شيونغنو" البدوية عند الحدود الشمالية والغربية. وفي عام (138 ق.م.) أرسل الإمبراطور "وو" مبعوثه "تشانغ شيان" غرباً للتفاوض مع اليوشي (Yuezhi) للتغلب على "شيونغنو."

ونتج عن رحلات " تشانغ شيان " الاستكشافية احتكاكه بثقافات متعددة وحضارات مختلفة من وسط أسيا، من بينها أولئك الذين أطلق عليهم اسم "دايوان" والأيونيين العظماء وهم اليونانيين - البكتريين المنحدرين من جيش الإسكندر الأكبر. كان لدى الدايوان خيول قوية، أخبر " تشانغ شيان " الامبراطور "وو" عنها، وأنه من الممكن استخدامها بفعالية ضد الغزاة " الشيونغنو" .

لم تقتصر نتيجة رحلات " تشانغ شيان " على اتصال الصين بالغرب فحسب، بل نتج عنها وجود برنامجاً منظماً لتربية الخيول وتهيئتها للاستخدام من قبل الفرسان. كان الخيل معروفاً في الصين منذ القدم، ولقد استخدم في الحروب في سلاح الفرسان والعربات منذ عهد سلالة "شانغ" (1600-1046 ق.م.)، لكن الصينيين أعجبوا بحجم الخيل الغربي وسرعته. ومع وجود الخيول الغربية من دايوان حيث استطاعت حيث بفضلها التغلب على الشيونغنو. وأدى هذا النجاح لتساؤل الامبراطور وو عمّا إذا كان هناك المزيد مما يمكن كسبه من التبادل مع الغرب، وافتتح على إثر ذلك طريق الحرير عام (130 ق.م.).

قام مثراداتس (مهرداد) الأول ملك فرثيا ما بين عام (171-138 ق.م.) بحملة عسكرية لتوسيع مملكته في بلاد ما بين النهرين وتعزيزها. ولقد عارض الملك السلوقي أنطيوخوس السابع Sidetes (138-129 ق.م.) هذا التوسع فشنَّ حرباً ضد القوات الفرثية لفراتيس الثاني - وريث مثراداتس ضد هذا التوسع، ورغبةَ منه أيضا في الانتقام لموت أخيه ديمتريوس. ومع هزيمة أنطيوخس، أصبحت بلاد ما بين النهرين تحت الحكم الفرثي ومعها السيطرة على طريق الحرير؛ وبذلك أصبح الفرثيين وسطاء مهمين بين الصين والغرب.

Women Checking Silk, Song China.
نساء يتفقدنَ الحرير، الصين فترة سلالة سونغ
Unknown Artist (Public Domain)

السلع المتداولة في طريق الحرير

في حين عبرت مختلف السلع طريق الحرير، يأتي اسم الطريق من شهرة الحرير الصيني في الغرب، بالأخص مع روما. امتدت طرق الحرير من الصين مروراً بالهند وآسيا الصغرى حتى بلاد ما بين النهرين شمالاً، ثم إلى مصر والقارة الإفريقية واليونان وروما وبريطانيا.

أصبح الجزء الشمالي من بلاد ما بين النهرين (إيران حديثاً) أقرب شريك في التجارة للصين، كجزء من الإمبراطورية الفرثية، مبتدأً مبادلات ثقافية مهمة. كان للورق، الذي اخترعه الصينيون خلال عهد سلالة هان، والبارود الذي هو اختراع صيني أيضًا، تأثيرا أكبر على الثقافة من الحرير نفسه. وكذلك الحال بالنسبة لبهارات الشرق الغنية، فلقد كان لها تأثيراً أكبر من الأزياء التي نشأت من صناعة الحرير. وبالرغم من ذلك، أصبحت التجارة بين الشرق والغرب في عهد الإمبراطور الروماني أغسطس (27-14 ق.م.) ثابتة وأصبح الحرير أكثر سلعة مطلوبة في مصر، اليونان وخصوصا روما.

حب الرومان للحرير

قبل أن يصبح أغسطس امبراطوراً، تطرق أوكتافيوس قيصر إلى الموضوع المثير للجدل والمتمثل في الملابس الحريرية للتنديد بخصومه ماركوس أنطونيوس (83-30 ق.م.) وكليوبترا السابعة (69-30 ق.م.) باعتبارها غير أخلاقية. كلاهما فضّلا الحرير الصيني، والذي سرعان ما أصبح مرتبطا بالفجور، فاستغل أوكتافيوس هذا الرابط للاحتجاج ضد أعدائه. إنتصر أوكتافيوس على أنطونيوس وكليوبترا ولكنه لم يستطع الحد من شهرة الحرير.

يكتب المؤرخ ويل ديورانت:

ظن الرومان أن الحرير منتج نباتي يستخلص من الأشجار وقدرت قيمته بالوزن من الذهب. وصلت كمية كبيرة من هذا الحرير إلى جريرة كوس حيث تم نسجه لفساتين لسيدات روما والمدن أخرى. عام (91 م)، أدت الحالة العصيبة لولاية ميسينيا منع نسائها من ارتداء فساتين الحرير الشفافة في المناسبات الدينية.(329)

أصبحت جزيرة كوس غنية من خلال صناعة المنسوجات الحريرية.

في فترة سينيكا الأصغر (4 ق.م.- 65 م) كان الرومان المحافظون أكثر حماساً من أغسطس في انتقاد واستنكار الحرير الصيني كلباس غير أخلاقي للنساء ومتأنث للرجال. لم توقِف هذه الانتقادات تجارة الحرير مع روما، ومع أصبحت جزيرة كوس غنية من خلال صناعة المنسوجات الحريرية.

يذكر "ديورانت" أن إيطاليا تمتعت بميزان تجاري "سلبي" حيث أنها اشترت بسرور، أكثر مما باعت ومع ذلك فإنها صدرت السلع الفاخرة إلى الصين مثل السجاد، المجوهرات، العنبر، المعادن، الأصباغ، الأدوية والزجاج (328-329). ظلَ الحرير أهم سلعة والأكثر قيمة في روما حتى وقت الإمبراطور ماركوس أوريليوس (161-180 م) ولم تكن أي من الانتقادات المحافظة قادرة على إبطاء تجارته أو إيقاف موضته.

Tyrian Purple Shroud of Charlemagne
كفن شارلمان الأورجواني
Unknown Artist (Public Domain)

وبقي الحرير سلعة فاخرة مرغوبة حتى بعد أوريليوس بالرغم من ارتفاع سعرها، وحتى سقوط الإمبراطورية في ( 476 م). استمرت روما بشطرها الشرقي والذي عُرف بالإمبراطورية البيزنطية والتي كان لها نفس الافتتان الروماني بالحرير. وفي عام (60 م) اكتشف الغرب أن الحرير لم يكن يُستخلص من الشجر في الصين، ولكن يغزل من دودة القز والذي حرص الصينيون على إبقاؤه سراً، وحين عُرف مصدره، شددوا الحماية على ديدان القز وعمليات إنتاجها للحرير.

سئم الإمبراطور البيزنطي جستنيان (527-565 م) من دفع الأسعار الباهظة التي طالب بها الصينيون مقابل الحرير فأرسل مبعوثين متنكرين في زي رهبان، إلى الصين لسرقة ديدان القز وتهريبها إلى الغرب. ونجحت الخطة موّلدة معها صناعة البيزنطية للحرير. عندما أُسقِطَت الإمبراطورية البيزنطية على يد الأتراك عام (1453 م) أغلقت الإمبراطورية العثمانية الطرق الحرير وبذلك قطعت الاتصال بالغرب.

ميراث طريق الحرير

تمثلت أعظم قيمة لطريق الحرير في تبادل الثقافات، فتبادلت أهم عناصر الحضارة من فنون، ودين، وفلسفة، وتكنلوجيا، ولغة، وعلوم، وعمارة، وعبرت هذه الطرق مع السلع التجارية التي تم نقلها التجار من بلد إلى بلد. وفي هذه الشبكة من الطرق، عثر المرض أيضاً على طريقه، وكان ذلك جلياً في وصول الطاعون إلى القسطنطينية وانتشاره فيها عام (542 م) قادماً من طريق الحرير كما يُعتقد. وكان هذا الطاعون أيضا سبباً في القضاء على الإمبراطورية البيزنطية.

أجبر اغلاق طريق الحرير التجار على الاتجاه نحو البحر سعياً لاكتمال تجارتهم مبتدئين بذلك عصر الاستكشافات الذي أدى بدوره إلى تواصل عالمي أوسع و بداية مجتمع عالمي. في وقته، عَمِل طريق الحرير على توسيع فهم الناس للعالم الذي عاشوا فيه، وإغلاقه سيجبر الأوروبيين على عبور المحيط، وبذلك السيطرة على ما يُسمى بالعالم الحديث أو ”الأمريكيتين." وبالتالي بدأ ما يسمى بالتبادل الكولومبي الذي تم من خلاله تبادل السلع والقيم بين العالم القديم والعالم الحديث، بالرغم مما ترتب على ذلك من ضرر على السكان الأصليين للعالم الحديث.
بهذا نستطيع القول أنه طريق الحرير قد وضع حجر الأساس للعالم الحديث.

نبذة عن المترجم

Asma ALRemeithi
حاصلة على شهادة بكالوريوس في التاريخ واللآثار من قسم العلوم الإنسانية والاجتماعية بجامعة الإمارات العربية المتحدة, أسماء الرميثي ،إماراتية مهتمة بالتاريخ، اللآثار واللغات.

نبذة عن الكاتب

Joshua J. Mark
كاتب مستقل وأستاذ سابق بدوام جزئي في الفلسفة في كلية ماريست، نيويورك، عاش جوشوا ج. مارك في اليونان وألمانيا وسافر إلى مصر. قام بتدريس التاريخ والكتابة والأدب والفلسفة على المستوى الجامعي.

استشهد بهذا العمل

نمط APA

Mark, J. J. (2018, May 01). طريق الحرير [Silk Road]. (A. ALRemeithi, المترجم). World History Encyclopedia. تم استرجاعها من https://www.worldhistory.org/trans/ar/1-466/

أسلوب شيكاغو

Mark, Joshua J.. "طريق الحرير." تمت ترجمته بواسطة Asma ALRemeithi. World History Encyclopedia. آخر تعديل May 01, 2018. https://www.worldhistory.org/trans/ar/1-466/.

أسلوب إم إل إيه

Mark, Joshua J.. "طريق الحرير." تمت ترجمته بواسطة Asma ALRemeithi. World History Encyclopedia. World History Encyclopedia, 01 May 2018. الويب. 21 Nov 2024.